بعد هذا البحث قد یُطرح هذا السؤال: لماذا تقول الآیة: (ماکنت تدری ما الکتاب ولا الإیمان) رغم ما ذکرناه من إیمان وأعمال النّبی(صلى الله علیه وآله) قبل نبوّته؟
وبالرغم من أنّه ورد جواب هذا السؤال بشکل موجز فی تفسیر الآیة، إلاّ أنّه من الأفضل إعطاء توضیح أکثر بهذا الخصوص.
المقصود أنّ الرّسول(صلى الله علیه وآله) لم یکن یعرف بتفصیلات هذا الدین ولا بمحتوى القرآن، قبل نزوله وقبل تشریع الإسلام.
أمّا کلمة الإیمان، فلو لا حظنا أنّ هذه الکلمة وردت بعد الکتاب، وبملاحظة الجمل الاُخرى الواردة بعدها فی الآیة، یتّضح أنّ المقصود بها هو الإیمان بمحتوى هذا الکتاب السماوی ولیس مطلق الإیمان، لذا لا یوجد أىّ تعارض مع ماذکرناه، ولا یمکن أن تکون هذه الجملة وسیلة لذوی النفوس المریضة کی یستدلوا بها على نفی الإیمان بشکل مطلق عن الرّسول، وینکرون الحقائق التاریخیة فی هذا المجال.
وقد ذکر بعض المفسّرین أجوبة اُخرى لهذا السؤال منها:
) المقصود من الإیمان لیس الإعتقاد لوحده، بل مجموع الإعتقاد والإقرار باللسان والأعمال وهذا هو المقصود به فی التعبیر الإسلامی.
ب) المقصود من الإیمان هو الإعتقاد بالتوحید والرسالة، ونحن نعلم أنّ النّبی کان موحداً، إلاّ أنّه لم یکن یؤمن برسالته بعد.
ج) المقصود من الإیمان هو أرکان الإیمان التی لا یتوصل إلیها الإنسان عن طریق العقل، والطریق الوحید لذلک هو الأدلة النقلیة (مثل العدید من خصوصیات المعاد).
د) هناک محذوف فی هذه الآیة وفی التقدیر: ما کنت تدری کیف تدعو الخلق إلى الإیمان(1).
ولکن حسب اعتقادنا فإنّ المعنى الأوّل أفضل المعانی وأکثرها تلاؤماً مع محتوى الآیة.