الفراعنة المغرورون ونقض العهد

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الزّخرف / الآیة 46 ـ 50 سورة الزّخرف / الآیة 51 ـ 56

فی هذه الآیات إشارة إلى جانب ممّا جرى بین نبیّ الله موسى بن عمران(علیه السلام) وبین فرعون، لیکون جواباً لمقالة المشرکین الواهیة بأنّ الله إن کان یرید أن یرسل رسولاً، فلماذا لم یختر رجلاً من أثریاء مکّة والطائف لهذه المهمّة العظمى؟

وذلک لأنّ فرعون کان قد أشکل على موسى نفس هذا الإشکال، وکان منطقه عین هذا المنطق، إذ جعل موسى فی معرض التقریع والتوبیخ والسخریة للباسه الصوفی، وعدم امتلاکه لأدوات الزینة، فقالت الآیة الأولى: (ولقد أرسلنا موسى بآیاتنا إلى فرعون ومَلإیه فقال إنّی رسول ربّ العالمین).

المراد من «الآیات»: المعجزات التی کانت لدى موسى، والتی کان یثبت حقانیته بواسطتها، وکان أهمها العصا والید البیضاء.

«الملأ» ـ کما قلنا سابقاً ـ من مادة الملاء، أی القوم أو الجماعة الذین یتبعون هدفاً واحداً، وظاهرهم یملأ العیون لکثرتهم، وقرآنیاً فإنّ هذه الکلمة تعنی الأشراف والأثریاء أو رجال البلاط عادة.

والتأکید على صفة: (ربّ العالمین) هو فی الحقیقة من قبیل بیان مدعى مقترن بالدلیل،

لأنّ ربّ العالمین ومالکهم ومعلمهم هو الوحید الذی یستحق العبودیّة،  لا المخلوقات الضعیفة المحتاجة کالفراعنة والأصنام!

ولنرَ الآن ماذا کان تعامل فرعون وآل فرعون مع الأدلة المنطقیة والمعجزات البینة لموسى(علیه السلام)؟

یقول القرآن الکریم فی الآیة التالیة: (فلمّا جاءهم بآیاتنا إذا هم منها یضحکون) وهذا الموقف هو الموقف الأوّل لکل الطواغیت والجهال المستکبرین أمام القادة الحقیقیین، إذ لا یأخذون دعوتهم وأدلتهم بجدیة لیبحثوا فیها ویصلوا إلى الحقیقة، ثمّ یجیبونهم بسخریة واستهزاء لیُفهموا الآخرین أنّ دعوة هؤلاء  لا تستحق البحث والتحقیق والإجابة أصلاً، ولیست أهلاً للتلقی الجاد.

إلاّ أننا أرسلنا بآیاتنا الواحدة تلو الاُخرى لإتمام الحجة: (وما نریهم من آیة إلاّ هی أکبر من أخته)(1).

والخلاصة: أنّنا أریناهم آیاتنا کل واحدة أعظم من أختها وأبلغ وأشد، لئلا یبقى لهم أی عذر وحجّة، ولینزلوا عن دابة الغرور والعجب والأنانیة، وقد أریناهم بعد معجزتی العصا والید البیضاء معاجز الطوفان والجراد والقمل والضفادع وغیره(2).

ثمّ تضیف الآیة: (وأخذناهم بالعذاب لعلّهم یرجعون) فمرّة أتاهم الجفاف والقحط ونقص الثمرات کما جاء فی الآیة 130 من سورة الأعراف: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنین ونقص من الثّمرات).

وکان العذاب أحیاناً بتبدل لون ماء النیل إلى لون الدم، فلم یعد صالحاً للشرب، ولا للزراعة، وأحیاناً کانت الآفات النباتیة تقضی على مزارعهم.

إنّ هذه الحوادث المرّة الألیمة وإن کانت تنبه هؤلاء بصورة مؤقتة، فیلجأون إلى موسى، غیر أنّهم بمجرّد أن تهدأ العاصفة ینسون کل شیء، ویجعلون موسى غرضاً لسهام أنواع التهم، کما نقرأ ذلک فی الآیة التالیة: (وقالوا یا أیّها السّاحر ادع لنا ربّک بما عهد عندک إنّنا لمهتدون).

أی تعبیر عجیب هذا؟! فهم من جانب یسمونه ساحراً، ومن جانب آخر یلجأون إلیه لرفع البلاء عنهم، ومن جانب ثالث یعدونه بتقبل الهدایة!

إنّ عدم الإنسجام بین هذه الاُمور الثلاثة فی الظاهر أصبح سبباً فی اختلاف التفاسیر:

فذهب البعض: إنّ الساحر هنا یعنی العالم، لأنّهم کانوا یعظمون السحرة فی ذلک الزمان، وخاصّة فی مصر، وکانوا ینظرون إلیهم نظرتهم إلى العلماء.

واحتمل البعض أن یکون السحر هنا بمعنى القیام بأمر مهم، کما نقول فی محادثاتنا الیومیة: إنّ فلاناً ماهر فی عمله جدّاً حتى کأنه یقوم بأعمال سحریة!

وقالوا تارة: إنّ المراد أنّه ساحر بنظر جماعة من الناس.

وأمثال هذه التفاسیر.

إلاّ أنّ العارفین بطریقة تفکیر وتحدث الجاهلین المعجبین بأنفسهم والمستکبرین المغرورین والطواغیت یعلمون أنّ لهؤلاء الکثیر من هذه التعابیر المتناقضة، فلا عجب من أن یسمّوه ساحراً أوّلاً، ثمّ یلجأون إلیه لرفع البلاء، وأخیراً یعدونه بالإهتداء.

بناء على هذا فیجب الحفاظ على ظاهر تعبیرات الآیة والوقوف عندها، إذ  لا تبدو هناک حاجة إلى توجیهات وتفاسیر اُخرى.

وعلى أیة حال، فیظهر من أسلوب الآیة أنّهم کانوا یعدون موسى(علیه السلام) وعوداً کاذبة فی نفس الوقت الذی هم بأمس الحاجة إلیه، وحتى فی حال المسکنة وعرض الحاجة لم یتخلوا عن غرورهم، ولذلک عبروا فی طلبهم من موسى ب(ربک) و(بما عهد عندک) ولم یقولوا: ربّنا، وما وعدنا، أبداً، مع أنّ موسى قال لهم بصراحة: إنّی رسول ربّ العالمین، لا رسول ربّی.

أجل، إن ضعاف العقول والمغرورین إذا ما تربعوا على عرش الحکم، فسیکون هذا منطقهم وعرفهم وأسلوبهم.

إلاّ أن موسى رغم کل هذه التعبیرات اللاذعة والمحقرة لم یکفّ عن السعی لهدایتهم مطلقاً، ولم ییأس بسبب عنادهم وتعصبهم، بل استمرّ فی طریقه، ودعا ربّه مرات کی تهدأ عواصف البلاء، وهدأت، لکنّهم کما تقول الآیة التالیة: (فلمّا کشفنا عنهم العذاب إذا هم ینکثون).

کل هذه دروس حیّة وبلیغة للمسلمین، وتسلیة للنّبی(صلى الله علیه وآله) لکی لا ینثنوا مطلقاً أمام عناد المخالفین وتصلبهم، ولا یدعوا الیأس یخیم على أرواحهم وأنفسهم، بل ینبغی أن یشقوا طریقهم بکل ثبات ورجولة وحزم، کما ثبت موسى(علیه السلام) وبنو إسرائیل على مواقفهم، واستمرّوا فی طریقهم حتى انتصروا على الفراعنة.

وهی أیضاً تحذیر للأعداء اللجوجین المعاندین، بأنّهم لیسوا أقوى من فرعون وآل فرعون ولا أشد، فلینظروا عاقبة أمر اُولئک، ولیتفکروا فی عاقبتهم.


1. التعبیر بـ «الأخت» فی لغة العرب یعنی ما یوازی الشیء فی الجنس والمرتبة کالأختین.
2. جاء تفصیل المعجزات التسع لموسى بن عمران(علیه السلام) فی ذیل الآیة 101 من سورة الإسراء.
سورة الزّخرف / الآیة 46 ـ 50 سورة الزّخرف / الآیة 51 ـ 56
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma