العاقبة الألیمة لقوم ثمود:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة القمر / الآیة 23 ـ 32 سورة القمر / الآیة 33 ـ 40

تکملة للأبحاث السابقة، تتحدّث الآیات الکریمة باختصار عن ثالث قوم ذکروا فی هذه السورة، وهم (قوم ثمود) الذین عاشوا فی (حجر) الواقعة فی شمال الحجاز، لیستفاد من قصّتهم الدروس والعبر.

لقد بذل نبیّهم «صالح» (علیه السلام) أقصى الجهد من أجل هدایتهم وإرشادهم ولکن دون جدوى.

قال تعالى: (کذّبت ثمود بالنّذر).

قال بعض المفسّرین: أنّ کلمة (نذر) تعنی (الأنبیاء المنذرین) ولذا فإنّهم یرون بأنّ تکذیب قوم ثمود لنبیّهم صالح(علیه السلام) کان بمثابة تکذیب لکلّ الأنبیاء، ذلک أنّ دعوة الأنبیاء أجمع هی دعوة واحدة ومنسجمة، لکن الظاهر أنّ (نذر) جاءت هنا جمع (إنذار) وهو الکلام الذی یتضمّن التهدید، والذی هو الطابع العام لکلام الأنبیاء جمیعاً (علیهم السلام).

ویستعرض سبحانه سبب تکذیبهم (الأنبیاء) حیث یقول على لسان قوم ثمود: (فقالوا أبشراً منّا واحداً نتّبعه إنّا إذاً لفی ضلال وسعر).

نعم، إنّ الکبریاء والغرور والنظرة المتعالیة تجاه الآخرین، بالإضافة إلى حبّ الذات کانت حاجزاً عن الإستجابة لدعوة الأنبیاء(علیهم السلام)، لقد قالوا: إنّ (صالح) شخص مثلنا ولیست له أیّ امتیازات علینا لیصبح زعیماً وقائداً نطیعه ونتّبعه، کما لا یوجد سبب لإتّباعه.

وهذا هو الإشکال الذی تورده جمیع الأقوام الضالّة على أنبیائها بأنّهم أشخاص مثلنا، ولذا لا یمکن أن یکونوا أنبیاء إلهیین.

واستفاد قسم آخر من المفسّرین من تعبیر (واحداً) أنّ قوم صالح کانوا ینظرون إلى نبیّهم أنّه شخص (عادی) ولیس له مال وفیر ولا نسب رفیع یمتاز به علیهم.

کما یفسّر البعض کلمة (واحد) أنّه شخص واحد لا یمتلک العمق والإمتداد الاجتماعی الذی یتطلّبه الموقع القیادی فی ذلک العصر، حیث النصرة والمؤازرة.

وهنالک رأی ثالث یذهب إلى أنّ المقصود بکلمة (واحداً) لیس هو الواحد العددی، بل مرادهم الواحد النوعی، أی انّه فرد من نوعنا وجنسنا ونوع البشر لا یستطیع أن یبلغ رسالة سماویة حیث مقتضى ضرورة التبلیغ للرسالات السماویة ـ حسب رأیهم ـ أن یکون النّبی أو الرّسول (ملکاً).

وطبعاً یمکن الجمع بین هذه التفاسیر الثلاثة ..

وعلى کلّ حال، فإنّ إدّعاءات قوم صالح کانت واهیة وغیر منطقیة.

(سعر) على وزن (حُمُر) جمع سعیر، وفی الأصل بمعنى إشتعال النار وهیجانها، وفی بعض الأحیان بمعنى (جنون) لأنّ الإنسان المجنون یکون فی حالة هیجان خاصّة، لذا یقال فی بعض الأحیان ناقة مسعورة.

ویحتمل أنّ قوم ثمود أخذوا هذا التعبیر من نبیّهم (صالح)(علیه السلام) حیث کان یقول لهم: إذا لم تتخلّوا عن عبادة الأصنام وتستجیبون إلى دعوة الله فإنّکم فی «ضلال وسعر»، وکان ردّهم: (أبشراً منّا واحداً نتّبعه إنّا إذاً لفی ضلال وسُعُر)وعلى کلّ حال فإنّ ذکر کلمة (سعر) بصیغة الجمع جاءت هنا للتأکید والاستمرار، سواء کان معناها الجنون أو إشتعال النار.

وتزداد اللجاجة والعناد فی قوم ثمود فیتساءلون: إذا اُرید نزول الوحی على إنسان،

فلماذا اختّص بصالح من بیننا، مع وجود الشخصیات الأکثر مالا والأقوى إعتباراً: (أاُلقی الذّکر علیه من بینن).

وفی الحقیقة أنّ هذه الأقوال لها شبه کبیر بأقوال مشرکی مکّة، ذلک أنّهم شکّکوا برسالة النّبی بأقوال مماثلة: (مال هذا الرّسول یأکل الطّعام ویمشی فی الأسواق لولا اُنزل إلیه ملک فیکون معه نذیر).(1)

وتارةً یقولون: (لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القریتین عظیم).(2)

ثمّ تساءلوا: إذا قدّر لبشر أن یتصدّى لمهمّة الرسالة الإلهیّة، فلماذا کان الاختیار لأشخاص مغمورین لیس لهم ظهیر من عشیرة ولا کثرة من مال...

هذه الإشکالات التی تحکی السطحیة فی التفکیر کانت تتناقلها وتتداولها أجیال المشرکین جیلا بعد جیل للتشکیک فی الرسالات الإلهیة، وذلک لتصوّرهم أنّ من یتصدّى لهذه المهمّة لابدّ أن یکون ذا قوّة وقوم ومال ونسب وجاه ومنصب وشخصیة مهمّة، وهذه الاُمور تدلّ على شخصیة وکرامة الإنسان، فی حین أنّ أکثر العناصر الظالمة والمتجبّرة هی المتّصفة بالصفات السابقة.

ویمکن تفسیر الآیة أیضاً ـ کما إختاره بعض المفسّرین ـ على ضوء التساؤلات التی أطلقها قوم ثمود والتی تترکّز بما یلی: ما هی علّة نزول الوحی على صالح(علیه السلام)؟ ولماذا لم ینزل علینا جمیعاً؟، وما هی الممیّزات التی اختُص بها صالح(علیه السلام) لیتمیّز علینا بهذا الخصوص!؟ وهذا المعنى ورد أیضاً فی سورة المدثر، الآیة 52 حیث یقول سبحانه فی ذلک: (بل یرید کلّ امرىء منهم أن یؤتى صحفاً منشّرة).

ثمّ تختتم الآیة بقوله سبحانه: (بل هو کذّاب أشر) وذلک إتّهاماً لصالح(علیه السلام) بالکذب فیما ادّعاه من اختصاص الوحی به وإنذار قومه وأنّه یرید أن یتحکّم علینا ویجعل کلّ اُمورنا تحت قبضته ویسیرنا وفق هواه وإرادته ..

(أشِر) وصف من مادّة (أشر) على وزن (قمر) بمعنى بطر ومرح زائد عن الحدّ.

ویردّ الباریء عزّوجلّ علیهم بصورة قاطعة بقوله: (سیعلمون غداً من الکذّاب الأشر).

وعندما یدرکهم العذاب الإلهی ویسوّیهم مع التراب ویحوّلهم رماداً، وبعد أن یجازیهم الله بأعمالهم فی یوم لا ینفع فیه مال ولا بنون... عندئذ سیدرکون حقیقة اتّهاماتهم الزائفة التی اتّهموا بها نبی من أنبیاء الله المقرّبین، وسیعلمون أیضاً أنّ هذه الإفتراءات هی أحقّ بهم وألصق.

ومعلوم أنّ المراد من «غدا» هو المستقبل القریب، وإنّه حقّاً لتعبیر رائع.

السؤال: والسؤال المطروح هنا: فی الوقت الذی نزلت هذه الآیات على قوم ثمود کان العذاب قد وقع علیهم مجازاة لأعمالهم، فما معنى (سیعلمون) مع أنّهم قد هلکوا؟

الجواب: هنالک إجابتان على هذا السؤال:

الاُولى: إنّ حدیث الآیات الکریمة کان موجّهاً للنّبی صالح (علیه السلام)، ومن المعلوم أنّ العذاب لم یکن قد نزل بهم حینئذ.

الثّانیة: إنّ المقصود من (غداً) هو یوم القیامة الذی سیظهر فیه کلّ شیء بوضوح. (والتّفسیر الأوّل هو الأنسب عند ملاحظة الآیات اللاحقة).

السؤال: وهنا یطرح تساؤل آخر: لماذا قال تعالى: (سیعلمون غد)؟ فی الوقت الذی لمس مشرکو قوم ثمود صدق دعوة النّبی صالح (علیه السلام) لما شاهدوه من معجزاته غیر القابلة للإنکار؟

الجواب: ویتّضح الجواب على هذا التساؤل إذا علمنا أنّ للعلم مراتب، ویمکن إنکاره من قبل الآخرین فی بعض مراتبه، وقد یصل العلم بهم إلى مرتبة، لا یمکن إنکارها لما تمثّله من حقیقة صارخة متجسّدة للعیان، والمقصود هنا من جملة: (سیعلمون غد) هو العلم الحقیقی الذی لا یمکن إنکاره، والذی هو حقیقة العذاب الذی سیحلّ بقوم ثمود بصورة لا ریب فیها مطلقاً.

ثمّ یشیر سبحانه إلى قصّة «الناقة» التی اُرسلت کمعجزة ودلالة على صدق دعوة صالح(علیه السلام) حیث یقول: (إنّا مرسلو النّاقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر).

(الناقة) اُنثى البعیر، وهی لیست کبقیّة النوق لما تتّصف به من خصوصیات خارقة للعادة، وطبقاً للروایات المشهورة فإنّ هذه الناقة قد خرجت من بطن صخرة جبل حجّة دامغة للمنکرین والمعاندین.

معنى «الفتنة» ـ کما مرّ فی بحث سابق ـ هو التمحیص والاختبار، وإکتشاف مدى الإخلاص والصفاء والإستقامة عند الإنسان.

ومن الواضح أنّ قوم ثمود قد جُعلوا أمام إمتحان عسیر، حیث یستعرض سبحانه هذا الإختبار لهم بقوله: (ونبّئهم أنّ الماء قسمة بینهم کلّ شرب محتضر)(3) یوم لهم ویوم للناقة.

ومع أنّ القرآن الکریم لم یوافنا بتفاصیل أکثر حول هذا الموضوع، ولکن کما یذکر الکثیر من المفسّرین فإنّ ناقة صالح (علیه السلام)کانت تشرب کلّ الماء یوم یکون شربها، ویعتقد البعض الآخر أنّ هیئتها ووضعها کانا بشکل یدفع الحیوانات إلى الفرار من الماء عندما تقترب الناقة نحوه، ولذلک فإنّهم إقترحوا حلا وهو: أن یکون الماء یوماً لهم وآخر للناقة.

وعلى کلّ حال فإنّ هؤلاء القوم وقعوا فی مضیقة من ناحیة الماء، ولم یطیقوا وجود الناقة ومشاطرتها لمائهم یوماً کاملا خصوصاً ما یحتمله بعض المفسّرین من شحّة الماء فی القریة (مع العلم أنّ هذا لا یتناسب مع ما ذکر فی الآیات 146 ـ 148 من هذه السورة، حیث المستفاد من هذه الآیات أنّ هؤلاء القوم کانوا یعیشون فی أرض ملیئة بالبساتین والعیون).

وعلى کلّ حال فإنّ قوم ثمود المتمردّین عقدوا العزم على قتل الناقة، فی الوقت الذی حذّرهم نبیّهم صالح(علیه السلام) من مسّها بسوء، وأخبرهم بأنّ العذاب الإلهی سیقع علیهم بعد فترة وجیزة إن فعلوا ذلک.

ونظراً لإستخفافهم بهذا التحذیر (فقد نادوا أحد أصحابهم حیث تصدّى للناقة وقتلها) یقول الله سبحانه: (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر).

ویمکن أن یکون المراد بـ (صاحب) أحد رؤساء ثمود، وکان أحد أشرارهم المعروفین ویعرف فی التاریخ بـ (قدارة بن سالف)(4).

و (تعاطى) فی الأصل بمعنى تناول الشیء، أو تبنّى الموضوع وتقال أیضاً عند إنجاز الأعمال المهمّة والخطیرة وکذلک الأعمال الشاقّة، أو العمل المقابل بعوض.

کلّ هذه التفاسیر تجمع فی الآیة مورد البحث، لأنّ الإقدام على القتل یستدعی جرأة وخسارة کبیرة، کما أنّه عمل شاقّ، وکذلک یستلزم اُجرة فی الغالب.

(عَقَرَ) من مادّة (عقر) على وزن (ظلم) وفی الأصل بمعنى الأساس والجذر، وإذا استعمل هذا المصطلح بخصوص الناقة فإنّه یعنی القتل والنحر.

والجدیر بالذکر أنّ قتل الناقة نسب لشخص واحد فی هذه الآیة، فی الوقت الذی یلاحظ نسبة القتل فی سورة (الشمس) لقوم ثمود جمیعاً حیث یقول سبحانه: (فعقروه)، ویمکن تعلیل هذا الأمر بأنّ فعل الشخص القاتل کان نیابة عن الجمیع وبرضاهم، وکما نعلم فإنّ الذی یرضى بفعل قوم یکون شریکاً لهم فیه(5).

وجاء فی بعض الرّوایات أنّ (قدارة) کان قد شرب مسکراً، وقد أقدم على هذا العمل القبیح والجنایة الکبیرة وهو فی هذه الحالة.

وفی طریقة قتل الناقة أقوال کثیرة، حیث یذهب البعض إلى أنّ قتلها کان بالسیف، ویقول البعض الآخر: إنّ (قدارة) قد نصب لها کمیناً وراء صخرة وضربها بالسهم أوّلا ثمّ هجم علیها بالسیف.

وتأتی الآیة الکریمة اللاحقة مؤکّدة إنذارهم قبل نزول العذاب الشدید علیهم، حیث یقول سبحانه: (فکیف کان عذابی ونذر)ثمّ وقع العذاب والسخط الإلهی على هؤلاء المتمردّین المعاندین حیث یضیف سبحانه: (إنّا أرسلنا علیهم صیحة واحدة فکانوا کهشیم المحتظر).

«الصیحة» هنا تعنی الصوت العظیم الذی یأتی من السماء، ویحتمل أن یکون إشارة للصاعقة المخیفة التی ضربت قریتهم، حیث یقول سبحانه: (فإن أعرضوا فقل أنذرتکم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود).(6)

(الهشیم) من مادّة (هشم) على وزن «حسم» وفی الأصل بمعنى إنکسار الأشیاء الضعیفة کالنباتات، وتطلق عادة على النباتات الیابسة المتکسّرة التی یهیؤها الرعاة لمواشیهم بعد سحقها، کما تطلق أحیاناً على النباتات الیابسة المسحوقة بأرجل الحیوانات فی الحضیرة.

(محتظر) فی الأصل من مادّة (حظر) على وزن (حفز) بمعنى المنع، ولذلک فإنّ إعداد الحظائر للحیوانات والمواشی تکون مانعة لها من الخروج ولدرء المخاطر عنها، ومفردها (الحظیرة)، و«محتظر» على وزن محتسب ـ هو الشخص الذی یملک مثل هذا المکان.

والإستعراض الذی ذکرته الآیة الکریمة حول عذاب قوم ثمود عجیب جدّاً ومعبّر للغایة، حیث لم یرسل الله لهم جیوشاً من السماء أو الأرض للتنکیل بهم، وإنّما کان عذابهم بالصیحة السماویة العظیمة، فکانت صاعقة رهیبة، أخمدت الأنفاس، وکان إنفجاراً هائلا حطّم کلّ شیء فی قریتهم، فأصبحت بیوتهم وقصورهم کحظیرة المواشی، وأجسادهم المحطّمة کالنبات الیابس المرضوض المهشّم.

إنّ إستیعاب هذا اللون من العذاب کان صعباً وعسیراً للأقوام السالفة، ولکنّه یسیر بالنسبة لنا، وذلک من خلال معرفتنا لتأثیر الأمواج الناتجة من الإنفجارات، حیث إنّها تحطّم کلّ شیء یقع ضمن دائرة إشعاعاتها.

ومن الطبیعی أنّنا لا نستطیع المقارنة بین الإنفجارات البشریة وصاعقة العذاب الإلهی التی أشاعت الدمار الرهیب فی هؤلاء القوم الحمقى المستبدّین، وعلى بیوتهم وقصورهم، عسى أن یکون عبرة ودرساً للآخرین، حیث یقول سبحانه: (ولقد یسّرنا القرآن للذّکر فهل من مدّکر).

وهکذا تنهی الآیات الکریمة هذا المشهد المثیر بالتأکید على ضرورة الإستفادة من هذه الدروس البلیغة، حیث التعابیر الحیویة الواضحة، والقصص المعبّرة، والإنذارات المحفّزة والتهدیدات القویّة.


1. الفرقان، 7.
2. الزخرف، 31.
3. «محتضر» اسم مفعول من مادّة «حضور» و «شرب» بمعنى السهم والنوبة الخاصّة بالماء، وبناءً على ذلک فإنّ مفهوم جملة (کلّ شرب محتضر) أی أنّ نوبة کلّ شخص من الماء حاضرة له، ولا یحقّ للآخرین الحضور والتزاحم علیها.
4. «قدارة» على وزن «منارة» ـ کان رجلا قبیح الشکل والسیرة، ومن أکثر الأشخاص شؤماً فی التاریخ.
5. کما بیّنا شرح هذا الموضوع تحت عنوان (الإرتباط الرسالی) فی الآیة 65 سورة هود.
6. فصّلت، 13.
سورة القمر / الآیة 23 ـ 32 سورة القمر / الآیة 33 ـ 40
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma