عاقبة المؤمنین والکافرین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة محمّد / الآیة 12 ـ 14 سورة محمّد / الآیة 15

لمّا کانت الآیات السابقة تتحدّث عن الصراع الدائم بین الحق والباطل، والإیمان والکفر، فإنّ الآیات مورد البحث تبیّن عاقبة المؤمنین والکفّار من خلال مقارنة واضحة، وهی بذلک ترید أن توضح أنّ هذین الفریقین لا یختلفان فی الحیاة الدنیا وحسب، بل إنّ الاختلاف بینهما سیکون أوسع فی الآخرة، فتقول: (إنّ الله یدخل الّذین آ منوا وعملوا الصّالحات جنّات تجری من تحتها الأنهار والّذین کفروا یتمتّعون ویأکلون کما تأکل الأنعام والنّار مثوى لهم)(1).

صحیح أنّ کلا الفریقین یعیشون فی الدنیا، ویتنعّمون بمواهبها ولذّاتها، إلاّ أنّ الفرق یکمن فی أنّ هدف المؤمنین هو القیام بالأعمال الصالحة، والأعمال المفیدة البنّاءة لجلب رضى الله تعالى، أمّا الکافرون فإنّ هدفهم ینصب على الأکل والشرب والنوم والتمتّع بلذّات الحیاة.

المؤمنون یتحرّکون حرکة واعیة هادفة، والکافرون یحیون بلا هدف، ویموتون بلا هدف، کالأنعام تماماً.

المؤمنون یضعون شروطاً کثیرة للتمتع بنعم الحیاة، فهم یدقّقون فی مشروعیة طرق الحصول علیها، کما یدقّقون کیف ینفقونها، أمّا الکافرون فإنّهم کالدّواب  لا یهمها أن یکون علفها من أرض صاحبها أو یکون مغصوباً، وسواء کان من حق یتیم أو عجوز بائسة أم لا؟

عندما یتنعّم المؤمنون بنعمة، فإنّهم یفکّرون فی واهبها، ویتدبّرون فی آیاته، ویشکرونه علیها، أمّا الکافر الغافل فلا یفکّر فی أی شیء لغفلته، وهو یضیف إلى حمله حملاً جدیداً من الظلم والذنوب باستمرار، ویدنی نفسه من الهلاک بعد أن تثقله الأوزار، حاله فی ذلک حال الأغنام السمینة، فهی کلّما تأکل أکثر، وتسمن أکثر، تکون أقرب إلى الذبح.

وقال البعض: إنّ الفرق بین المؤمنین والکافرین، أنّ المؤمن لا یخلو أکله من ثلاث: الورع عند الطلب، واستعمال الأدب، والأکل للسبب. والکافر یطلب للنهمة، ویأکل للشهوة، وعیشه فی غفلة.

وممّا یستحق الإنتباه أنّ القرآن الکریم یقول فی شأن المؤمنین: (إنّ الله یدخل الّذین آ منوا وعملوا الصّالحات جنّات) ویقول فی الکافرین (والنّار مثوى لهم) فإنّ التعبیر الأوّل یدلّ على احترام المؤمنین وتقدیرهم، وإنّ الله سبحانه یدخلهم الجنّة، أمّا التعبیر الثّانی، فإنّه یوحی باحتقار الکفّار الذین خرجوا من ولایته، وعدم الإهتمام بهم.

واستفاد بعض المفسّرین من جملة: (والنّار مثوى لهم) ـ أی محلهم النّار ـ أنّهم الآن فی النّار، لأنّ الجملة لیست بصیغة الفعل المضارع والمستقبل، وإنّما هی تخبر عن الحال.

والحقیقة کذلک، لأنّ أعمال هؤلاء وأفکارهم نار بحدِّ ذاتها، وهم مبتلون بها، وقد أحاطت بهم جهنّم من کلّ مکان، وإن کان هؤلاء الذین هم کالأنعام فی غفلة، کما نقرأ ذلک فی الآیة 49 من سورة التوبة: (وإنّ جهنّم لمحیطة بالکافرین).

وفی بعض آیات القرآن الاُخرى شبّه أصحاب النّار بالأنعام، بل هم أضلّ منها: (أولئک کالأنعام بل هم أضلّ أولئک هم الغافلون)(2)، وقد أوردنا فی ذیل هذه الآیة شرحاً مفصّلاً.

ومن أجل إکمال هذا الهدف تقارن الآیة التالیة بین مشرکی مکّة وعبدة الأوثان الماضین، وبعبارة أوضح، فإنّها تهدّدهم تهدیداً شدیداً، وتؤکّد ضمنیاً على بعض جرائمهم الشنیعة التی تدلّ على جواز قتالهم فتقول: (وکأیّن من قریة هی أشدّ قوّة من قریّتک الّتی أخرجتک أهلکناهم فلا ناصر لهم).

فلا یظنّ هؤلاء أنّ الدنیا مستوسقة لهم إلى درجة أنّهم اجترؤوا على إخراج أشرف رسل الله من أقدس المدن، فإنّ الأمر لا یدوم کذلک، فهم بالقیاس إلى قوم عاد وثمود والفراعنة وجیش أبرهة موجودات ضعیفة عاجزة، والله قادر على تدمیرهم بکلّ سهولة، والقضاء علیهم یسیر على الله سبحانه.

وجاء فی روایة عن ابن عباس: إنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) لمّا خرج من مکّة إلى غار ثور، توجّه إلى مکّة وقال: «أنت أحبّ البلاد إلى الله، وأنت أحبّ البلاد إلیَّ، ولولا المشرکون أهلک أخرجونی لما خرجت منک»، فنزلت الآیة أعلاه تبشّر النّبی(صلى الله علیه وآله) بنصر الله، وتهدّد الأعداء بالعذاب والعقاب(3).

وطبقاً لسبب النّزول هذا تکون الآیة مکیّة، لکن یبدو أنّ سبب النّزول هذا یتعلّق بالآیة 85 من سورة القصص، وقد ذکره کثیر من المفسّرین هناک، فهو ینسجم مع تلک الآیة أکثر، إذ تقول: (إنّ الذی فرض علیک القرآن لرادّک إلى معاد)(4).

والملفت للنظر أنّ الآیة نسبت الإخراج إلى نفس مکّة، فی حین أنّ المراد أهلها، وهذه کنایة لطیفة عن تسلّط فئة معیّنة، على مقدرات المدینة، وقد ورد نظیر ذلک فی مواضع اُخرى من القرآن المجید.

ثمّ إنّ التعبیر بالقریة ـ وکما قلنا ذلک مراراً ـ یطلق على کلّ مدینة وأرض عامرة مسکونة، ولا یخص المعنى المتعارف للقریة.

وتطرح آخر الآیات ـ مورد البحث ـ مقارنة اُخرى بین المؤمنین والکفّار. بین فئتین تختلفان فی کلّ شیء، فإحداهما مؤمنة تعمل الصالحات، وتحیا الاُخرى حیاة حیوانیة بکلّ معنى الکلمة.. بین فریقین، أحدهما مستظل بظل ولایة الله سبحانه، والآخر لا مولى له ولا ناصر، فتقول: (أفمن کان على بیّنة من ربّه کمن زیّن له سوء عمله واتّبعوا أهواءهم

إنّ الفریق الأوّل قد إختاروا طریقهم عن معرفة صحیحة، ورؤیة واقعیة، وعن یقین ودلیل وبرهان قطعی، وهم یرون طریقهم وهدفهم بوضوح، ویسیرون نحوه بسرعة.

أمّا الفریق الثّانی فقد ابتلوا بسوء التشخیص، وعدم إدراک الواقع، وظلمة المسیر والهدف، فهم فی ظلمات الأوهام حائرون، والعامل الأساس فی هذه الحیرة والضلالة هو اتّباع الهوى والشهوات، لأنّ الهوى والشهوات تلقی الحجب على عقل الإنسان وفکره، فتصوّر له القبیح حسناً، کما نرى أناساً یفخرون بأعمالهم التی یندى لها الجبین، وهی وصمة عار فی جباههم، کما جاء ذلک فی الآیة 103 من سورة الکهف: (قل هل ننبّئکم بالأخسرین أعمالاً * الّذین ضلّ سعیهم فی الحیاة الدّنیا وهم یحسبون أنّهم یحسنون صنعاً * أولئک الّذین کفروا بآیات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقیم لهم یوم القیامة وزن).

«البینة» تعنی الدلیل الواضح الجلی، وهی هنا إشارة إلى القرآن، ومعاجز الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله)، والدلائل العقلیة الاُخرى.

ومن الواضح أنّ الاستفهام فی جملة: (أفمن کان...) استفهام إنکاری، أی إنّ هذین الفریقین لا یتساویان أبداً.

ولکن من الذی یزیّن أعمال السوء فی أنظار عبدة الهوى ومتبعیه؟ أهو الله سبحانه، أم هم أنفسهم، أم الشیاطین؟

ینبغی أن یقال: إنّها تصح جمیعاً، لأنّ التزیین نسب إلى الثلاثة فی آیات القرآن، فتقول الآیة 4 من سورة النمل: (إنّ الّذین لا یؤمنون بالآخرة زیّنا لهم أعمالهم).

وجاء فی آیات عدیدة أخرى، ومن جملتها الآیة 38 من سورة العنکبوت، التی تقول: (وزیّن لهم الشّیطان أعمالهم).

وظاهر الآیة مورد البحث، وبملاحظة الجملة: (واتبعوا أهواءهم) أنّ هذا التزیین ناشئ عن اتباع الهوى، وقضیة کون الهوى والشهوات تسلب الإنسان القدرة على الحس والتشخیص والإدراک الصحیح للحقائق، قضیة یمکن إدراکها بوضوح.

إنّ نسبة التزیین إلى الشیطان ـ طبعاً ـ صحیحة أیضاً، لأنّه هو الذی ینصب المکائد ویوسوس للإنسان أن یلجها، ویزیّن له اتباع الهوى.

وأمّا نسبته إلى الله سبحانه فلأنّه مسبب الأسباب، وإلیه یرجع کلّ سبب، فهو الذی أعطى النّار الأحراق، ومنح الهوى قدرة تغطیة الحقائق وإلقاء الحجب علیها لئلا یدرکها من یتبعه، وقد أظهر هذا التأثیر وأعلنه من قبل، ولذلک فإنّ أصل المسؤولیة یرجع إلى نفس الإنسان.

ویعتقد البعض أنّ جملة: (من کان على بیّنة من ربّه) إشارة إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) والجملة التالیة ناظرة إلى کفّار مکّة، غیر أنّ الظاهر هو أنّ للآیة معنى واسعاً، وهذا من مصادیقه.


1. (کما تأکل) فی محل نصب مفعول مطلق مقدّر، والتقدیر: یأکلون أکلاً کما تأکل الأنعام.
2. الأعراف، 179.
3. تفسیر القرطبی، ج 9، ص 6055.
4. لمزید من التفصیل حول هذا المطلب یراجع تفسیر الآیة 85 من سورة القصص.
سورة محمّد / الآیة 12 ـ 14 سورة محمّد / الآیة 15
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma