إنّ أهم ما یحصل علیه الإنسان فی حیاته هو تجاربه الشخصیة، التجارب التی تفتح له بها آفاق جدیدة وواسعة من أجل حیاة أفضل وجهاد اکثر لیسعى جاهداً للوصول إلى التکامل الأمثل.
لکن ما هو مقدار التجارب التی یستطیع الإنسان الحصول علیها خلال عمره القصیر البالغ مثلا عشرین سنةً أو خمسین أو ثمانین؟
هذا إذا قضى عمره فی میادین التجربة ولم یِقضِهِ على وتیرة واحدة.
إننا، لو استطعنا أن نجمع تجارب جمیع من عاش فی عصر واحد، أو تجارب جمیع من عاش فی القرون والعصور الماضیة، لَحَصَلْنا على تجارب کثیرة، وستکون تلک التجارب مصدراً مهماً لمعرفتنا وخبرتنا.
إنّ التاریخ ـ إذا تمّ تدوینه بالطریقة الصحیحة والکاملة ـ فسوف یقدم للباحثین والدارسین تجارب البشر على مرّ القرون، وحتى إذا کان ناقصاً فانّه یضم بعض تجارب العصور الغابرة.
ومن هنا تبدو أهمیّة التاریخ حیث إنّ ما یحدث الآن قد تکرر نموذج أو نماذج منه فی التاریخ سابقاً، وما یقال عن التاریخ من أنّه «یعید نفسه» حقیقة لا تنکر وقد تستثنى موارد منه إلاّ أنّ اکثر الحوادث داخلة فی اطار هذا القانون.
وقد أشار الإمام علی(علیه السلام) لهذا الموضوع بوضوح فی خطبة له، حیث قال فیها: «عباد الله إنّ الدهر یجری بالباقین کجریه بالماضین»(1).
وقد جاء فی حدیث شریف أنّ ما یجری فی الاُمة الإسلامیة قد جرى مثله فی بنی اسرائیل.
ومن هنا تتضح أهمیّة ودور التاریخ فی مجال المعرفة والفکر، ونستطیع القول بتحدى: إنّه بالتحلیل والدراسة الدقیقة لتاریخ البشر نجد:
عوامل الفشل والسقوط.
وعوامل الانتصار والفوز.
وعوامل إزدهار الحضارات.
وعوامل سقوط وانقراض الحکومات (الدول).
وعاقبة الظلم والاستبداد.
وعاقبة العدل والانصاف.
ونتائج وحدة الکلمة والحرکة والسعی.
ودور العلم والمعرفة.
وعواقب الجهل والبطر والکسل، کلها قد انعکست فی مرآة التاریخ.
وإن أراد أحد أن یمنحه الله حیاة ثانیة فحریٌّ بنا أن نقول له: إنّک إذا درست التاریخ بدقة لوجدت إنّک لم تمنح حیاة ثانیة فحسب، بل وُهِبَت الآلاف المضاعفة.
وما أجمل ما خاطب به الإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام) ولدَهُ الاکبر الإمام الحسن(علیه السلام): «أی بنی إنّی وإن لم أکن عُمّرتُ عمر من کان قبلی، فقد نظرت فی أعمالهم، وفکرت فی أخبارهِم، وسرتُ فی آثارهم، حتى عُدْت کأحدهم، بل کأنی بما انتهى الىَّ من اُمورهم قد عمِّرتُ مع أولهم إلى آخرهم»(2).
ومع أنّنا لا ننکر النواقص والإشکالات على التاریخ المتداول بین أیدینا، ولکن رغم هذه النواقص ـ التی سنشیر الیها فیما بعد ـ فهو غنی بالعلم والمعرفة.