1ـ لحظة ضعف الجبّارین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
عندما تصل الروح إلى الحلقوم:2ـ هل أنّ قبض الروح یکون تدریجیّاً؟

إنّ الهدف من هذه الآیات ـ فی الحقیقة ـ هو بیان قدرة الله عزّوجلّ على مسألة الموت والحیاة، کی ینتقل منها إلى مسألة المعاد واختیار لحظات الاحتضار والموت هنا لظهور غایة الضعف الإنسانی بالرغم من کلّ القوّة التی یتصوّرها لنفسه.

ومن المفید أن نستعرض بعض حالات الجبّارین لحظة إحتضارهم بالرغم من أنّهم کانوا فی أوج القدرة حتى یتّضح المعنى العمیق لهذه الآیة بصورة أفضل.

حکى المسعودی فی مروج الذهب فی أخبار المأمون وغزاته أرض الروم ما هذا ملخّصه: وإنصرف من غزاته إلى منزل على (عین البدیدون) المعروفة بالقشیرة فأقام هنالک، فوقف على العین فأعجبه برد مائها وصفاؤه وبیاضه وطیب حسن الموضع، وکثرة الخضرة فأمر بقطع خشب طویل منبسط على العین کالجسر، وجعل فوقه کالأزج من الخشب وورق الشجر، وجلس تحت الکنسیة التی عقدت له، والماء تحته، وطرح فی الماء درهم صحیح، فقرأ کتابته وهو فی قرار الماء لصفاء الماء، ولم یقدر أحد أن یدخل یده من شدّة برده.

فبینما هو کذلک إذ لاحت سمکة نحو الذراع کأنّها سبیکة فضّة، فجعل لمن یخرجها سیفاً فبدر بعض الفراشین فأخذها وصعد فلمّا صارت على جرف العین أو على الخشب الذی علیه المأمون اضطربت وإنفلتت من ید الفراش فوقعت فی الماء کالحجر، فنضح من الماء على صدر المأمون ونحره وترقوته فبلّت ثوبه، ثمّ إنحدر الفرّاش ثانیة فأخذها ووضعها بین یدی المأمون فی مندیل تضطرب، فقال المأمون: تقلى الساعة ثمّ أخذته رعدة من ساعته، فلم یقدر أن یتحرّک من مکانه، فغطّی باللحف والدواویج وهو یرتعد کالسعفة ویصیح: البرد البرد، ثمّ حوّل إلى المغرب ودثّر واُوقدت النیران حوله وهو یصیح: البرد البرد، ثمّ اُتی بالسمکة وقد فرغ من قلیها فلم یقدر على الذوق منها وشغله ما هو فیه عن تناول شیء منها.

ولمّا اشتدّ به الأمر سأل المعتصم بختیشوع وابن ماسویه فی ذلک الوقت عن المأمون وهو فی سکرات الموت، وما الذی یدلّ علیه علم الطبّ من أمره، وهل یمکن برؤه وشفاؤه، فتقدّم ابن ماسویه وأخذ إحدى یدیه وبختیشوع الاُخرى، وأخذا یجسّان کلتا یدیه فوجدا نبضه خارجاً عن الإعتدال منذراً بالفناء والإنحلال، والتزقت أیدیهما ببشرته لعرق کان یظهر منه من سائر جسده کالزیت أو کلعاب بعض الأفاعی، فأخبر المعتصم بذلک، فسألهما عن ذلک فأنکرا معرفته، وأنّهما لم یجداه فی شیء من الکتب وأنّه دالّ على إنحلال الجسد، فأحضر المعتصم الأطباء حوله وهو یأمل خلاصه ممّا هو فیه، فلمّا ثقل قال: أخرجونی أشرف على عسکری وأنظر إلى رحالی وأتبیّن ملکی، وذلک فی اللیل، فاُخرج فأشرف على الخیم والجیش وإنتشاره وکثرته وما قد وقد من النیران، فقال: یامن لا یزول ملکه، إرحم من زال ملکه، ثمّ ردّ إلى مرقده وأجلس المعتصم رجلا یشهِّده.

ولمّا ثقل رفع الرجل صوته لیقولها (أی الشهادة) فقال له ابن ماسویه: لا تصح فوالله ما

یفرّق بین ربّه وبین مانی فی هذا الوقت، ففتح عینیه من ساعته وبهما من العظمة والکبر والإحمرار ما لم یر مثله قطّ، وأقبل یحاول البطش بیدیه بابن ماسویه، ورام مخاطبته فعجز عن ذلک، وقضى عن ساعته وذلک لثلاث عشرة لیلة بقیت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتین وحمل إلى طرطوس فدفن به(1).

ویحتمل أن یکون لمرضه سابقة، ویقول بعض المؤرخّین: إنّ کلّ شخص شرب من ماء تلک العین مرض، أو أنّ السمکة کانت تحتوی على رشح سامّ، وکیفما کان فإنّ الحکومة بتلک العظمة قد إنهارت فی بضع لحظات، وانحنى بطل میادین الحرب أمام شراع الموت، ولم تکن القدرة لأی شخص أن یصنع شیئاً للمأمون، أو على الأقل لیوصله إلى مقرّه ومسکنه.

وللتاریخ خواطر وقصص کثیرة فیها دروس وعبر من هذا القبیل.


1. مروج الذهب، طبق لنقل سفینة البحار، ج1، ص44. 
عندما تصل الروح إلى الحلقوم:2ـ هل أنّ قبض الروح یکون تدریجیّاً؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma