صدأ الذنوب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة المطفّفین / الآیة 11 ـ 17 1ـ لِمَ کانت الذنوب صدأ القلب؟!

بعدما ذکرت آخر آیة من الآیات السابقة مصیر المکذّبین، تأتی الآیات أعلاه لتشرح حالهم، فتقول: (الذین یکذّبون بیوم الدین)، وهو یوم القیامة.

وتقول أیضاً: (وما یکذّب به إلاّ کلّ معتد أثیم).

فإنکار القیامة لا یستند على المنطق السلیم والتفکیر الصائب والاستدلال العقلی، بل هو نابع من حبّ الإعتداء وارتکاب الذنوب والآثام (الصفة المشبهة «أثیم» تدل على استمرار الشخص فی ارتکاب الذنوب).

فهم یریدون الإستمرار بالذنوب والایغال بالإعتداءات وبکامل اختیارهم، ومن دون أیّ رادع یردعهم من ضمیر أو قانون، وهذا الحال شبیه ما أشارت إلیه الآیة 5 من سورة القیامة: (بل یرید الإنسان لیفجر أمامه)، وعلیه، فهو یکذّب بیوم الدین.

وعلى هذا الأساس، فإنّ للممارسات السیئة أثراً سلبیاً على عقیدة الإنسان، مثلما للعقیدة من أثر على سلوکیة وتوجیهات الإنسان، وهذا ما سیتوضح أکثر فی تفسیر الآیات القادمة.

وتشیر الآیة التالیة للصفة الثّالثة لمنکری المعاد، فتقول: (وإذا تتلى علیه آیاتنا قال أساطیر الأولین).

فبالاضافة لکون منکر المعاد معتد وأثیم، فهو من الساخرین والمستهزئین بآیات اللّه، ویصفها بالخرافات البالیة(1)، وما ذلک إلاّ مبرر واه لتغطیة تهربه من مسؤولیة آیات اللّه علیه.

ولم تختص الآیة المذکورة بذکر المبررات الواهیة لاُولئک الضالّین المجرمین فراراً من الإستجابة لنداء الدعوة الربانیة، بل ثمّة آیات اُخرى تناولت ذلک، منها الآیة 5 من سورة الفرقان: (وقالوا أساطیر الأولین اکتتبها فهی تُملى علیه بکرة وأصیل)، والآیة 17 من سورة الأحقاف، حکایة عن قول شاب طاغ وقف أمام والدیه المؤمنین مستهزءاً بنصائحهما قائلاً: (ما هذا إلاّ أساطیر الأولین).

وقیل فی شأن نزول الآیة: إنّها نزلت بشأن (النضر بن حارث بن کلدة)، ابن خالة النّبی(صلى الله علیه وآله)، وکان من رؤوس الکفر والضلال.

ولا یمنع نزول الآیة فی شخص معین، من تعمیم ما جاء فیها لکلّ من یشارک ذلک الشخص فی الصفة والحال.

فالطغاة، کثیراً ما یتذرعون بأعذار واهیة، عسى أن یتخلصوا من لوم وتأنیب الضمیر من جهة... ومن اعتراضات النّاس ورجال الحق من جهة اُخرى، والعجیب أنّ الطغاة من الحماقة والتحجّر بحیث إنّ اُسلوب مواجهتهم للأنبیاء(علیهم السلام) وعلى مرّ التاریخ قد جاء على وتیرة واحدة، وکأنّهم قد وضعوا لأنفسهم مخططاً  لا  ینبغی الحید عنه، فعند مواجهتهم لدعوة الأنبیاء(علیهم السلام) وتعالیم السماء، لیس عندهم سوى أن یقولوا: سحر، کهانة، جنون، أساطیر!

ویعرّی القرآن مرّة اُخرى جذر طغیانهم وعنادهم، بالقول: (کلاّ بل ران على قلوبهم ما کانوا یکسبون).

ما أشد تقریع هذه العبارة! فقد احتوى صدأ أعمالهم کلّ قلوبهم، فاُزیل عنها ما جعل اللّه فیها من نور الفطرة الاُولى وذهب صفائها، ولذا.. فلا یمکن لشمس الحقیقة أن تشرق بعد فی اُفق قلوبهم، ولا یمکن لتلک القلوب التعسة من أن تتقبل نفوذ أنوار الوحی الإلهی إلى دواخلها.

«ران»: من (الرین) على وزن (عین)، وهو: الصدأ یعلو الشیء الجلیل (کما یقول الراغب فی مفرداته)، ویقول عنه بعض أهل اللغة: إنّه قشرة حمراء تتکون على سطح الحدید عند ملامسته لرطوبة الهواء، وهی علامة لتلفه، وضیاع بریقه وحسن ظاهره.

وقیل: ران علیه: غلب علیه، ورین به: وقع فی ما لا یستطیع الخروج منه ولا طاقة له به(2).

وکل هذه المعانی هی من لوازم المعنى الأوّل.

وسنتناول موضوع تأثیر الرین على صفاء القلب ونورانیته فی البحوث القادمة.

ویستمر البیان القرآنی: (کلاّ إنّهم عن ربّهم یؤمئذ لمحجوبون).

وهو أشدّ ما سیعاقبون به، مثلما منزلة اللقاء باللّه ودرجة القرب منه هی من أعظم نعم الأبرار والصالحین وأکثرها لذةً واستئناساً.

«کلاّ»: عادةً ما تستعمل لنفی ما قیل سابقاً، وللمفسرین أقوال فی تفسیرها:

القول الأوّل: إنّها تأکید لـ «کلاّ» المتقدمة فی الآیة السابقة، أی: یوم القیامة لیس باُسطورة کما یزعمون.

والقول الثّانی: «کلاّ» بمعنى لا یمکن إزالة الرین الذی فقأ البصیرة فی قلوبهم، فهم محرومون من رؤیة جمال الحقّ فی هذا العالم وفی عالم الآخرة أیضاً.

القول الثّالث: إنّ الآیة تجیب زعم اُولئک من أنّ القیامة (حتى على فرض وجودها!) فهم سینعمون بها کما (یتصورون) بأنّهم منعمین فی الدنیا، (وقد تناولت الآیات الاُخرى ما جاء فی زعمهم)(3).

ولکنّ أحلامهم ستتلاشى أمام حقیقة وقوع القیامة، وما سینالونه من شدید العذاب.

نعم، فأعمال الإنسان فی دنیاه ستتجسم له فی آخرته شاء أم أبى، ولما کان اُولئک قد أغلقوا عیونهم عن رؤیة الحق، ورانت أعمالهم على قلوبهم، فسیحجبون عن ربّهم فی ذلک الیوم العظیم، وعندها فسوف لن یتمتعوا برؤیة جمال الحق أبداً، وسیحرمون من نعمة اللقاء بالحبیب الحقیقی، الذی لا حبیب سواه.

و: (ثمّ إنّهم لصالوا الجحیم).

فدخولهم جهنم نتیجة طبیعیة لاحتجابهم عن اللّه تعالى وأثر لازم له، وممّا لا شک فیه إنّ لهیب الحرمان من لقاء اللّه أشدّ إیلاماً وإحراقاً من نار جهنم!

وتقول الآیة التالیة: (ثمّ یقال هذا الذی کنتم به تکذّبون).

یقال لهم ذلک توبیخاً ولوماً لزیادة تعذیبهم روحیاً، وهو ما ینتظر کلُّ من عاند الحق وتخبط فی متاهات الضلال.


1.«أساطیر» جمع «اُسطورة» من «السطر»، وغالباً ما تستعمل فی وصف الشخصیات الموهومة والأحادیث الملفقة والقصص الکاذبة.
2. راجع، المنجد مادّة (رین); والتفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
3. کما فی الآیة 36 من سورة الکهف: (وما أظنّ الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّی لأجدن خیراً منها منقلب)، کما وجاء نظیر ذلک فی الآیة 50 من سورة فصلت.
سورة المطفّفین / الآیة 11 ـ 17 1ـ لِمَ کانت الذنوب صدأ القلب؟!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma