الهدف الأساس من بعثة الأنبیاء:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الحدید / الآیة 251ـ الحدود بین القوّة والمنطق

ابتدأ الله سبحانه وتعالى عباده بالنعم فکانت رحمته ولطفه ومغفرته، ونعمه الکثیرة التی لا تحصى والتی اُشیر إلیها فی الآیات السابقة... ولأنّ هذه النعم تحتاج إلى تقنین فی استعمالها، ونظم وشرائط لنیل نتائجها المرجوّة، لذا فانّه یحتاج إلى قیادة تقوم بمباشرتها والإشراف علیها وإعطاء التوجیهات الإلهیة بشأنها، وهؤلاء القادة یجب أن یکونوا (قادة إلهیین) والآیة مورد البحث ـ التی تعتبر من أکثر الآیات القرآنیة محتوى ـ تشیر إلى هذا المعنى، وتبیّن هدف إرسال الأنبیاء ومناهجهم بصورة دقیقة، حیث یقول سبحانه: (لقد أرسلنا رسلنا بالبیّنات وأنزلنا معهم الکتاب والمیزان لیقوم النّاس بالقسط).

«البیّنات» هی الدلائل الواضحة، ولها معنى واسع یشمل المعجزات والدلائل العقلیّة التی تسلّح بها الأنبیاء والرسل الإلهیّون.

المقصود من (کتاب) هو نفس الکتب السماویة، ولأنّ روح وحقیقة الجمیع شیء واحد، لذا فإنّ التعبیر بـ (کتاب) جاء بصیغة مفرد.

وأمّا «المیزان» فیعنی وسیلة للوزن والقیاس، ومصداقها الحسّی هو المیزان الذی یقاس به وزن البضائع، ومن الواضح أنّ المقصود هو المصداق المعنوی، أی الشیء الذی نستطیع أن نقیس به کلّ أعمال الإنسان، وهی الأحکام والقوانین الإلهیّة أو الأفکار والمفاهیم الربّانیة، أو جمیع هذه الاُمور التی هی معیار لقیاس الأعمال الصالحة والسیّئة.

وبهذه الصورة فإنّ الأنبیاء کانوا مسلّحین بثلاث وسائل وهی: «الدلائل الواضحة»، و«الکتب السماویة»، و«معیار قیاس الحقّ من الباطل» والجیّد من الردیء. ولا یوجد مانع من أن یکون القرآن (بیّنة) أی معجزة، وهو کذلک کتاب سماوی ومبیّن للأحکام والقوانین، أی أنّ الأبعاد الثلاثة تصبّ فی محتوى واحد وهی موجودة فی القرآن الکریم.

وعلى کلّ حال، فإنّ الهدف من تعبئة هؤلاء الرجال العظام بهذه الأسلحة الأساسیة، هو إقامة القسط والعدل.

وفی الحقیقة أنّ هذه الآیة تشیر إلى أحد الأهداف العدیدة لارسال الرسل، لأنّنا نعلم أنّ بعث الأنبیاء وسعیهم کان من أجل أهداف عدّة:

منها: التعلیم والتربیة، کما جاء فی الآیة التالیة: (هو الّذی بعث فی الاُمّیّین رسولا منهم یتلو علیهم آیاته ویزکّیهم ویعلّمهم الکتاب والحکمة...)(1).

والهدف الآخر کسر الأغلال والقیود التی أسّرت الإنسان، کما قال تعالى: (ویضع عنهم إصرهم والأغلال الّتی کانت علیهم)(2).

والهدف الثالث إکمال القیم الأخلاقیة، کما جاء فی الحدیث المشهور: «بعثت لاُتمّم مکارم الأخلاق»(3).

والهدف الرابع إقامة القسط والعدل، الذی اُشیر إلیه فی الآیة مورد البحث.

وبهذا الترتیب نستطیع تلخیص بعثة الأنبیاء فی الأهداف التالیة: (الثقافیة، الأخلاقیة، السیاسیة، الاجتماعیة).

ومن الواضح أنّ المقصود من الرسل فی الآیة مورد البحث، وبقرینة إنزال الکتب، هم الأنبیاء اُولی العزم ومن یمثّلهم.

وممّا یجدر ذکره أنّ المقصود من التعبیر القرآنی: (لیقوم النّاس بالقسط) أی أن یتحرّک الناس أنفسهم لتحقیق القسط، ولیس المقصود أن یلزم الأنبیاء على إقامة القسط، ولهذا یمکن القول بأنّ المراد من الآیة وهدفها هو أن یعمل الناس بمفاهیم القسط ویتحرّکوا لتطبیقها.

والمهمّ أن یتربّى الناس على العدل والقسط بحیث یصبحون واعین له داعین إلیه، منفّذین لبرامجه وسائرین فی هذا الإتّجاه بأنفسهم.

ثمّ إنّ أی مجتمع إنسانی مهما کان مستواه الأخلاقی والاجتماعی والعقائدی والروحی عالیاً، فإنّ ذلک لا یمنع من وجود أشخاص یسلکون طریق العتو والطغیان، ویقفون فی طریق القسط والعدل، واستمراراً لمنهج الآیة هذه یقول سبحانه: (وأنزلنا الحدید فیه بأس شدید ومنافع للنّاس).

نعم، إنّ هذه الأسلحة الثلاثة التی وضعت تحت تصرّف الأنبیاء هی بهدف أن تکون الأفکار والمفاهیم التی جاء بها الأنبیاء فاعلة ومؤثّرة، وتحقّق أهدافها المنشودة، فقد وضع الحدید والبأس الشدید فی خدمة رسل الله.

وبالرغم من أنّ البعض یتصوّر أنّ تعبیر (أنزلن) یعکس لنا أنّ الحدید جاء من کرات سماویة إلى الأرض، إلاّ أنّ الصحیح أنّ التعبیر بـ (الإنزال) فی مثل هذه الحالات هو إشارة إلى الهبات التی تعطى من المقام الأعلى إلى المستوى الأدنى، ولأنّ خزائن کلّ شیء عند الله تعالى فهو الذی خلق الحدید لمنافع مختلفة، فعبّر عنه بالإنزال، وهنا حدیث لأمیر المؤمنین(علیه السلام) فی تفسیره لهذا القسم من الآیة حیث قال: «إنزاله ذلک خلقه إیّاه»(4).

کما نقرأ فی الآیة 6 من سورة الزمر حول الحیوانات حیث یقول سبحانه: (وأنزل لکم من الأنعام ثمانیة أزواج).

وفسّر البعض (أنزلن) بأنّها من مادّة (نزل) على وزن (شبر) بمعنى الشیء الذی یهیّأ لإستقبال الضیوف، ولکن الظاهر أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب.

«البأس» فی اللغة بمعنى الشدّة والقسوة والقدرة، ویقال للحرب والمبارزة (بأس) أیضاً، ولذا فإنّ المفسّرین فسّروها بأنّها الوسائل الحربیة، أعمّ من الدفاعیة والهجومیة، ونقل فی روایة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة أنّه قال: «یعنی السلاح وغیر ذلک»(5).

والواضح أنّ هذا من قبیل بیان المصداق.

والمقصود من «المنافع» هنا هو کلّ ما یفید الإنسان من الحدید، وتتبیّن الأهمیّة البالغة للحدید فی حیاة الإنسان أنّ البشریة قد بدأت عصراً جدیداً بعد إکتشافه، سمّی بعصر الحدید، لأنّ هذا الإکتشاف قد غیّر الکثیر من معالم الحیاة فی أغلب المجالات، وهذا یمثّل أبعاد کلمة (المنافع) فی الآیة الکریمة أعلاه.

وقد اُشیر إلى هذا المعنى بآیات مختلفة فی القرآن، منها قوله تعالى بشأن تصمیم ذی القرنین على صنع سدّه العظیم: (آتونی زبر الحدید)(6).

وکذلک قوله سبحانه: (وألنّا له الحدید * أن اعمل سابغات)(7) وذلک عندما شمل لطفه عزّوجلّ داود(علیه السلام) بتلیین الحدید له لیستطیع أن یصنع دروعاً منه یقلّل فیها أخطار الحروب وهجمات العدو.

ثمّ یشیر سبحانه إلى هدف آخر من أهداف ارسال الأنبیاء وإنزال الکتب السماویة، وخلقه وتسخیره الوسائل المفیدة للإنسان کالحدید مثلا، حیث یقول تعالى: (ولیعلم الله من ینصره ورسله بالغیب).

المقصود من (علم الله) هنا هو التحقّق العینی لیتوضّح من هم الأشخاص الذین یقومون بنصرة الله ومبدئه، ویقومون بالقسط؟ ومن هم الأشخاص الذین یتخلّفون عن القیام بهذه المسؤولیة العظیمة؟

ومفهوم هذه الآیة یشبه ما ورد فی قوله تعالى: (ما کان الله لیذر المؤمنین على ما أنتم علیه حتّى یمیز الخبیث من الطّیّب)(8).

وبهذه الصورة نلاحظ أنّ المسألة هنا مسألة إختبار وتمحیص واستخراج الصفوة التی استجابت لمسؤولیتها والقیام بواجبها الإلهی، وهذا هو هدف آخر من الأهداف الأساسیة فی هذا البرنامج.

ومن الطبیعی أنّ المقصود بـ (نصرة الله) أنّها نصرة الدین والمبدأ والحاملین وحی الرسالة، وإقامة الحقّ والقسط... وإلاّ فإنّ الله لیس بحاجة إلى نصرة أحد، بل الکلّ محتاج إلیه، ولتأکید هذا المعنى تنتهی الآیة بقوله تعالى: (إنّ الله قوىّ عزیز).

حیث بإمکانه سبحانه أن یغیّر ما یشاء من العالم، بل یقلبه رأساً على عقب بإشارة واحدة، ویهلک أعداءه، وینصر أولیاءه... وبما أنّ الهدف الأساس له سبحانه هو التربیة وتکامل البشر، لذا فقد دعاهم عزّوجلّ إلى نصرة مبدأ الحقّ.


1. الجمعة، 2.
2. الأعراف، 157.
3. بحارالأنوار، ج 71، ص 373، (باب حسن الخُلُق نهایة، ح 1).
4. الکهف، 96.
5. سبأ، 10 و11.
6. آل عمران، 179.
7. تفسیر نور الثقلین، ج 5، ص 250، ح 100.
8. المصدر السابق، ح 101.
سورة الحدید / الآیة 251ـ الحدود بین القوّة والمنطق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma