لو کان للطفل عقل منذ البدایة فلا شک أنّه کان یتألم بشدة ، لأنّه سوف یشعر آنذاک بالضعف والمذلة ، فهو لا یستطیع المشی ولا الأکل ولا القیام بأبسط الحرکات ، یجب أن یلفّوه بقماش ویضعوه فی المهد ویغطوه بغطاء ویشطّفوه ویحفظوه .یقول الإمام الصادق (علیه السلام) ضمن الإشارة إلى هذا الموضوع فی حدیثه المسمى بـ « توحید المفضل » : « فإنّه لو کان یولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربیة الأولاد ، وما قدر أن یکون للوالدین فی الأشتغال بالولد من المصلحة ... »(1).بالإضافة إلى أنّ الانتقال إلى عالم جدید بکل شىء ومجهول کان سیسبب له من الوحشة والاضطراب ما قد یضر بفکره وأعصابه ، لکن تلک القدرة الأزلیة التی خلقت الإنسان للتکامل قدّرت فیه کل هذه الأصول .کذلک لو کانت حواسه متکاملة ، وفتح عینیه فجأة وشاهد مشاهد جدیدة واستمعت أذنه إلى الأصوات والأنغام الجدیدة ، لما کان فی وسعه تحمله ، فکان التدریج فی تلقی برامج الحیاة الجدیدة هو الاُسلوب الأمثل.
الملفت للنظر أن القرآن الکریم یقول : ( وَاللهُ أَخْرَجَکُمْ مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لاَ تَعْلَمُوْنَ شَیْئاً وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ والأَفْئِدةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُروُنَ ).( النحل / 78 ) وفقاً لهذه الآیة فإنّ الإنسان لا یمتلک أی علم فی البدایة ولا یتمتع حتى بالسمع والبصر، ثم وهبه الله القدرة على السماع والنظر والتفکیر ، ربّما کان ذکر السمع قبل ذکر الأبصار إشارة إلى أنّ النشاط السمعی عند الولید یبدأ أول ، وبعد فترة تکتسب الأعین قدرتها على الابصار ، بل إنّ البعض یعتقد وکما أسلفنا أنّ للأذن فی عالم الجنین مقداراً من القابلیة على السماع ، فهی تسمع أنغام قلب الأم وتعتاد علیه .