1ـ القیم الحقّة والقیم الباطلة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
التقوى أغلى القیم الإنسانیة:2ـ حقیقة التقوى

لا شکّ أنّ کلّ إنسان یرغب بفطرته أن یکون ذا قیمة وافتخار، ولذلک فهو یسعى بجمیع وجوده لکسب القیم...

إلاّ أنّ معرفة معیار القیم یختلف باختلاف الثقافات تماماً، وربّما أخذت القیم الکاذبة مکاناً بارزاً ولم تُبق للقیم الحقّة مکان فی قاموس الثقافة للفرد.

فجماعة ترى بأنّ قیمتها الواقعیة فی الإنتساب إلى القبیلة المعروفة، ولذلک فإنّهم من أجل أن تعلوَ سمعةُ قبیلتهم وطائفتهم یظهرون نشاطات وفعالیات عامة لیکونوا برفعة القبیلة وسمّوها کبراء أیضاً.

وکان الاهتمام بالقبیلة والإفتخار بالإنتساب إلیها من أکثر الاُمور الوهمیّة رواجاً فی الجاهلیة إلى درجة کانت کلّ قبیلة تعدّ نفسها أشرف من القبیلة الاُخرى، ومن المؤسف أن

نجد رواسب هذه الجاهلیة فی أعماق نفوس الکثیرین من الأفراد والمجتمعات!! وجماعة اُخرى تعوّل على مسألة المال والثروة وامتلاکها للقصور والخدم والحشم وأمثال هذه الاُمور، فتعدّها دلیلاً على القیمة الشخصیّة وتسعى من أجل کلّ ذلک دائماً.

وجماعة تعتبر (المقامات) السیاسیة والاجتماعیة العلیا معیاراً للشخصیة والقیم الإجتماعیة!

وهکذا تخطو کلّ جماعة فی طریق خاص وتنشدّ قلوبها إلى قیمة معینة وتعدّها معیارها الشخصی!

وبما أنّ هذه الاُمور جمیعها أمور متزلزلة ومسائل ذاتیة ومادیة وعابرة فإنّ مبدأً سماویاً کمبدأ الإسلام لا یمکنه أن یوافق علیها أبداً.. لذلک یشطب علیها بعلامة البطلان ویعتبر القیمة الحقیقیة للإنسان فی صفاته الذاتیة وخاصة تقواه وطهارة قلبه والتزامه الدینی.

حتى أنّه لا یکترث بموضوعات مهمّة کالعلم والثقافة إذا لم تکن فی خطّ «الإیمان والتقوى والقیم الأخلاقیة»...

ومن العجیب أن یظهر القرآن فی محیط یهتمّ بالقیمة القبلیة أکثر من اهتمامه بالقیم الاُخرى، إلاّ أنّ القرآن حطّم هذه الوثنیة وحرّر الإنسان من أسر العِرق والدم والقبیلة واللون والمال والمقام والثروة وقاده إلى معرفة نفسه والعثور على ضالّته داخل نفسه وصفاتها العلیا.

الطریف أنّ فی ما ذُکر فی شأن نزول الآیة محل البحث لطائف ودقائق تحکی عن عمق هذا الدستور الإسلامی.

منها: إنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) أمر «بلالاً» بعد فتح مکّة أن یؤذّن، فصعد بلال وأذّن على ظهر الکعبة، فقال «عتّاب بن أسید» الذی کان من الأحرار: أشکر الله أن مضى أبی من هذه الدنیا ولم یرَ مثل هذا الیوم.. وقال «الحارث بن هشام»: ألم یجدْ رسول الله غیر هذا الغراب الأسود للأذان؟! «فنزلت الآیة الآنفة وبیّنت معیار القیم الواقعیة»(1).

وقال بعضهم: نزلت الآیة عندما أمر الرّسول(صلى الله علیه وآله) بتزویج بعض الموالی من بنات العرب «والموالی تطلق على العبید الذین عُتقوا من ربقة أسیادهم أو على غیر العرب (المسلمین)».

فتعجّبوا وقالوا: یا رسول الله أتأمرنا أن نزوّج بناتنا من الموالی «فنزلت الآیة وأبطلت هذه الأفکار الخرافیة»(2).

ونقرأ فی بعض الروایات الإسلامیة أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) خطب یوماً فی مکّة فقال: «یا أیّها الناس إنّ الله قد أذهب عنکم عیبة الجاهلیة وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان رجل برّ تقی کریم على الله وفاجر شقی هیّن على الله والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى: (یا أیّها الناس إنّا خلقناکم من ذکر وأنثى وجعلناکم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أکرمکم عند الله أتقاکم إنّ الله علیم خبیر)»(3).

وقد جاء فی کتاب «آداب النفوس» للطبری أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) التفت إلى الناس وهو راکب على بعیره فی أیّام التشریق بمنى «وهی الیوم الحادی عشر والثّانی عشر والثّالث عشر» من ذی الحجة فقال: «یا أیّها الناس! ألا إنّ ربّکم واحد وإنّ أباکم واحد ألا لا فضل لعربی على عجمی ولا لعجمی على عربی ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلاّ بالتقوى ألا هل بلّغت: قالوا نعم! قال: لیبلّغ الشاهد الغائب»(4).

کما ورد فی حدیث آخر بهذا المعنى ضمن کلمات قصیرة ذات معانی غزیرة أنّه(صلى الله علیه وآله) قال: «إنّ الله لا ینظر إلى أحسابکم ولا إلى أنسابکم ولا الى أجسامکم ولا إلى أموالکم ولکن ینظر إلى قلوبکم، فمن کان له قلب صالح تحنّن الله علیه وإنّما أنتم بنو آدم وأحبّکم إلیه أتقاکم»(5).

إلاّ أنّ العجیب أنّه مع هذه التعلیمات الواسعة الغنیة ذات المغزى الکبیر ما یزال بین المسلمین من یعوّل على الدم والنسب واللسان ویقدّمون وحدة الدم واللغة على الأخوّة الإسلامیة والوحدة الدینیة ویحیون العصبیة الجاهلیة مرّةً أخرى، وبالرغم من الضربات الشدیدة التی یتلقّونها من جراء ذلک، إلاّ أنّهم حسب الظاهر لا یریدون أن یتیقّظوا ویعودوا إلى حکم الإسلام وحظیرة قدسه!

حفظ الله الجمیع من شر العصبیة الجاهلیة.

إنّ الإسلام حارب العصبیة الجاهلیة فی أی شکل کانت وفی أیّة صورة لیجمع المسلمین فی العالم من أی قوم وقبیلة وعرق تحت لواء واحد! ـ لواء القومیة ولا سواه ـ لأنّ الإسلام لا یوافق على هذه النظریات المحدودة ویعدّ جمیع هذه الاُمور وهمیة ولا أساس لها حتى أنّه ورد فی حدیث عن النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «دعوها فإنّها منتنة»(6).

ولکنّ لماذا بقیت هذه الفکرة المُنتنة مترسّخة فی عقول الکثیرین ممّن یدّعون أنّهم مسلمون ویتّبعون القرآن والأخوّة الإسلامیة ظاهراً؟! لا ندری!!

وما أحسن أن یُبنى المجتمع على أساس معیار القیم الإسلامی (إنّ أکرمکم عند الله أتقاکم) وأن تطوى القیم الکاذبة من قومیّة ومال وثروة ومناطق جغرافیة وطبقیة عن هذا المجتمع.

أجل، التقوى الإلهیة والإحساس بالمسؤولیة الداخلیة والوقوف بوجه الشهوات والالتزام بالحق والصدق والطهارة والعدل، هی وحدها معیار القیم الإنسانیة لا غیر، بالرغم من أنّ هذه القیم الأصیلة نسیت وأهملت فی سوق المجتمعات المعاصرة وحلّت محلها القیم الکاذبة.

فی نظام القیم الجاهلیة الذی کان یدور حول محور «التفاخر بالآباء والأموال والأولاد» لم ینتج سوى حفنة سرّاق وناهبین، غیر أنّه بتبدّل هذا النظام وإحیاء أصل (إنّ أکرمکم عند الله أتقاکم) الکبیر کان من ثمراته أناس أمثال سلمان وأبو ذر وعمّار ویاسر والمقداد، والمهم فی ثورات المجتمعات الإنسانیة هو الثورة على القیم» وإحیاء هذا الأصل الإسلامی الأصیل!

ونختتم کلامنا هذا بحدیث للنبی(صلى الله علیه وآله) إذ قال: «کلکم بنو آدم وآدم خُلِقَ من تراب ولینتهینّ قوم یفخرون بآبائهم أو لیکونن أهون على الله من الجعلان»(7).


1. تفسیر روح البیان، ج 9، ص 90، کما ورد فی تفسیر القرطبی، ج 9، ص 6160.
2. تفسیر روح البیان، ج 9، ص 90، کما ورد فی تفسیر القرطبی، ج 9، ص 6160.
3. تفسیر القرطبی، ج9، ص6161.
4. المصدر السابق، ص 6162، والتعبیر «بالأحمر» فی هذه الروایة لا یعنی من بشرته حمراء بل من بشرته حنطیّة لأنّ أغلب الناس فی ذلک المحیط کانوا بهذه الصفة ومن الطریف أن یطلق الأحمر على الحنطة أیضاً.
5. المصدر السابق.
6. صحیح مسلم، طبقاً لما نقل فی تفسیر فی ظلال القرآن، ج 7، ص 538.
7. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 7، ص 538.
التقوى أغلى القیم الإنسانیة:2ـ حقیقة التقوى
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma