من الذی خلق الماء والنار؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الواقعة / الآیة 68 ـ 74 بحث

یشیر سبحانه فی هذه الآیات إلى سادس وسابع دلیل للمعاد فی هذا القسم من آیات سورة الواقعة، التی تبیّن قدرة الله تعالى على إحیاء الموتى، بل فی کلّ شیء.

(أفرأیتم الماء الّذی تشربون).

(أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون).

«مزن»: على وزن (حزن) کما یقول الراغب فی المفردات تعنی (الغیوم البیضاء) وفسّرها البعض بأنّها (الغیوم الممطرة)(1).

إنّ هذه الآیات تجعل الوجدان الإنسانی أمام استفسارات عدّة کی تأخذ إقراراً منه، حیث یسأل الله سبحانه: هل فکّرتم بالماء الذی تشربونه باستمرار والذی هو سرّ حیاتکم؟

وهل تدبّرتم من الذی یأمر الشمس بالشروق على صفحات المحیط حیث تفصل جزئیات الماء الخالص الحلو والطاهر من بین المیاه المالحة؟

وهل علمتم من الذی یحمل هذا البخار نحو السماء؟

ومن الذی یأمر البخار بالتجمّع وتشکیل غیوم الأمطار؟

ومن الذی یأمر الریاح بالتحرّک وحمل الغیوم إلى الأراضی القاحلة والمیتة؟

ومن الذی یمنح للطبقات العلیا فی الجوّ هذه الخاصیّة من البرودة بحیث تمنح استمرار صعود البخار نحو الأعلى، کی یتحوّل البخار إلى قطرات صغیرة وملائمة تسقط على الأرض بهدوء وتعاقب؟

وهل نعلم ماذا سیحدث لو إنقطعت الشمس عن الشروق لمدّة سنة واحدة؟

أو توقّفت الریاح عن التحرّک؟

أو رفضت الطبقات العلیا حفظ البخار من الصعود إلى الأعلى؟

أو حبسته من النّزول إلى الأرض؟

لا شکّ أنّ الذی سیحدث یمثّل کارثة، حیث یموت الزرع والنخیل وتهلک مزارعکم وحدائقکم وحیواناتکم، بل ستهلکون أنتم من الظمأ أیضاً.

إنّ القوّة التی أعطت هذه القدرة ومنحت کلّ هذه النعم والبرکات العظیمة، بما أودعته من قوانین ونظم فی عالم الخلق، أتظنّون أنّها غیر قادرة على إحیاء الموتى؟

وهل أنّ إحیاء الموتى غیر هذا؟

ألیس إحیاء الأراضی المیتة نوعاً من أنواع إحیاء الموتى؟

نعم، إنّه دلیل على ذلک، وهو دلیل على التوحید وعظمة القدرة الإلهیّة، ودلیل أیضاً على الحشر والمعاد.

وإذا لاحظنا فی الآیات أعلاه عملیة استعراض لماء الشرب ـ فقط ـ وعدم التحدّث عن تأثیره فی حیاة الحیوانات أو النباتات فإنّ السبب هو الأهمیّة البالغة للماء فی حیاة الإنسان نفسه، بالإضافة إلى أنّه قد اُشیر له فی الآیات السابقة فی حدیث الزرع، لذا لا حاجة لتکرار ذلک.

والطریف هنا أنّ أهمیّة الماء وتأثیره فی حیاة الإنسان تزداد مع مرور الزمن وتقدّم الصناعة والعلم والمعرفة الإنسانیة، فالإنسان الصناعی یحتاج إلى الماء بصورة متزایدة، لذلک فإنّ کثیراً من المؤسسات الصناعیة العظیمة لا تکون لها القدرة على الفاعلیة إلاّ حینما تکون على ضفاف الأنهار العظیمة.

وأخیراً ـ ولإکمال البحث فی الآیة اللاحقة ـ یقول سبحانه: (لو نشاء جعلناه اُجاجاً فلولا تشکرون)(2).

نعم، لو أراد الله تعالى، للأملاح المذابة فی میاه البحار أن تتبخّر مع ذرّات الماء، وتصعد إلى السماء معها وتشکّل غیوماً مالحة ومرّة، وتنزل قطرات المطر مالحة مرّة أیضاً کمیاه البحر، فهل هنالک من قوّة تمنعه؟ ولکنّه بقدرته الکاملة لم یسمح للأملاح بذلک، ولا للمکروبات ـ أیضاً ـ أن تصعد إلى السماء مع بخار الماء، ولهذا فإنّ قطرات المطر عندما یکون الجوّ غیر ملوّث تعتبر أنقى وأطهر وأعذب المیاه.

«اُجاج»: من مادّة (أجّ) على وزن (حجّ) وقد أخذت فی الأصل من «أجیج النار» یعنی إشتعالها وإحتراقها، ویقال «اُجاج» للمیاه التی تحرق الفمّ عند شربها لشدّة ملوحتها ومرارتها وحرارتها.

نختتم حدیثنا هذا بحدیث لرسول الله (صلى الله علیه وآله) حیث ذکر الرواة أنّ النّبی کان إذا شرب الماء قال: «الحمد لله الذی سقانا عذباً فراتاً برحمته، ولم یجعله ملحاً اُجاجاً بذنوبنا»(3).

وأخیراً نصل إلى سابع ـ وآخر ـ دلیل للمعاد فی هذه السلسلة من الآیات الکریمة، وهو خلق النار التی هی أهمّ وسیلة لحیاة الإنسان وأکثرها أهمیّة له فی المجالات الصناعیة المختلفة، حیث یقول سبحانه: (أفرأیتم النّار الّتی تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤن).

«تورون»: من مادّة (ورى) على وزن (نفى) بمعنى الستر، ویقال للنار التی تکون مخفیة فی الوسائل التی لها القابلیة على الإشتعال والتی تظهر بشرارة، ویقال «ورى» و«ایراء».

وتوضیح ذلک: إنّ لإشعال النار وإیجاد الشرارة الاُولى، والتی تستحصل الیوم بواسطة الکبریت والقداحات وما إلى ذلک، فإنّهم کانوا یحصلون علیها من الحدید والحجر المخصّص للقدح، حیث تظهر الشرارة بضرب الواحد بالآخر، أمّا أعراب الحجاز فکانوا یستفیدون من نوعین من الشجر الخاصّ الذی ینمو فی الصحراء وهما (المرخ) و(العفار) حیث یأخذون قطعتی خشب ویضعون الاُولى أسفل والعفار فوقه فتتولّد الشرارة منها کما تتولّد من الحجر المستعمل للقدح.

وفسّر أغلب المفسّرین الآیة بأنّها دلیل آخر على قدرة الله البالغة فی النار المخفیة فی خشب الأشجار الخضراء کمولّد للشرر والنار، فی الوقت الذی تکون فیه الأشجار الخضراء مشبّعة بالماء، فأین الماء؟ وأین النار؟

هذا الخالق العظیم الذی یتمیّز بهذه القدرة، الذی وضع الماء والنار جنباً إلى جنب، الواحد داخل الآخر، کیف لا یستطیع أن یلبس الموتى لباس الحیاة، ویحییهم فی الحشر.

وقد ورد دلیل شبیه بهذا حول المعاد فی آخر آیات سورة «یس» أیضاً یقول تعالى: (الّذی جعل لکم من الشّجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون).(4)

ولکن کما ذکرنا فی تفسیر الآیة أعلاه فإنّ تعبیر القرآن یمکن أن یکون إشارة إلى دلیل أظرف، وهو حشر وتحرّر الطاقات وإنطلاقها.

وبتعبیر آخر: فإنّ الحدیث هنا لیس فقط عن (القادحات) بل عن المواد التی لدیها قابلیة الإشتعال ـ کالخشب والحطب ـ حیث تولّد عند إحتراقها کلّ هذه الحرارة والطاقة.

وتوضیح ذلک: أنّه ثبت من الناحیة العلمیة أنّ النار التی نشاهدها الیوم عند إحتراق الأخشاب هی نفس الحرارة التی أخذتها الأشجار من الشمس على مرّ السنین وادّخرتها فی داخلها، فنحن نتصوّر أنّ أشعّة الشمس طیلة إشراقها على الشجر خلال خمسین سنة قد ذهبت آثارها غافلین عن أنّ حرارتها قد ادّخرت فی الشجرة، وعندما تصل شرارة النار إلى الأخشاب الیابسة تبدأ بالإحتراق وتطلق الحرارة الکامنة فیها.

وبذلک یکون هنا أیضاً معاد ومحشر وتحیا الطاقات من جدید مرّة اُخرى، ولسان حال الأشجار یقول: إنّ الخالق الذی هیّأ لنا الحشر قادر أن یهیّأ لکم حشراً یابنی البشر، (ولمزید من الإطلاع فی هذا المجال راجعوا البحث المفصّل الذی بیّناه فی الآیة من سورة یس).

جملة (تورون) ـ بمعنى إشعال النار ـ بالرغم من أنّها فسّرت هنا بما یستفاد منه تولید النار، إلاّ أنّه لا مانع من أن تشمل الأشیاء المشتعلة أیضاً کالحطب باعتباره ناراً خفیّة تظهر وقت توفّر الشروط المناسبة لها.

ولا تنافی بین المعنیین، حیث المعنى الأوّل یفهمه العامّة من الناس، والثانی أدقّ، یتوضّح مع مرور الزمن وتقدّم العلم والمعرفة.

وفی الآیة اللاحقة یضیف مؤکّداً الأبحاث أعلاه بقوله سبحانه: (نحن جعلناها تذکرةً ومتاعاً للمقوین).

إنّ عودة النار من داخل الأشجار الخضراء تذکّرنا برجوع الأرواح إلى الأبدان فی الحشر من جهة، ومن جهة اُخرى تذکّرنا هذه النار بنار جهنّم.

یقول الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) «نارکم هذه التی توقدون جزء من سبعین جزءاً من نار جهنّم»(5).

أمّا تعبیر (متاعاً للمقوین) فإنّه إشارة قصیرة ومعبّرة للفوائد الدنیویة لهذه النار، وقد ورد تفسیران لمعنى المقوین:

الأوّل: أنّ (مقوین) من مادّة (قواء) على وزن (کتاب) بمعنى الصحراء الیابسة المقفرة، ولهذا اُطلقت کلمة (المقوین) على الأشخاص الذین یسیرون فی الصحاری، ولأنّ أفراد البادیة فقراء، لذا فقد جاء هذا التعبیر بمعنى «الفقیر» أیضاً.

والتّفسیر الثانی: أنّ (مقوین) من مادّة (قوّة) بمعنى أصحاب القوّة، وبناءً على هذا فإنّ المصطلح المذکور هو من الکلمات التی تستعمل بمعنیین متضادّین(6).

صحیح أنّ النار هی مورد استفادة الجمیع ـ ولکن المسافرین یستفیدون منها ویعتمدون علیها فی الدفء والطهی وخاصّة فی أسفارهم فی الأزمنة القدیمة أکثر من الآخرین.

واستفادة «الأقویاء» من النار واضحة أیضاً، وذلک لإتّساع المجالات التی یستعملون النار فیها فی اُمور حیاتهم المختلفة، خصوصاً مع اتّساع دائرة البحث العلمی کما فی عالمنا المعاصر، حیث إنّ الحرارة الناشئة من أنواع النار تحرّک عجلة المصانع العظیمة، وإذا ما تعطّلت هذه الوسیلة المهمّة وإنطفأت شعلتها العظیمة ـ والتی جمیعها من الشجر ـ بما فی ذلک النار المأخوذة من الفحم الحجری أو المواد النفطیة حیث ترجع إلى النباتات بصورة مباشرة أو غیر مباشرة ـ فإنّها ستتعطّل الحیاة المدنیة، بل وستنطفیء حیاة الإنسان أیضاً.

وبدون شکّ فإنّ النار من أهمّ إکتشافات البشر، فی حین أنّ الله تعالى هو الذی أوجدها ودور الإنسان فیها بسیط وعادی جدّاً.

لقد قفز إکتشاف النار بالإنسانیة مرحلة مهمّة حیث بدأت تسیر من ذلک الوقت فی مراحل جدیدة من التمدّن والرقی.

نعم هذه الحقائق جمیعاً عبّر عنها القرآن الکریم بجملة قصیرة: (نحن جعلناها تذکرة ومتاعاً للمقوین).

وممّا یجدر ذکره أنّ الآیة أعلاه استعرضت فی البدایة الفوائد المعنویة للنار، والتی تذکّرنا بیوم القیامة، والتی هی محور الحدیث فی هذا البحث، ثمّ إنتقلت إلى ذکر تفاصیل الفوائد الدنیویة لها، لأنّ للناحیة الاُولى أهمیّة أکثر، بل تمثّل الأصل والأساس فی البحث.

بعد ذکر النعم الثلاث (الحبوب الغذائیة، والماء، والنار) والتی روعی ترتیب أهمیّتها وفق تسلسل طبیعی ـ لأنّ إهتمام الإنسان یبدأ أوّلا بالحبوب الغذائیة ثمّ یمزجها بالماء ومن ثمّ یطهوها ویهیّؤها للغذاء بواسطة النار ـ یستنتج سبحانه نتیجة مهمّة بعد ما رکّز على أهمیّة هذه النعم للإنسان وذلک بتسبیحه والشکر له تعالى باعتباره المصدر الوحید لهذه النعم... فیقول سبحانه فی آخر آیة مورد البحث: (فسبّح باسم ربّک العظیم)(7).

نعم، إنّ الله الذی خلق کلّ هذه النعم، والتی کلّ منها تذکّرنا بقدرته وتوحیده وعظمته ومعاده، لائق للتسبیح والتنزیه من کلّ عیب ونقص.

إنّه ربّ، وکذلک فإنّه «عظیم» وقادر ومقتدر، وبالرغم من أنّ المخاطب فی هذه الآیة هو الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) إلاّ أنّ من الواضح أنّ جمیع البشر هم المقصودون.


1. لسان العرب، مادّة مزن.
2. فی هذه الجملة حذفت اللام وفی التقدیر هکذا (لو نشاء لجعلناه).
3. تفسیر المراغی، ج27، ص148; وتفسیر روح المعانی، ج27، ص129.
4. یس، 80.
5. تفسیر القرطبی، ج9، ص6392; وتفسیر روح المعانی، ج27، ص131.
6. من الجدیر بالملاحظة أنّ کلمة «متاع» تطلق على کلّ وسیلة یستفید منها الإنسان فی حیاته.7. الباء فی (باسم ربّک) یمکن أن تکون للتعدیة (حیث إنّ الفعل المتعدّی سبّح یؤخذ بمنزلة اللازم) واحتمل البعض أیضاً أنّ الباء هنا جاءت للاستعانة أو زائدة أو ملابسة، إلاّ أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب.
سورة الواقعة / الآیة 68 ـ 74 بحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma