1ـ کلمة «یتساءلون» مشتقّة من السؤال، ومعناه الاستفهام، أی یسأل بعضهم بعضاً،
وهذا الفعل هنا یشیر إلى أنّ أهل الجنّة یسأل بعضهم بعضاً عن ماضیه، لأنّ تذکّر هذه المسائل والنجاة من تلک الآلام والهموم والوصول إلى مثل هذه المواهب کلّ ذلک بنفسه تلذّذ أیضاً... وهذا یشبه تماماً «الإنسان» المسافر العائد من سفر محفوف بالمخاطر إلى محیط آمن، فهو یتحدّث مع من سافر معه عن ما کان فی سفره ویعرب عن سروره لسلامته.
2ـ کلمة «مشفقین» مشتقّة من الإشفاق، وکما یقول الراغب فی مفرداته معناه التوجّه المقرون بالخوف... فحین یتعدّى هذا اللفظ «الإشفاق» بـ «من» یکون مفهوم الخوف فیها أظهر، وإذا تعدّت بـ «فی» یکون مفهوم التوجّه والعنایة فیها أکثر!
والأصل أنّ هذه الکلمة مشتقّة من «الشفق» وهو النور المقرون أو الممزوج بشیء من الظلمة.
والآن ینبغی أن یُعرف ممَّ کانوا مشفقین فی الدنیا وخائفین؟ ولأی شیء کانوا یتوجّهون؟!
وهنا إحتمالات ثلاثة وقد جمعناها فی تفسیر الآیة إذ لا منافاة بینها جمیعاً«الخوف من الله والتوجّه إلیه لنجاتهم ـ والإشفاق من انحراف أهلیهم والإلتفات إلى أمر التربیة ـ والخوف من الأعداء والتوجّه لحفظ أنفسهم فی قبالهم» وإن کان المعنى الأوّل ـ مع ملاحظة الآیات التالیة وخاصّة (فمنّ الله علینا ووقانا عذاب السّموم) ـ أقرب للنظر!
3ـ التعبیر «فی أهلنا» بإطلاقه یحمل مفهوماً واسعاً حیث یصدق على جمیع الأبناء والأزواج والأحباب، ویشیر هذا التعبیر إلى أنّ الإنسان فی مثل هذا الجمع یحسّ بالأمن أکثر من أی مکان آخر، فإذا کان فیهم مشفقاً، فمن المعلوم حاله إذا کان فی غیرهم!!
ویحتمل أیضاً أنّ هذا التعبیر یشیر إلى اُولئک المبتلین باُسرة غیر مؤمنة، وکانوا خائفین حتى منهم، إلاّ أنّهم فی الوقت ذاته قاوموا وحافظوا على استقلالهم بالإتّکال على الله ولطفه ولم یتلوّنوا بلون الاُسرة.
4ـ «السموم» یعنی الحرارة التی تدخل فی مسام البدن فتؤذی الإنسان، ویطلق على الریح التی تتسم بهذه السمة بریح السموم کما یطلق عذاب السموم على مثل هذا العذاب الذی تدخل حرارته مسام البدن فتؤذیه.
وأمّا إطلاق کلمة «السم» على المواد القاتلة فهو لأنّها تنفذ فی جمیع أجزاء البدن!
5ـ کلمة «البرّ» فی الأصل تطلق على الیابسة فی قبال البحر، ثمّ استعملت هذه الکلمة فی
من یعمل عملا صالحاً وواسعاً حسناً، وأجدر بهذه الکلمة الذات المقدّسة، لأنّ لطفه وإحسانه عمّ العوالم کلّها.
