ادخلوا الجنّة... أیّها المتّقون!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة ق / الآیة 31 ـ 37 سورة ق / الآیة 38 ـ 40

مع الإلتفات إلى أنّ أبحاث هذه السورة یدور أغلبها حول محور المعاد والاُمور التی تتعلّق به، ومع ملاحظة أنّ الآیات آنفة الذکر تتحدّث عن کیفیة القاء الکفّار المعاندین فی نار جهنّم وما یلاقونه من عذاب شدید وبیان صفاتهم التی جرّتهم وساقتهم إلى نار جهنّم! ففی هذه الآیات محلّ البحث تصویر لمشهد آخر، وهو دخول المتّقین الجنّة بمنتهى التکریم والتجلّة وإشارة إلى أنواع النعم فی الجنّة، کما أنّ هذه الآیات تبیّن صفات أهل الجنّة لتتّضح الحقائق أکثر بهذه المقارنة ما بین أهل النار وأهل الجنّة.

فتبدأ الآیات بالقول: (واُزلفت الجنّة للمتّقین غیر بعید).

«اُزلفت»: من مادّة زُلفى ـ على زنة کُبرى ـ ومعناها القرب، أی قُرّبت.

والطریف هنا أنّ القرآن لا یقول: وقُرّب المتّقین إلى الجنّة، بل یقول واُزلفت أی وقرّبت الجنّة للمتّقین، وهذا أمر لا یمکن أن یتصوّر تبعاً للظروف الدنیویة وشروطها، ولکن حیث إنّ الاُصول الحاکمة على العالم الآخر تختلف اختلافاً بالغاً عمّا هی فی هذه الدنیا، فلا ینبغی التعجّب إطلاقاً أن یُقرّب الله الجنّة للمتّقین بمنتهى التکریم بدلا من أن یذهبوا هم إلیها.

کما أنّنا نقرأ فی الآیتین 90 و91 من سورة الشعراء: (واُزلفت الجنّة للمتّقین * وبُرّزت الجحیم للغاوین).

وهذا منتهى اللطف الإلهی لعباده المؤمنین حیث لا یتصوّر فوقه لطف آخر!.

والتعبیر بـ (غیر بعید)(1) تأکید على هذا المعنى أیضاً.

وعلى کلّ حال، فمفهوم الآیة أنّ هذه القضیّة تقع فی القیامة رغم أنّه عبّر عنها بالماضی «أزلفت» لکن الحوادث المستقبلیة القطعیة کثیراً ما یعبّر عنها بالماضی ـ لأنّ وقوعها سیتحقّق حتماً ـ .

وقیل: إنّ إزلاف الجنّة للمتّقین یتحقّق فی الدنیا، لأنّه لا یفصلهم شیء عن الجنّة والتعبیر بالماضی یراد به الماضی حقیقة. وعند الموت سیجدون أنفسهم فی الجنّة، لکن مع ملاحظة الآیات السابقة واللاحقة التی تتحدّث عن مشاهد القیامة یبدو أنّ هذا المعنى بعید، والمناسب هو التّفسیر الأوّل.

ثمّ تبیّن الآیات أوصاف أهل الجنّة فتقول: (هذا ما توعدون لکلّ أوّاب حفیظ).

وقد اُشیر فی هذه الآیة إلى وصفین من أوصافهم وهما «أوّاب»... «وحفیظ».

وکلمة «الأوّاب»: من مادّة ]أوب[ ـ على زنة ذوب ـ ومعناها العودة، ولعلّها تعنی التوبة عن الذنوب الکبیرة والصغیرة.

أو أنّها تعنی العودة إلى الطاعة، ومع ملاحظة أنّ هذه الصیغة هی للمبالغة فإنّها تدلّ على أنّ أهل الجنّة رجال متّقون بحیث إنّ أیّ عامل أو مؤثّر أراد أن یبعدهم عن طاعة الله فهم یلتفتون ویتذکّرون فیرجعون إلى طاعته فوراً، ویتوبون عن معاصیهم وغفلاتهم لیبلغوا مقام «النفس المطمئنة».

«الحفیظ» معناه الحافظ، فما المراد منه؟ هل هو الحافظ لعهد الله إذ أخذه من بنی آدم ألاّ یعبدوا الشیطان کما ورد فی الآیة 60 من سورة یس، أم هو الحافظ لحدود الله وقوانینه أو الحافظ لذنوبه والمتذکّر لها ممّا یستلزم التوبة والجبران، أو یعنی جمیع ما تقدّم من احتمالات؟

ومع ملاحظة أنّ هذا الحکم ورد بصورة مطلقة، فإنّ التّفسیر الأخیر الجامع لهذه المعانی یبدو أقرب.

وإستدامةً لبیان هذه الأوصاف فإنّ الآیة التالیة تشیر إلى وصفین آخرین منها، وهما فی الحقیقة بمثابة التوضیح والتّفسیر لما سبق ذکره، إذ تقول الآیة: (من خشی الرّحمن بالغیب وجاء بقلب منیب).

عبارة (من خشی الرّحمن بالغیب) إشارة إلى أنّهم رغم عدم رؤیتهم الله بأعینهم، إلاّ أنّهم یؤمنون به عن طریق آثاره والاستدلال بها، فیؤمنون إیماناً مقروناً بالإحساس بتحمّل المسؤولیة.

ویحتمل أنّ المراد من «الغیب» هو ما غاب عن أعین الناس، أی أنّهم لا یرتکبون الإثم لا بمرأى من الناس ولا فی خلوتهم وإبتعادهم عنهم.

وهذا الخوف «أو الخشیة» یکون سبباً للإنابة، فیکون قلبهم متوجّهاً إلى الله ویقبل على طاعته دائماً ویتوب من کلّ ذنب، وأن یواصلوا هذه الحالة حتى نهایة العمر ویردوا عرصات المحشر على هذه الکیفیة!.

ثمّ تضیف الآیة الاُخرى بأنّ اُولئک الذین یتمتّعون بالصفات الأربع هذه حین تتلقّاهم الملائکة عند أبواب الجنّة یقولون لهم بنهایة التجلّة والإکرام (إدخلوها بسلام).

«السلام» من کلّ أنواع الأذى والسوء والعذاب والمعاقبة، السلامة الکاملة فی لباس الصحّة والعافیة.

ولطمأنتهم یُضاف أنّ ذلک الیوم یوم الدعّة و(ذلک یوم الخلود).

وإضافةً لهاتین البشارتین بشرى الدخول بسلام، وبشرى الخلود فی الجنّة، یبشّرهم الله بشریین اُخریین بحیث تکون مجموع البشریات أربعاً کما أنّهم یتّصفون بأربع صفات یقول: (لهم ما یشاءون فیه).

وإضافةً إلى کلّ ذلک فإنّه (لدینا مزید) من النعم التی لم تخطر ببال أحد.

ولا یمکن أن یتصوّر تعبیر أبلغ من هذا التعبیر وأوقع منه فی النفس، إذ یقول القرآن أوّلا: (لهم ما یشاءون فیه) على سعة معنى العبارة وما تحمله من مفهوم إذ لا استثناء فیها، ثمّ یضاف علیها المزید من قبل الله ما لم یخطر بقلب أحد، حیث إنّ الله الذی أنعم على المتّقین فشملهم بألطافه الخاصّة وهم یتنعمّون فیها، وهکذا فإنّ نعم الجنّة ومواهبها ذات أبعاد واسعة لا یمکن أن توصف بأیّ بیان.

کما یستفاد من هذا التعبیر ضمناً أنّه لا مقایسة بین أعمال المؤمنین وثواب الله، بل هو أعلى وأسمى منها کثیراً، والجمیع فی یوم القیامة یواجهون فضله أو عدله! ونجازى بعدله!

وبعد الانتهاء من بیان الحدیث حول أهل الجنّة وأهل النار ودرجاتهما، فإنّ القرآن یلفت أنظار المجرمین للعبرة والاستنتاج فیقول: (وکم أهلکنا قبلهم من قرن هم أشدّ منهم بطشاً فنقّبوا فی البلاد) فکانت تلک الأقوام أقوى من هؤلاء وکانوا یفتحون البلدان ویتسلّطون علیها، إلاّ أنّهم وبسبب کفرهم وظلمهم أهلکناهم... فهل وجدوا منفذاً ومخرجاً للخلاص من الموت والعذاب الإلهی (هل من محیص)؟!

«القرن» و«الإقتران» فی الأصل هو «القرب» أو «الإقتراب» ما بین الشیئین أو الأشیاء، ویطلق لفظ «القرن» على الجماعة المتزامنة فی فترة واحدة، ویجمع على «قرون» ثمّ أطلق هذا اللفظ على فترة من الزمن حیث یطلق على ثلاثین سنة أحیاناً کما یطلق على مئة سنة أیضاً، فإهلاک القرون معناه إهلاک الاُمم السابقة.

و «البطش» معناه حمل الشیء وأخذه بالقوّة والقدرة، کما یستعمل هذا اللفظ بمعنى الفتک والحرب.

و «نقّبوا»: فعل من مادّة نقب، ومعناه الثقب فی الجدار أو الجلد، غیر أنّ الثقب یطلق على ما یقع فی الخشب، والنقب معناه أعمّ وأوسع.

وهذه المفردة إذا استعملت کفعل کما هو فی الآیة فیعنی ذلک الحرکة والسیر وشقّ الطریق، کما یعنی السیطرة على البلدان والنفوذ فیها أیضاً.

«المنقبة»: من المادّة ذاتها، وتطلق على الصفات البارزة فی الشخص وأفعاله الکریمة التی لها تأثیر ونفوذ فی نفوس الآخرین، أو أنّها تشقّ له الطریق فی الإرتقاء والسمو!

و «النقیب»: هو من یبحث عن أحوال جماعة ما ویطّلع على أخبارهم وینفذ فی أنفسهم.

و «المحیص»: کلمة مشتقّة من الحیص على زنة «الحیف»، ومعناها الانحراف والعدول عن الشیء، ومن هنا فقد استعملت هذه الکلمة فی الفرار من المشاکل والهزیمة عن المعرکة!.

وعلى کلّ حال فإنّ الآیة تنذر الکفّار المعاصرین للنّبی(صلى الله علیه وآله) أن یستقرئوا تاریخ الماضین وأن ینظروا فی قصصهم للاعتبار، لیروا ما صنع بهؤلاء المعاندین الذین کانوا اُمماً وأقواماً أشدّ من هؤلاء «ولیفکّروا بعاقبتهم أیضاً»، وهذا المعنى ورد مراراً فی القرآن منها الآیة 8 من سورة الزخرف إذ نقرأ قوله تعالى: (فأهلکنا أشدّ منهم بطش).

ویرى بعض المفسّرین أنّ الآیة محلّ البحث تشیر إلى «ثمود» هذه الطائفة التی کانت تسکن مناطق جبلیة تدعى «بالحجر» وتقع شمال الحجاز، فکانت تقطنها وتنقّب فی الجبال

وتحفر صخورها فتصنع منها القصور الرائعة، غیر أنّ ظاهر النصّ أنّ هذه الآیة مفهومها واسع، فیشمل هؤلاء وغیرهم أیضاً.

أمّا جملة (هل من محیص) فیحتمل أن تکون سؤالا على لسان الکفّار السابقین حین أحدق بهم العذاب، فکانوا یسألون: هل من فرار ومحیص عنه، کما یحتمل أن یکون سؤالا من قبل الله للکفّار المعاصرین للنّبی(صلى الله علیه وآله) أی هل إستطاع مَن کان قبلکم من الکفرة الفرار من قبضة العذاب؟ أو هل یستطیع من یعاند النّبی أن یهرب من مثل هذا لو أحدق به؟!

ویضیف القرآن فی آخر آیة من الآیات محل البحث مؤکّداً أکثر فیقول: (إنّ فی ذلک لذکرى لمن کان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید).

والمراد بـ «القلب» هنا وفی الآیات الاُخر من القرآن التی تتکلّم على إدراک المسائل هو العقل والشعور والإدراک، کما أنّ کتب اللغة تشیر إلى أنّ واحداً من معانی القلب هو العقل، أمّا الراغب فقد فسّر القلب فی الآیة محلّ البحث بالعلم والفهم، کما نقرأ فی لسان العرب أنّ القلب قد یطلق على العقل أیض(2).

کما ورد فی تفسیر عن الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) لهذه الآیة أنّه قال: إنّ القلب هو العقل(3).

والجذر اللغوی لکلمة «قلب» فی الأصل: التغییر والتحوّل، واصطلاحاً معناه الإنقلاب، وحیث إنّ فکر الإنسان أو عقله فی تقلّب دائم وفی حال مختلفة فقد أطلقت علیه کلمة «القلب»... ولذلک فإنّ القرآن یعوّل على اطمئنان القلب والسکینة فیقول: (هو الّذی أنزل السّکینة فی قلوب المؤمنین)(4)کما یقول فی آیة اُخرى: (ألا بذکر الله تطمئن القلوب)،(5) أجل إنّما یُهّدىء هذا الموجود المضطرب ذکر الله فحسب.

أمّا (ألقى السمع) فکنایة عن الإصغاء ومنتهى الإستماع بدقّة، وهناک تعبیر فی العرف یشبه هذا التعبیر یقول «اُذنی معک» أی إنّنی أصغی إلیک بدقّة!

و «الشهید» یطلق على من هو حاضر القلب، أو کما یقال قلبه فی المجلس وهو یتابع المسائل بدقّة!.

وهکذا فإنّ مضمون الآیة بمجموعه یعنی ما یلی: إنّ هناک فریقین ینتفعان بهذه المواعظ والنصیحة... فالفریق الأوّل من یتمتّع بالذکاء والعقل... ویستطیع بنفسه أن یحلّل المسائل بفکره!

أمّا الفریق الآخر فلیس بهذا المستوى، إلاّ أنّه یمکن أن یلقی السمع للعلماء ویصغی لکلماتهم بحضور القلب ویعرف الحقائق عن طریق الإرشاد.

ویشبه هذا التعبیر ما نقرؤه فی الآیة 10 من سورة الملک على لسان أهل النار، إذ ورد هکذا: (وقالوا لو کنّا نسمع أو نعقل ما کنّا فی أصحاب السّعیر)!

لأنّ علائم الحقّ واضحة، فأهل التحقیق یعرفونها جیّداً... ومن لم یکن کذلک فیستطیع أن یعرفها عن طریق إرشاد المخلصین من العلماء.

فعلى هذا یجب أن یتمتّع الإنسان بعقل کاف وعلم واف... أو یتمتّع باُذن واعیة(6).


1. «غیر بعید» فیها ثلاثة أوجه إعرابیة، فیحتمل أن تکون ظرفاً، کما یحتمل أن تکون حالا، ویحتمل أن تکون صفةً لمحذوف تقدیره «إزلافاً غیر بعید».
2. لسان العرب مادّة القلب. ]ق ل ب[.
3. أصول الکافی، ـ ج 1، (کتاب العقل والجهل، ح 11).
4. الفتح، 4.
5. الرعد، 28.
6. لاحظوا أنّ الآیتین عطفت الموضوعین «بأو» وهذا یدلّ على أنّ واحداً منهما على الأقل ضروری للإنسان!.
سورة ق / الآیة 31 ـ 37 سورة ق / الآیة 38 ـ 40
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma