یعرف المنافقون من لحن قولهم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة محمّد / الآیة 29 ـ 31 سورة محمّد / الآیة 32 ـ 34

تشیر هذه الآیات إلى جانب آخر فی صفات المنافقین وعلاماتهم، وتؤکّد بالخصوص على أنّهم یظنّون أنّ باستطاعتهم أن یخفوا واقعهم وصورتهم الحقیقیة عن النّبی (صلى الله علیه وآله)والمؤمنین دائماً، وأن ینقذوا أنفسهم بذلک من الفضیحة الکبرى، فتقول أوّلاً: (أم حسب الّذین فی قلوبهم مرض أن لن یخرج الله أضغانهم)(1).

«الأضغان» جمع «ضِغْن»، وهو الحقد الشدید.

نعم، لقد کانت قلوب هؤلاء مملوءة غیظاً وحقداً شدیداً على النّبی(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین، وکانوا یتحیّنون الفرص لإنزال الضربة بهم، فهنا یحذّرهم القرآن بأن لا یظنّوا أنّ بإمکانهم أن یخفوا وجههم الحقیقی دائماً، ولذلک فإنّ الآیة التالیة تضیف: (ولو نشاء لأریناکهم فلعرفتهم بسیماهم) فنجعل فی وجوههم علامات تعرفهم بها إذا رأیتهم، وتراهم رأی العین فتنظر واقعهم عندما تنظر ظاهرهم.

ثمّ تضیف: (ولتعرفنّهم فی لحن القول) فیمکنک فی الحال أن تعرفهم من خلال نمط کلامهم.

یقول الراغب فی مفرداته: «اللحن» عبارة عن صرف الکلام عن قواعده وسننه، أو إعرابه على خلاف حاله، أو الکنایة بالقول بدلاً من الصراحة. والمراد فی الآیة مورد البحث هو المعنى الثّالث، أی: یمکن معرفة المنافقین مرضى القلوب من خلال الکنایة فی کلامهم، وتعبیراتهم المؤذیة التی تنطوی على النفاق.

حینما یکون الکلام عن الجهاد، فإنّهم یسعون إلى إضعاف إرادة الناس ومعنویاتهم، وحینما یکون الکلام عن الحق والعدالة، فإنّهم یحرّفونه بنحو من الأنحاء، وإذا ما أتى الحدیث عن الصالحین المتّقین السابقین إلى الإسلام، فإنّهم یسعون إلى تشویه سمعتهم، وتقلیل أهمّیتهم ومکانتهم، ولذلک روی عن «أبی سعید الخدری» حدیثه المعروف الذی یقول فیه: لحن القول بغضهم علی بن أبی طالب، وکنّا نعرف المنافقین على عهد رسول الله ببغضهم علی بن أبی طالب(2).

نعم، لقد کانت إحدى العلامات البارزة للمنافقین أنّهم کانوا یعادون أوّل من آمن من الرجال، وأول مضح فی سبیل الإسلام، ویبغضونه.

إنّ الإنسان لا یستطیع عادةً أن یکتم ما ینطوی علیه ضمیره لمدة طویلة دون أن یظهر ذلک فی کنایات کلامه وإشاراته ولحنه، ولذلک نقرأ فی حدیث عن أمیر المؤمنین علی (علیه السلام): «ما أضمر أحد شیئاً إلاّ ظهر فی فلتات لسانه، وصفحات وجهه»(3).

وقد ذکرت آیات القرآن الاُخرى کلمات المنافقین الجارحة، والتی هی مصداق للحن القول هذا، أو حرکاتهم المشبوهة، ولعلّه لهذا السبب قال بعض المفسّرین: إنّ النّبی(صلى الله علیه وآله)کان یعرف المنافقین جیداً، من خلال علاماتهم، بعد نزول هذه الآیة.

والشاهد على هذا الکلام هو أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) اُمر بأن لا یصلّی على من مات منهم ولا یقوم على قبره داعیاً الله له: (ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره)(4).

لقد کان الجهاد بالذات من المواقف التی کان المنافقون یعکسون فیها ما یعیشونه فی داخلهم، وقد أشارت آیات کثیرة فی القرآن الکریم، وخاصّةً فی سورة التوبة والأحزاب إلى وضع هؤلاء قبل الحرب حین جمع المساعدات وإعداد العدّة للحرب، وفی أثناء الحرب فی ساحتها إذا اشتد هجوم العدو واستعرت حملته، وبعد الحرب عند تقسیم الغنائم، حتى وصل الأمر بالمنافقین إلى أن یعرفهم حتى المسلمون العادیّون فی هذه المشاهد والمواقف.

والیوم أیضاً لا تصعب معرفة المنافقین من لحن قولهم ومواقفهم المضادة فی المسائل الاجتماعیة المهمة، وخاصة عند الإضطرابات أو الحروب، ویمکن التعرف علیهم بأدنى دقة فی أقوالهم وأفعالهم، وما أروع أن یعی المسلمون أمرهم ویستیقظوا ویستلهموا من هذه الآیة تعلیماتها لیعرفوا هذه الفئة الحاقدة الخطرة ویفضحوها.

وأخیراً تضیف الآیة: (والله یعلم أعمالکم) فهو یعلم أعمال المؤمنین ما ظهر منها وما بطن، ویعلم أعمال المنافقین، وإذا افترضنا أنّ هؤلاء قادرون على إخفاء واقعهم الحقیقی عن الناس، فهل باستطاعتهم إخفاءه عن الله الذی هو معهم فی سرّهم وعلانیهم، وخلوتهم واجتماعهم؟

وتضیف الآیة التالیة مؤکّدة وموضحة طرقاً اُخرى لتمییز المؤمنین عن المنافقین: (ولنبلونّکم حتّى نعلم المجاهدین منکم والصّابرین) الحقیقیین من المتظاهرین بالجهاد والصبر.

ومع أنّ لهذا الإبتلاء والإختبار أبعاداً واسعة، ومجالات رحبة تشمل الصبر والثبات فی أداء کلّ الواجبات والتکالیف، ولکن المراد منه هنا الامتحان فی ساحة الحرب والقتال لمناسبته کلمة «المجاهدین»، والآیات السابقة واللاحقة، والحق أنّ میدان الجهاد ساحة اختبار عسیر وشدید، وقلّما یستطیع المرء أن یخفی واقعه فی أمثال هذه المیادین.

وتقول الآیة الأخیرة: (ونبلوا أخبارکم).

قال کثیر من المفسّرین: إنّ المراد من الأخبار هنا أعمال البشر، وذلک أن عملاً ما إذا صدر من الإنسان، فإنّه سینتشر بین الناس کخبر.

وقال آخرون: إنّ المراد من الأخبار هنا: الأسرار الداخلیة، لأنّ أعمال الناس تخبر عن هذه الأسرار.

ویحتمل أن تکون الأخبار هنا بمعنى الأخبار التی یخبر بها الناس عن وضعهم وعهودهم

ومواثیقهم، فالمنافقون ـ مثلاً ـ کانوا قد عاهدوا النّبی(صلى الله علیه وآله) أن لایرجعوا عن القتال، فی حین أنّهم نقضوا عهدهم: (ولقد کانوا عاهدوا الله من قبل لا یولّون الأدبار)(5).

ونراهم فی موضع آخر: (ویستأذن فریق منهم النّبىّ یقولون إنّ بیوتنا عورة وما هی بعورة إن یریدون إلاّ فرار)(6).

وبهذا فإنّ الله سبحانه یختبر أعمال البشر، کما یختبر أقوالهم وأخبارهم، وطبقاً لهذا التّفسیر فإنّ لهاتین الجملتین فی الآیة مورد البحث معنیین متفاوتین، مع أنّ إحداهما تؤکّد الاُخرى طبقاً للتفاسیر السابقة.

وعلى أیة حال، فلیست هذه المرة الأولى التی یخبر الله سبحانه الناس فیها بأنّی أبلوکم لتمییز صفوفکم، ولیعرف المؤمنون الحقیقیون وضعفاء الإیمان والمنافقون، وقد ذکرت مسألة الإمتحان والإبتلاء هذه فی آیات کثیرة من القرآن الکریم.

وقد بحثنا المسائل المتعلقة بالاختبار الإلهی فی ذیل الآیة 155 من سورة البقرة، وکذلک وردت فی بدایة سورة العنکبوت.

ثمّ إنّ جملة (حتّى نعلم المجاهدین) لاتعنی أنّ الله لا یعلمهم، بل المراد تحقق هذا المعلوم عملیاً، وتشخیص هؤلاء المجاهدین، فالمعنى: لیتحقق علم الله سبحانه فی الخارج، وتحصل العینیة، وتتمیز الصفوف.


1. اعتبر البعض (أم) فی الآیة أعلاه استفهامیة، والبعض الآخر اعتبرها منقطعة بمعنى بل، ویبدو أنّ الأوّل هو الأفضل.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث. ثمّ إنّ جماعة من کبار العامّة نقلوا مضمون هذا الحدیث فی کتبهم، ومن جملتهم: أحمد بن حنبل فی کتاب الفضائل، وابن عبد البر فی الإستیعاب، والذهبی فی تاریخ أوّل الإسلام، وابن الأثیر فی جامع الاُصول، والعلاّمة الگنجی فی کفایة الطالب، ومحب الدین الطبری فی الریاض النضرة، والسیوطی فی الدر المنثور، والآلوسی فی روح المعانی، وأورده جماعة آخرون فی کتبهم، وهو یبیّن أنّها إحدى الروایات المسلمة عن الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) لمزید من الإیضاح یراجع إحقاق الحق، ج 3، ص 110 وما بعدها.
3. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الجملة 26.
4. التوبة، 84 .
5. الأحزاب، 15.
6. الأحزاب، 13.
سورة محمّد / الآیة 29 ـ 31 سورة محمّد / الآیة 32 ـ 34
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma