المؤمنون أنصار الحق، والکافرون أنصار الباطل

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
 سورة محمّد / الآیة 1 ـ 3 سورة محمّد / الآیة 4 ـ 6

إنّ هذه الآیات الثلاث تعتبر فی الحقیقة مقدمة لأمر حربی مهم صدر فی الآیة الرابعة، فبیّنت الاُولى منها وضع الکافرین وحالهم، والثانیة حال المؤمنین، وقارنت ثالثتهما بین الإثنین، وذلک لتتهیأ الأرضیة والاستعداد للجهاد الدینی ضد الأعداء الظالمین العتاة باتضاح حال الفئتین.

تقول الآیة الأولى: (الّذین کفروا وصدّوا عن سبیل الله أضلّ أعمالهم) وهی إشارة الى زعماء الکفر ومشرکی مکّة الذین کانوا یشعلون نار الحروب ضد الإسلام، ولم یکتفوا بکونهم کفاراً، بل کانوا یصدون الآخرین عن سبیل الله بأنواع الحیل والخدع والمخططات.

ومع أنّ بعض المفسّرین ـ کالزمخشری فی الکشّاف ـ فسّر «الصدّ» هنا بمعنى الإعراض عن الإیمان، فی مقابل الآیة التالیة التی تتحدث عن الإیمان، إلاّ أنّ الإحاطة بموارد استعمال هذه الکلمة فی القرآن الکریم توجب الحفاظ على معناها الأصلی، وهو المنع.

والمراد من: (أضلّ أعمالهم) أنّه یحبطها ویجعلها هباءً منثوراً، لأنّ الإحباط والإضاعة کنایة عن بقاء الشیء بدون حمایة ولا عماد، ولازم ذلک زواله وفناؤه.

وعلى أیة حال، فإنّ بعض المفسّرین یرون أنّ هذه الجملة إشارة إلى الذین نحروا الأبل

یوم بدر وأطعموها الناس، إذ نحر أبو جهل عشرة من الأبل، ومثله صفوان، وسهیل بن عمر، لإطعام جیش الکفر(1). لکن لمّا کانت هذه الأعمال من أجل التفاخر ومکائد الشیطان فقد أحبطت جمیعاً.

غیر أنّ الظاهر أنّها لا تنحصر بهذا المعنى، بل إنّ کلّ أعمالهم التی قاموا بها، وظاهرها معونة للفقراء والضعفاء، أو إقراء للضیف، أو غیر ذلک، ستحبط لعدم إیمانهم.

وبغض النظر عن ذلک، فإنّ الله سبحانه قد أحبط کلّ مؤامراتهم وما قاموا به من أعمال لمحو الإسلام والقضاء على المسلمین، وحال بینهم وبین الوصول إلى أهدافهم الخبیثة.

والآیة التالیة وصف لوضع المؤمنین الذین یقفون فی الصف المقابل للکافرین الذین وردت صفاتهم فی الآیة السابقة، فتقول: (والّذین آ منوا وعملوا الصّالحات وآ منوا بما نزّل على محمّد وهو الحقّ من ربّهم کفّر عنهم سیّئاتهم وأصلح بالهم)(2).

إنّ ذکر الإیمان بما نزل على نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) بعد ذکر الإیمان بصورة مطلقة، تأکید على تعلیمات هذا النّبی العظیم ومناهجه، وهو من قبیل ذکر الخاص بعد العام، وتبیان لحقیقة أنّ الإیمان بالله سبحانه لا یتمّ أبداً بدون الإیمان بما نزل على النّبی(صلى الله علیه وآله).

ویحتمل أیضاً أن تکون الجملة الأولى إشارة إلى الإیمان بالله تعالى، ولها جانب عقائدی، وهذه الجملة إشارة إلى الإیمان بمحتوى الإسلام وتعلیمات النّبی(صلى الله علیه وآله)، ولها الجانب العملی.

وبتعبیر آخر، فإنّ الإیمان بالله سبحانه لا یکفی وحده، بل یجب أن یؤمنوا بما نزل على النّبی(صلى الله علیه وآله)، وأن یکون لهم إیمان بالقرآن، إیمان بالجهاد، إیمان بالصلاة والصوم، وإیمان بالقیم الأخلاقیة التی نزلت علیه، ذلک الإیمان الذی یکون مبدأ للحرکة، وتأکیداً على العمل الصالح.

وممّا یستحق الإنتباه أنّ الآیة تقول بعد ذکر هذه الجملة: (وهو الحقّ من ربّهم) وهی تعنی أنّ إیمانهم لم یکن تقلیداً، أو أنّه لم یقم على دلیل وحجة، بل إنّهم آمنوا بعد أن رأوا الحق فیه.

وعبارة (من ربّهم) تأکید على حقیقة أنّ الحق یأتی دائماً من قبل الله سبحانه، فهو یصدر منه، ویعود إلیه.

والجدیر بالإلتفات إلیه أنّ الآیة تبیّن ثوابین للمؤمنین الذین یعملون الصالحات، فی مقابل العقابین اللذین ذکرا للکفار الصادین عن سبیل الله: أولهما: التکفیر عن السیئات التی لا یخلو منها أی إنسان غیر معصوم، والثانی: إصلاح البال.

لقد جاء «البال» بمعان مختلفة، فجاء بمعنى الحال، العمل، القلب، وعلى قول الراغب: بمعنى الحالات العظیمة الأهمّیة، وبناءً على هذا فإنّ إصلاح البال یعنی تنظیم کلّ شؤون الحیاة والاُمور المصیریة، وهو یشمل ـ طبعاً ـ الفوز فی الدنیا، والنجاة فی الآخرة، على عکس المصیر الذی یلاقیه الکفار، إذ لا یصلون إلى ثمرة جهودهم ومساعیهم، ولا نصیب لهم إلاّ الهزیمة والخسران بحکم: (أضلّ أعمالهم).

ویمکن القول بأنّ غفران ذنوبهم نتیجة إیمانهم، وأنّ إصلاح بالهم نتیجة أعمالهم الصالحة.

إنّ للمؤمنین هدوءاً فکریاً واطمئناناً روحیاً من جهة، وتوفیقاً ونجاحاً فی برامجهم العملیة من جهة ثانیة، فإنّ لإصلاح البال إطاراً واسعاً یشمل الجمیع، وأی نعمة أعظم من أن تکون للإنسان روح هادئة، وقلب مطمئن، وبرامج مفیدة بنّاءة.

وبیّنت الآیة الأخیرة العلة الأساسیة لهذا الإنتصار وتلک الهزیمة من خلال مقارنة مختصرة بلیغة، فقالت: (ذلک بأنّ الّذین کفروا اتّبعوا الباطل وأنّ الّذین آ منوا اتّبعوا الحقّ من ربّهم).

هنا یکمن سرّ المسألة بأنّ خطّی الإیمان والکفر یتفرعان عن خطّی الحق والباطل، فالحق یعنی الحقائق العینیة، وأسماها ذات الله المقدّسة، وتلیها الحقائق المتعلقة بحیاة الإنسان، والقوانین الحاکمة فی علاقته بالله تعالى، وفی علاقته بالآخرین.

والباطل یعنی الظنون، والأوهام، والمکائد والخدع، والأساطیر والخرافات، والأفعال الجوفاء التی لا هدف من ورائها، وکلّ نوع من الانحراف عن القوانین الحاکمة فی عالم الوجود.

نعم، إنّ المؤمنین یتبعون الحق وینصرونه، والکفّار یتبعون الباطل ویؤازرونه، وهنا یکمن سرّ انتصار هؤلاء، وهزیمة اُولئک.

یقول القرآن الکریم: (وما خلقنا السّماء والأرض وما بینهما باطل)(3).

وفسّر البعض «الباطل» بالشیطان، وآخرون بالعبثیة، لکن کما قلنا، فإنّ للباطل معنى واسعاً یشمل هذین التّفسیرین وغیرهما.

وتضیف الآیة فی النهایة: (کذلک یضرب الله للنّاس أمثالهم) أی: کما أنّه سبحانه قد بیّن الخطوط العامّة لحیاة المؤمنین والکفّار، وعقائدهم وبرامجهم العملیة ونتائج أعمالهم فی هذه الآیات، فإنّه یوضح مصیر حیاتهم وعواقب أعمالهم.

یقول الراغب فی مفرداته: المثل عبارة عن قول یشبه قولاً فی شیء آخر بینهما مشابهة یبیّن أحدهما الآخر.

ویستفاد من کلام آخر له أنّ هذه الکلمة تستعمل أحیاناً بمعنى «المشابهة»، وأحیاناً بمعنى «الوصف».

والظاهر أنّ المراد فی هذه الآیة هو المعنى الثانی، أی إنّ الله سبحانه یصف حال الناس هکذا، کما مثّل الجنّة فی الآیة 15 من سورة محمّد: (مثل الجنّة التی وعد المتقون).

وعلى أیة حال، فالذی یستفاد من هذه الآیة جیداً، أنّنا کلما اقتربنا من الحق اقتربنا من الإیمان، وسنکون أبعد عن حقیقة الإیمان وأقرب إلى الکفر بتلک النسبة التی تمیل بها أعمالنا نحو الباطل، فإنّ أساسی الإیمان والکفر هما الحق والباطل.


1. تفسیر روح المعانی، ج 26، ص 33.
2. اعتبر جماعة من المفسّرین جملة (وهو الحق من ربّهم) جملة معترضة.
3. ص، 27.
 سورة محمّد / الآیة 1 ـ 3 سورة محمّد / الآیة 4 ـ 6
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma