کتابه جمیع الأقوال:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة ق / الآیة 16 ـ 18 الحبیب أقرب إلى الإنسان من نفسه!!

یُثار فی هذه الآیات قسم آخر من المسائل المتعلّقة بالمعاد، وهو ضبط أعمال الإنسان وإحصاؤها لتعرض على صاحبها عند یوم الحساب.

تبدأ الآیات فتتحدّث عن علم الله المطلق وإحاطته بکلّ شیء فتقول: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه).

کلمة «توسوس» مشتقّة من الوسوسة وهی ـ کما یراه الراغب فی مفرداته ـ الأفکار غیر المطلوبة التی تخطر بقلب الإنسان، وأصل الکلمة «الوسواس» ومعناه الصوت الخفی وکذلک صوت أدوات الزینة وغیرها.

والمراد من الوسوسة فی الآیة هنا هی أنّ الله لمّا کان یعلم بما یخطر فی قلب الإنسان والوساوس السابحة فی أفکاره، فمن البدیهی أنّه عالم بجمیع عقائده وأعماله وأقواله، وسوف یحاسبه علیها یوم القیامة.

وجملة (ولقد خلقنا الإنسان) یمکن أن تکون إشارةً إلى أنّ خالق البشر محال أن لا یعلم بجزئیات خلقه! الخلق الدائم والمستمر، لأنّ الفیض أو الجود منه یبلغ البشر لحظة بعد لحظة، ولو إنقطع الفیض لحظة لهلکنا، کنور الشمس الذی ینتشر فی الفضاء من منبع الفیض وهو الکرة الشمسیة «بل کما سنبیّن فإنّ إرتباطنا بذاته المقدّسة أسمى ممّا مثّلنا ـ (بنور الشمس)».

أجل، هو الخالق، وخلقه دائم ومستمر ونحن مرتبطون به فی جمیع الحالات، فمع هذه الحال کیف یمکن أن لا یعلم باطننا وظاهرنا؟!

ویضیف القرآن لمزید الإیضاح فی ذیل الآیة قائلا: (ونحن أقرب إلیه من حبل الورید).

ما أبلغ هذا التعبیر!! فحیاتنا الجسمانیة متعلّقة بعصب یوصل الدم إلى القلب ویخرجه منها بصورة منتظمة وینقله إلى جمیع أعضاء البدن، ولو توقّف هذا العمل لحظة واحدة لمات الإنسان... فالله أقرب إلى الإنسان من هذا العصب المسمّى بحبل الورید.

وهذا ما أشار إلیه القرآن فی مکان آخر إذ قال: (واعلموا أنّ الله یحول بین المرء وقلبه وأنّه إلیه تحشرون).(1)

وبالطبع فإنّ هذا کلّه تشبیه تقریبی، والله سبحانه أقرب من ذلک وأسمى رغم کون المثال المذکور أبلغ تصویر محسوس على شدّة القرب، فمع هذه الإحاطة لله تعالى بمخلوقاته، وکوننا فی قبضة قدرته، فإنّ تکلیفنا واضح، فلا شیء یخفى علیه لا الأفعال ولا الأقوال ولا الأفکار والنیّات ولا تخفى علیه حتى الوساوس التی تخطر فی القلوب!

إنّ الإلتفات إلى هذه الحقیقة یوقظ الإنسان، ویکون على بیّنة من أمره وما هو مذخور له فی صحیفة أعماله عند محکمة عدل الله... فیتحوّل من إنسان غافل إلى موجود واع ملتزم ورع تقیّ... ورد فی حدیث أنّ أبا حنیفة جاء إلى الصادق (علیه السلام)یوماً فقال: رأیت ولدک موسى یصلّی والناس یعبرون من أمامه إلاّ أنّه لم ینههم عن ذلک، مع أنّ هذا العمل غیر صحیح!.

فقال الصادق (علیه السلام) ادعوا لی ولدی موسى فدُعی له فکرّر الإمام الصادق حدیث أبی حنیفة لولده موسى بن جعفر فأجاب موسى بن جعفر قائلا: إنّ الذی کنت اُصلّی له کان أقرب إلیّ منهم یقول الله عزّوجلّ: (ونحن أقرب إلیه من حبل الورید)... فاحتضنه الإمام الصادق وقال: بأبی أنت واُمّی یامستودع الأسرار(2).

وللمفسّرین آراء عدیدة فی معنى «الورید»... فمنهم من یعتقد بأنّ «الورید» هو العصب المتّصل بقلب الإنسان أو کبده، ویعتقد بعضهم بأنّ الورید جمیع الأعصاب فی بدن الإنسان... فی حین أنّ بعضهم یعتقد بأنّه عصب الرقبة فحسب!

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل یبدو أکثر تناسباً، ولا سیّما إذا لاحظنا الآیة 24 من سورة الأنفال آنفة الذکر!

وکلمة «الورید» ـ ضمناً ـ مأخوذة من الورود، ومعناه الذهاب نحو الماء، وحیث إنّ الدم یرد من هذا العصب إلى القلب ویخرج منه إلى سائر أعضاء بدن الإنسان سمّی بالورید.

ولکن ینبغی الإلتفات إلى أنّ الاصطلاح المتداول فی هذا العصر فی شأن «الورید والشریان» ـ یعنی المجاری التی توصل الدم من سائر أعضاء الجسم إلى قلب الإنسان، وبالعکس ـ هذا الإصطلاح خاصّ بعلم الأحیاء ولا علاقة له بالمفهوم اللغوی للورید.

ویضیف القرآن فی الآیة التالیة قائلا: (إذ یتلقّى المتلقّیان عن الیمین وعن الشّمال قعید)(3).

أی أنّه بالإضافة إلى إحاطة علم الله «التامّة» على ظاهر الإنسان وباطنه، فهنالک ملکان مأموران بحفظ ما یصدر منه عن یمینه وشماله، وهما معه دائماً ولا ینفصلان عنه لتتمّ الحجّة علیه عن هذا الطریق أکثر، ولتتأکّد مسألة الحساب (حساب الأعمال).

کلمة «تلقّى» معناها الأخذ والتسلّم، و«المتلقّیان» هما ملکان مأموران بکتابة أعمال الناس.

وکلمة «قعید» مأخوذة من القعود ومعناها «جالس»(4) والمراد بالقعید هنا الرقیب والملازم للإنسان، وبتعبیر آخر أنّ الآیة هذه لا تعنی أنّ الملکین جالسین عن یمین الإنسان وعن شماله، لأنّ الإنسان یکون فی حال السیر تارةً، واُخرى فی حال الجلوس، بل التعبیر هنا هو کنایة عن وجودهما مع الإنسان وهما یترصدّان أعماله.

ویحتمل أیضاً أنّهما قعیدان على کتفی الإنسان الأیمن والأیسر، أو أنّهما قعیدان عند نابیه أو ناجذیه دائماً ویسجّلان أعماله، وهناک إشارة إلى هذا المعنى فی بعض الرّوایات غیر المعروفة «کما فی بحار الأنوار ج 59 ص 186 الرّوایة 32».

وممّا یجدر التنویه علیه أنّه ورد فی الرّوایات الإسلامیة أنّ ملک الیمین کاتب الحسنات، وملک الشمال کاتب السیّئات، وصاحب الیمین أمیرٌ على صاحب الشمال، فإذا عمل الإنسان حسنةً کتبها له صاحب الیمین بعشر أمثالها، وإذا عمل سیّئة فأراد صاحب الشمال أن یکتبها قال له صاحب الیمین أمسک فیمسک عنه سبع ساعات، فإذا إستغفر الله منها لم یکتب علیه شیء، وإن لم یستغفر الله کتب له سیّئة واحدة.(5)

کما یظهر من بعض الرّوایات أنّهما یقولان بعدموت المؤمن: ربّنا قبضت روح عبدک فإلى أین؟ قال: سمائی مملوءة بملائکتی یعبدوننی وأرضی مملوءة من خلقی یطیعوننی إذهبا إلى قبر عبدی فسبّحانی وکبّرانی وهلّلانی فاکتبا ذلک فی حسنات عبدی.(6)

وفی روایة اُخرى عن النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «ما من أحد من المسلمین یبتلى ببلاء فی جسده إلاّ أمر الله تعالى الحفظة فقال: اکتبوا لعبدی ما کان یعمل وهو صحیح ما دام مشدوداً فی وثاقی ـ ثمّ أضاف(صلى الله علیه وآله) ـ من مرض أو سافر کتب الله تعالى له ما کان یعمل صحیحاً مقیماً».(7)

وهذه الرّوایات جمیعها إشارة إلى لطف الله الواسع.

أمّا آخر آیة من الآیات محلّ البحث فتتحدّث عن الملکین أیضاً فتقول: (ما یلفظ من قول إلاّ لدیه رقیب عتید)(8).

وکان الکلام فی الآیة الآنفة عن کتابة جمیع أعمال الإنسان، وفی هذه الآیة إهتمام بخصوص ألفاظه، وهذا الأمر هو للأهمیّة القصوى للقول وأثره فی حیاة الناس، حتى أنّ جملة واحدة أو عبارة قصیرة قد تؤدّی إلى تغییر مسیر المجتمع نحو الخیر أو الشرّ!! کما أنّ بعض الناس لا یعتقدون بأنّ الکلام جزء من أعمالهمویرون أنفسهم أحراراً فی الکلام مع أنّ أکثر الاُمور تأثیراً وأخطرها فی حیاة الناس هو الکلام!.

فبناءاً على ذلک فإن ذکر هذه الآیة بعد الآیة المتقدّمة هو من قبیل ذکر الخاص بعد العام.

کلمة «الرقیب» معناها المراقب و«العتید» معناها المتهیء للعمل، لذلک یطلق على الفرس المعدّة للرکض بأنّها فرس عتید کما یطلق على من یعدّ شیئاً أو یدّخره بأنّه عتید، وهی من مادّة العتاد على زنة الجهاد ومعناها الإدّخار!.

ویعتقد أغلب المفسّرین أنّ الرقیب والعتید إسمان للملکین المذکورین فی الآیة المتقدّمة وهما «المتلقیان» فاسم ملک الیمین «رقیب» واسم ملک الشمال «عتید»، وبالرغم من أنّ الآیة محلّ البحث لیس فیها قول صریح على هذا الأمر، إلاّ أنّ هذا التّفسیر وبملاحظة مجموع الآیات یبدو غیر بعید!

ولکن أیّ کلام یکتب هذان الملکان؟ هناک أقوال بین المفسّرین قال بعضهم یکتبان کلّ کلام حتى الصرخات من الألم، فی حین أنّ بعضهم الآخر یعتقد بأنّهما یکتبان ألفاظ الخیر والشرّ والواجب والمستحبّ أو الحرام والمکروه، ولا یکتبان ما هو مباح!

إلاّ أنّ عمومیّة التعبیر یدلّ على أنّ الملکین یکتبان کلّ لفظ وقول یقوله الإنسان.

الطریف أنّنا نقرأ روایةً عن الإمام الصادق یقول فیها: «إنّ المؤمنَین إذا قعدا یتحدّثان قالت الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرّاً وقد ستر الله علیهما!

یقول الراوی: ألم یقل الله تعالى (ما یلفظ من قول إلاّ لدیه رقیب عتید) فیجیب الإمام(علیه السلام): إن کانت الحفظة لا تسمع فإنّ عالم السرّ یسمع ویرى»(9).

ویستفاد من هذه الرّوایات أنّ الله سبحانه یکتم بعض أحادیث المؤمن التی فیها (جانب سرّی) إحتراماً وإکراماً له، إلاّ أنّه حافظ لجمیع هذه الأسرار.

ویستفاد من بعض الرّوایات أنّ حفظة اللیل غیر حفظة النهار، کما بیّنا هذا المعنى فی تفسیر الآیة 78 من سورة الإسراء من نفس هذا التّفسیر.


1. الأنفال، 24.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 108، ح 18.
3. کلمة إذ فی جملة (إذ یتلقّى المتلقّیان) ظرف متعلّق بمحذوف وتقدیره واذکروا إذ یتلقّى المتلقّیان ولهذا المعنى ذهب إلیه جماعة من المفسّرین، إلاّ أنّ جماعة اُخرى یرون بأنّ إذ متعلّقة بکلمة أقرب الواردة فی الآیة الآنفة إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل یبدو أصحّ لأنّ کلا من الجملتین (ونحن أقرب إلیه من حبل الورید) و(إذ یتلقّى المتلقّیان) إلخ تحتفظ باستقلالها دون أن یتقیّد کلّ بالاُخرى ولا یتناسب الصدر والذیل فی التّفسیر الثانی.
4. کلمة «قعید» مفردة مع أنّ کلمة «المتلقّیان» تثنیة لأنّ فی الآیة حذفاً وتقدیرها «إذ یتلقّى المتلقّیان عن الیمین قعید وعن الشمال قعید» وقد وقع هذا الحذف بقرینة ذکر الآخر.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 144.
6. المصدر السابق.
7. تفسیر روح المعانی، ج 26، ص 165، ذیل الآیات محل البحث، وهذا المضمون نفسه منقول عن الإمام الصادق فی اصول الکافی وکذلک بحار الأنوار، ج 59، ص 187، فی الرّوایتین 34 و35».
8. الضمیر فی لدیه یرجع إلى کلمة قول کما یحتمل أن یکون عائداً على الذی یلفظ القول، إلاّ أنّ الاحتمال الأوّل أنسب.
9. أصول الکافی، طبقاً لما نقل فی تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 110.
سورة ق / الآیة 16 ـ 18 الحبیب أقرب إلى الإنسان من نفسه!!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma