نتمنى أن نموت لنستریح من العذاب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الزّخرف / الآیة 74 ـ 80  سورة الزّخرف / الآیة 81 ـ 85

لقد فصّلت هذه الآیات القول فی مصیر المجرمین والکافرین فی القیامة، لیتّضح الفرق بینه وبین مصیر المؤمنین ـ المطیعین لأمر الله ـ المشرف السعید من خلال المقارنة بین المصیرین.

تقول الآیة الأولى: (إنّ المجرمین فی عذاب جهنّم خالدون).

«المجرم» من مادة «جرم»، وهو فی الأصل بمعنى القطع الذی یستعمل فی قطع الثمار من الشجرة ـ أی القطف ـ وکذلک فی قطع نفس الشجرة، إلاّ أنّه استعمل فیما بعد فی القیام بکل عمل سیء، وربّما کان سبب هذا الاستعمال هو أنّ هذه الأعمال تفصل الإنسان عن ربّه وعن القیم الإنسانیة، وتبعده عنهما.

لکن من المسلّم هنا أنّه لا یرید کل المجرمین، وإنّما المراد هم المجرمون الذین اتخذوا سبیل الکفر سبیلاً لهم، بقرینة ذکر مسألة الخلود والعذاب الخالد، وبقرینة المقارنة بالمؤمنین الذین مرّ الکلام عنهم فی الآیات السابقة، ویبدو بعیداً ما قاله بعض المفسّرین من أنها تشمل کل المجرمین.

ولما کان من الممکن أن یخفف العذاب الدائمی بمرور الزمان، وتقل شدته تدریجیاً، فإنّ

الآیة التالیة تضیف: (لا یفترّ عنهم وهم فیه مبلسون)، وعلى هذا فإنّ عذاب هؤلاء دائم من ناحیتی الزمان والشدّة، لأنّ الفتور یعنی السکون بعد الحدة، واللین بعد الشدّة، والضعف بعد القوّة کما یقول الراغب فی مفرداته.

«مبلس» من مادة «إبلاس»، وهی فی الأصل الحزن الذی یصیب الإنسان من شدة التأثر والإنزعاج، ولما کان هذا الهم والحزن یدعو الإنسان إلى السکوت، فقد استعملت مادة الإبلاس بمعنى السکوت والإمتناع عن الجواب أیضاً، ولما کان الإنسان ییأس من خلاص نفسه ونجاته فی الشدائد العصیبة، فقد استعملت هذه المادة فی مورد الیأس أیضاً، ولهذا المعنى سمی «إبلیسُ» إبلیسَ، إذ أنّه آیس من رحمة الله.

على أیة حال، فإنّ هاتین الآیتین قد أکدتا على ثلاث مسائل: مسألة الخلود، وعدم تخفیف العذاب، والحزن والیأس المطلق، وما أشد العذاب الذی تمتزج فیه هذه الاُمور الثلاثة وتجتمع.

وتنبه الآیة التالیة إلى أنّ هؤلاء هم الذین أرادوا هذا العذاب الألیم، واشتروه بأعمالهم وبظلمهم لأنفسهم، فتقول: (وما ظلمناهم ولکن کانوا هم الظّالمین).

فکما أن الآیات السابقة قد بینت أن منبع کل تلک النعم اللامتناهیة هی أعمال المؤمنین المتقین، فإن هذه الآیات تعد أعمال هؤلاء الظالمین سبب هذا العذاب الخالد ومنبعه، وأی ظلم أکبر من أن یکذّب الإنسان بآیات الله سبحانه، ویضرب جذور سعادته بمعول الکفر والإفتراء: (ومن أظلم ممّن افترى على الله الکذب).(1)

نعم، إن القرآن یرى ارادة الإنسان وأعماله السبب الأساسی لکل سعادة أو شقاء، لا المسائل الظنیة والوهمیة التی اصطنعها البعض لأنفسهم.

ثمّ تطرقت الآیة إلى بیان جانب من مذلة هؤلاء ومسکنتهم، فقالت، (ونادوا یا مالک لیقض علینا ربّک) فمع أن کل امرىء یهرب من الموت ویرید استمرار الحیاة وبقاءها، إلاّ أنّه عندما تتوإلى علیه المصائب أحیاناً ویضیق علیه الخناق یتمنى على الله الموت، وإذا کانت هذه الأمنیة قد تحدث أحیاناً لبعض الناس فی الدنیا، فانّها تعمّ جمیع المجرمین هناک ، فکلهم یتمنى الموت.

ولکن حیث لا فائدة من ذلک، فإنّ مالک النّار وخازنها یجیبهم: (قال إنکم ماکثون)(2).

والعجیب أنّ خازن النّار یجیبهم بعد ألف سنة ـ برأی بعض المفسّرین ـ وبکل احتقار وعدم اهتمام، فما أشد ایلام هذا الإحتقار(3).

قد یقال: کیف یطلب هؤلاء مثل هذا الطلب مع یقینهم أن لا موت هناک؟ غیر أنّ مثل هذا الطلب طبیعی من إنسان أحاطت به المصائب والآلام، وقطع أمله من کل شیء.

أجل، إنّ هؤلاء عندما یرون کل سبل النجاة مغلقة فی وجوههم، سیطلقون هذه الصرخة من أعماق قلوبهم، ولکن حق القول علیهم بالعذاب، فلا فائدة من صراخهم، ولا صریخ لهم.

أمّا لماذا لا یطلب هؤلاء الموت من الله مباشرة، بل یقولون لمالک: (لیقض علینا ربّک)؟ فلأنّهم فی ذلک الیوم محجوبون عن ربّهم، کما نقرأ ذلک فی الآیة 15 من سورة المطففین: (کلا إنّهم عن ربّهم یومئذ لمحجوبون) ولذلک یطلبون طلبتهم هذه من ملک العذاب، أو بسبب أن مالکاً ملک مقرب عند الله سبحانه.

وتقول الآیة الاُخرى، وهی تشیر فی الحقیقة إلى علة خلود هؤلاء فی نار جهنم: (لقد جئناکم بالحقّ ولکنّ أکثرکم للحقّ کارهون).

وللمفسّرین رأیان مختلفان فی أن هذا الکلام هل هو من قبل مالک خازن النّار، وأن ضمیر الجمع یعود على الملائکة ومنهم مالک، أم أنّه کلام الله تعالى؟

السیاق یوحی أن یکون الکلام کلام مالک، لأنّه أتى بعد کلامه السابق، إلاّ أنّ محتوى نفس الآیة ینسجم مع کونه کلام الله تعالى، والشاهد الآخر لهذا الکلام الآیة 71 من سورة الزمر: (وقال لهم خزنتها ألم یأتکم رسل منکم یتلون علیکم آیات ربّکم) فهنا یعد الملائکة الرسل هم الذین جاؤوا بالحق، لا هم.

وللتعبیر «بالحق» معنى واسع یشمل کل الحقائق المصیریة، وإن کانت مسألة التوحید والمعاد والقرآن تأتی فی الدرجة الأولى.

وهذا التعبیر یشیر ـ فی الحقیقة ـ إلى أنّکم لم تخالفوا الأنبیاء فحسب، وإنّما خالفتم الحق فی الواقع، وهذه المخالفة هی التی ساقتکم إلى العذاب الخالد الأبدی.

وتعکس الآیة التالیة جانباً من کراهیة هؤلاء للحق واشمئزازهم منه، وکذلک مناصرتهم للباطل والتمسک به، فتقول: (أم أبرموا أمراً فإنّا مبرمون)(4) فقد حاک هؤلاء الأشرار الدسائس ودبّروا المؤمرات لإطفاء نور الإسلام، وقتل النّبی(صلى الله علیه وآله) ولم یتورعوا فی إنزال الضربات بالإسلام والمسلمین ما استطاعوا إلى ذلک سبیلاً.

وفی المقابل أردنا أن نجازی هؤلاء فی هذه الحیاة الدنیا، وفی الآخرة بأشد العذاب.

ویرى بعض المفسّرین أنّ سبب نزول هذه الآیة هو قضیة مؤامرة قتل النّبی(صلى الله علیه وآله) قبل الهجرة، والتی أشیر إلیها فی الآیة 30 من سورة الأنفال: (وإذ یمکر بک الّذین کفروا...)(5).

والظاهر أنّ هذا من قبیل التطبیق، لا أنه سبب النّزول...

والآیة الاُخرى بیان لإحدى علل التآمر، فتقول: (أم یحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم)؟ فإن الأمر لیس کذلک، إذ نحن نسمع ورسلنا: (بلى ورسلنا لدیهم یکتبون).

«السر» هو ما یضمره الإنسان فی قلبه، أو ما یودعه من أسراره لدى إخوانه وأصدقائه، و«النجوى» هی الهمس فی الأذن.

نعم، فإن الله سبحانه لا یسمع نجواهم وهمسهم فیما بینهم فحسب، بل یعلم ما یضمرونه فی أنفسهم أیضاً، فإنّ السر والعلن لدیه سواء.

والملائکة المکلفون بتسجیل أعمال البشر وأقوالهم یکتبون هذه الکلمات فی صحائف أعمالهم دائماً ، وإن کانت الحقائق بدون ذلک واضحة أیضاً، لیروا جزاء أعمالهم وأقوالهم ومؤامراتهم فی الدنیا والآخرة.


1. الصف، 7.
2. «ماکثون» من مادة «مکث» ، وهو فی الأصل التوقف المقترن بالإنتظار، وربّما کان هذا التعبیر من مالک استهزاءً، کما نقول ـ أحیاناً ـ لمن یطلب شیئاً لا یستحقه انتظر!
3. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث، وقال البعض: إنّ المسافة بین السؤال والجواب مائة سنة، وآخرون: أربعون سنة، ومهما تکن فإنّها دلیل على الإحتقار وعدم الإهتمام.
4. «أم» فی الآیة منقطعة، وهی بمعنى (بل) والإبرام بمعنى الإحکام.
5. التفسیر الکبیر، ج 27، ص 228، ذیل الآیات مورد البحث.
سورة الزّخرف / الآیة 74 ـ 80  سورة الزّخرف / الآیة 81 ـ 85
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma