لا تکترث بأخبار الفاسقین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سبب النّزول1ـ هدایة الله وحریّة الإرادة

کان الکلام فی الآیات الآنفة على ما ینبغی أن یکون علیه المسلمون ووظائفهم أمام قائدهم ونبیّهم محمّد(صلى الله علیه وآله) وقد ورد فی الآیات المتقدّمة أمران مهمّان، الأوّل أن لا یقدموا بین یدیه والآخر هو مراعاة الأدب عند الکلام معه وعدم رفع الصوت فوق صوته...

أمّا الآیات محل البحث فهی تبیّن الوظائف الاُخرى على هذه الاُمّة إزاء نبیّها. وتقول ینبغی الاستقصاء عند نقل الخبر إلى النّبی فلو أنّ فاسقاً جاءکم بنبأ فتثبّتوا وتحقّقوا من خبره، ولا تکرهوا النّبی على قبول خبره حتى تعرفوا صدقه... فتقول الآیات أوّلاً: (یا أیّها الّذین آمنوا إن جاءکم فاسق بنباء فتبیّنو).

ثمّ تبیّن السبب فی ذلک فتضیف: (أن تصیبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمین).

فلو أنّ النّبی قد أخذ بقول «الولید بن عقبة» وعدّ قبیلة بنی المصطلق مرتدّین وقاتلهم لکانت فاجعة ومصیبة عظمى!...

ویستفاد من لحن الآیة التالیة أنّ جماعة من أصحاب الرّسول اصرّوا على قتال بنی المصطلق، فقال لهم القرآن إنّ هذا هو الجهل بعینه وعاقبته الندم.

واستدل جماعة من علماء الاُصول على حجّیة خبر الواحد بهذه الآیة لأنّها تقول إن جاءکم فاسق بنبأ فتبیّنوا... ومفهومها أنّ العادل لو جاء بنبأ فلا یلزم التبیّن... ویصح قبول خبره إلاّ أنّه أشکل على هذا الاستدلال بمسائل عدیدة أهمها مسألتان:

المسألة الأولى: إنّ الاستدلال المتقدّم ذکره متوقّف على قبول «حجّیة مفهوم الوصف»، والمعروف أنّه لا حجّیة لمفهوم الوصف(1)...

المسألة الثانیة: إنّ العلة المذکورة فی ذیل الآیة فیها من السعة ما یشمل خبری العادل والفاسق معاً لأنّ العمل بالخبر الظنّی ـ مهما کان ـ ففیه احتمال الندم.

لکنّ هاتین المسألتین یمکن حلّهما، لأنّ مفهوم الوصف وأی قید آخر فی الموارد التی یراد منها بیان القید فی مقام الإحتراز حجة، وذکر هذا القید «قید الفاسق» فی الآیة المتقدّمة طبقاً للظهور العرفی لا فائدة منه تستحق الملاحظة سوى حجّیة خبر العادل!

وأمّا فی مورد التعلیل الوارد فی ذیل الآیة فالظاهر أنّه لا یشمل کلّ عمل بالأدلة الظنّیة، بل هو ناظر إلى الموارد التی یکون العمل فیها بجهالة، أی العمل بسفاهة وحمق، لأنّ الآیة عوّلت على الجهالة، ونعرف أنّ أغلب الأدلة التی یعوّل علیها العقلاء جیمعاً فی العالم فی المسائل الیومیة هی دلائل ظنّیة «من قبیل ظواهر الألفاظ وقول الشاهد، وقول أهل الخبرة، وقول ذی الید وأمثالها».

ومعلوم أنّه لا یعدّ أیٌّ ممّا اُشیر إلیه آنفاً بأنّه جهالة ولو لم یطابق الواقع أحیاناً، فلا تتحقّق هنا مسألة الندم فیه لأنّه طریق عام...

وعلى کلّ حال فإنّنا نعتقد بأنّ هذه الآیة من الآیات المحکمات التی فیها دلالة على حجّیة خبر الواحد حتى فی الموضوعات، وهناک بحوث کثیرة فی هذا الصدد ـ لیس هنا مجال شرحها...

إضافةً إلى ذلک فإنّه لا یمکن إنکار أنّ مسألة الإعتماد على الأخبار الموثقة هی أساس التاریخ والحیاة البشریة، بحیث لو حذفنا مسألة حجیّة خبر العادل أو الموثّق من المجتمعات الإنسانیة لبطل کثیر من التراث العلمی والمعارف المتعلّقة بالمجتمعات البشریة القدیمة وحتى کثیر من المسائل المعاصرة التی نعمل على ضوئها الیوم...

ولا یرجع الإنسان إلى الوراء فحسب، بل تتوقف عجلة الحیاة، لذلک فإنّ العقلاء جمیعاً یرون حجّیته والشارع المقدّس أمضاه أیضاً «قولاً وعملاً».

وبمقدار ما یعطی خبر الواحد «الثقة» الحیاة نظامها فإنّ الإعتماد على الأخبار غیر الموثّقة خطیر للغایة، ومدعاة إلى اضطراب نظام المجتمع، ویجر الوبال والمصائب المتعدّدة، ویهدّد الحیثیات وحقوق الأشخاص بالخطر ویسوق الإنسان إلى الانحراف والضلال وکما عبّر القرآن الکریم تعبیراً طریفاً فی الآیة محل البحث: (فتصبحوا على ما فعلتم نادمین).

وهنا لطیفة تسترعی الإنتباه أیضاً، وهی أنّ صیاغة الأخبار الکاذبة والتعویل على الأخبار غیر الموثّقة من الأسالیب القدیمة التی تتّبعها النظم الاستعماریة والدیکتاتوریة لتخلق جوّاً کاذباً ینخدع به الجهلة من الناس والمغفّلون فتُنهب أموالهم وأرصدتهم بهذه الأسالیب وما شاکلها...

فلو عمل المسلمون بهذا الأمر الإلهی الوارد فی هذه الآیة على نحو الدقّة ولم یأخذوا بأخبار الفاسقین دون تبیّن لکانوا مصونین من هذه البلایا الخطیرة!

والجدیر بالذکر أنّ المسألة المهمّة هنا هی الوثوق والاعتماد على الخبر ذاته، غایة ما فی الأمر قد یحصل هذا الوثوق من جهة الاعتماد على الشخص المخبر تارةً، وتارةً من القرائن الاُخر الخارجیة... ولذلک فإنّنا قد نطمئن إلى «الخبر» أحیاناً وإن کان «المخبر» فاسقاً...

فعلى هذا الأساس، فإنّ هذا الوثوق أو الاعتماد کیف ما حصل، سواءً عن طریق العدالة والتقوى وصدق القائل أم عن طریق القرائن الخارجیة، فهو معتبر عندنا، وسیرة العقلاء التی أمضاها الشارع الإسلامی مبنیة على هذا الأساس...

ولذا فإنّنا نرى فی الفقه الإسلامی کثیراً من الأخبار ضعیفة السند لکن لأنّها جرى علیها «عمل المشهور» ووقُف على صحة الخبر من خلال قرائن خاصة، فلذلک أصبحت هذه الأخبار (الضعیفة السند) صالحة للعمل وجرت فتاوى الفقهاء على وفقها.

وعلى العکس من ذلک قد تقع أخبار عندنا قائلها معتبر ولکنّ القرائن الخارجیة لا تساعد على قبوله، فلا سبیل لنا إلاّ الاعراض عنه وإن کان المخبر عادلاً و«معتبراً»...

فبناءً على هذا ـ إنّ المعیار هو الإعتماد على الخبر نفسه ـ فی کلّ مکان ـ وإن کان الغالب کون الوسیلة هی عدالة الراوی وصدقه ـ لهذا الإعتماد ـ إلاّ أنّ ذلک لیس قانوناً کلیّاً. (فلاحظوا بدقّة).

والآیة التالیة ـ وللتأکید على الموضوع المهم فی الآیة السابقة ـ تضیف قائلةً: (واعلموا أنّ فیکم رسول الله لو یطیعکم فی کثیر من الأمر لعنتّم)(2).

وتدلّ هذه الجملة ـ کما قاله جماعة من المفسّرین أیضاً ـ أنّه بعد أن أخبر «الولید» بارتداد طائفة «بنی المصطلق»... ألحّ جماعة من المسلمین البسطاء السذّج ذوی النظرة السطحیة على الرّسول أن یقاتل الطائفة آنفة الذکر...

فالقرآن یقول: من حسن حظّکم أنّ فیکم رسول الله وهو مرتبط بعالم الوحی فمتى ما بدت فیکم بوادر الانحراف فسیقوم بإرشادکم عن هذا الطریق، فلا تتوقّعوا أن یطیعکم ویتعلّم منکم ولا تصرّوا وتلحّوا علیه، فإنّ ذلک فیه عنت لکم ولیس من مصلحتکم...

ویشیر القرآن معقّباً فی الآیة إلى موهبة عظیمة اُخرى من مواهب الله سبحانه فیقول: (ولکنّ الله حبَّب إلیکم الإیمان وزیَّنه فی قلوبکم وکرّه إلیکم الکفر والفسوق والعصیان).

وفی الحقیقة أنّ هذه التعابیر إشارة لطیفة إلى قانون اللطف أی «اللطف التکوینی».

وتوضیح ذلک أنّه حین یرید الشخص الحکیم أن یحقّق أمراً فإنّه یوفّر له جمیع ما یلائمه من کلّ جهة ویصدق هذا الأصل فی شأن الناس تماماً...

فالله یرید أن یطویَ الناس جمیعاً طریق الحق دون أن یقعوا تحت تأثیر الإجبار بل برغبتهم وإرادتهم، ولذا یرسل إلیهم الرسل والکتب السماویة من جهة، ویحبّب إلیهم الإیمان من جهة أخرى، ویُضری شعلة العشق نحو طلب الحق والبحث عنه فی داخل النفوس ویکرّه إلیها الکفر والفسوق والعصیان...

وهکذا فإنّ کلّ إنسان مفطور على حبِّ الإیمان والطهّارة والتقوى، والبراءة من الکفر والذنب.

إلاّ أنّه من الممکن أن یتلوّث ماء المعنویات المنصبّ فی وجود الناس فی المراحل المتتالیة وذلک نتیجةً للاختلاط بالمحیطات الموبوءة فیفقد صفاءه ویکتسب رائحة الذنب والکفر والعصیان...

هذه الموهبة الفطریة تدعو الناس إلى إتباع رسول الله وعدم التقدّم بین یدیه.

وینبغی التذکیر بهذه اللطیفة أیضاً، وهی أنّ محتوى الآیة لا ینافی المشاورة أبداً، لأنّ الهدف من المشاورة أو الشورى أن یعرب کلٌّ عن عقیدته ووجهة نظره، إلاّ أنّ الرأی الأخیر والنظر النهائی لشخص النّبی(صلى الله علیه وآله) کما یستفاد ذلک من آیة الشورى أیضاً...

وبتعبیر آخر... إنّ الشورى هی موضوع مستقل، وفرض الرأی موضوع آخر، فالآیة محل البحث تنفی فرض الرأی لا المشاورة.

وفی أنّ المراد من «الفسوق» المذکور فی الآیة ما هو؟! قال بعض المفسّرین هو الکذب، إلاّ أنّه مع الإلتفات إلى سعة مفهومه اللغوی فإنّه یشمل کلّ خروج على الطاعة، فعلى هذا یکون التعبیر بـ«العصیان» بعده تأکیداً علیه، کما أنّ جملة (وزیّنه فی قلوبکم) تأکید على الجملة السابقة لها: (حبَّب إلیکم الإیمان).

وقال بعضهم إنّ کلمة «الفسوق» إشارة إلى الذنوب الکبیرة فی حین أنّ «العصیان» أعم منه... إلاّ أنّه لا دلیل على ذلک...

وعلى کلّ حال، فإنّ القرآن یقرِّر قاعدةً کلیةً وعامةً فی نهایة هذه الآیة لواجدی الصفات المذکورة ]فیها[ فتقول: (اُولئک هم الرّاشدون).

أی لو حفظتم هذه الموهبة الإلهیة «العشق للإیمان والتنفّر من الکفر والفسوق» ولم تلوّثوا هذا النقاء والصفات الفطریة فإنّ الرشد والهدایة دون أدنى شکّ فی انتظارکم...

وممّا یستجلب النظر أنّ الجمل السابقة فی الآیة کانت بصیغة الخطاب للمؤمنین لکنّ هذه الجملة: (أولئک هم الرّاشدون) تتحدّث عنهم بصیغة «الغائب» ویبدو أنّ هذا التفاوت فی التعبیر جاء لیدلّ على أنّ هذا الحکم غیر مختصّ بأصحاب النّبی، بل هو قانون عام، فکلّ من حفظ صفاءه الفطری فی أی عصر وزمان هو من أهل الرشد والهدایة والنجاة.

أمّا آخر الآیات محل البحث فتوضّح هذه الحقیقة وهی أن محبوبیة الإیمان والتنفّر من

الکفر والعصیان من المواهب الإلهیة العظمى على البشر إذ تقول: (فضلاً من الله ونعمة والله علیم حکیم)(3).

فعلمه وحکمته یوجبان أن یخلق فیکم عوامل الرشد والسعادة ویکملها بدعوة الأنبیاء إیّاکم ویجعل عاقبتکم الوصول إلى الهدف المنشود... «وهو الجنّة».

والظاهر أنّ الفضل والنعمة کلیهما إشارة إلى حقیقة واحدة، هی المواهب الإلهیة التی یمنحها عباده، غایةً ما فی الأمر أنّ «الفضل» إنّما سُمّی فضلاً لأنّ الله غیر محتاج إلیه و«النعمة» إنّما سمّیت نعمة لأنّ العباد محتاجون إلیها، فهما بمثابة الوجهین لعملة واحدة!...

ولا شکّ أنّ علم الله بحاجة العباد وحکمته فی مجال التکامل وتربیة المخلوقات توجبان أن یتفضّل بهذه النعم المعنویة الکبرى على عباده (وهی محبوبیة الإیمان والتنفّر من الکفر والعصیان).


1. یتصوّر بعضهم أنّ المسألة هنا من قبیل مفهوم الشرط ومفهوم الشرط حجّة، فی حین أنّه لا علاقة هنا بمفهوم الشرط، إضافةً الى ذلک فإنّ الجملة الشرطیة هنا لبیان الموضوع ونعرف أنّه فی مثل هذه الموارد لا مفهوم للجملة الشرطیة أیضاً فلاحظوا بدقّة.
2. کلمة «لعنتّم» مشتقّة من مادة «العنت» ومعناه الوقوع فی عمل یخاف الإنسان عاقبته أو الأمر الذی یشقّ على الإنسان، ومن هنا قیل للألم الحاصل من العظم المکسور عند تعرّضه للضربة بأنّه عنت.
3. «فضلاً ونعمة» نُصباً على أنّهما ]مفعولان لأجله[ للفعل «حبَّب إلیکم» أو أنّهما مفعولان مطلقان لفعلین محذوفین وتقدیرهما: (هکذا أفضل فضلاً وأنعم نعمة...).
سبب النّزول1ـ هدایة الله وحریّة الإرادة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma