یبدو أنّ جواب هذا السؤال قد اتّضح من الأبحاث السابقة، فالمشکلات الکثیرة التی تواجه التفسیر الموضوعی، قد منعت من تطوره خاصة، وأنّ التفسیر الموضوعی یحتاج إلى معاجم دقیقة وجامعة بحیث یمکن استخراج الآیة منها بسهولة ولم تکن توجد فی السابق، ولکنها الیوم بحمد الله فی متناول الأیدی.

ومن الطریف ما جاء فی مقدمة المعجم القرآنی المعروف بـ «المعجم المفهرس لألفاظِ القرآن الکریم» حیث قال: (إنّ المتقدمین اهتموا کثیراً بالعلوم القرآنیة ولکن لم یهتموا باعداد معجم دقیق لتعیین آیات القرآن، والسبب فی ذلک أنّ أغلبهم کان من حفظة القرآن)!

ولا نعلم مدى صحة هذا الرأى، ولو افترضنا کون الإنسان حافظاً للقرآن فهذا لا یجعله مستغنیاً عن المعجم، الذی هو وسیلة لابدّ منها من أجل تسهیل عملیة التفسیر الموضوعی (وإن کانت بوحدها لیست کافیة)، وهذا العمل لم یتم فی السابق إلاّ بنحو ناقص ودون الطموح أحیاناً.

ولابدّ من الإشارة إلى مسألة هنا وهی أن جمعاً من المفکرین الغربیین والأجانب المحبین للقرآن المجید بذلوا جهوداً من أجل إعداد معاجم لهذا الکتاب السماوی ومن نماذجها المعتبرة کتاب «نجوم الفرقان فی اطراف القرآن» إعداد المستشرق الالمانی «فلوگل» وتألیفات اُخرى قام بها المسلمون مثل «مفتاح کنوز القرآن» وکتاب «فتح الرحمن».

وبناءً على ما ورد فی مقدمة «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الکریم» فإنّ هؤلاء هم الذین مکنوا المؤلف من إعداد هذا المعجم الغنی البدیع وجعلهِ فی متناول أیدی علماء الإسلام.

وآخر ما نقوله هنا هو أنّه على الرغم من جمیع المشکلات والمعوقات الموجودة فی طریق التفسیر الموضوعی، فإنّ برکاته ومعطیاته کثیرة وبنفس النسبة وخاصة بالنسبة للعلماء والمحققین، حیث تنکشف لهم فی ضوئه الحقائق التی تزیدهم إیماناً وقوة ونشاطاً لمواصلة العمل، وتؤجج فی قلوبهم نار الشوق والمحبة حیث إنّ مَثَل الآیة القرآنیة عندما تتحدث حول موضوع ما لوحدها، کمثل النقطة التی إذا اجتمعت مع نقاط اُخرى ورتبت کونت شکلا جذاباً وصورة بدیعة لم تکن موجودة من قبل، وهذا أمر مهمّ جدّاً ویبعث على النشاط والاشتیاق، وکما ذکرنا فإنّ النبی(صلى الله علیه وآله) وأئمّة أهل البیت(علیهم السلام)، أرشدونا منذ البدایة إلى التفسیرالموضوعی ووردت فی کلامهم نماذج مختلفة جمیلة وجذابة وقد أشرنا إلى البعض منها.

وحیث ننتهی من هذه المقدّمة نجد أنفسنا أمام هذا العمل العظیم المملوء بالمصاعب، ولا ریب فی أننا لا نستطیع ـ اعتماداً على أنفسنا ـ أن نحمل هذه الأمانة ونوصلها إلى الهدف إلاّ بلطف الله وعونه وعنایته، ونحن هنا بکامل وجودنا نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ونمد إلیه أیدینا قائلین.

إلهنا! خذ بأیدینا فی هذا الطریق، اهدنا الصراط المستقیم صراط الذین أنعمت علیهم، احفظنا فی هذا الطریق الکثیر المزالق من السقوط فی وادی الضلالة، وتفضل علینا بالتوفیق لإتمام هذا العمل على النحو الأحسن.

آمین یا رب العالمین

قم ـ الحوزة العلمیة ـ ناصر مکارم الشیرازی

26 / محرم الحرام / 1408 هـ