الرّؤیة الثّانیة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة النّجم / الآیة 13 ـ 18 1ـ المعراج حقیقة مقطوع بها

هذه الآیات هی أیضاً تتمّة للأبحاث السابقة فی شأن مسألة الوحی وإرتباط النّبی (صلى الله علیه وآله)بالله والشهود الباطنی.

إذ تقول: (ولقد رآه نزلة اُخرى) أی مرّة ثانیة، وکان ذلک (عند سدرة المنتهى) أی عند شجرة سدر فی الجنّة تدعى بسدرة المنتهى ومحلّها فی جنّة المأوى (عندها جنّة المأوى * إذ یغشى السّدرة ما یغشى).

هذه حقائق واقعیّة شاهدها النّبی (صلى الله علیه وآله) باُمّ عینیه و(ما زاغ البصر وما طغى(1) * لقد رأى من آیات ربّه الکبرى).

وکما نلاحظ فی هذه الآیات فإنّ الإبهام أو الغموض الذی کان یحیط الآیات المتقدّمة یحیط هذه الآیات أیضاً التی تتضمّن ظلالا من المواضیع السابقة، ومن أجل أن نفهم مفاد هذه الآیات لابدّ من الرجوع إلى مفرداتها اللغویة أیضاً.

النزلة: هی النّزول مرّة واحدة، فالنزلة الاُخرى تعنی نزولا آخر، ویستفاد من هذا التعبیر أنّه حدثت نزلتان، وهذا الموضوع یتعلّق بالنزلة الثانیة(2).

والسِدرة: على وزن حِرفة ـ طبقاً لتفسیر أغلب علماء اللغة هی شجرة وریقة وارفة الظلال والتعبیر بـ (سدرة المنتهى) إشارة إلى شجرة وریقة ذات ظلال وارفة فی أوج السماوات فی منتهى ما تعرج إلیه الملائکة وأرواح الشهداء وعلوم الأنبیاء وأعمال الناس، وهی مستقرّة فی مکان لا تستطیع الملائکة أن تتجاوزهوحین بلغ جبرئیل أیضاً فی معراجه مع النّبی إلى ذلک المکان توقّف عنده ولم یتجاوزه!

ورغم أنّه لم یرد توضیح عن سدرة المنتهى فی القرآن الکریم، إلاّ أنّ الأخبار والرّوایات الإسلامیة ذکرت لها أوصافاً کثیرة... وجمیعها کاشف عن أنّ إنتخاب هذا التعبیر هو لبیان نوع من التشبیه ولغاتنا قاصرة عن بیان مثل هذه الحقائق الکبرى.

ففی حدیث عن النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «رأیت على کلّ ورقة من أوراقها ملکاً قائماً یسبّح الله تعالى»(3).

کما جاء عن الإمام الصادق(علیه السلام) نقلا عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «انتهیت إلى سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظلّ اُمّة من الاُمم»(4).

وهذه التعابیر تشیر إلى أنّ المراد من هذه الشجرة لیس کما نألفه من الأشجار المورقة والباسقة على الأرض أبداً، بل إشارة إلى ظلّ عظیم فی جوار رحمة الله وهناک محلّ تسبیح الملائکة ومأوى الاُمم الصالحة.

أمّا (جنّة المأوى) فمعناها الجنّة التی یُسکن فیه(5) وهناک أقوال فی ما هو المراد من هذه الجنّة؟! فبعضهم قال بأنّها «جنّة الخلد» التی اُعدّت للمتّقین المؤمنین ومکانها فی السماء، والآیة 19 من سورة السجدة، دلیلهم على مدّعاهم (فلهم جنّات المأوى نُزلا بما کانوا یعملون)... فهذه الآیة بقرینة ما بعدها تتحدّث عن جنّة الخلد ـ ولا شکّ أنّها تتحدّث عن جنّة الخلد.

إلاّ أنّنا نجد فی آیة اُخرى قوله: (وسارعوا إلى مغفرة من ربّکم وجنّة عرضها السّماوات والأرض)،(6) فاحتمل بعض المفسّرین أنّ جنّة المأوى التی فی السماء غیر جنّة الخلد التی عرضها السماوات والأرض.

لذلک فقد فسّر بعضهم «جنّة المأوى» بأنّها مکان خاصّ فی جنّة الخلد، وهی قریبة من سدرة المنتهى ومعدّة للمخلصین!

وربّما فسّرها بعضهم بأنّها «جنّة البرزخ» التی تحلّ فیها أرواح الشهداء والمؤمنین بصورة مؤقتة.

ویبدو أنّ التّفسیر الأخیر أنسب التفاسیر وأقربها، وممّا یدلّ علیه بجلاء أنّنا نقرأ فی کثیر من الرّوایات الواردة فی المعراج أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) رأى جماعة متنعّمین فی الجنّة، مع أنّنا نعرف أنّه لن یدخل جنّة الخلد أحد قبل یوم القیامة، لأنّ آیات القرآن تشیر بوضوح أنّ المتّقین یدخلون الجنان بعد الحِسابِ ]فی یوم القیامة[لا بعد الموت مباشرةً وأنّ أرواح الشهداء أیضاً فی جنّة برزخیة لأنّهم أیضاً لایدخلون جنّة الخلد قبل یوم القیامة.

والآیة: (ما زاغ البصر وما طغى) إشارة إلى أنّ بصر النّبی، وأنّ عینیه الکریمتین لم تمیلا یمنة ولا یسرة، وما رآه النّبی بعینیه هو عین الواقع، لأنّ «زاغ» من مادّة زیغ معناه الانحراف یمیناً أو شمالا، و«طغى» من الطغیان، معناه التجاوز عن الحدّ، وبتعبیر آخر: إنّ الإنسان حین یرى شیئاً فیُخطىء رؤیته ولا یلتفت إلیه بدقّة فإمّا أنّه یلتفت یمنة ویسرة أو إلى ما ورائه(7).

والآن وحیث فرغنا من تفسیر مفردات الآی نعود إلى التّفسیر العامّ للآیات.

نعود مرّة اُخرى إلى النظریتین فی تفسیر الآیة...

فقال جماعة من المفسّرین بأنّ الآیات ناظرة إلى مشاهدة النّبی للمرّة الثانیة جبرئیل فی صورته الحقیقیّة عند نزوله من المعراج عند سدرة المنتهى ولم یَزغْ بصره فی رؤیة الملک ولم یُخطىء أبداً.

والنّبی رأى فی هذه الحال بعضاً من آیات الله الکبرى، والمقصود بها هی رؤیة جبرئیل فی صورته الواقعیة، أو بعض آیات السماء فی عظمتها وعجائبها، أو کلتیهما.

إلاّ أنّ الإشکالات الواردة على التّفسیر السابق ما تزال باقیة هنا، بل تضاف إلى تلک الإشکالات إشکالات اُخر ومنها:

إنّ التعبیر بـ (نزلة اُخرى) حسب هذا التّفسیر لیس فیه مفهوم واضح، لکن بحسب التّفسیر الثانی یکون المعنى إنّ النّبی رأى الله فی شهود باطنی عند معراجه فی السماء، وبتعبیر آخر نزل الله مرّة اُخرى على قلب النّبی وتحقّق الشهود الکامل فی (المنتهى إلیه) القریب إلى الله عند سدرة المنتهى حیث جنّة المأوى والسدرة تغطّیها حجب من أنوار الله.

ورؤیة قلب النّبی فی هذا الشهود لم تکن لغیر الحقّ أبداً، ولم یرَ سواه، ولقد رأى من دلائل عظمة الله فی الآفاق والأنفس أیضاً وشاهدها بعینیه.

ومسألة الشهود الباطنی کما أشرنا إلیها من قبل هی نوع من الإدراک أو الرؤیة التی لا تشبه الإدراکات العقلیة ولا الإدراکات الحسیّة التی یدرکها الإنسان بواسطة الحواس الظاهرة، ولعلّه یشبه من بعض الجهات بعلم الإنسان بوجود نفسه وأفکاره وتصوّراته.

توضیح ذلک: انّنا نوقن بوجود أنفسنا وندرک أفکارنا ونعرف إرادتنا ومیولنا النفسیّة، إلاّ أنّ مثل هذه المعرفة لم تحصل لا عن طریق الاستدلال ولا عن طریق المشاهدة الظاهریة بل هی نوع من الشهود الباطنی لنا، وعن هذا الطریق وقفنا على وجودنا وروحیاتنا.

ولذلک فإنّ العلم الحاصل عن الشهود الباطنی لا یقع فیه الخطأ، لأنّه لم یحصل عن طریق الاستدلال الذی قد یقع الخطأ فی مقدّماته، ولا عن طریق الحسّ الذی قد یقع الخطأ فیه بواسطة الحواس.

صحیح أنّنا لا نستطیع أن نکشف حقیقة الشهود الذی حصل للنّبی لیلة المعراج فی رؤیته الله عزّوجلّ إلاّ أنّ المثال الذی ذکرناه مناسب للتقریبوالرّوایات الإسلامیة بدورها خیر معین لنا فی هذا الموضوع.


1. الفعل «طغى» مضارعه «یطغو»، و«طغی» مضارعه «یطغى»، وباب الأوّل نَصر ینصر، وباب الثانی فرِح یفرح، وکلاهما بمعنى واحد، ومن هذا القبیل صغا یصغو وصغی یصغى.
2. قال بعض أصحاب اللغة والمفسّرین معنى «النزلة» هنا «مرّة» ولیس المراد منها النّزول، «فالنزلة الاُخرى» تعنی المرّة الثانیة لا غیر، لکن لا ندری لِمَ عزفوا عن المادّة الأصلیة «للنزلة» فی حین أنّ غیرهم أشاروا إلیها وفسّروها بما بیّنا آنفاً ]فلاحظوا بدقّة[.
3. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث.
4. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 155، ح 40.
5. «المأوى» فی الأصل معناه الإنضمام، وحیث إنّ سکون الأفراد فی محلّ ما یسبّب إنضمام بعضهم لبعض فقد استعملت هذه الکلمة «المأوى» على محلّ السکن مطلقاً.
6. آل عمران، 133.
7. جاء فی تفسیر المیزان أنّ «الزیغ» هو الخطأ فی مشاهدة کیفیة الشیء وأنّ «الطغیان» فی البصر هو الخطأ فی أصل الرؤیة، إلاّ أنّه لا دلیل واضح على هذا التفاوت... بل ما ورد فی اللغة هو ما بیّناه فی المتن.
سورة النّجم / الآیة 13 ـ 18 1ـ المعراج حقیقة مقطوع بها
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma