بعض أدلّة التوحید

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الزّخرف / الآیة 9 ـ 14 ذکر الله عند الإنتفاع بالنعم

من هنا یبدأ البحث حول التوحید والشرک، فتستعین الآیات بفطرة هؤلاء وطینتهم لإثبات التوحید، وبعد أن تبیّن الأدلّة الموجودة فی عالم الوجود، وتذکر خمسة نماذج من مواهب الله العظیمة وتثیر فیهم حسّ الشکر، تتطرّق إلى إبطال اعتقادهم الخرافی فیما یتعلق بالأصنام ومختلف أنواع الشرک.

یقول سبحانه فی القسم الأوّل: (ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض لیقولنّ خلقهنّ العزیز العلیم).

إنّ هذا التعبیر الذی ورد بتفاوت یسیر فی أربع آیات من القرآن الکریم ـ العنکبوت 61، لقمان 25، الزمر 38 والزخرف فی الآیة التی نبحثه(1) ـ دلیل على کون معرفة الله سبحانه أمر فطری مغروس فی طینة البشر وطبیعتهم من جانب، ومن جانب آخر یدلّ على أنّ المشرکین کانوا مقرّین بأن خالق السماوات والأرض هو الله سبحانه، ولایعتقدون بأنّ معبوداتهم خالقة إلاّ فی موارد نادرة.

ومن جانب ثالث فإنّ هذا الإعتراف أساس ودعامة لإبطال عبودیّة الأصنام، لأنّ الذی یکون أهلاً للعبادة هو خالق الکون ومدبّره، لا الموجودات التی لا حظّ لها فی هذا المجال، وبناء على هذا، فإنّ اعترافهم بکون الله سبحانه خالقاً کان دلیلاً قاطعاً على بطلان مذهبهم ودینهم الفاسد.

والتعبیر بـ (العزیز الحکیم) والذی یبیّن قدرة الله المطلقة، وعلمه وحکمته، وإن کان تعبیراً قرآنیّاً، إلاّ أنّه لم یکن أمراً ینکره المشرکون، لأنّ لازم الإعتراف بکون الله سبحانه خالقاً للسماء والأرض وجود هاتین الصفتین فیه، وهؤلاء المشرکین کانوا یعتقدون بعلم أصنامهم وقدرتها، فکیف بالله الذی یعتقدون أنّ أصنامهم وسیلة إلیه، وتقربّهم إلیه زلفى؟!

ثمّ یشیر سبحانه إلى خمس نعم من نعم الله العظیمة، والتی تعتبر کلّ منها نموذجاً من نظام الخلقة، وآیة من آیات الله سبحانه، فیقول أولاً: (الذی جعل لکم الأرض مهد).

إنّ لفظتی «المهد» و«المهاد» تعنی المحلّ الذی اُعدّ للجلوس والنوم والإستراحة، ویقال فی الأصل للمکان الذی یضعون فیه الطفل لینام «مهد».

أجل... إنّ الله سبحانه جعل الأرض مهداً للإنسان، ومع أنّ لها عدّة حرکات بفعل قانون الجاذبیّة، ورغم الطبقة الغازیّة العظیمة التی أحاطت بها من کلّ جانب، فإنّها هادئة ومستقرّة بحیث لا یشعر ساکنوها بأیّ إزعاج ونعلم أنّ الهدوء النفسی هو الدعامة الأساسیّة للاستفادة من النعم الاُخرى والتنعّم بها، ولا شکّ أنّ هذه العوامل المختلفة ما لم تنسجم مع بعضها، ویکمل بعضها بعضاً، فلیس بالإمکان تحقّق هذا الهدوء والإطمئنان مطلقاً.

ثمّ یضیف سبحانه لتبیان النعمة الثانیة: (وجعل لکم فیها سبلاً لعلّکم تهتدون).

لقد أشیر إلى هذه النعمة عدّة مرات فی القرآن المجید (سورة طه ـ 53، الأنبیاء ـ 31، النحل ـ 15 وغیرهنّ)، وهی من النعم التی غفل عنها الکثیرون، لأنّا نعلم أنّ التظاریس تعمّ کلّ الیابسة تقریباً، وفیها الجبال العظیمة والصغیرة والتلال والهضاب، والبدیع أن توجد بین أعظم سلال جبال العالم فواصل یستطیع الإنسان أن یشقّ طریقه من خلالها،

وقلّما اتّفق أن تکون هذه الجبال سبباً لإنفصال أقسام الکرة الأرضیة عن بعضها تماماً، وهذا واحد من أسرار نظام الخلقة، ومن مواهب الله سبحانه وعطایاه للعباد.

وإضافة إلى ما مرَّ ، فإنّ کثیراً من أجزاء الکرة الأرضیة ترتبط مع بعضها بواسطة طرق المواصلات البحریّة، وهذا یدخل أیضاً فی عموم معنى الآیة(2).

واتضح ممّا قلناه أنّ المراد من جملة (لعلّکم تهتدون) هو الهدایة إلى الهدف، واکتشاف مناطق الأرض المختلفة، بالرغم من أنّ البعض اعتبرها إشارة إلى الهدایة لأمر التوحید ومعرفة الله. ولا مانع من جمع هذین المعنیین.

وذکرت الموهبة الثالثة ـ وهی موهبة نزول المطر، وإحیاء الأراضی المیّتة ـ فی الآیة التالیة: (والذی نزّل من السماء ماءً بقدر فأنشرنا به بلدة میتاً کذلک تخرجون) من قبورکم یوم البعث.

إنّ التعبیر بکلمة «قدر» إشارة لطیفة إلى النظام الخاص الذی یحکم نزول الأمطار، حیث إنّها تنزّل بمقدار کاف یکون مفیداً ومثمراً، ولا یؤدّی إلى الخسارة والإتلاف.

صحیح أنّه قد یؤدّی بعض الأحیان إلى حدوث فیضانات، وجریان السیول، وتدمیر الأراضی، إلاّ أنّ هذه الحالات استثنائیّة، ولها صبغة التحذیر، فالأعمّ الأغلب من الأمطار مفیدة ومربحة، فنموّ کلّ الأشجار والنباتات والأزهار والمزارع المثمرة، من برکة نزول المطر الموزون هذا، ولو لم یکن لنزول المطر نظام، لما حصلت کلّ هذه البرکات.

الآیة الثانیة تستخدم جملة «أنشرنا» ـ من مادّة النشور ـ لتجسید انبعاث عالم النباتات، فإنّ الأراضی الیابسة التی تضمّ بذور النباتات کما تضمّ القبور أجساد الموتى، تتحرک وتحیا بنفخة صور نزول المطر، وتهتزّ فتخرج أموات النبات رؤوسها من التراب، ویقوم محشرها وتقع قیامتها التی تمثل صورة لقیامة البشر، والتی أشیر إلیها فی نهایة هذه الآیة وفی آیات عدیدة اُخرى من القرآن المجید.

وبعد ذکر نزول المطر وحیاة النباتات، یشیر فی المرحلة الرّابعة إلى خلق أنواع الحیوانات، فیقول سبحانه: (والّذی خلق الأزواج کلّه).

إنّ التعبیر بـ «الأزواج» کنایة عن أنواع الحیوانات بقرینة ذکر النباتات فی الآیة السابقة، بالرغم من أنّ البعض اعتبرها إشارة إلى کلّ أنواع الموجودات، سواء الحیوان والنبات والجماد، لأنّ قانون الزوجیّة یحکمها جمیعاً، فلکلّ جنس ما یخالفه: السماء والأرض، اللیل والنهار، النور والظلام، المرّ والحلو، الیابس والرطب، الشمس والقمر، الجنّة والنّار، إلاّ ذات الله المقدّسة فإنّها أحدیّة،  ولا سبیل للزوجیّة إلیها أبداً.

لکن کما قلنا، فإنّ القرائن الموجودة توحی بأنّ المراد هو «أزواج الحیوانات»، ونعلم أنّ قانون الزوجیّة سنّة حیاتیّة فی کلّ الکائنات الحیّة، والعیّنات النادرة الاستثنائیة لا تقدح بعمومیّة هذا القانون.

واعتبر البعض «الأزواج» بمعنى أصناف الحیوانات، کالطیور والدواب والمائیّات والحشرات وغیرها.

وفی المرحلة الخامسة تبیّن الآیات آخر نعمة من هذه السلسلة، وهی المراکب التی سخّرها الله سبحانه للبشر لطیّ الطرق البریّة والبحریّة، فیقول سبحانه: (وجعل لکم من الفلک والأنعام ما ترکبون).

إنّ هذه النعمة هی إحدى مواهب الله سبحانه للبشر، وکراماته التی منّ بها علیهم، وهی لا تلاحظ فی الأنواع الاُخرى من الموجودات، وذلک أنّ الله سبحانه قد حمل الإنسان على المراکب التی تعینه فی رحلاته البحریّة والصحراویّة، کما جاء ذلک فی الآیة 70 من سورة الإسراء: (ولقد کرّمنا بنی آدم وحملناهم فی البرّ والبحر ورزقناهم من الطّیّبات وفضّلناهم على کثیر ممّن خلقنا تفضیل).

والحقّ أنّ وجود هذه المراکب یضاعف أنشطة الإنسان ویوسّع حیاته عدّة أضعاف، وحتى الوسائل السریعة السیر التی نراها الیوم، والتی صنعت بالإستفادة من مختلف خواصّ الموجودات، ووضعت تحت تصرّف الإنسان، فإنّها من ألطاف الله الظاهرة، تلک الوسائل التی غیّرت وجه حیاته، ومنحت کلّ شیء السرعة، وأهدت له کلّ أنواع الراحة.

وتذکر الآیة التالیة الهدف النهائی لخلق هذه المراکب فتقول: (لتستووا على ظهوره ثمّ تذکروا نعمة ربّکم إذا استویتم علیه وتقولوا سبحان الّذی سخّر لنا هذا وما کنّا له مقرنین).

إنّ جملة: (لتستووا على ظهوره) إشارة إلى أنّ الله سبحانه قد خلق هذه المراکب على

هیئة تستطیعون معها رکوبها بصورة جیّدة، وتصلون إلى مقاصدکم براحة ویسر(3).

لقد أوضحت هذه الآیة هدفین لخلق هذه المراکب البحریّة والبریّة، من الفلک والأنعام، أحدهما: ذکر نعم الله سبحانه حین الإستواء على ظهورها، والآخر: تنزیه الله سبحانه الذی سخّرها للإنسان، فقد جعل الفلک على هیئة تقدر أن تشقّ صدر الأمواج وتسیر نحو المقصد، وجعل الدواب والأنعام خاضعة لأمر الإنسان ومنقادة لإرادته.

«مقرنین» من مادة «إقران»، أی امتلاک القدرة على شیء، وقال بعض أرباب اللغة: إنّه یعنی مسک الشیء وحفظه، وفی الأصل بمعنى وقوع الشیء قریناً لشیء آخر، ولازم ذلک القدرة على حفظه(4).

بناء على هذا، فإنّ معنى جملة (وما کنّا له مقرنین) هو أنّه لو لم یکن لطف الله وعنایته لما کان بإمکاننا السیطرة على هذه المراکب وحفظها، ولتحطمت بفعل الریاح المخالفة لحرکة السفن، وکذلک الحیوانات القویّة التی تفوق قوّتها قوّة الإنسان أضعافاً، ما کان الإنسان لیستطیع أن یقترب منها مطلقاً لولا روح التسلیم التی تحکمها، ولذلک حین یغضب أحد هذه الحیوانات ویفقد روح التسلیم، فإنّه سیتحوّل إلى موجود خطر لا یقوى عدّة أشخاص على مقابلته، فی حین أنّ من الممکن فی حالة سکونها ودعتها ـ أن تربط عشرات، بل مئات منها بحبل وزمام، ویسلّم بید صبی لیذهب بها حیث یشاء، وکأنّ الله سبحانه یرید أن یبیّن للإنسان نعمة الحالة الطبیعیّة للحیوانات من خلال بیان الحالة الإستثنائیّة.

وتذکر آخر آیة ـ من هذه الآیات ـ قول المؤمنین لدى رکوبهم المرکب، إذ یقولون: (وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون).

هذه الجملة إشارة إلى مسألة المعاد بعد الحدیث حول التوحید، لأنّ الإنتباه إلى الخالق والمبدأ، یلفت نظر الإنسان نحو المعاد دائماً.

وهی أیضاً إشارة إلى أن لا تغترّوا عندما ترکبون هذه المراکب وتتسلّطون علیها، ولا تغرقوا فی مغریات الدنیا وزخارفها، بل یجب أن تکونوا دائماً ذاکرین للآخرة غیر ناسین لها، لأنّ حالات الغرور تشتد وتتعمّق فی مثل هذه الموارد خاصّة، والأشخاص الذین یتّخذون مراکبهم ووسائط نقلهم وسیلة للتعالی والتکبّر على الآخرین لیسوا بالقلیلین.

ومن جهة ثالثة، فإنّ الإستواء على المرکب والإنتقال من مکان إلى آخر یذکّرنا بانتقالنا الکبیر من هذا العالم إلى العالم الآخر.

نعم... فنحن أخیراً ننقلب إلى الله سبحانه.


1. جاء فی موضعین آخرین من القرآن اعتراف هؤلاء بکون الله خالقاً ، غایته أنّ أحدهما فی شأن نزول المطر من السماء: العنکبوت، 63، والآخر فی کون الله سبحانه خالقهم: الزخرف، 87.
2. کلمة «السبل» ـ جمع سبیل ـ تطلق على الطرق البرّیة والبحریّة ، کما نقرأ فی الفقرة 42 من دعاء الجوشن «یامن فی البرّ والبحر سبیله».
3. الضمیر فی « على ظهوره » یعود على «ما» الموصولة والتی وردت فی جملة «ما ترکبون» وهی تشمل السفن والدواب ، وکونه مفرداً لظاهر اللفظ .
4. جاء فی لسان العرب : «أقرن له وعلیه»: أطاق وقوی علیه واعتلى ، وفی التنزیل العزیز : ( وما کنّا له مقرنین ) .
سورة الزّخرف / الآیة 9 ـ 14 ذکر الله عند الإنتفاع بالنعم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma