البحار وذخائرها الثمینة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الرّحمن / الآیة 19 ـ 25 1ـ البحر مرکز النعم الإلهیّة

استمراراً لشرح النعم الإلهیّة یأتی الحدیث هنا عن البحار، ولکن لیس عن خصوصیات البحار بصورة عامّة، بل عن کیفیة خاصّة ومقاطع معیّنة منها تمثّل ظواهر عجیبة وآیة على القدرة اللامتناهیة للحقّ، بالإضافة إلى ما فیها من النعم التی هی موضع استفادة البشریة.

یقول تعالى: (مرج البحرین یلتقیان) ولکن بین هذین البحرین المتلاقیین فاصل یمنع من طغیان وغلبة أحدهما على الآخر: (بینهما برزخ لا یبغیان).

مادّة (مرج) على وزن (فلج) بمعنى الاختلاط، أو إرسال الشیء وترکه، وهنا وردت بمعنى ارسال الشیء ووضعه جنباً إلى جنب بقرینة الآیة: (بینهما برزخ لا یبغیان).

المقصود من البحرین هما الماء العذب والماء المالح، وذلک بالاستدلال بقوله تعالى: (وهو الّذی مرج البحرین هذا عذب فرات وهذا ملح اُجاج وجعل بینهما برزخاً وحجراً محجور).(1)

والتساؤل هنا عن مکان هذین البحرین اللذین لا یمتزجان مع بعضهما، وما هو البرزخ الموجود بینهما؟ هناک کلام کثیر بین المفسّرین حول هذه المسألة، إلاّ أنّ بعض التّفسیرات تدلّل على عدم إطّلاعهم على أوضاع البحار فی ذلک الزمان، منها أنّهم ذکروا أنّ المقصود من البحرین هما (بحر فارس وبحر الروم) فی الوقت الذی نعلم أنّ ماء هذین البحرین مالح، ولا یوجد بینهما برزخ.

أو قولهم: إنّ المقصود بذلک هو بحر السماء وبحر الأرض، والذی یکون الأوّل عذباً والثانی مالحاً، فی الوقت الذی نعلم أیضاً بعدم وجود بحر فی السماء باستثناء الغیوم والبخار التی یتبخّر من المحیطات.

وقالوا أیضاً: إنّ المقصود من البحر العذب هو المیاه التی تحت الأرض والتی لا تختلط مع میاه البحار، والبرزخ الموجود بینهما هی جدران هذه الآبار.

فی الوقت الذی نعلم أیضاً أنّ الماء الموجود تحت الأرض أقلّ من أن یشکل بحراً.

نعم إنّ جزئیات الماء المخفیة بین طبقات التراب والرمل تتجمّع تدریجیّاً، وتخرج عندما یحفر بئر فی نقطة معیّنة. وهی کمیّة محدودة بالإضافة إلى عدم وجود اللؤلؤ والمرجان فیها.

إذاً ما هو المقصود من هذین البحرین؟

لقد أشرنا سابقاً إلى هذه الحقیقة فی تفسیر سورة الفرقان، وهی أنّ الأنهار العظیمة ذات المیاه العذبة عندما تصبّ فی البحار والمحیطات فإنّها تشکّل بحراً من الماء الحلو إلى جنب الساحل وتطرد الماء المالح إلى الخلف، والعجیب أنّ هذین الماءین لا یمتزجان مع بعضهما لمدّة طویلة بسبب اختلاف درجة الکثافة. وتلاحظ هذه المناظر بوضوح عند السفر بالطائرة فی المناطق التی تکون فیها هذه الظاهرة، حیث المیاه العذبة تمثّل بحراً منفصلا فی داخل البحر المالح ومنفصلة عنها، وعندما تمتزج أطراف هذین البحرین فإنّ المیاه العذبة الجدیدة تأخذ مکانها بحیث إنّ هذین البحرین منفصلان على الدوام بشکل ملفت للنظر.

والظریف هنا ما یحصل فی حالة (مدّ البحر) فبإرتفاع سطح المحیط إلى الأعلى، فإنّ المیاه العذبة ترجع إلى الداخل دون أن تختلط مع المیاه المالحة ـ باستثناء سنوات الجدب التی تنعدم فیها الأمطار ویشحّ الماء ـ وتغطّی قسماً من الیابسة، لذلک فکثیراً ما تستثمر هذه الحالة بإیجاد أنهار وقنوات فی المناطق الساحلیة حیث تسقى بهذه الطریقة الکثیر من الأراضی الزراعیة.

إنّ هذه الأنهر توجد ببرکة وحرکة (المدّ والجزر) الساحلیتین وتأثیرهما على میاه هذه الأنهار التی تمتلىء وتفرغ مرّتین فی کلّ یوم بالماء العذب، ممّا یتیح فرصة طیّبة لسقی مناطق واسعة من الأراضی الزراعیة.

ویوجد تفسیر رائع آخر لهذین البحرین، حیث قالوا: إنّ المقصود منهما یحتمل أن یکون ظاهرة (کلف استریم) والذی سیأتی شرحها فی آخر هذه الآیات إن شاء الله.

ومرّة اُخرى یخاطب الله تعالى عباده فی معرض حدیثه عن هذه النعم حیث یسألهم سبحانه: (فبأىّ آلاء ربّکما تکذّبان).

واستمراراً لهذا الحدیث یقول عزّوجلّ: (یخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان * فبأىّ آلاء ربّکما تکذّبان).

اللّؤلؤ والمرجان: وسیلتان للتجمیل والزینة، ویستفاد منهما أیضاً فی معالجة بعض الأمراض، کما أنّهما ثروة تجاریة أیضاً ووسیلة جیّدة للربح الوفیر، ولهذه الموارد اُشیر إلیهما کنعمتین إلهیتین للعباد.

أمّا «اللؤلؤ» فهو حبّة شفّافة ثمینة تنمو فی داخل الصدف فی أعماق البحار، وکلّما کبر حجمها زاد ثمنها، ولها استعمالات واسعة فی الطبّ، حیث کان الأطباء سابقاً یستحضرون منها بعض الأدویة التی تفید فی تقویة القلب والأعصاب، وعلاج أنواع الخفقان وتقویة الکبد وعلاج الیرقان، ومعالجة الخوف والوحشة، ورفع الرائحة النتنة من الفمّ، وکذلک الحصى فی الکلیة ولمثانة، ویستفاد منهما أیضاً فی علاج بعض أمراض العین.

«المرجان»: فسّر البعض المرجان بأنّه اللؤلؤ الصغیر، إلاّ أنّه فی الحقیقة شیء آخر، فهو کائن حیّ یشبه الغصن الصغیر للشجرة، وینشأ فی أعماق البحار، وکان العلماء یتصوّرون لفترة زمنیة أنّ هذه الشجرة نوع من أنواع النباتات، إلاّ أنّه اتّضح فیما بعد أنّه نوع من الحیوانات، بالرغم من أنّه یلتصق بالصخور الموجودة فی أعماق البحر ویغطّی مساحات واسعة أحیاناً وینمو تدریجیّاً بحیث یشکّل جزراً تعرف بالجزر المرجانیة، وینمو المرجان غالباً فی المیاه الراکدة، ویصطاده الصیادون من سواحل البحر الأحمر والبحر الأبیض المتوسّط وفی مناطق اُخرى.

وأفضل أنواع المرجان الذی یستعمل للزینة هو المرجان ذو اللون الأحمر، وکلّما کان إحمراره أشدّ کانت قیمته أغلى وأثمن، وهو مادّة خصبة لتشبیهات الشعراء، کما أنّ أردأ أنواع المرجان هو المرجان الأبیض ویوجد بکثرة، وما بین النوعین هو المرجان الأسود.

وإضافة إلى استعمال المرجان کحلیّ وزینة، فإنّ له استعمالات طبیّة حیث ذکروا له خواصاً کثیرة منها أنّه یصنع منه بعض الأدویة الخاصّة بتقویة القلب، وکذلک دفع سمّ الأفعى، وتقویة الأعصاب، ومعالجة الاسهال، ونزیف الرحم، وعلاج الصرع(2).

والنقطة الاُخرى التی یجدر بنا ذکرها هنا أنّ بعض المفسّرین صرّحوا بأنّ اللؤلؤ والمرجان ینشآن فقط فی المیاه المالحة، ممّا أوقعهم فی إشکال فی تفسیر الآیة (یخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان) فذهبوا إلى أنّ المقصود هو أحدهما کما فی الآیة 31 من سورة الزخرف.

إلاّ أنّ مثل هذا التّفسیر لا یدعمه دلیل، حیث صرّح البعض بأنّ اللؤلؤ والمرجان یعیشان فی الماء العذب والمالح على السواء.

واستمراراً لهذا القسم من النعم الإلهیّة یشیر سبحانه إلى موضوع (السفن) التی هی فی الحقیقة أکبر وأهمّ وسیلة لنقل البشر وحمل الأمتعة فی الماضی والحاضر، حیث یقول سبحانه: (وله الجوار المنشآت فی البحر کالأعلام).

«جوار»: جمع جاریة، وهی وصف للسفن، وحذفت للاختصار لأنّ الترکیز الأکثر کان على سیر وحرکة السفن، لذا إعتمد هذا الوصف.

کما تطلق جاریة على (الأمة)، وذلک بسبب حرکتها وسعیها فی إنجاز الأعمال والخدمات، وتطلق أیضاً على الفتیات الشابّات وذلک لجریان النشاط فیهنّ.

«منشآت»: جمع (منش) وهو إسم مفعول من (إنشاء) بمعنى إیجاد، والظریف هنا أنّه فی الوقت الذی یعبّر عن السفن بأنها «منشآت» والتی تحکی أنّها مصنوعة بواسطة الإنسان، یقول سبحانه (وله) أی لله تعالى وهو إشارة إلى أنّ جمیع الخواص التی یستفاد منها فی صناعة السفن، والتی منحها الله للبشر المخترعین لهذه الصناعة هی لله، وکذلک فانّه هو الذی أعطى خاصیة السیولة لمیاه البحر والقوّة للریاح، وأنّ الله تعالى هو الذی أوجد هذه الخواص فی المواد المتعلّقة بالسفینة، وهذا ما عبّر عنه القرآن الکریم بالتسخیر أیضاً، حیث یقول سبحانه: (وسخّر لکم الفلک لتجری فی البحر بأمره).(3)

وفسّر البعض «منشأ» من مادّة (إنشاء) بمعنى إرتفاع الشیء، وإعتبروها إشارة إلى أشرعة السفن التی تستخدم کقوّة فی حرکة السفینة، وذلک بسبب دفع الریاح لها.

«أعلام»: جمع (علم) على وزن (قلم)، بمعنى (جبل) بالرغم من أنّها فی الأصل بمعنى (علامة وأثر) والذی یخبر عن شیء معیّن، ولأنّ الجبال تکون واضحة من بُعد فإنّه یعبّر عنها بـ (العلم) کما أنّ لفظة (عَلَمَ) تطلق أیضاً على «الرایة».

وبهذا فإنّ القرآن الکریم نوّه هنا بالسفن الکبیرة التی تتحرّک على سطح المحیطات والبحار، وعلى خلاف ما یتصوّره البعض فانّ السفن الکبیرة لا تختّص بعصر الماکنة والبخار، بل لقد استفاد الیونانیون وغیرهم من السفن الکبیرة فی نقل قواتهم وجیوشهم.

ومرّة اُخرى یکرّر سبحانه هذا السؤال العمیق المغزى بقوله تعالى: (فبأىّ آلاء ربّکما تکذّبان).


1. الفرقان، 53.
2. دائرة المعارف فرید وجدی وکتب اُخرى.
3. إبراهیم، 32.
سورة الرّحمن / الآیة 19 ـ 25 1ـ البحر مرکز النعم الإلهیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma