قصّة قوم نوح عبرة وعظة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة القمر / الآیة 9 ـ 17  سورة القمر / الآیة 18 ـ 22

جرت السنّة القرآنیة فی کثیر من الموارد أنّ الله سبحانه یستعرض حالة الأقوام السابقة والعاقبة المؤلمة التی انتهوا إلیها إنذاراً وتوضیحاً (للکفّار والمجرمین) بأنّ الاستمرار فی طریق الضلال سوف لن یؤدّی بهم إلاّ إلى المصیر البائس الذی لاقته الأقوام السابقة.

وفی هذه السورة، إکمالا للبحث الذی تناولته الآیات السابقة، فی إثارات وإشارات مختصرة ومعبّرة حول تاریخ خمسة من الأقوام المعاندة ابتداءً من قوم نوح کما فی قوله تعالى: (کذّبت قبلهم قوم نوح فکذّبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدُجر). فمضافاً إلى تکذیبه وإتّهامه بالجنون صبّوا علیه ألوان الأذى والتعذیب ومنعوه من الإستمرار فی أداء رسالته.

فتارةً یقولون له مهدّدین ومنذرین (قالوا لئن لم تنته یانوح لتکوننّ من المرجومین).(1)

وتارةً اُخرى یضغطون رقبته بأیدیهم حتى یفقد وعیه، ولکنّه ما أن یفیق إلى وعیه حتى یقول: «اللهمّ اغفر لقومی فإنّهم لا یعلمون»(2).

وخلاصة القول فإنّ قوم نوح مارسوا کلّ وسیلة لأذى نبیّهم، ومع ذلک فإنّه لم یتوقّف عن التبلیغ والإرشاد أملا فی هدایتهم.

والجدیر بالذکر أنّنا نلاحظ أنّ لفظ (التکذیب) قد ورد مرّتین، ولعلّ السبب أنّه ورد فی الحالة الاُولى (مختصراً) وفی الثانیة (مفصّلا).

والتعبیر بـ «عبدنا» إشارة إلى أنّ هؤلاء القوم المعاندین والمغرورین فی الواقع یبارزون الله تعالى لا مجرّد شخص «نوح».

کلمة (وازدجر) أصلها (زجر) بمعنى الطرد، وهو الإبعاد المقترن بصوت شدید، کما أنّه یطلق على کلّ عمل یراد منه منع الشخص من الإستمرار به.

والظریف فی هذه الآیة أنّ الفعل (قالو) أتى بصورة فعل معلوم (وازدجر) بصیغة فعل مجهول ولعلّ ذلک للإشارة إلى أنّ عدم ذکر الفاعل هنا للترفّع عن ذکر قوم نوح بسبب سوء وقبح الأعمال التی مارسوها والتی کانت أقذر وأقبح من أقوالهم، ممّا یکون سبباً فی عدم ذکرهم بالصیغة المعلومة کما فی قوله تعالى: (قالو).

ثمّ یضیف تعالى أنّ نوح عندما یئس من هدایة قومه تماماً: (فدعا ربّه أنّی مغلوب فانتصر)(3).

والغلبة المذکورة فی الآیة الکریمة لم تکن غلبة فی الحجّة والدلیل أو البرهان على عدم صحّة الدعوة، وإنّما کانت تتجسّد بالظلم والجنایة والتکذیب والإنکار وأنواع الزجر والضغوط... ولهذا فإنّ هؤلاء القوم لا یستحقّون البقاء، فانتقم لنا منهم وانصرنا علیهم.

نعم، فهذا النّبی العظیم کان یطلب من الله المغفرة لقومه ما دام یأمل فی هدایتهم وصلاحهم، ولکن عندما یئس منهم غضب علیهم ولعنهم ودعا ربّه أن ینتقم منهم.

ثمّ یشیر هنا إشارة معبّرة وقویّة فی کیفیة العذاب الذی إبتلوا به وصبّ علیهم حیث یقول سبحانه: (ففتحنا أبواب السّماء بماء منهمر).

إنّ تعبیر إنفتاح أبواب السماء لتعبیر رائع جدّاً، ویستعمل عادةً عند هطول الأمطار الغزیرة.

(منهمر) من مادّة (همر) على وزن (صبر) وتعنی النّزول الشدید للدموع أو الماء، ویستعمل هذا التعبیر أیضاً عندما یستدر الحلیب من الضرع حتى النهایة.

والعجیب هنا أنّه ورد فی أقوال المفسّرین أنّ قوم نوح کانوا قد اُصیبوا بالجدب لعدّة سنوات قد خلت، وکانوا یرتقبون بتلهّف سقوط المطر علیهم، وفجأة ینزل المطر ولکن لا لیحیی أرضهم ویزید خیرهم بل ماحقاً وممیتاً لهم(4).

ویذکر أنّ الماء الذی أدّى إلى الطوفان لم یکن من هطول الأمطار فقط، بل کان من تفجیر العیون فی الأرض حیث یقول تعالى: (وفجّرنا الأرض عیون)(5) وهکذا إختلط ماء السماء بماء الأرض بمقدار مقدّر وملأ البسیطة: (فالتقى الماء على أمر قد قدر).

إنّ هذا التعبیر یجسّد حالة الطوفان الذی غمر الأرض، إلاّ أنّ بعض المفسّرین فسّروا عبارة (قد قدر) بقولهم: إنّ کمیّتی المیاه المتدفّقة من الجانبین المتقابلین کانتا متساویتین فی مقادیرهما بصورة دقیقة، إلاّ أنّ الرأی الأوّل هو الأرجح.

وخلاصة الأمر: إنّ الماء قد فار من جمیع جهات الأرض وفجّرت العیون وهطلت الأمطار من السماء، واتّصل الماء بعضه ببعض وشکّل بحراً عظیماً وطوفاناً شدیداً.

وتترک الآیات الکریمة مسألة الطوفان، لأنّ ما قیل فیها من الآیات السابقة یعتبر کافیاً فتنتقل إلى سفینة نجاة نوح(علیه السلام) حیث یقول تعالى: (وحملناه على ذات ألواح ودسر).

(دسر) جمع (دِسار) على وزن (کتاب)، کما یقول الراغب فی المفردات، أنّها فی الأصل بمعنى الإبعاد أو النهر بشدّة مقترناً مع حالة عدم الرضا، ولکون المسمار عندما یتعرّض للطرق الشدید یدخل فی الخشب وما شاکل فیقال له (دسار).

وذکر قسم من المفسّرین أنّ معنى هذه الکلمة هو (الحبل) مشیرین بذلک إلى حبال أشرعة السفینة وما إلى ذلک، والتّفسیر الأوّل هو الأرجح نظراً لذکر کلمة (ألواح).

على کلّ حال، فإنّ التعبیر القرآنی هنا ظریف، لأنّه کما یقول الباریء عزّوجلّ بأنّنا وفی وسط ذلک الطوفان العظیم، الذی غمر کلّ شیء أودعنا أمر نجاة نوح وأصحابه إلى مجموعة من المسامیر وقطع من الخشب، وأنّها أدّت هذه الوظیفة على أحسن وجه، وهکذا تتجلّى القدرة الإلهیّة العظیمة.

ویمکن أن یستفاد من هذا التعبیر طبیعة البساطة التی کانت علیها سفن ذلک الزمان والتی هی بعیدة عن التعقید والتکلّف قیاساً مع السفن المتقدّمة فی العصور اللاحقة، ومع ذلک فإنّ سفینة نوح(علیه السلام) کان حجمها بالقدر المطلوب وطبق الحاجة، وطبقاً للتواریخ فإنّ نوح(علیه السلام) قد أمضى عدّة سنین فی صنعها کی یتمکّن من وضع (من کلّ زوجین إثنین) من مختلف الحیوانات فیها.

ویشیر سبحانه إلى لطف عنایته للسفینة المخصّصة لنجاة نوح(علیه السلام) حیث یقول سبحانه (تجری بأعینن) أی أنّ هذه السفینة تسیر بالعلم والمشیئة الإلهیّة، وتشقّ الأمواج العالیة بقوّة وتستمر فی حرکتها تحت رعایتنا وحفظنا.

إنّ التعبیر (بأعینن) کنایة ظریفة للدلالة على المراقبة والرعایة للشیء ویتجسّد هذا المعنى بوضوح فی قوله تعالى فی الآیة 37 من سورة هود: (واصنع الفلک بأعیننا ووحین).

بعض المفسّرین ذهبوا إلى أنّ المقصود من (تجری بأعینن) هو الإشارة إلى الشخصیات المهمّة التی کانت على ظهر السفینة، وبناءً على هذا فإنّ المقصود من قوله تعالى: (تجری بأعینن)(6) أنّ تلک السفینة کانت تحمل عباد الله الخالصین المخلصین، ونظراً لطبیعة الموارد التی استعمل فیها هذا التعبیر فی الآیات القرآنیة الاُخرى فإنّ الرأی الأوّل هو الأصحّ.

ویحتمل أیضاً أنّ المراد بجملة (بأعینن) هو الملائکة التی کان لها الأثر فی هدایة سفینة نوح(علیه السلام)، ولکن هذا الرأی ضعیف أیضاً للسبب أعلاه.

ثمّ یضیف تعالى: (جزاءً لمن کان کفر)(7).

نعم إنّ نوح(علیه السلام) کسائر الأنبیاء الإلهیین یعتبر نعمة إلهیّة عظیمة وموهبة من مواهبه الکبیرة على البشریة، إلاّ أنّ قومه الحمقى کفروا به وبرسالته(8).

ثمّ یقول سبحانه وکنتیجة لهذه القصّة العظیمة موضع العظّة والاعتبار: (ولقد ترکناها آیة فهل من مدّکر).

والحقیقة أنّ کلّ ما کان یستحقّ الذکر فی هذه القصّة قد قیل، وکلّما ینبغی للإنسان الواعی المتّعظ أن یدرکه فهو موجود.

واستناداً إلى هذا التّفسیر المنسجم مع الآیات السابقة واللاحقة، فإنّ الضمیر فی (ترکناه) یرجع إلى قصّة الطوفان وماضی نوح(علیه السلام) ومخالفیه، ولکن البعض یرى أنّ المراد هو (سفینة نوح) لأنّها بقیت مدّة من الزمن شاخصة لأنظار العالم، وکلّما یراها أحد تتجسّد أمامه قصّة الطوفان الذی حلّ بقوم نوح(علیه السلام)، ومع علمنا بأنّ بقایا سفینة نوح(علیه السلام) کانت حتى عصر الرّسول(صلى الله علیه وآله) کما أنّ البعض من المعاصرین ادّعى رؤیة بقایاها فی جبال (آرارات) فی القفقاز، عندئذ یمکن أن یکون المعنیان مقصودین فی الآیة الکریمة.

ولهذا فإنّ قصّة نوح(علیه السلام) کانت آیة للعالمین، وکذا سفینته التی بقیت ردحاً من الزمن بین الناس(9).

وفی الآیة اللاحقة یطرح الله سبحانه سؤالا معبّراً ومهدّداً للکافرین الذین اتّبعوا نفس المنهج الذی کان علیه قوم نوح حیث یقول سبحانه: (فکیف کان عذابی ونذر).

هل هذه حقیقة واقعة، أم قصّة واُسطورة؟

ویضیف مؤکّداً هذه الحقیقة فی آخر الآیة مورد البحث فی قوله تعالى: (ولقد یسّرنا القرآن للذّکر فهل من مدّکر).

نعم إنّ هذا الکتاب العظیم الخالی من التعقید والمجسّد لعناصر التأثیر من حیث عذوبة ألفاظه وجاذبیتها، وحیویة عباراته وصراحتها فی عرض المطالب ترغیباً وتهدیداً، وطبیعة قصصه الواقعیة ذات المحتوى الغزیر بالإضافة إلى قوّة دلائله وأحکامها ومنطقه المتین، وإحتوائه على کلّ ما یلزم من عناصر التأثیر... لذا فإنّ القلوب المهیأة لقبول الحقّ والمتفاعلة مع منطق الفطرة والمستوعبة لمنهج العقل تنجذب بصورة متمیّزة، والشاهد على هذا أنّ التاریخ الإسلامی یذکر لنا قصصاً عدیدة عجیبة محیّرة من حالات التأثیر العمیق الذی یترکه القرآن الکریم على القلوب الخیّرة.

ولکن ما العمل حینما تکون النطفة لبذرة ما میتة، حتى لو هیّأ لزراعتها أخصب الأراضی، وسقیت بماء الکوثر، واعتنی بها من قبل أمهر المزارعین، فإنّها لن تنمو ولن تزهر وتثمر أبداً.


1. الشعراء، 116.
2. تفسیر الکشّاف، وتفسیر روح الجنان، ذیل الآیة مورد البحث.
3. «انتصر» طلب العون کما فی الآیة 41 سورة الشورى، وهنا جاءت بمعنى طلب الإنتقام على أساس العدل والحکمة کما فسّرها البعض فی التقدیر (انتصر لی).
4. تفسیر روح المعانی، ذیل الآیة مورد البحث.
5. «عیوناً» یمکن أن تکون تمییزاً للأرض والتقدیر: (فجّرنا عیون الأرض)، ثمّ إنّ العیون مفعول به منفصل وقد جاءت بصورة تمییز کی تعبّر عن المبالغة والأهمیّة وکأنّ الأرض جمیعاً تحوّلت إلى عیون.
6. «أعین» جمع «عین»، وإحدى معانیها العین الباصرة، والمعنى الآخر لها هو: الشخصیة المعتبرة. ولها معان اُخرى.
7. یجدر بالملاحظة هنا أنّ فعل «کفر» مبنی للمجهول، والمراد به نوح (علیه السلام) الذی کُفِر به، ولیس فعلا معلوماً یشیر إلى الکفّار.
8. إذا لم یکن فی الآیة شیء مقدّر فیکون نائب الفاعل للفعل «کفر» هو شخص نوح(علیه السلام) حین أنّه(علیه السلام) یکون النعمة التی «کفر» بها، أمّا إذا قلنا أنّ للآیة محذوف مقدّر، فیکون تقدیره «کفر به» فعندئذ تکون إشارة إلى عدم الإیمان بنوح(علیه السلام) وتعالیمه.
9. لقد ذکرت أبحاث مفصّلة حول قصّة قوم نوح (علیه السلام) فی هامش الآیات الکریمة 25 ـ 49 من سورة هود.
سورة القمر / الآیة 9 ـ 17  سورة القمر / الآیة 18 ـ 22
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma