لقد بیّن القرآن الکریم آثاراً کثیرة للتقوى، ومن جملتها إزالة الحجب عن فکر الإنسان وقلبه.

وقد أشار القرآن الکریم إلى إرتباط «الإیمان والتقوى» مع «البصیرة» منها قوله تعالى: (یاأیّها الّذین آمنوا إن تتّقوا الله یجعل لکم فرقان).(1)

ومنها قوله تعالى: (واتّقوا الله ویعلّمکم الله).(2)

وجاء هذا المعنى صراحةً فی الآیات مورد البحث حیث قال تعالى: (لئلاّ یعلم أهل الکتاب ألاّ یقدرون على شىء من فضل اللّه وأنّ الفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء واللّه ذوالفضل العظیم) على ضوئه تستطیعون السیر.

والعلاقة بین هاتین الآیتین ـ بالإضافة إلى الجوانب المعنویة التی بقیت مجهولة لنا ـ قابلة للإدراک العقلی أیضاً، لأنّ أکبر حاجز عن المعرفة وأهمّ مانع لها هو الحجاب الذی یغطّی قلب الإنسان، والذی هو هوى النفس والنزعات الذاتیة والأمانی الفارغة، والآمال البعیدة، والوقوع فی أسر المادّة ومغریات الدنیا، حیث لا تسمح للإنسان أن یرى الحقائق بصورتها الطبیعیة، وبالتالی فإنّ الحکم على الأشیاء یکون بعیداً فی منطق العقل والصواب.

إلاّ أنّ إستقرار الإیمان والتقوى فی القلوب یبدّد هذه الحجب ویزیل عتمتها وظلامها عن صفحة القلب، ویجعل الروح الإنسانیة تفیض بشمس الحقیقة وتتعرّف على الحقائق بصورتها الناصعة وتشعر باللذّة والنشوة من هذا الإدراک الصحیح والعمیق للأشیاء، وتتفتّح أمامه السبل السلیمة للأهداف المقدّسة التی یسعى نحوها ویتقدّم باتّجاهها.

نعم إنّ التقوى هی التی تعطی للإنسان الوعی والوضوح، کما أنّ الوعی یعطی للإنسان التقوى، أی أنّ لکلّ من التقوى والوعی تأثیر متبادل بعضهما على البعض الآخر.

ونقرأ هنا فی حدیث معروف یقول: «لولا أنّ الشیاطین یحومون على قلوب بنی آدم لنظروا إلى ملکوت السماوات».

ولإدراک هذا الحدیث نصغی لما قاله الإمام علی(علیه السلام): «لا دین مع هوى، لا عقل مع هوى، من اتّبع هواه أعماه وأصمّه، وأذلّه وأضلّه»(3).

ربّاه، احفظنا من هوى النفس وتفضّل علینا بالتقوى والبصیرة.

إلهنا، کلّ الفضل والرحمة بیدک، فلا تحرمنا من فضلک العظیم.

ربّنا، وفّقنا لإقامة الحقّ والعدل والقسط وحراسة حدود الکتاب والمیزان والوقوف بوجه الظالمین.

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سورة الحدید

1. الأنفال، 29.
2. البقرة، 282.
3. کان لنا بحث مفصّل فی هذا المجال فی نهایة الآیة 29 من سورة الأنفال.