(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِکَ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَیُزَکِّیهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ).(البقرة / 129)
ما ورد فی الآیة الکریمة الذی یعد بمثابة دعاء دَعا به «إبراهیم» و«إسماعیل»(علیهما السلام) فی ضمن أدعیة دعیا بها الله، یکشف بوضوح عن العلاقة الوثیقة بین «العلم والحکمة» من جهة، و«التزکیة والتربیة» من جهة اُخرى وقد تقدم العلم هنا على التزکیة.
لکن فی الآیتین التالیتین واللتین تناولتا منهج الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) بعد البعثة، تقدمت التزکیة على العلم فیهما، حیث یقول الله تعالى هناک:
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فیهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلاَل مُّبین).(آل عمران / 164)
کما أنّ الآیة الثانیة من سورة الجمعة تشبه الآیة المتقدّمة مضموناً.
الظاهر أنّ الاختلاف فی التعبیر حین یقدم العلم على التزکیة تارة والتزکیة على العلم تارة اُخرى ناشىءٌ من التأثیر المتبادل بین هذین الاثنین، فإنّ العلم مصدر التربیة الأخلاقیة، والتربیة الأخلاقیة تصلح لأنّ تکون فی ـ بعض مراحلها ـ مصدراً للعلم.
وعلى هذا، فکل منهما یهیىء الأرضیة للآخر، وهذا هو معنى التأثیر المتبادل للعلم والتزکیة (وسیأتی شرح هذا الموضوع فی بحث مؤهلات المعرفة إن شاء الله)(1).