ما هو کلامکم الحقّ؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الطّور / الآیة 35 ـ 43 سورة الطّور / الآیة 44 ـ 49

هذه الآیات تواصل البحث الاستدلالی السابق ـ کذلک ـ وهی تناقش المنکرین للقرآن ونبوّة محمّد(صلى الله علیه وآله) وقدرة الله سبحانه.

وهی آیات تبدأ جمیعها بـ«أم» التی تفید الاستفهام وتشکّل سلسلة من الاستدلال فی أحد عشر سؤالا متتابعاً (بصورة الاستفهام الإنکاری)، وبتعبیر أجلى: إنّ هذه الآیات تسدّ جمیع الطرق بوجه المخالفین فلا تدع لهم مهرباً فی عبارات موجزة ومؤثّرة جدّاً بحیث ینحنی الإنسان لها من دون اختیاره إعظاماً ویعترف ویقرّ بإنسجامها وعظمتها، فأوّل ما تبدأ به هو موضوع الخلق فتقول: (أم خُلقوا من غیر شیء أم هم الخالقون)(1).

وهذه العبارة الموجزة والمقتضبة فی الحقیقة هی إشارة إلى «برهان العلیّة» المعروف الوارد فی الفلسفة وعلم الکلام لإثبات وجود الله، وهو أنّ العالم الذی نعیش فیه ممّا لا شکّ ـ فیه ـ حادث (لأنّه فی تغییر دائم، وکلّ ما هو متغیّر فهو فی معرض الحوادث، وکلّ ما هو فی معرض الحوادث محال أن یکون قدیماً وأزلیّاً).

والآن ینقدح هذا السؤال، وهو إذا کان العالم حادثاً فلا یخرج عن الحالات الخمس التالیة:

وُجد من دون علّة!

هو نفسه علّة لنفسه.

معلولات العالم علّة لوجوده.

إنّ هذا العالم معلول لعلّة اُخرى وهی معلولة لعلّة اُخرى إلى ما لا نهایة.

إنّ هذا العالم مخلوق لواجب الوجود الذی یکون وجوده ذاتیاً له.

وبطلان الاحتمالات الأربع المتقدّمة واضح، لأنّ وجود المعلول من دون علّة محال، وإلاّ فینبغی أن یکون کلّ شیء موجوداً فی أی ظرف کان، والأمر لیس کذلک!

والاحتمال الثانی وهو أن یوجد الشیء من نفسه محال أیضاً، لأنّ مفهومه أن یکون موجوداً قبل وجوده، ویلزم منه إجتماع النقیضین ]فلاحظوا بدقّة[.

وکذلک الاحتمال الثالث وهو أنّ مخلوقات الإنسان خلقته، وهو واضح البطلان إذ یلزم منه الدور!.

وکذلک الاحتمال الرابع وهو تسلسل العلل وترتّب العلل والمعلول إلى ما لا نهایة أیضاً محال، لأنّ سلسلة المعلولات اللاّ محدودة مخلوقة، والمخلوق مخلوق ویحتاج إلى خالق أوجده، ترى هل تتحوّل الأصفار التی لا نهایة لها إلى عدد؟! أو ینفلق النور من ما لا نهایة الظلمة؟! وهل یولد الغنى من ما لا نهایة له فی الفقر والفاقة؟

فبناءً على ذلک لا طریق إلاّ القبول بالاحتمال الخامس، أی خالقیة واجب الوجود ]فلاحظوا بدقّة أیض[.

وبما أنّ الرکن الأصلی لهذا البرهان هو نفی الاحتمالین الأوّل والثانی فإنّ القرآن إقتنع به فحسب.

والآن ندرک جیّداً وجه الاستدلال فی هذه العبارات الموجزة!

الآیة التالیة تثیر سؤالا آخر على الإدّعاء فی المرحلة الأدنى من المرحلة السابقة فتقول: (أم خلقوا السّماوات والأرض).

فإذا لم یوجدوا من دون علّة ولم یکونوا علّة أنفسهم أیضاً، فهل هم واجبو الوجود فخلقوا السماوات والأرض؟! وإذا لم یکونوا قد خلقوا الوجود، فهل أوکل الله إلیهم أمر خلق السماء والأرض؟ فعلى هذا هم مخلوقون وبیدهم أمر الخلق أیضاً!!.

من الواضح أنّهم لا یستطیعون أن یدّعوا هذا الإدّعاء الباطل، لذلک فإنّ الآیة تختتم بالقول: (بل لا یوقنون)!

أجل، فهم یتذرّعون بالحجج الواهیة فراراً من الإیمان!

ثمّ یتساءل القرآن قائلا: فإذا لم یدّعوا هذه الاُمور ولم یکن لهم نصیب فی الخلق، فهل عندهم خزائن الله (أم عندهم خزائن ربّک)(2) لیهبوا من شاؤوا نعمة النبوّة والعلم أو الأرزاق الاُخر ویمنعوا من شاؤوا ذلک: (أم هم المصیطرون) على جمیع العوالم وفی أیدیهم اُمور الخلائق؟!

انّهم لا یستطیعون ـ أن یدّعوا أبداً أنّ عندهم خزائن الله تعالى، ولا یملکون تسلّطاً على تدبیر العالم، لأنّ ضعفهم وعجزهم إزاء أقل مرض بل حتى على بعوضة تافهة وکذلک احتیاجهم إلى الوسائل الابتدائیة للحیاة خیر دلیل على عدم قدرتهم وفقدان هیمنتهم! وإنّما یجرّهم إلى إنکار الحقائق هوى النفس والعناد وحبّ الجاه والتعصّب والأنانیة!.

وکلمة: «مصیطرون» إشارة إلى أرباب الأنواع التی هی من خرافات القدماء، إذ کانوا یعتقدون أنّ کلّ نوع من أنواع العالم إنساناً کان أمّ حیواناً آخر أم جماداً أم نباتاً له مدبّر وربّ خاصّ یدعى بربّ النوع ویدعون الله «ربّ الأرباب» وهذه العقیدة تعدّ فی نظر الإسلام «شرکاً» والقرآن فی آیاته یصرّح بأنّ التدبیر لجمیع الأشیاء هو لله وحده ویصفه بربّ العالمین.

وأصل هذه الکلمة من «سَطْر» ومعناه صفّ الکلمات عند الکتابة، و«المسیطر» کلمة تطلق على من له تسلّط على شیء ما ویقوم بتوجیهه، کما أنّ الکاتب یکون مسیطراً على کلماته (وینبغی الإلتفات إلى أنّ هذه الکلمة تکتب بالسین وبالصاد على السواء ـ مسیطر ومصیطر ـ فهما بمعنى واحد وإن کان الرسم القرآنی المشهور بالصاد «مصیطر»).

ومن المعلوم أنّه لا منکرو النبوّة ولا المشرکون فی العصر الجاهلی ولا سواهما یدّعی أیّاً من الاُمور الخمسة التی ذکرها القرآن، ولذلک فإنّه یشیر إلى موضوع آخر فی الآیة التالیة فیقول: إنّ هؤلاء هل یدعون أنّ الوحی ینزل علیهم أو یدعون أنّ لهم سُلّماً یرتقون علیه إلى السماء فیستمعون إلى أسرار الوحی: (أم لهم سُلّم یستمعون فیه).

وحیث إنّه کان من الممکن أن یدّعوا بأنّهم على معرفة بأسرار السماء فإنّ القرآن یطالبهم مباشرةً بعد هذا الکلام بالدلیل فیقول: (فلیأت مستمعهم بسلطان مبین).

ومن الواضح أنّه لو کانوا یدّعون مثل هذا الادّعاء فإنّه لا یتجاوز حدود الکلام فحسب، إذ لم یکن لهم دلیل على ذلک أبد(3).

ثمّ یضیف القرآن قائلا: هل صحیح ما یزعمون أنّ الملائکة اُناث وهم بنات الله؟! (أم له البنات ولکم البنون)؟!

وفی هذه الآیة إشارة إلى واحد من إعتقاداتهم الباطلة، وهو استیاؤهم من البنات بشدّة، وإذا علموا أنّهم رزقوا من أزواجهم «بنتاً» اسودّت وجوههم من الحیاء والخجل! ومع هذا فإنّهم کانوا یزعمون أنّ الملائکة بنات الله، فإذا کانوا مرتبطین بالملأ الأعلى ویعرفون أسرار الوحی، فهل لدیهم سوى هذه الخرافات المضحکة... وهذه العقائد المخجلة؟!

وبدیهی أنّ الذکر والاُنثى لا یختلفان فی نظر القیمة الإنسانیة... والتعبیر فی الآیة المتقدّمة هو فی الحقیقة من قبیل الاستدلال بعقیدتهم الباطلة ومحاججتهم بها.

والقرآن یؤکّد ـ فی آیات متعدّدة ـ على نفی هذه العقیدة الباطلة ویحاکمهم فی هذا المجال ویفضحهم(4)!!

ثمّ یتنازل القرآن إلى مرحلة اُخرى، فیذکر واحداً من الاُمور التی یمکن أن تکون ذریعة لرفضهم فیقول: (أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون).

«المغرم» على وزن مغْنَم وهو ضدّ معناه ـ أی ما یصیب الإنسان من خسارة أو ضرر دون جهة، أمّا الغریم فیطلق على الدائن والمدین أیضاً.

و «المُثقَل» مشتقّ من الأثقال، ومعناه تحمیل العبء والمشقّة، فبناءً على هذا المعنى یکون المراد من الآیة: تُرى هل تطلب منهم غرامة لتبلیغ الرسالة فهم  لا یقدرون على أدائها ولذلک یرفضون الإیمان؟!

وقد تکرّرت الإشارة فی عدد من الآیات القرآنیة لا فی النّبی فحسب، بل فی شأن کثیر من الأنبیاء، إذ کان من أوائل کلمات النبیین قولهم لاُممهم: لا نرید أجراً على إبلاغنا الرسالة إلیکم... لیثبت لهؤلاء الأقواء أنّ الأنبیاء لایتحرکون فی أداء الرسالة من موقع المصلحة الشخصیة ولئلاّ تبقى ذریعة للمتذرّعین أیضاً.

ومرّة اُخرى یخاطبهم القرآن متسائلا (أم عندهم الغیب فهم یکتبون) فهؤلاء یدّعون أنّ النّبی شاعر وینتظرون موته لینطوی بساطه وینتهی کلّ شیء بموته وتلقى دعوته فی سلّة الإهمال، کما تقدّم فی الآیة السابقة ذلک على لسان المشرکین إذ کانوا یقولون... (نتربّص به ریب المنون)».

فمن أین لهم أنّهم سیبقون أحیاء بعد وفاة النّبی؟! ومن أخبرهم بالغیب؟!

ویحتمل أیضاً أنّ القرآن یقول إذا کنتم تدّعون معرفة الأسرار الغیبیة وأحکام الله ولستم بحاجة إلى القرآن ودین محمّد فهذا کذب عظیم(5).

ثمّ یتناول القرآن إحتمالا آخر فیقول: لو لم یکن کلّ هذه الاُمور المتقدّمة، فلابدّ أنّهم یتآمرون لقتل النّبی وإجهاض دعوته ولکن لیعلموا أنّ کید الله أعلى وأقوى من کیدهم: (أم یریدون کیداً فالّذین کفروا هم المکیدون)(6).

والآیة الآنفة یطابق تفسیرها تفسیر الآیة 54 من سورة آل عمران التی تقول: (ومکروا ومکر الله والله خیر الماکرین).

واحتمل جماعة من المفسّرین أنّ المراد من الآیة محلّ البحث هو: «انّ مؤامراتهم ستعود علیهم أخیراً وتکون وبالا علیهم...» وهذا المعنى یُشبه ما ورد فی الآیة 43 من سورة فاطر: (ولا یحیق المکر السّىّء إلاّ بأهله).

والجمع بین التّفسیرین الآنفین ممکن ولا مانع منه.

ویمکن أن یکون لهذه الآیة إرتباط آخر بالآیه المتقدّمة، وهو أنّ أعداء الإسلام کانوا یقولون: ننتظر موت محمّد. فالقرآن یردّهم بالقول بأنّهم لیسوا خارجین عن واحد من الأمرین التالیین... أمّا أنّهم یدّعون بأنّ محمّداً یموت قبل موتهم حتف أنفه. فلازم هذا الإدّعاء أنّهم یعلمون الغیب، وأمّا أنّ مرادهم أنّه سیمضی بمؤامراتهم فالله أشدّ مکراً ویردّ کیدهم إلیهم، فهم المکیدون!

وإذا کانوا یتصوّرون أنّ فی اجتماعهم فی دار الندوة ورشق النّبی بالتّهم کالکهانة والجنون والشعر أنّهم سینتصرون على النّبی فهم فی منتهى العمى والحمق، لأنّ قدرة الله فوق کلّ قدرة، وقد ضمن لنبیّه السلامة والنجاة حتى یبلّغ دعوته العالمیة.

وأخیراً فإنّ آخر ما یثیره القرآن من أسئلة فی هذا الصدد قوله: (أم لهم إله غیر الله)؟! ویضیف ـ منزّهاً ـ (سبحان الله عمّا یشرکون).

فعلى هذا لا أحد یستطیع أن یمنعهم من الله ویحمیهم، وهکذا فإنّ القرآن یستدرجهم ویضعهم أمام استجواب عجیب وأسئلة متّصلة تؤلّف سلسلة متکاملة مؤلّفة من أحد عشر سؤالا! ویضطرهم مرحلة بعد مرحلة إلى التراجع!! والتنازل من الإدّعاءات الفارغة ثمّ یوصد علیهم سُبُلَ الفرار کلّها ویحاصرهم فی طریق مغلق!.

کم هی رائعة إستدلالات القرآن وکم هی متینة أسئلته وإستجوابه!... فلو أنّ أىّ واحد منهم کان یعیش الروح الباحثة عن الحقّ لأذعن أمام هذه الأسئلة واستسلم لها.

الطریف أنّ الآیة الأخیرة من الآیات محلّ البحث لا تذکر دلیلا لنفی المعبودات ممّا سوى الله، وتکتفی بتنزیه الله (سبحان الله عمّا یشرکون).

وذلک لأنّ بطلان اُلوهیة الأصنام والأوثان المصنوعة من الأحجار والخشب وغیرهما مع ما فیها من ضعف واحتیاج أجلى وأوضح من أی بیان وتفصیل آخر، أضف إلى کلّ ذلک فإنّ القرآن استدلّ على إبطال هذا الموضوع بآیات متعدّدة غیر هذه الآیة.


1. هناک تفسیرات اُخر وإحتمالات متعدّدة فی وجوه هذه الآیة، منها أنّ مفادها: هل خلقوا بلا هدف ولم یک علیهم أیّة مسؤولیة؟!... وبالرغم أنّ جماعة من المفسّرین إختاروا هذا الوجه إلاّ أنّه مع الإلتفات لبقیّة الآیة: (أم هم الخالقون)یتّضح أنّ المراد هو ما ذکر فی المتن، أی خُلقوا من دون علّة. أم هم علّة أنفسهم؟!.
2. «الخزائن» جمع «الخزینة» ومعناها مکان کلّ شیء محفوظ لا تصل إلیه الید ویدّخر فیه ما یرید الإنسان یقول القرآن فی هذا الصدد (وإن من شیء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم) الحجر، 21.
3. «سُلّم» یعنی «المصعد» کما یأتی بمعنى أیّة وسیلة کانت وقد اختلف المفسّرون فی المراد من الآیة فأیّ شیء کانوا یدعونه؟! فقال بعضهم: ادّعوا الوحی وقال آخرون هو ما کانوا یدّعونه فی النّبی بأنّه شاعر أو مجنون أو ما کانوا یدّعون من الأنداد والشرکاء لله... وفسّر بعضهم ذلک بنفی نبوّة محمّد (صلى الله علیه وآله) «ولا مانع من الجمع بین هذه المعانی وإن کان المعنى الأوّل أجلى».
4. کانت لنا بحوث مفصّلة فی سبب جعل العرب الملائکة بنات الله فی الوقت الذی کانوا یستاءون من البنات، وذکرنا الدلائل الحیّة التی أقامها القرآن ضدّهم فلیراجع ذیل الآیة 57 سورة النحل وذیل الآیة 149 من سورة الصافات...
5. قال بعض المفسّرین أنّ المراد بالغیب هو اللوح المحفوظ، وقال بعضهم: بل هو إشارة إلى ادّعاءات المشرکین وقولهم إذ کانت القیامة فسیکون لنا عند الله مقام کریم. إلاّ أنّ هذه التفاسیر لا تتناسب والآیة محلّ البحث ولا یرتبط بعضها ببعض.
6. «الکید» على وزن «صید» نوع من الحیلة وقد یستعمل فی التحیّل إلى سبیل الخیر، إلاّ أنّه غالباً ما یستعمل فی الشرّ، وتعنی هذه الکلمة المکر والسعی أو الجدّ کما تعنی الحرب أحیاناً.
سورة الطّور / الآیة 35 ـ 43 سورة الطّور / الآیة 44 ـ 49
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma