ویل لکلّ أفاک أثیم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الجاثیة / الآیة 7 ـ 10 سورة الجاثیة / الآیة 11 ـ 15

رسمت الآیات السابقة صورة عن فریق یسمعون کلام الله مدعماً بمختلف أدلة التوحید والمواعظ والإرشاد، فلا یترک أثراً فی قلوبهم القاسیة.

أمّا هذه الآیات فتتناول بالتفصیل عواقب أعمال هذا الفریق، فتقول: أوّلاً: (ویل لکل أفاک أثیم).

«الأفاک» صیغة مبالغة، وهی تعنی الشخص الذی یکثر الکذب جدّاً، وتقال أحیاناً لمن یکذب کذبة عظیمة حتى وإن لم یکثر من الکذب.

و«الأثیم» من مادة «إثم»، أی المجرم والعاصی، وتعطی أیضاً صفة المبالغة.

ویتّضح من هذه الآیة جیداً أنّ الذین یقفون موقف الخصم العنید المتعصب أمام آیات الله سبحانه هم الذین غمرت المعصیة کیانهم، فانغمسوا فی الذنوب والآثام والکذب، لا اُولئک الصادقون الطاهرون، فإنّهم یذعنون لها لطهارتهم ونقاء سریرتهم.

ثمّ تشیر الآیة التالیة إلى کیفیة اتخاذهم لموضع الخصام هذا، فتقول: (یسمع آیات الله تتلى علیه ثمّ یصر مستکبراً کأن لم یسمعه)(1) ولهذا فإنّه بحکم تلوثه بالذنب والکذب، والغرور والکبر والعجب، یمر کأن لم یسمع کلّ هذه الآیات، وکأنه أصم أو أنّه یعتبر نفسه کذلک، کما ورد لک فی الآیة 7 من سورة لقمان: (وإذا تتلى علیه آیاتنا ولى مستکبراً کأن لم یسمعها کأنّ فی أذنیه وقر).

وتهدده الآیة فی نهایتها بالعذاب الشدید، فتقول: (فبشّره بعذاب ألیم) فکما أنّه آذى قلب النّبی(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین وآلمهم، فإنّنا سنبتلیه بعذاب ألیم أیضاً، لأنّ عذاب القیامة تجسم لأعمال البشر فی الحیاة الدنیا.

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرین ذکر سبب نزول لهذه الآیة والآیة التی تلیها، واعتبروهما إشارة إلى أبی جهل أو النظر بن الحارث، ذلک أنّهم کانوا قد جمعوا قصصاً وأساطیر من العجم لیلهوا بها الناس ویصرفوهم عن دین الحق.

لکن من الواضح أنّ هذه الآیة لا تختص بهم، بل ولا بمشرکی العرب أیضاً، فهی تشمل کلّ المجرمین الکاذبین المستکبرین فی کلّ عصر وزمان، وکلّ الذین یصرون کأن لم یسمعوا آیات الله سبحانه ونداءات الأنبیاء وکلمات الأئمّة والعظماء، لأنّها لا تنسجم مع شهواتهم ومیولهم ورغباتهم المنحرفة، ولا تؤید أفکارهم الشیطانیة، ولا توافق عاداتهم الخاطئة وأعرافهم البالیة وتقالیدهم العمیاء.

نعم، بشّر کلّ أولئک بالعذاب الألیم.

ولما کان العذاب لا ینسجم مع البشارة، فإنّ هذا التعبیر ورد من باب السخریة والإستهزاء.

ثمّ تضیف الآیة التی بعدها: (وإذا علم من آیاتنا شیئاً اتّخذها هزو)(2).

فی الحقیقة، توجد لدى هؤلاء الجاهلین الأنانیین حالتان:

الأولى: أنّهم غالباً ما یسمعون آیات الله فلا یعبؤون بها، ویمرون علیها دون اهتمام وتعظیم، فکأنّهم لم یسمعوها أیضاً.

والاُخرى: أنّهم إذا سمعوها وأرادوا أن یهتموا بها، فسوف یتحرکون من موقع الاستهزاء والسخریة، وکلهم مشترکون فی هاتین الحالتین، فمرّة هذه، واُخرى تلک، وبناء على هذا فلا تعارض بین هذه الآیة والتی قبلها.

والطریف أنّها تقول أوّلاً: (وإذا علم من آیاتنا شیئ) ثمّ لا تقول: إنّه یستهزیء فیما بعد بما علم، بل تقول: إنّه یتخذ کلّ آیاتنا هزواً، سواء التی علمها والتی لم یعلمها، وغایة الجهل أن ینکر الإنسان شیئاً أو یستهزیء به وهو لم یفهمه أصلاً، وهذا خیر دلیل على عناد اُولئک وتعصبهم.

ثمّ تصف الآیة عقاب هؤلاء فی النهایة فتقول: (اُولئک لهم عذاب مهین) ولم لا یکون الأمر کذلک، فإنّ هؤلاء کانوا یریدون أن یضفوا على أنفسهم الهیبة والعزة والمکانة الاجتماعیة من خلال الاستهزاء بآیات الله سبحانه، إلاّ أنّ الله تعالى سیجعل عقابهم تحقیرهم ومذلتهم وهوانهم، ویبتلیهم بعذاب القیامة المهین المذل، فیسحبون على وجوههم مصفَّدین مکبَّلین ثمّ یرمون على تلک الحال فی جهنم، ویلاحقهم مع ذلک تقریع ملائکة العذاب وسخریتهم.

ومن هنا یتّضح لماذا وصف العذاب بالألیم فی الآیة السابقة، وبالمهین هنا، وبالعظیم فی الآیة التالیة، فکلّ منها یناسب نوعیة جرم هؤلاء وکیفیته.

وتوضح الآیة التالیة العذاب المهین، فتقول: (من ورائهم جهنّم).

إن التعبیر بالوراء مع أنّ جهنّم أمامهم وسیصلونها فی المستقبل، یمکن أن یکون ناظراً إلى أنّ هؤلاء قد أقبلوا على الدنیا ونبذوا الآخرة والعذاب وراء ظهورهم، وهو تعبیر مألوف، إذ یقال للإنسان إذا لم یهتم بأمر، ترکه وراء ظهره، والقرآن الکریم یقول: (إنّ هؤلاء یحبّون العاجلة ویذرون وراءهم یوماً ثقیل)(3).

وقال جمع من المفسّرین أیضاً: إنّ کلمة (وراء) من مادة المواراة، وتقال لکلّ شیء خفی على الإنسان وحجب عنه، سواء کان خلفه ولا یراه، أم أمامه لکنّه بعید لا یراه، وعلى هذا فإنّ لکلمة (وراء) معنى جامعاً یطلق على مصداقین متضادین(4).

ولیس ببعید إذا قلنا: إنّ التعبیر بالوراء إشارة إلى مسألة العلة والمعلول، فمثلاً نقول: إذا تناولت الغذاء الفلانی غیر الجید فستمرض بعد ذلک، أی إنّ تناول الغذاء یکون علة لذلک المرض، وهنا أیضاً تکون أعمال هؤلاء علة لعذاب الجحیم المهین.

وعلى أیة حال، فإنّ الآیة تضیف مواصلةً الحدیث أنّ هؤلاء إن کانوا یظنون أنّ أموالهم الطائلة وآلهتهم التی ابتدعوها ستحل شیئاً من أثقالهم، وأنّها ستغنی عنهم من الله شیئاً، فإنّهم قد وقعوا فی اشتباه عظیم، حیث: (ولا یغنی عنهم ما کسبوا شیئاً ولا ما اتّخذوا من دون الله أولیاء).

ولما لم یکن هناک سبیل نجاة وفرار من هذا المصیر، فإنّ هؤلاء یجب أن یبقوا فی عذاب الله ونار غضبه: (ولهم عذاب عظیم).

ولقد استصغر هؤلاء آیات الله سبحانه، ولذلک سیعظم الله عذابهم، وقد اغتر هؤلاء وتفاخروا فألقاهم الله فی العذاب الألیم!

إن هذا العذاب عظیم من کلّ الجهات، فهو عظیم فی خلوده، وشدته، وباقترانه بالتحقیر والإهانة، وعظیم فی نفوذه إلى نخاع وقلوب المجرمین.

نعم... إنّ الذنب العظیم، أمام الله العظیم، لا یکون جزاؤه إلاّ العذاب العظیم.


1. یمکن أن تکون عبارة (یسمع آیات الله) جملة مستأنفة، أو هی وصف آخر لـ (کل).
2. ینبغی الإلتفات إلى أنّ ضمیر (اتخذها) لا یعود على (شیئ)، بل على (آیاتن).
3. الدهر، 27.
4. قال البعض أیضاً: إنّ کلمة (وراء) إنّ أضیفت إلى الفاعل أعطت معنى الوراء، وإن أضیفت إلى المفعول أعطت معنى الأمام. تفسیر روح البیان، ج 8، ص 439. لکن لا دلیل على هذا المدعى.
سورة الجاثیة / الآیة 7 ـ 10 سورة الجاثیة / الآیة 11 ـ 15
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma