قوم عاد والریح المدمرة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الأحقاف / الآیة 21 ـ 25 سورة الأحقاف / الآیة 26 ـ 28

لما کان القرآن یذکر قضایا کلیة، ثمّ یتطرق إلى بیان مصادیق واضحة لها، لیطبق تلک الکلیات. فإنّه هنا یسلک نفس السبیل، فبعد أن فصل حال المستکبرین المتمردین، تطرّق إلى ذکر قصة قوم عاد الذین هم صورة واضحة لأولئک العتاة، فتقول الآیة: (واذکر أخا عاد).

إنّ التعبیر بالأخ یعکس منتهى صفاء هذا النّبی العظیم وحرصه على قومه، وقد ورد هذا التعبیر فی القرآن المجید ـ کما نعلم ـ فی مورد عدة أنبیاء عظام کانوا إخوة لأقوامهم حریصین رحماء بهم، لم یبخلوا من أجلهم بأی نوع من الإیثار والتضحیة.

ویمکن أن یکون هذا التعبیر إشارة إلى علاقة القرابة والرحم بین هؤلاء الأنبیاء وأقوامهم.

ثمّ تضیف الآیة: (إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بین یدیه ومن خلفه).

«الأحقاف» ـ کما قلنا سابقاً ـ تعنی الکثبان الرملیة التی تتشکل على هیئة مستطیل أو

تعرجات ومنحنیات، على أثر هبوب العواصف فی الصحاری، ویتّضح من هذا التعبیر أنّ أرض قوم عاد کانت أرضاً حصباء کبیرة.

وذهب البعض أنّها فی قلب جزیرة العرب بین نجد والأحساء وحضرموت وعمان.(1)

إلاّ أنّ هذا المعنى یبدو بعیداً، حیث یظهر من آیات القرآن الاُخرى ـ فی سورة الشعراء ـ أنّ قوم عاد کانوا یعیشون فی مکان کثیر المیاه والأشجار الجمیلة، ومثل هذا الحال بعید جدّاً عن قلب الجزیرة.

وذهب جمع آخر من المفسّرین أنّها فی الجزء الجنوبی للجزیرة حول الیمن، أو فی سواحل بحر العرب(2).

واحتمل البعض أنّ الأحقاف کانت منطقة فی أرض العراق فی مناطق کلدة وبابل(3).

ونقل عن الطبری أنّ الأحقاف اسم جبل فی الشام(4).

لکن یبدو أنّ القول بأنّ هذه المنطقة تقع جنوب الجزیرة العربیة قرب أرض الیمن، هو الأقرب، بملاحظة ملاءمته المعنى اللغوی للأحقاف، وبملاحظة أنّ أرضهم کانت غزیرة المیاه وفیرة الأشجار، فی نفس الوقت الذی لم تکن فیه بمأمن من العواصف الرملیة.

وجملة: (وقد خلت النذر من بین یدیه ومن خلفه) إشارة إلى الأنبیاء الذین بعثوا قبله، بعضهم قریب عهد به، وهم الذین عبّر عنهم القرآن بـ (من بین یدیه)والبعض الآخر تقادمت الفترة الزمنیة بینهم وبینه الذین عبّر عنهم ب(من خلفه).

أمّا ما احتمله البعض من أنّ المراد من هذه الجملة الأنبیاء الذین جاؤوا قبل هود وبعده، فیبدو بعیداً جدّاً، ولا ینسجم مع جملة: (وقد خلت) التی تعنی الزمن الماضی.

ولنرَ الآن ماذا کان محتوى دعوة هذا النّبی العظیم؟

یقول القرآن الکریم: (ألاّ تعبدوا إلاّ الله) ثمّ هدّدهم بقوله: (إنّی أخاف علیکم عذاب یوم عظیم).

وبالرغم من أنّ التعبیر ب(یوم عظیم) جاء بمعنى یوم القیامة غالباً، إلاّ أنّه أطلق أحیاناً فی آیات القرآن على الأیّام القاسیة المرعبة التی مرّت على الأمم، وهذا المعنى هو المراد هنا، لأنّنا نقرأ فی متابعة هذه الآیات أنّ قوم عاد قد ابتلوا بعذاب الله فی یوم عسر مرعب وانتهى أمرهم.

إلاّ أنّ هؤلاء القوم المتمردین وقفوا بوجه هذه الدعوة الإلهیّة، وخاطبوا هوداً: (قالوا أجئتنا لتأفکنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن کنت من الصادقین)(5).

هاتین الجملتین تبیّنان بوضوح مدى انحراف هؤلاء القوم وتعصبهم، فهم فی الجملة الأولى یقولون: إنّ دعوتک کاذبة، لأنّها تخالف آلهتنا التی تعوَّدنا على عبادتها، وهی إرث ورثناه عن آبائنا.

ونراهم فی الجملة الثّانیة یطلبون وقوع العذاب! ذلک العذاب الذی إن نزل بهم فلا رجعة معه مطلقاً، وأی ذی لب یتمنّى نزول مثل هذا العذاب، حتى وإن لم یکن لدیه یقین بوقوعه؟

إلاّ أنّ هوداً (علیه السلام) قال فی ردّه على هذا الطلب المتهور الذی یدل على الجنون: (قال إنّما العلم عند الله) فهو الذی یعلم متى وفی أی ظروف ینزل عذاب الإستئصال، فلا هو مرتبط بطلبکم وتمنیکم، ولا هو تابع لرغبتی، بل یجب أن یتمّ الهدف ویتحقق، ألا وهو إتمام الحجّة علیکم، فإن حکمته سبحانه تقتضی ذلک.

ثمّ یضیف: (وأبلغکم ما أرسلت به) فهو مهمتی الأساسیة، ومسؤولیتی الرئیسیة، أمّا اتخاذ القرار فی شأن طاعة الله وأوامره فهو أمر یتعلق بکم، وإرادة نزول العذاب ومشیئته تتعلق به سبحانه.

(ولکنّی أراکم قوماً تجهلون) وجهلکم هذا هو أساس تعاستکم وشقائکم، فإنّ الجهل المقترن بالکبر والغرور هو الذی یمنعکم من دراسة دعوة رسل الله، ولا یأذن لکم فی التحقیق فیها... ذلک الجهل الذی یحملکم على الإصرار على نزول عذاب الله لیهلککم، ولو کان لدیکم أدنى وعی أو تعقل لکنتم تحتملون ـ على الأقل ـ وجود احتمال إیجابی فی مقابل کلّ الإحتمالات السلبیة، والذی إذا ما تحقق فسوف لا یبقى لکم أثر.

وأخیراً لم تؤثر نصائح هود(علیه السلام) المفیدة، وإرشاداته الأخویة فی قساة القلوب اُولئک، وبدل أن یقبلوا الحق لجّوا فی غیّهم وباطلهم، وتعصبوا له، وحتى نوح(علیه السلام) کذّبه قومه بهذا الادّعاء الواهی وهو أنّک إن کنت صادقاً فیما تقول فأین عذابک الموعود؟

والآن، وقد تمّت الحجة بالقدر الکافی، وأظهر اُولئک عدم أهلیتهم للبقاء، وعدم استحقاقهم للحیاة، فإنّ حکمة الله سبحانه توجب أن یرسل علیهم «عذاب الإستئصال»، ذلک العذاب الذی یجتث کلّ شیء ولا یبقی ولا یذر.

وفجأة رأوا سحاباً قد ظهر فی الأفق، واتسع بسرعة: (فلمّا رأوه عارضاً مستقبل أودیتهم قالوا هذا عارض ممطرن)(6).

قال المفسّرون: إنّ المطر انقطع مدّة عن قوم عاد، وأصبح الهواء حاراً جافاً خانقاً، فلمّا وقع بصر قوم عاد على السحب المظلمة الواسعة فی الأفق البعید، وهی تتجه صوبهم فرحوا لذلک جدّاً، وهبّوا لاستقبالها، وجاؤوا إلى جوانب الودیان والسهول ومجاری السیول والمیاه، لیروا منظر نزول المطر المبارک لیحیوا من جدید، وتسر بذلک نفوسهم.

لکن، قیل لهم سریعاً بأنّ هذا لیس سحاباً ممطراً: (بل هو ما استعجلتم به ریح فیها عذاب ألیم).

والظاهر أنّ المتکلم بهذا الکلام هو الله سبحانه، أو أنّ هوداً لمّا سمع صرخات فرحهم واستبشارهم قال لهم ذلک.

نعم، إنّها ریح مدمّرة: (تدمّر کلّ شیء بأمر ربّه).

قال بعض المفسّرین: إنّ المراد من (کل شیء) البشر ودوابهم وأموالهم، لأنّ الجملة التالیة تقول: (فأصبحوا لا یرى إلاّ مساکنهم) وهذا یوحی بأنّ مساکنهم کانت سالمة، أمّا هم فقد هلکوا، وألقت الریاح القویة أجسادهم فی الصحاری البعیدة، أو فی البحر.

وقال البعض: إنّهم لم یلتفتوا إلى أنّ هذه السحب السوداء هی ریاح قویة مغبرة، إلاّ عندما وصلت قریباً من دیارهم، ورفعت دوابهم ورعاتهم ـ الذین کانوا فی الصحاری المحیطة بهم ـ من الأرض ورمتهم فی الهواء، ورأوا أنّها تقتلع الخیام من مکانها وتلقیها فی الهواء حتى کانت تبدو کالجراد!

عندما رأوا ذلک المشهد، فروا والتجأوا إلى دورهم وأغلقوا الأبواب علیهم، إلاّ أنّ الأعاصیر اقتلعت الأبواب وألقتها على الأرض ـ أو حملتها معها ـ ورمت أجساد هؤلاء بالأحقاف، وهی الرمال المتحرکة.

وجاء فی الآیة 7 من سورة الحاقة: (سخّرها علیهم سبع لیال وثمانیة أیام) وهکذا بقی هؤلاء القوم یئنون تحت تل من الرمال والتراب، ثمّ أزالت الریاح القویة التراب فظهرت أبدانهم مرّة اُخرى، فحملتها وألقتها فی البحر(7).

وتشیر الآیة فی النهایة إلى حقیقة، وهی أنّ هذا المصیر غیر مختص بهؤلاء القوم الضالین، بل: (کذلک نجزی القوم المجرمین).

وهذا إنذار وتحذیر لکلّ المجرمین العصاة، والکافرین المعاندین الأنانیین، بأنّکم إن سلکتم هذا الطریق فسوف لن یکون مصیرکم أحسن حالاً من هؤلاء، فإنّه تعالى قد یأمر الریاح بأن تهلککم، ذات الریاح التی یعبر القرآن الکریم بأنّها: (بشراً بین یدی رحمته)(8)لأنّ الریاح تتصف بصفة الأمر الإلهی المطلوب منها.

وقد یبدل الأرض التی هی مهد استقرار الإنسان واطمئنانه، إلى قبر له بزلزلة شدیدة.

وقد یبدّل المطر الذی هو أساس حیاة کلّ الکائنات الحیة، إلى سیول جارفة تُغرق کل شیء.

نعم، إنّه عزَّوجلَّ یجعل جنود الحیاة جنود موت وفناء، وکم هو مؤلم الموت الذی یأتی من سبب الحیاة وأساسها؟ خاصّةً إذا کان الأمر کما فی قوم هود إذ فرحوا وسروا فی البدایة ثمّ جاءتهم البطشة لیکون العذاب أشد وآلم.

والطریف أنّه یقول: إنّ هذه الریاح، هی فی الأصل أمواج هوائیة لطیفة تتحوّل إعصار یدمّر کلّ شیء بأمر الله(9).


1. اعلام القرآن، ص 94.
2. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 7، ص 420، ذیل الآیات مورد البحث.
3. طبقاً لنقل المرحوم الشعرانی فی هامش تفسیر روح الجنان، ج 10، ص 165.
4. المصدر السابق.
5. «لتأفکنا» من مادة «إفک»، أی الکذب والإنحراف عن الحق.
6. «عارض» من مادة «عرض»، وهنا بمعنى السحاب الذی ینتشر فی عرض السماء، وربّما کان هذا أحد علامات السحب الممطرة بأنّها تتسع فی ذلک الأفق ثمّ تصعد. و«الأودیة» جمع واد، وهو المنخفض ومجرى السیول والمیاه.
7. التفسیر الکبیر، ج 28، ص 28، ذیل الآیات مورد البحث، وجاء هذا المعنى أیضاً فی تفسیر القرطبی، ج9، ص 6026.
8. الاعراف، 57، والفرقان، 48.
9. «تدمّر» من مادة تدمیر، وهو الإهلاک والإفناء.
سورة الأحقاف / الآیة 21 ـ 25 سورة الأحقاف / الآیة 26 ـ 28
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma