المتقون ومختلف نعم الجنّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الدخان / الآیة 51 ـ 57 ما هی الموتة الأولى؟

لما کان الکلام فی الآیات السابقة عن العقوبات الألیمة لأهل النّار، فإنّ هذه الآیات تذکر المواهب والنعم المعدّة لأهل الجنّة، لتتضح أهمیة کلّ منهما من خلال المقارنة بینهما.

وقد لخّصت هذه المواهب فی سبعة أقسام:

الأولى: هی (إن المتقین فی مقام أمین)(1) على هذا فلا یصیبهم أی إزعاج أو خوف، بل هم فی أمن کامل من الآفات والبلایا، من الغم والأحزان، ومن الشیاطین والطواغیت.

ثمّ تطرقت الآیات إلى النعمة الثانیة فقال: (فی جنّات وعیون).

إنّ التعبیر بالجنات یمکن أن یکون إشارة إلى تعدد الحدائق والبساتین التی یتمتع بها کلّ فرد من أهل الجنّة، فهی تحت تصرفه، أو تکون إشارة إلى مقاماتهم المختلفة ودرجاتهم المتفاوتة، لأنّ حدائق الجنّة وبساتینها غیر متساویة، بل تختلف باختلاف درجات أصحاب الجنّة.

وتشیر الثالثة إلى ملابسهم الجمیلة، فتقول: (یلبسون من سندس وإستبرق متقابلین).

«السندس» یقال للأقمشة الحریریة الناعمة الرقیقة، وأضاف البعض قید کونها مذهَّبة.

و«الإستبرق» هی الأقمشة الحریریة السمیکة، ویعتقد بعض المفسّرین وأهل اللغة أنها معربة من الکلمة الفارسیة (أستبر) أو (ستبر) أی السمیک. ویحتمل أن یکون أصلها عربیاً مأخوذاً من البرق أی التلألؤ، حیث إنّ لهذه الأقمشة بریقاً خاصّاً.

طبعاً، لیس فی الجنّة حرّ شدید أو برد قارص لیتوقاه أهل الجنّة بارتداء هذا الملابس، بل هذه إشارة إلى الألبسة المتنوعة المعدة لهم.

وکما قلنا سابقاً، فإنّ کلماتنا وألفاظنا ـ هذه التی وضعت لرفع حاجات الحیاة الیومیة فی دنیانا ـ عاجزة عن وصف مسائل ذلک العالم الکامل العظیم، بل هی قادرة على الإشارة إلیها وحسب.

واعتقد البعض أنّ اختلاف هذه الألبسة إشارة إلى تفاوت مقامات القرب بین أصحاب النعیم.

ثمّ إنّ کون أهل الجنّة متقابلین مع بعضهم البعض، وزوال أی تفاوت وتکبر لأحد على آخر، إشارة إلى روح الاُنس والأخوّة التی تسود مجالسهم، تلک المجالس والحلقات التی لا یرى فیها إلاّ الصفاء والمودّة وتسامی الروح.

وتصل النوبة فی النعمة الرابعة إلى أزواجهم، فتقول: (کذلک وزوجناهم بحور عین).

«الحور» جمع حوراء وأحور، وتقال لمن اشتد سواد عینه، واشتد بیاض بیاضها. و«العین» جمع أعین وعیناء، أی أوسع العین، ولما کان أکثر جمال الإنسان فی عینیه، فإنّ الآیة تصف عیون الحور العِین الجمیلة الساحرة، وقد ذکرت محاسنهن الاُخرى بأسلوب رائع فی آیات اُخرى من القرآن.

ثمّ تناولت الآیة الاُخرى النعمة الخامسة لأصحاب الجنّة فقالت: (یدعون فیها بکل فاکهة آمنین) فلا توجد فی الجنّة تلک المشکلات والصعوبات التی کانوا یعانونها هنا فی تناول فاکهة الدنیا، فإنّها قریبة منهم وفی متناولهم، وعلى هذا فلیس هناک بذل جهد لاقتطاف الأثمار من الأشجار العالیة، إذ (قطوفها دانیة)(2).

وإلیهم یرجع اختیار الفاکهة التی یشتهونها: (وفاکهة مما یتخیرون)(3).

ولا أثر هنا للأمراض والاضطرابات التی قد تحدث فی هذه الدنیا على أثر تناول الفواکه، وکذلک لا خوف من فسادها وقلتها، فهم فی راحة وأمن واطمئنان من کافّة الجهات.

وعلى أیة حال، فإذا کان الزقوم طعام أهل النّار الذی یغلی فی بطونهم کغلی الحمیم، فإنّ طعام الجنّة هی الفواکه اللذیذة الخالیة من کلّ أذى وإزعاج.

خلود الجنّة ونعمها هی النعمة السادسة من نعم الله سبحانه على المتقین، لأنّ الذی یقلق فکر الإنسان عند الوصال واللقاء هو خوف الفراق، ولذلک تقول الآیة: (لا یذوقون فیها الموت إلاّ الموتة الأولى).

والطریف أنّ القرآن الکریم قد بیّن کون نعم الجنّة خالدة بتعابیر مختلفة، فیقول تارة: (خالدین فیه)(4) ویقول اُخرى: (عطاء غیر مجذوذ)(5).

أمّا لماذا عُبر بـ (الموتة الأولى) فسیأتی بیانه فی التأملات، إن شاء الله تعالى.

وأخیراً یبیّن القرآن الکریم السابع من النعم وآخرها، فیقول: (ووقاهم عذاب الجحیم)فإنّ کمال هذه النعم إنما یتم عندما یخلو فکر أصحاب الجنّة من احتمال العذاب، وعدم انشغالهم به، لئلا یقلقوا فیتکدر صفوهم فلا تکمل تلک النعم حینئذ.

وهذا التعبیر یشیر إلى أنّ المتقین إن کانوا خائفین مما بدر منهم من هفوات، فإنّ الله سبحانه سیعفو عنها بلطفه وکرمه، ویطمئنهم بأن لا یدعوا للخوف إلى أنفسهم سبیلاً. وبتعبیر آخر، فإنّ غیر المعصومین مبتلون بالهفوات شاؤوا أم أبوا، وهم فی خوف وقلق منها ماداموا غیر مطمئنین بشمول العفو الإلهی لهم، وهذه الآیة تمنحهم الإطمئنان والراحة والأمان من هذه الجهة.

سؤال: وهنا یطرح سؤال، وهو: إنّ بعض المؤمنین یقضون مدّة فی الجحیم بذنوب اقترفوها، لیتطهروا منها، ثمّ یدخلون الجنّة، فهل تشملهم الآیة المذکورة؟

الجواب: ویمکن القول فی معرض الإجابة عن هذا السؤال، بأنّ الآیة تتحدث عن المتقین ذوی الدرجات السامیة، والذین یردون الجنّة من أوّل وهلة، أما الفئة الاُخرى فهی ساکتة عنهم.

ویحتمل أیضاً أنّ هؤلاء عندما یدخلون الجنّة فلن یخشوا بعد ذلک العودة إلى النّار، بل یبقون فی الأمن الدائم، وهذا یعنی أنّ الآیة أعلاه ترسم صورة هؤلاء وحالهم بعد دخولهم الجنّة.

وأشارت آخر آیة ـ من هذه الآیات ـ إلى جمیع النعم السبعة، وکنتیجة لما مر تقول: (فضلاً من ربّک ذلک هو الفوز العظیم)(6).

صحیح، إنّ المتقین قد عملوا الکثیر من الصالحات والحسنات، إلاّ أنّ من المسلّم أنّ تلک الأعمال جمیعاً لا تستحق کلّ هذه النعم الخالدة، بل هی فضل من الله سبحانه، إذ جعل کلّ هذه النعم والعطایا تحت تصرفهم ووهبهم إیّاها.

هذا إضافة إلى أنّ هؤلاء لم یکونوا قادرین على کسب کلّ هذه الحسنات ولا على فعل الحسنات لو لم یشملهم فضل الله وتوفیقه ولطفه، فهو الذی منحهم العقل والعلم، وهو الذی أرسل الأنبیاء والکتب السماویة، وهو الذی غمرهم بتوفیق الهدایة والعمل.

نعم، إنّ استغلال هذه المنح العظمى، والوصول إلى کلّ تلک العطایا والثواب، إنّما تمّ بفضله سبحانه إذ وهبهم إیّاها، ولم یکن هذا الفوز العظیم لیحصل إلاّ فی ظل لطفه وکرمه.


1. ممّا یستحق الإنتباه أنّ (أمین) قد ذکر وصفاً للمقام، فکأن مقام أهل الجنّة أمین بنفسه ولا یخون أهل الجنّة مطلقاً، ومثل هذه التعبیرات تأتی عادة للتأکید والمبالغة.
2. الحاقة، 23.
3. الواقعة، 20.
4. ورد هذا التعبیر فی آیات کثیر من القرآن، ومن جملتها: آل عمران، 15 و136، والنساء، 13 و122، والمائدة، 85، وغیرها.
5. هود، 110.
6. احتملت عدّة احتمالات فی إعراب (فضل): أحدها: إنّها مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدیر: فضلهم فضلاً، والآخر: أنّه مفعول لأجله، أو أنّها حال.
سورة الدخان / الآیة 51 ـ 57 ما هی الموتة الأولى؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma