کل شیء مسخر للإنسان

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الجاثیة / الآیة 11 ـ 15 سورة الجاثیة / الآیة 16 ـ 20

مواصلة للبحوث التی وردت فی الآیات السابقة حول عظمة آیات الله، تتناول هذه الآیات نفس الموضوع، فتقول: (هذا هدى) فهو یمیز بین الحق والباطل، ویضیء حیاة الإنسان، ویأخذ بید سالکی طریق الحق لیوصلهم إلى هدفهم ومنزلهم المقصود، لکن: (والّذین کفروا بآیات ربّهم لهم عذاب من رجز ألیم).

«الرجز» یعنی الاضطراب والإهتزاز وعدم الإنتظار، کما یقول الراغب فی مفرداته، وتقول العرب: رجز البعیر إذا تقاربت خطواته واضطرب لضعف فیه.

وتطلق هذه الکلمة أیضاً على مرض الطاعون والإبتلاءات الصعبة، أو العواصف الثلجیة الشدیدة، والوساوس الشیطانیة وأمثال ذلک، لأنّ کلّ هذه الاُمور تبعث على الإضطراب والتزلزل وعدم الإنتظام والانضباط، وإنّما یقال لأشعار الحرب (رجز) لأنّها مقاطع قصیرة متقاربة، أو لأنّها تلقی الرعب والاضطراب بین صفوف الأعداء.

ثمّ تحول زمام الحدیث إلى بحث التوحید الذی مرّ ذکره فی الآیات الأولى لهذه السورة، فتعطی المشرکین دروساً بلیغة مؤثرة فی توحید الله سبحانه ومعرفته.

فتارة تدغدغ عواطفهم، وتقول: (الله الّذی سخّر لکم البحر لتجری الفلک فیه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلکم تشکرون).

من الذی أودع فی مادة السفن الأصلیة خاصیة الطفو على الماء وعدم الغطس؟ ومن الذی جعل الماء فراشاً ناعماً لحرکتها حتى استطاعت أن تسیر فیه بکلّ سهولة ویسر؟ ومن الذی أمر الریاح أن تمرّ على سطح المحیطات بصورة منتظمة لتحرک السفن وتسیّرها؟ أو یحل قوّة البخار محل الهواء لیزید من سرعة هذه السفن العظیمة؟

نحن نعلم أنّ أکبر وسائط نقل الإنسان وأهمّها فی الماضی والحاضر هی السفن الصغیرة والکبیرة، والتی تنقل على مدار السنة ملایین البشر، وأکثر من ذلک البضائع التجاریة من أقصى نقاط العالم إلى المناطق المختلفة، وقد تکون السفن أحیاناً بسعة مدینة صغیرة، وسکانها بعدد سکانها، وهی مجهزة بمختلف الوسائل والأموال.

حقاً لو لم تکن هذه القوى الثلاث، أفیکون بمقدور الإنسان أن یحل مشاکل حمله ونقله بواسطة المراکب العادیة البسیطة؟ حتى هذه المراکب والوسائط البسیطة هی بحدّ ذاتها من نعمه سبحانه، وهی فعالة فی مجالها.

والطریف أنّ الآیة 32 من سورة إبراهیم تقول: (وسخّر لکم الفلک لتجری فی البحر بأمره)أمّا هنا فإنّ الآیة تقول: (سخّر لکم البحر لتجری الفلک فیه) لأنّ التأکید هناک کان على تسخیر البحار، ولذلک اتبعتها بقولها: (وسخّر لکم الأنهار)أمّا هنا فإن الآیة ناظرة إلى تسخیر الفلک، وعلى أیة حال، فإنّهما معاً مسخران للإنسان بأمر الله سبحانه، وهما فی خدمته.

إنّ الهدف من هذا التسخیر هو أن تبتغوا من فضل الله، وهذا التعبیر یأتی عادة فی مورد التجارة والنشاطات الاقتصادیة، ومن الطبیعی أنّ نقل المسافرین من مکان الى آخر فی ضمن هذا التسخیر.

والهدف من الاستفادة من فضل الله هو إثارة حس الشکر لدى البشر، لتعبئة عواطفهم لأداء شکر المنعم، وبعد ذلک یسیرون فی طریق معرفة الله سبحانه.

کلمة «الفلک» ـ وکما قلنا سابقاً ـ تستعمل للمفرد والجمع.

ولمزید من التفصیل حول تسخیر البحار والفلک، ومنافعها وبرکاتها، راجعوا ذیل الآیة 14 سورة النحل.

بعد بیان السفن التی لها تماس مباشر بحیاة البشر الیومیة، تطرقت الآیة التی بعدها إلى مسألة تسخیر سائر الموجودات بصورة عامة، فتقول: (وسخّر لکم ما فی السّموات وما فی الأرض جمیعاً منه).

فقد کرّمکم إلى درجة أن سخر لکم کلّ موجودات العالم، وجعلها فی خدمتکم ولتأمین مصالحکم ومنافعکم، فالشمس والقمر، والریاح والمطر، والجبال والودیان، والغابات والصحاری، والنباتات والحیوانات، والمعادن والمنابع الغنیة التی تحت الأرض، وبالجملة فإنّه أمر کلّ هذه الموجودات أن تکون فی خدمتکم، ومطیعة لأمرکم، ومنفذة لإرادتکم، لتتمتعوا بنعمه ومواهبه سبحانه، ولا تذهلوا فی سکرة الغفلة عنه.

ومما یستحق الإنتباه أنّه یقول: (جمیعاً منه)(1) فإذا کانت کلّ النعم منه، وهو خالقها وربها ومدبرها جمیعاً، فلماذا یعرض الإنسان عنه ویلجأ إلى غیره، ویتسکع على أعتاب المخلوقات الضعیفة، ویبقى فی غفلة وذهول عن المنعم الحقیقی علیه؟ ولذلک تضیف الآیة فی النهایة: (إنّ فی ذلک لآیات لقوم یتفکّرون).

لقد کانت الآیة السابقة تلامس عاطفة الإنسان وتحاول إثارتها، وهنا تحاول هذه الآیة تحریک عقل الإنسان وفکره، فما أعظم رحمة ربّنا سبحانه!! إنّه یتحدث مع عباده بکلّ لسان وأسلوب یمکن أن یطبع أثره، فمرّة بحدیث القلب، واُخرى بلسان الفکر، والهدف واحد من کلّ ذلک، ألا وهو إیقاظ الغافلین ودفعهم إلى سلوک السبیل القویم.

وقد أوردنا بحثاً مفصلاً حول تسخیر مختلف موجودات العالم فی ذیل الآیات 31 ـ 33 من سورة إبراهیم.

ثمّ تطرقت الآیة التالیة إلى ذکر قانون أخلاقی یحدد کیفیة التعامل مع الکفّار لتکمل أبحاثها المنطقیة السابقة عن هذا الطریق، فحولت الخطاب إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) وقالت: (قل للّذین آ منوا یغفروا للّذین لا یرجون أیّام الله).

فمن الممکن أن تکون معاملة هؤلاء قاسیة، وتعبیراتهم خشنة غیر مؤدبة، وألفاظهم بذیئة، وذلک لبعدهم عن مبادئ الإیمان وأسس التربیة الإلهیّة، غیر أنّ علیکم أن تقابلوهم بکلّ رحابة صدر لئلا یصروا على کفرهم ویزیدوا فی تعصبهم، فتبعد المسافة بینهم وبین الحق.

إنّ حسن الخلق والصفح ورحابة الصدر یقلل من ضغوط هؤلاء وعدائهم من جهة، کما أنّه یمکن أن یکون عاملاً لجذبهم إلى الإیمان وإقبالهم علیه.

وقد ورد نظیر هذا الأمر الأخلاقی کثیراً فی القرآن الکریم کقوله تعالى: (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف یعلمون)(2).

إنّ التصلب فی التعامل مع الجاهلین والإصرار على عقوبتهم لا یثمر فی العادة، بل إن تجاهلهم والإعتزاز بالنفس أمامهم هو الاُسلوب الناجح فی إیقاظهم، وهو عامل مؤثر فی هدایتهم.

ولیس هذا قانوناً عاماً بالطبع، إذ لا یمکن إنکار وجود حالات لا یمکن معالجتها ومواجهتها إلاّ بالغلظة والشدّة، غیر أنّها قلیلة.

والنکتة الاُخرى هنا أنّ کلّ الأیّام هی أیّام الله، إلاّ أنّ (أیّام الله) قد اُطلقت على أیّام خاصّة، للدلالة على عظمتها وأهمیتها.

لقد ورد هذا التعبیر فی موضعین من القرآن المجید: أحدهما فی هذه الآیة، والآخر فی سورة إبراهیم، وله هناک معنىً أوسع وأشمل.

وقد فسّرت «أیّام» فی الرّوایات الإسلامیة بتفاسیر مختلفة، ومن جملتها ما ورد فی تفسیر علی بن إبراهیم بأنّ أیّام الله ثلاثة: یوم قیام المهدی، ویوم الموت، ویوم القیامة(3).

ونقرأ فی حدیث آخر عن النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلّم): «أیام الله نعماؤه وبلاؤه ببلائه»(4).

وعلى أیة حال، فإنّ هذا التعبیر یبین أهمّیة یوم القیامة، یوم تجلی حاکمیة الله تعالى على کلّ فرد، وعلى کلّ شیء، وهو یوم العدل والقانون والمحکمة الکبرى.

لکن، ومن أجل أنّ لا یستغل مثل هؤلاء الأفراد هذا الصفح الجمیل والعفو والتسامی، فقد أضافت الآیة: (لیجزی قوماً بما کانوا یکسبون).

لقد اعتبر بعض المفسّرین هذه الجملة تهدیداً للکفار والمجرمین، فی حین أنّ البعض الآخر اعتبرها بشارة للمؤمنین لهذا العفو والصفح، لکن لا مانع من أن تکون تهدیداً لتلک الفئة من جانب، وبشارة لهذه الجماعة من جانب آخر، کما أشیر إلى هذا المعنى فی الآیة التالیة أیضاً.

تقول الآیة: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعلیها ثمّ إلى ربّکم ترجعون).

إن هذا التعبیر الذی ورد فی القرآن الکریم مراراً، وبعبارات مختلفة، یشکل جواباً لمن یقول: ماذا یضر عصیاننا الله تعالى، وما تنفعه طاعتنا؟ ولماذا هذا الإصرار على طاعة أوامره والانتهاء عن معاصیه؟

فتقول هذه الآیات: إنّ کلّ ضرر ذلک وکلّ نفعه یعود علیکم، فأنتم الذین تسلکون مراقی الکمال فی ظل الأعمال الصالحة، وتحلّقون إلى سماء قرب الله عزَّ وجلّ، کما أنّکم أنتم الذین تهوون إلى الحضیض نتیجة ارتکابکم الآثام والمعاصی، فتبتعدون عن الله عزَّ وجلَّ وتستحقون بذلک اللعنة الأبدیة.

إن کلّ أمور التکلیف، وإرسال الرسل، وإنزال الکتب تهدف إلى هذا المراد السامی، ولذلک یقرر القرآن الحکیم (ومن یشکر فإنّما یشکر لنفسه ومن کفر فإنّ الله غنىّ حمید)(5).

ویقول فی موضع آخر: (فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنّما یضلّ علیه)(6).

ونقرأ فی موضع ثالث: (ومن تزکّى فإنّما یتزکّى لنفسه والى الله المصیر)(7).

وخلاصة القول: إنّ أمثال هذه التعابیر تبیّن حقیقة أنّ دعوة الداعین إلى الله سبحانه خدمة للبشر فی جمیع أبعادها، ولیست خدمة لله الغنی عن کلّ شیء، ولا لأنبیائه الذین أجرهم على الله فقط.

إنّ الإنتباه إلى هذه الحقیقة یعدّ عاملاً مهماً فی السیر نحو طاعة الله سبحانه، والإبتعاد عن معصیته.


1. ثمّة احتمالات عدیدة فی إعراب (جمیعاً منه) وترکیبها، فقد احتمل الزمخشری فی الکشاف احتمالین: الأول: إنّ (جمیعاً منه) حال ل(ما فی السموات وما فی الأرض) أی إنّها جمیعاً مسخرة لکم لکنّها منه سبحانه. والآخر: إنّه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدیر: هی منه جمیعاً.
واحتمل البعض أیضاً أن تکون تأکیداً لـ (ما فی السموات وما فی الأرض).
2. الزخرف، 89 .
3. تفسیر نور الثقلین، ج 2، ص 526.
4. المصدر السابق.
5. لقمان، 12.
6. الزمر، 41.
7. فاطر، 18.

 

سورة الجاثیة / الآیة 11 ـ 15 سورة الجاثیة / الآیة 16 ـ 20
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma