المصیر الأکثر شؤماً:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة القمر / الآیة 33 ـ 40 سورة القمر / الآیة 41 ـ 46

نلاحظ فی هذه الآیات تعبیرات قصیرة وقویّة حول قصّة «قوم لوط» والعذاب الشدید الذی حلّ بهم، وهم المجموعة الرابعة من الأقوام التی اتّصفت بالقبح والضلال والتی استعرضتهم هذه السورة المبارکة... حیث یبدأ الحدیث عنهم بقوله سبحانه: (کذّبت قوم لوط بالنّذر).

و«نذر» کما ذُکِرَ سابقاً جمع (إنذار) وتعنی التهدید والتخویف، ومن المحتمل أن یکون المراد بها بعد ذکرها بصیغة الجمع هو الإنذارات المتعاقبة من النّبی لوط (علیه السلام)لقومه، والتی کُذّب بها أجمع، کما یمکن أن یکون المقصود منها هو إشارة إلى إنذار لوط (علیه السلام)والأنبیاء الذین سبقوه فی الدعوة إلى الله، ذلک أنّ جمیع الأنبیاء یسعون من أجل تثبیت حقیقة أساسیة واحدة وهی العبودیة لله.

وتستعرض الآیات التالیة بجمل قصیرة مشاهد من العذاب الذی نزل بقوم لوط وکیفیة نجاة عائلته حیث یقول سبحانه: (إنّا أرسلنا علیهم حاصب).

و«حاصب» تعنی الریح الشدیدة التی تأتی بالحجارة والحصباء، والحصباء هی الحصى،

ویکون المقصود: إنّا أمطرناهم بالحجارة والحصباء حتى علت أجسادهم ودفنوا تحتها، (إلاّ آل لوط نجّیناهم بسحر).

وتتحدّث الآیات القرآنیة الاُخرى عن هول العذاب الذی حلّ بقوم لوط حیث الزلازل التی قلبت مدنهم فأصبح عالیها سافلها، وبذلک اُصیبت بکارثة الدمار الماحق... وتتحدّث عن مطر الحجارة والحصى الذی نزل علیهم بشدّة، فیقول سبحانه فی ذلک: (فلمّا جاء أمرنا جعلنا عالیها سافلها وأمطرنا علیها حجارة من سجّیل منضود).(1)

ویثار السؤال التالی وهو: هل أنّ العذاب الذی نزل بقوم لوط کان على نوعین: الأوّل: العاصفة التی حملت الحجارة وحصى الصحراء وقذفتهم بها. والثانی: الأحجار السماویة من السجّیل المنضود، أو أنّهما کانا نوعاً واحداً؟ حیث العواصف العظیمة المحمّلة بالحصى والحجارة المأخوذة من الصحراء ترفعه العواصف العاتیة نحو السماء لیعود مرّة اُخرى إلى الأرض بعد إنخفاض العواصف باتّجاهها.

ولذا فلیس من المستبعد أن تأخذ العاصفة قسماً من الحصى والحجارة وترفعها إلى السماء بأمر من الله تعالى لتسقط مرّة اُخرى على مدنهم بعد أن أصابها الزلزال العظیم، فتطمس معالمها المدمّرة، وتمحو آثار خرائبها من على وجه الأرض، وتدفن أجسادهم وتنهی کلّ أثر لهم، کی یکونوا إلى الأبد عبرة وعظة للآخرین(2).

والذی یفهم من الآیة السابقة أنّ نجاة آل لوط کان فی وقت السحر، والسبب فی ذلک أنّ الوعد بالإنتقام الإلهی من قوم لوط کان وقت الصبح، لذلک ـ بأمر من الله ـ قد نجت هذه العائلة المؤمنة بخروجها من المدینة آخر اللیل ـ بإستثناء زوجته التی تنکّبت وأعرضت عن دعوته ـ حیث لم یمض وقت طویل حتى نزل العذاب علیهم زلزالا وعاصفة عاتیة تمطرهم بالحصى والحجارة، کما یتحدّث القرآن الکریم عن هذا المشهد المثیر فی سورة هود ویقول: (فأسرِ بأهلک بقطع من اللیل ولا یلتفت منکم أحد إلاّ امرأتک إنّه مصیبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصّبح ألیس الصّبح بقریب).(3)

ومن هنا یتّضح عدم تناسب أقوال المفسّرین الذین اتّبعوا أقوال أئمّة اللغة وذلک باعتبارهم «السَحَر» ما بین الطلوعین فی الآیة أعلاه(4).

ویضیف الباریء عزّوجلّ بقوله: (نعمة من عندنا کذلک نجزی من شکر)(5).

إنّ لوط(علیه السلام) قد أتمّ الحجّة على قومه قبل أن ینزل البلاء علیهم، حیث یوضّح الله سبحانه هذه الحقیقة فیقول تعالى: (ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنّذر).

(بطش) على وزن (فرش) وتعنی فی الأصل أخذ الشیء بالقوّة، ولأنّ المجرم لا یؤخذ إلاّ بالقوّة لیلقی جزاءه، لذلک فإنّها تعنی المجازاة.

(تمارو) من (تمارى) بمعنى محادثة طرفین لإیجاد الشکّ وإلقاء الشبهة مقابل الحقّ، فهؤلاء سعوا بطرق مختلفة إلى إلقاء الشکوک والشبهات بین الناس لإبطال تأثیر إنذارات هذا النّبی العظیم «لوط» (علیه السلام).

ولم یکتفِ هؤلاء المعاندون بإلقاء الشبهات العقائدیة بین الناس، بل بلغت بهم الوقاحة والصلف وعدم الحیاء حدّاً أنّهم تجرّؤوا على ملائکة الرحمن وضیوف النّبی الکریم المأمورین بعذاب هؤلاء القوم حینما دخلوا بیت لوط(علیه السلام) بصورة شباب وسیمین، حیث یقول سبحانه: (ولقد راودوه عن ضیفه) أی أنّهم طلبوا منه أن یضع ضیوفه تحت تصرّفهم.

لقد بلغ الألم الذی اعترى «لوطاً»(علیه السلام) حدّاً لا یطاق نتیجة هذا التصرّف القبیح والمخجل لقومه، وطلب بإصرار أن یکفّوا عن هذا السلوک المشین المخجل البعید عن الشرف والحیاء. بل وأبدى إستعداده(علیه السلام) لتزویج بناته لهم ـ إن أعلنوا توبتهم ـ وهذه أعلى حالات المظلومیة التی یتعرّض لها هذا النّبی الکریم من قبل قوم عدیمی الحیاء والإیمان والقیم الخیرة، کما فی قوله سبحانه: (قال هؤلاء بناتی إن کنتم فاعلین).(6)

ولم یمض وقت طویل حتى واجهت هذه الفئة المجرمة الباغیة الجزاء الأوّلی لعملهم الإجرامی حیث یقول فی ذلک سبحانه: (فطمسنا أعینهم فذوقوا عذابی ونذر).

إنّ ید القدرة الإلهیّة إمتدّت لتنتقم من هؤلاء القوم المجرمین، وذلک بأن طمست على أعینهم، حیث یقول البعض بأنّ جبرائیل قد اُمر أن یخفق بجناحهم على عیونهم حیث فقدوا بصرهم حالا، وقیل إنّ بؤر أبصارهم قد أصبحت مستویة مع وجوههم.

ومع أنّ القرآن الکریم لم یبیّن من هم الأشخاص الذین راودوا (الملائکة) ضیوف النّبی الکریم لوط(علیه السلام)، إلاّ أنّ من الواضح أنّه لم یکن جمیع القوم، بل أوباشهم الأکثر وقاحة وإجراماً الذین تسابقوا للقیام بهذا الجرم المشین، ولذا فإنّ العذاب الذی لحقهم فی طمس عیونهم یفترض أن یکون عبرة للآخرین من قومهم، وللأسف الشدید لم یکن هنالک من یتّعظ ویعتبر بهذا الدرس الإلهی البلیغ، والذی کان مقدّمة للعذاب الإلهی المحتوم علیهم جمیعاً.

ویقال: إنّ سبب تأخیر العذاب على قوم لوط إلى الصبح، هو أنّ هذه الحادثة کانت قد وقعت قبل یوم، لذا فقد اُعطی لهؤلاء المعاندین مهلة لیلة اُخرى عسى أن یفکّروا فی مصیرهم قبل نزول البلاء علیهم، ویعتبروا بهذه الثلّة السیّئة الحظّ ممّن فقدوا بصرهم.

وتذکر الرّوایة أنّ الجناة الذین فقدوا بصرهم لم یتّعظوا أیضاً بما أصابهم، فقد توعّدوا آل لوط أن لا یبقوا منهم أحداً، وذلک فی طریق عودتهم إلى بیوتهم وهم یتلمّسون الجدران لیهتدوا بواسطتها إلى أهلیهم(7).

وجاءت الساعة المرتقبة حیث أمر الله بفنائهم وقلبت الزلزلة مدینتهم رأساً على عقب وصُبّ علیهم العذاب صبّاً مع أوّل خیط من أشعّة فجر ذلک الیوم، فتتمزّق أجسادهم وتتلاشى أبدانهم وتدمّر بیوتهم وتندثر قصورهم وتتحوّل إلى أنقاض وخرائب، وإذا بالمطر الحجری ینهمل علیهم ویطمس کلّ معالم الحیاة لدیهم حتى لم یبق أی أثر لهم.

وذلک ما تشیر له الآیة الکریمة حیث تعکس هذا المعنى بإختصار وترکیز (ولقد صبّحهم بکرة عذاب مستقرّ).

نعم، وفی لحظات قصار انتهى کلّ شیء ولم یبق لهم أثر!!

کلمة (بکرة) تعنی (أوّل الیوم) لأنّ (صبّحهم) واسع المعنى ویشمل کلّ الصباح، فی الوقت الذی یقصد فی الصباح هنا (أوّله).

وهل کان وقت العذاب الإلهی بدایة طلوع الفجر، أو أنّه حصل فی بدایة طلوع الشمس؟ إنّ هذا الأمر لم یعرف بالضبط ولکن تعبیر (بکرة) یتناسب أکثر مع بدایة طلوع الشمس.

کلمة (مستقرّ) تعنی الثبوت والإحکام، أی بمعنى (ثابت الحکم) ویحتمل أن یکون المراد به هنا هو: أنّ العذاب الإلهی کان شدیداً إلى حدّ أنّ أی قوّة لم تکن قادرة على مواجهته.

ویقال أنّ العذاب الدنیوی لهؤلاء القوم متّصل مع عذاب البرزخ، لذا اُطلق علیه أنّه (مستقرّ).

ثمّ یضیف سبحانه مؤکّداً ومکرّراً مرّة اُخرى قوله: (فذوقوا عذابی ونذر).

لکی لا یکون مجال للشکّ والتردّد فی إنذار الأنبیاء لکم بعد هذا، ورغم أنّ هذه الجملة ذکرت مرّتین فی القصّة: (فذوقوا عذابی ونذر) إلاّ أنّه من الواضح هنا أنّ الجملة الاُولى تشیر إلى العذاب الذی حلّ بالمجموعة التی إقتحمت بیت لوط(علیه السلام) وما نتج من إصابتهم بالعمى مقدّمة للعذاب العامّ، والثانیة إشارة إلى العذاب الذی نزل بقوم لوط أجمع من الزلازل والدمار ومطر الحجارة.

وفی نهایة المطاف وفی آخر آیة من بحثنا هذا تتکرّر جمل الموعظة والعبرة وللمرّة الرابعة فی هذه السورة بقوله تعالى: (ولقد یسّرنا القرآن للذّکر فهل من مدّکر).

نعم، لم یتّعظ قوم لوط من النذر، ولم یتّعظوا من العذاب الأوّل الذی أعمى أبصار البعض منهم والذی کان بمثابة إنذار لهم فهل أنّ الآخرین الذین یرتکبون نفس الذنوب یتّعظون لدى سماع آیات القرآن هذه وینوبوا إلى رشدهم ویندموا على ما فرط منهم؟!..


1. هود، 82.
2. توجد أبحاث اُخرى حول هذا الموضوع فی الآیة 82 من سورة هود.
3. هود، 81.
4. یقول الراغب فی المفردات: السحر إختلاط ظلام آخر اللیل بضیاء النهار.
5. «نعمة» مفعول به لفعل مقدّر من نفس جنسه، أو أنّه مفعول له لـ (نجّین) الذی ورد فی الآیة السابقة.
6. الحجر، 71.
7. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 185.
سورة القمر / الآیة 33 ـ 40 سورة القمر / الآیة 41 ـ 46
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma