الإستهزاء وسوء الظنّ والغیبة والتجسّس والألقاب السیئة حرام!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سبب النّزول1ـ الأمن الإجتماعیُّ الکامل!

حیث أنّ القرآن المجید اهتمّ ببناء المجتمع الإسلامی على أساس المعاییر الأخلاقیة فإنّه بعد البحث عن وظائف المسلمین فی مورد النزاع والمخاصمة بین طوائف المسلمین المختلفة بیَّن فی الآیتین محل البحث قسماً من جذور هذه الاختلافات لیزول الإختلاف (بقطعها) ویُحسم النزاع!

ففی کلّ من الآیتین الآنفتین تعبیر صریح وبلیغ عن ثلاثة اُمور یمکن أن یکون کلّ منها شرارة لإشتعال الحرب والاختلاف، إذ تقول الآیة الأولى من الآیتین محل البحث أوّلاً: (یا أیّها الّذین آمنوا لا یَسخر قوم من قوم).

لأنّه (عسى أن یکونوا خیراً منهم).

(ولا نساءٌ من نساء عسى أن یکنَّ خیراً منهنّ).

والخطاب موجّه هنا إلى المؤمنین کافة فهو یَعمُّ الرجال والنساء وینذر الجمیع أن یجتنبوا هذا الأمر القبیح، لأنّ أساس السخریة والاستهزاء هو الإحساس بالاستعلاء والغرور والکبر وأمثال ذلک إذ کانت تبعث على کثیر من الحروب الدامیة على امتداد التاریخ!

وهذا الإستعلاء أو التکبّر غالباً ما یکون أساسه القیم المادیة والظواهر المادیة فمثلاً، فلانٌ یرى نفسه أکثر مالاً من الآخر أو یرى نفسه أجمل من غیره أو أنّه یُعدُّ من القبیلة المشهورة والمعروفة أکثر من سواها، وربَّما یسوقه تصوّره بأنّه أفضل من الجماعة الفلانیة علماً وعبادةً ومعنویة إلى السخریة منهم، فی حین أنّ المعیار الواقعی عند الله هو «التقوى» التی تنسجم مع طهارة القلب وخلوص النیّة والتواضع والأخلاق والأدب!.

ولا یصحّ لأی أحد أن یقول أنا أفضل عند الله من سوای، ولذلک عُدَّ تحقیر الآخرین والتعالی بالنفس من أسوأ الاُمور وأقبح العیوب الأخلاقیة التی یمکن أن تکون لها انعکاسات سلبیة فی حیاة الناس جمیعاً.

ثمّ تقول الآیة فی المرحلة الثانیة: (ولا تلمزوا أنفسکم).

کلمة «تلمزوا» هی من مادة «لَمْز» على زنة «طنز» ومعناها تتّبع العیوب والطعن فی الآخرین، وفسّر بعضهم الفرق بین «الهمز» و«اللمز» بأنّ «اللمز» عدّ عیوب الناس بحضورهم، و«الهمز» ذکر عیوبهم فی غیابهم، کما قیل أنّ «اللمز» تتبّع العیوب بالعین والإشارة فی حین أنّ «الهمز» هو ذکر العیوب باللسان «وسیأتی تفصل هذا الموضوع بإذن الله فی تفسیر سورة الهمزة»...

الطریف أنّ القرآن فی تعبیر «بأنفسکم» یُشیر إلى وحدة المؤمنین وأنّهم نسیجٌ واحد، ویبیّن هنا بأنّ جمیع المؤمنین بمثابة النفس الواحدة فمن عاب غیره فإنّما عاب نفسه فی الواقع!.

وتضیف الآیة فی المرحلة الثالثة أیضاً قائلة: (ولا تنابزوا بالألقاب).

هناک الکثیر من الأفراد الحمقى قدیماً وحدیثاً، ماضیاً وحاضراً مولعون بالتراشق بالألفاظ القبیحة، ومن هذا المنطلق فهم یحقّرون الآخرین ویدمّرون شخصیاتهم وربَّما انتقموا منهم أحیاناً عن هذا الطریق، وقد یتّفق أنّ شخصاً کان یعمل المنکرات سابقاً، ثمّ تاب وأناب وأخلص قلبه لله، ولکن مع ذلک نراهم یرشقونه بلقب مبتذل کاشف عن ماضیه!

الإسلام نهى عن هذه الاُمور بصراحة ومنع من إطلاق أی إسم أو لقب غیر مرغوب فیه یکون مدعاةً لتحقیر المسلم...

ونقرأ فی بعض الأحادیث أنّ «صفیة بنت حیی بن أخطب» المرأة الیهودیة التی أسلمت بعد فتح خیبر وأصبحت زوجة النّبی ـ جاءت صفیة یوماً إلى النّبی وهی باکیة العین فسألها النّبی عن سبب بکائها فقالت: إنّ عائشة توبّخنی وتقول لی یا ابنة الیهودی، فقال لها

النّبی(صلى الله علیه وآله): فلمَ لا قلت لها: أبی هارون وعمّی موسى وزوجی محمّد فکان أن نزلت هذه الآیة ـ محل البحث (1).

ولذلک فإنّ الآیة تضیف قائلةً: (بئس الاسم الفسوق بعد الإیمان) أی قبیح جدّاً على من دخل فی سلک الإیمان أن یذکر الناس بسمات الکفر.

واحتمل بعض المفسّرین احتمالاً آخر لهذه الجملة المذکورة آنفاً وهی أنّ الله نهى المؤمنین أن یرضوا بأسماء الفسق والجاهلیة لأنفسهم بسبب سخریة الناس ولتحاشی استهزائهم.

ولکن مع الالتفات إلى صدر الآیة وشأن النّزول المذکور یبدو أنّ التّفسیر الأوّل أقرب.

وتُختتم الآیة لمزید التأکید بالقول: (ومن لم یتُبْ فأولئک هم الظّالمون).

وأی ظلم أسوأ من أن یؤذی شخص بالکلمات اللاذعة و«اللاسعة» والتحقیر واللمز قلوب المؤمنین التی هی «مرکز عشق» الله وأن یطعن فی شخصیاتهم ویبتذل کرامتهم التی هی أساس شخصیتهم.

ماء وجوههم الذی هو أساس حیاتهم الأهم.

وقلنا إنّ فی کلٍّ من الآیتین ـ محل البحث ـ ثلاثة أحکام فی مجال الأخلاق الاجتماعیة، فالأحکام الثلاثة فی الآیة الأولى هی «عدم السخریة» و«ترک اللمز» و«ترک التنابز بالألقاب».

والأحکام الثلاثة فی الآیة الثانیة هی «اجتناب سوء الظن» و«التجسّس» و«الإغتیاب».

فی هذه الآیة یبدأ القرآن فیقول: (یا أیّها الّذین آ منوا اجتنبوا کثیراً من الظّنّ إنّ بعض الظّنّ إثم).

والمراد من «کثیراً من الظن» الظنون السیّئة التی تغلب على الظنون الحسنة بین الناس لذلک عبّر عنها بـ«الکثیر» وإلاّ فإنّ حسن الظن لا أنّه غیر ممنوع فحسب، بل هو مستحسن کما یقول القرآن فی الآیة 12 من سورة النور: (لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خیر).

وممّا یلفت النظر أنّه قد نُهی عن کثیر من الظنّ، إلاّ أنّه فی مقام التعلیل تقول الآیة: (إنّ بعض الظّنّ إثم) ولعلّ هذا الاختلاف فی التعبیر ناشئٌ من أنّ الظنون السیّئة بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له، فما خالف الواقع فهو إثم لا محالة، ولذلک قالت الآیة: (إنّ بعض الظن إثم) وعلى هذا فیکفی هذا البعض من الظنون الذی یکون إثماً أن نتجنّب سائر الظنون لئلا نقع فی الإثم!

وهنا ینقدح هذا السؤال، وهو أنّ الظنّ السیء أو الظن الحسن لیسا اختیاریین (غالباً) وإنّما یکون کلٌّ منهما على أثر سلسلة من المقدّمات الخارجة عن اختیار الإنسان والتی تنعکس فی ذهنه، فکیف یصحُّ النهی عن ذلک؟!

وفی مقام الجواب یمکن القول بأنّه:

المراد من هذا النهی هو النهی عن ترتیب الآثار، أی متى ما خطر الظنّ السیء فی الذهن عن المسلم فلا ینبغی الإعتناء به عملیّاً، ولا ینبغی تبدیل اُسلوب التعامل معه ولا تغییر الروابط مع ذلک الطرف، فعلى هذا الأساس فإنّ الإثم هو إعطاء الأثر وترتّبه علیه.

ولذلک نقرأ فی هذا الصدد حدیثاً عن نبیّ الإسلام یقول فیه: «ثلاث فی المؤمن لا یستحسنّ، وله منهنّ مخرج فمخرجه من سوء الظن ألاّ یحقّقه»(2)... إلى آخر الحدیث الشریف.

یستطیع الإنسان أن یبعد عن نفسه سوء الظن بالتفکیر فی المسائل المختلفة، بأن یفکر فی طرق الحمل على الصحة، وأن یجسّد فی ذهنه الاحتمالات الصحیحة الموجودة فی ذلک العمل، وهکذا یتغلّب تدریجاً على سوء الظنّ!

فبناءً على هذا لیس سوء الظن شیئاً (ذا بال) بحیث یخرج عن اختیار الإنسان دائماً!

لذلک فقد ورد فی الروایات أنّه: «ضع أمر أخیک على أحسنه حتى یأتیک ما یقلبک منه، ولا تظنّنّ بکلمة خرجت من أخیک سوءاً وأنت تجدُ لها فی الخیر محملاً»(3).

وعلى کلّ حال فإنّ هذا الأمر واحد من أکثر الأوامر والتعلیمات جامعیّةً ودقّةً فی مجال روابط الإنسان الاجتماعیة التی تضمن الأمن فی المجتمع بشکل کامل! وسیأتی بیانه وتفصیله فی فقرة البحوث.

ثمّ تذکر الآیة موضوع «التجسّس» فتنهى عنه بالقول: (ولا تجسّسو)!.

و«التجسّس» و«التحسّس» کلاهما بمعنى البحث والتقصّی، إلاّ أنّ الکلمة الاُولى غالباً ما تستعمل فی البحث عن الاُمور غیر المطلوبة، والکلمة الثانیة على العکس حیث تستعمل فی البحث عن الاُمور المطلوبة أو المحبوبة! ومنه ما ورد على لسان یعقوب فی وصیته وِلْدَه! (یا بنىّ اذهبوا فتحسّسوا من یوسف وأخیه)(4).

وفی الحقیقة إنّ سوء الظن باعث على التجسّس، والتجسس باعث على کشف الأسرار وما خفی من أمور الناس، والإسلام لا یبیح أبداً کشف أسرار الناس!

وبتعبیر آخر إنّ الإسلام یرید أن یکون الناس فی حیاتهم الخاصة آمنین من کل الجهات، وبدیهی أنّه لو سمح الإسلام لکلّ أحد أن یتجسّس على الآخرین فإنّ کرامة الناس وحیثیّاتهم تتعرض للزوال، وتتولد من ذلک «حیاة جهنمیة» یحسّ فیها جمیع أفراد المجتمع بالقلق والتمزّق!.

وبالطبع فإنّ هذا الأمر لا ینافی وجود أجهزة «مخابرات» فی الحکومة الإسلامیة لمواجهة المؤامرات، ولکنّ هذا لا یعنی أنّ لهذه الأجهزة حقَّ التجسّس فی حیاة الناس الخاصّة «کما سنبیّن ذلک بإذن الله فیما بعد».

وأخیراً فإنّ الآیة تضیف فی آخر هذه الأوامر والتعلیمات ما هو نتیجة الأمرین السابقین ومعلولهما فتقول: (ولا یغتب بعضکم بعض).

وهکذا فإنّ سوء الظن هو أساس التجسس، والتجسس یستوجب إفشاء العیوب والأسرار، والإطلاع علیها یستوجب الغیبة، والإسلام ینهى عن جمیعها علةً ومعلولاً!

ولتقبیح هذا العمل یتناول القرآن مثلاً بلیغاً یجسّد هذا الأمر فیقول: (أیحبّ أحدکم أن یأکل لحم أخیه میتاً فکرهتموه)!.

أجل، إنّ کرامة الأخ المسلم وسمعته کلحم جسده، وابتذال ماء وجهه بسبب اغتیابه وإفشاء أسراره الخفیة کمثل أکل لحمه.

کلمة «میتاً» للتعبیر عن أنّ الإغتیاب إنّما یقع فی غیاب الأفراد، فمثلهم کمثل الموتى الذین لا یستطیعون أن یدافعوا عن أنفسهم، وهذا الفعل أقبح ظلم یصدر عن الإنسان فی حقِّ أخیه!.

أجل، إنّ هذا التشبیه یبیّن قبح الإغتیاب وإثمه العظیم.

وتولی الروایات الإسلامیة ـ کما سیأتی بیانها ـ أهمیّة قصوى لمسألة الإغتیاب، ونادراً ما نجد من الذنوب ما فیه من الإثم إلى هذه الدرجة.

وحیث أنّه من الممکن أن یکون بعض الأفراد ملوّثین بهذه الذنوب الثلاثة ویدفعهم وجدانهم إلى التیقّظ والتنبّه فیلتفتون إلى خطئهم، فإنّ السبیل تفتحه الآیة لهم إذ تُختتم بقوله تعالى: (واتّقوا الله إنّ الله توّاب رحیم).

فلابدّ أن تحیا روح التقوى والخوف من الله أوّلاً: وعلى أثر ذلک تکون التوبة والإنابة لتشملهم رحمة الله ولطفه.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 136.
2. المحجّة البیضاء، ج5، ص269.
3. أصول الکافی، ج 2، (باب التهمة وسوء الظن، ح 3)، وقد ورد شبیه هذا المعنى فی نهج البلاغة مع شیء من التفاوت فی «الکلمات القصار، الکلمة 360».
4. یوسف، 87.
سبب النّزول1ـ الأمن الإجتماعیُّ الکامل!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma