أیّها الإنسان أحسن إلى والدیک

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الأحقاف / الآیة 15 ـ 16 بحوث

هذه الآیات والتی تلیها، توضیح ـ فی الحقیقة ـ لما یتعلق بالفریقین: الظالم والمحسن، اللذین أشیر إلیهما إجمالاً فی الآیات السابقة.

وتتناول الآیة الأولى وضع المحسنین، وتبدأ بمسألة الإحسان إلى الوالدین وشکر جهودهم وأتعابهم التی بذلوها، والذی یعتبر مقدمة لشکر الله سبحانه، فتقول: (ووصّینا الإنسان بوالدیه إحسان)(1).

«الوصیة» و«التوصیة» بمعنى مطلق الوصیة، ولا ینحصر معناها بالوصایا بما بعد الموت، ولذلک فسّرها جماعة هنا بأنّها الأمر والتشریع.

ثمّ تطرّقت إلى سبب وجوب معرفة حقّ الاُمّ، فقالت: (حملته اُمّه کرهاً ووضعته کرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهر) تضحی خلالها الاُم أعظم التضحیات، وتؤثر ولدها على نفسها أیّما إیثار.

إنّ حالة الاُم تختلف منذ الأیّام الأولى لإنعقاد النطفة، فتتوالى علیها الصعوبات، وهناک حالة تسمى حالة (الوحام) هی أصعب الحالات التی تواجهها الاُم، ویقول الأطباء عنها: إنّها تنشأ نتیجة قلّة المواد التی تحدث فی جسم الاُم نتیجة إیثارها ولدها على نفسها.

وکلما تکامل نمو الجنین امتص مواداً أکثر من عصارة روح الاُم وجسدها، تترک أثرها على عظامها وأعصابها، فیسلبها أحیاناً نومها وغذاءها وراحتها وهدوءها، أمّا فی آخر فترة الحمل فیصعب علیها حتى المشی والجلوس والقیام، إلاّ أنّها تتحمل کلّ هذه المصاعب بصبر ورحابة صدر وعشق للولید الذی سیفتح عینیه على الدنیا عمّا قریب، ویبتسم بوجه اُمّه.

وتحل فترة وضع الحمل، وهی من أعسر لحظات حیاة الاُم، حتى أنّ الاُم أحیاناً تبذل نفسها وحیاتها من أجل سلامة الولید.

على کلّ حال، تضع الاُم حملها الثقیل لتبدأ مرحلة صعبة اُخرى، مرحلة مراقبة الطفل المستمرة لیل نهار... مرحلة یجب أن تلبى فیها کلّ احتیاجات الطفل الذی لیست لدیه أیة قدرة على بیانها وتوضیحها، فإن آلمه شیء لا یقوى على تعیین محل الألم، وإذا کان یشکو من الجوع والعطش، والحر والبرد، فهو عاجز عن التعبیر عن شکواه، إلاّ بالصراخ والدموع، ویجب على الاُم أن تحدد کلّ واحدة من هذه الاحتیاجات وتؤمّنها بتفحصها وصبرها وطول أناتها.

إنّ نظافة الولید فی هذه المرحلة مشکلة مضنیة، وتأمین غذائه الذی یستخلص من عصارة الاُم، إیثار کبیر.

والأمراض المختلفة التی تصیب الطفل فی هذه المرحلة، مشکلة اُخرى یجب على الأم أن تتحملها بصبرها الخارق.

إنّ القرآن الکریم عندما تحدّث عن مصاعب الاُم هنا، ولم یورد شیئاً عن الأب، لا لأنّه لا أهمیّة للأب، فهو یشارک الاُم فی کثیر من هذه المشاکل، بل لأنّ سهم الاُم من المصاعب أوفر، فلهذا أکّد علیها.

وهنا یطرح سؤال، وهو: إنّ فترة الرضاع ذکرت فی الآیة 233 من سورة البقرة على أنّها

سنتان کاملتان ـ 24 شهراً ـ : (والوالدات یرضعن أولادهن حولین کاملین لمن أراد أن یتم الرضاعة) فی حین أنّ الآیة مورد البحث قد ذکرت أنّ مجموع فترة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً، فهل من الممکن أن تکون مدّة الحمل ستة أشهر؟

لقد أجاب الفقهاء والمفسّرون، عن هذا السؤال ـ استلهاماً من الرّوایات الإسلامیة ـ بالإیجاب وقالوا: إنّ أقل مدّة الحمل ستة أشهر، وأکثر مدّة تفید فی الرضاع 24 شهراً، حتى نقل عن جماعة من الأطباء القدامى کجالینوس وابن سینا أنّهم قالوا: إنّهم کانوا قد شاهدوا باُمّ أعینهم ولیداً ولد لستة أشهر.

ثمّ إنّه یمکن أن یستفاد من هذا التعبیر القرآنی أنّه کلما قصرت فترة الحمل یجب أن تطول فترة الرضاع بحیث یکون المجموع 30 شهراً.

وقد نقل عن ابن عباس أنّ فترة الحمل إن کانت 9 أشهر فیجب أن یرضع الولد 21 شهراً، وإن کان الحمل ستة أشهر وجب أن یرضع الطفل 24 شهراً.

والقانون الطبیعی یوجب ذلک أیضاً. لأنّ نواقص فترة الحمل یجب أن تجبر بفترة الرضاع.

ثمّ تضیف الآیة: إنّ حیاة هذا الإنسان تستمر (حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعین سنة)(2).

یعتقد بعض المفسّرین أنّ بلوغ الأشد منسجم مع بلوغ الأربعین سنة، وهو للتأکید، إلاّ أنّ ظاهر الآیة هو أنّ بلوغ الأشد إشارة إلى البلوغ الجسمی، وبلوغ الأربعین سنة إشارة إلى البلوغ الفکری والعقلی، لأنّ من المعروف أنّ الإنسان یصل إلى مرحلة الکمال العقلی فی سن الأربعین غالباً، وقالوا: إنّ أغلب الأنبیاء قد بعثوا فی سن الأربعین.

ثمّ إنّ هناک بحثاً فی أنّ بلوغ القدرة الجسمیة فی أی سن یتم؟ فالبعض یعتبره سن البلوغ المعروف، والذی أشیر إلیه فی الآیة 34 من سورة الإسراء فی شأن الیتامى، فی حین صرّحت بعض الروایات بأنّه سن الثامنة عشرة عاماً.

طبعاً، لا مانع من أن یعطی هذا التعبیر معانی مختلفة فی موارد مختلفة تتّضح من خلال القرائن.

وقد ورد فی حدیث: «إنّ الشیطان یجبّر یده على وجه من زاد على الأربعین ولم یتب، ویقول: بأبی وجه لا یفلح»(3).

ونقل عن ابن عباس: من بلغ الاربعین ولم یغلب خیره شرّه، فلیتجهز إلى النّار.(4)

وعلى أی حال، فإنّ القرآن الکریم یضیف فی متابعة هذا الحدیث: إنّ الإنسان العاقل المؤمن إذا بلغ سن الأربعین، یطلب من ربّه ثلاث طلبات، فیقول أولاً: (قال رب أوزعنی أن أشکر نعمتک التی أنعمت علیّ وعلى والدىّ)(5).

إنّ هذا التعبیر یوحی بأنّ الإنسان یدرک فی هذه السن عمق نعم الله سبحانه وسعتها، وکذلک یدرک ما تحمله أبواه من الجهود المضنیة حتى بلغ هذا المقدار من العمر، وذلک لأنّه غالباً ما یصبح فی هذا العمر أباً إن کان ذکراً، وأمّاً إن کانت أنثى، ویرى باُم عینه کلّ تلک الجهود التی بذلت من أجله، ومدى الإیثار الذی آثره أبواه فی سبیله، وشکراً لسعیهما یتوجّه لا إرادیاً لشکر الله سبحانه.

أمّا طلبه الثّانی فهو: (وأن أعمل صالحاً ترضاه).

وأخیراً یقدم طلبه الأخیر فیقول: (وأصلح لی فی ذرّیّتی).

إنّ التعبیر بـ(لی) یشیر إشارة ضمنیة إلى أنّه یرجو أن یکون أولاده فی وضع من الصلاح والخیر بحیث تعود نتائجه وحسناته علیه.

والتعبیر بـ (فی ذریتی) بصورة مطلقة، یشیر الى استمرار الخیر والصلاح فی کلّ نسله وذریته.

والطریف أنّه یشرک أبویه فی دعائه الأوّل، وأولاده فی الدعاء الثالث، أمّا الدعاء الثّانی فیخص نفسه به، وهکذا یکون الإنسان الصالح، فإنّه إذا نظر إلى نفسه بعین، ینظر بالاُخرى إلى الآخرین الذین تفضلوا علیه ولهم حق فی رقبته.

وتبیّن الآیة فی نهایتها مطلبین، کلّ منهما تبیان لبرنامج عملی مؤثر، فتقول: (إنّی تبت إلیک) فقد بلغت مرحلة یجب أن أعین فیها مسیر حیاتی، وأسیر فی ذلک الخط ما حییت.

نعم، لقد بلغت الأربعین، ویقبح بعبد مثلی أن یأتیک ولم یغسل نفسه بماء التوبة، ولم یطهرها بالعودة إلى طریق ربّه ویقرع باب رحمته.

والآخر: (وإنّی من المسلمین).

إنّ هاتین الجملتین تأکید لتلک الأدعیة الثلاثة ومترتبة علیها، ومعناهما: بما إنّی تبت إلیک، وأسلمت لأوامرک، فأنت أیضاً منّ علیّ برحمتک، واشملنی بنعمک وفضلک.

والآیة التالیة بیان بلیغ لأجر هؤلاء المؤمنین الشاکرین وثوابهم، وقد أشارت إلى مکافآت مهمّة ثلاث، فقالت أوّلاً: (اُولئک الذین نتقبّل عنهم أحسن ما عملو).

أی بشارة أعظم من أن یتقبل الله القادر المنان عمل عبد ضعیف لا قدر له، وهذا القبول بحدِّ ذاته، وبغض النظر عن آثاره الاُخرى، فخر عظیم، وموهبة معنویة عالیة.

إنّ الله سبحانه یتقبل کلّ الأعمال الصالحة، فلماذا یقول هنا: (نتقبّل عنهم أحسن ما عملو

وفی معرض الإجابة على هذا السؤال، قال جمع من المفسّرین: إنّ المراد من أحسن الأعمال: الواجبات والمستحبات التی تکون فی مقابل المباحات التی هی أعمال حسنة لکنّها لا تقع موقع القبول، ولا یتعلق بها أجر وثواب(6).

والجواب الآخر: إنّ الله سبحانه یجعل أحسن أعمال هؤلاء معیاراً للقبول، وحتى أعمالهم التی تأتی فی مرتبة أدنى من الأهمّیة، فإنّه یجعلها کأحسن الأعمال بفضله ورحمته، إنّ هذا یشبه تماماً أن یعرض بائع أجناساً مختلفة بأسعار متفاوتة، إلاّ أنّ المشتری یشتریها جمیعاً بثمن أعلاها وأفضلها تکرماً منه وفضلاً، ومهما قیل فی لطف الله وفضله فلیس عجباً.

والهبة الثّانیة هی تطهیرهم، فتقول: (ونتجاوز عن سیّئاتهم).

والموهبة الثّالثة هی أنّهم (فی أصحاب الجنّة)(7)، فیطهرون من الهفوات التی کانت منهم، ویکونون فی جوار الصالحین المطهرین المقربین عند الله سبحانه.

ویستفاد بصورة ضمنیة من هذا التعبیر أنّ المراد من (أصحاب الجنّة) هنا العباد المقرّبون الذین لم یصبهم غبار المعاصی، وهؤلاء المؤمنون التائبون یکونون فی مصافهم بعد أن ینالوا غفران الله ورضاه.

وتضیف الآیة فی نهایتها ـ کتأکید على هذه النعم التی مرَّ ذکرها ـ (وعد الصّدق الذی کانوا یوعدون)(8) وکیف لا یکون وعد صدق فی حین أنّ خلف الوعد إمّا أن یکون عن ندم أو جهل، أو عن ضعف وعجز، والله سبحانه منزه عن هذه الاُمور جمیعاً.


1. «التوصیة» تتعدى عادة بمفعولین، غایته أنّ المفعول الثّانی یقترن بالباء أو (إلى)، وبناءً على هذا فإنّ (إحسان) لا یمکن أن تکون المفعول الثّانی فی الجملة، إلاّ أن نعتبر (وصین) بمعنى (ألزمن) التی تتعدى بمفعولین دون حاجة إلى حرف جر، أو أن نقول: إنّ فی الآیة محذوفاً نقدره: ووصینا الإنسان بأن یحسن بوالدیه إحساناً، ففی هذه الحالة تکون (إحساناً) مفعولاً مطلقاً لفعل محذوف.
2. (حتى) هنا غایة لجملة محذوفة، والتقدیر: وعاش الإنسان واستمرت حیاته حتى إذا بلغ أشدّه. واعتبرها البعض غایة ل (وصین) أو لمراقبة الوالدین لولدهما، وکلاهما یبدو بعیداً، إذ لا تنتهی توصیة الله سبحانه بالإحسان إلى الوالدین فی سن الأربعین، ولا تستمر مراقبة الوالدین لولدهما حتى یصل الأربعین.
3. تفسیر روح المعانی، ج 26، ص 17.
4. ارشاد القلوب، ج 1، ص 185.
5. (أوزعنی) من مادة «الإیزاع» التی وردت بعدّة معان: الإلهام، والمنع من الإنحراف، وإیجاد العشق والمحبة، والتوفیق.
6. الطبرسی فی تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 132، والعلاّمة الطباطبائی فی تفسیر المیزان، ج 18، ص 203، والفخر الرازی فی التّفسیر الکبیر، وغیرهم فی ذیل الآیة مورد البحث.
7. (فی أصحاب الجنّة) متعلق بمحذوف هو حال لضمیر (هم) والتقدیر: حال کونهم موجودین فی أصحاب الجنّة.
8. (وعد الصدق) مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدیر: یعدهم وعد الصدق الذی کانوا یوعدون بلسان الأنبیاء والرسل.
سورة الأحقاف / الآیة 15 ـ 16 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma