المؤمنون لا یستسلمون للظلم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الشورى / الآیة 37 ـ 40 سورة الشورى / الآیة 41 ـ 43

هذه الآیات استمرار للبحث الوارد فی الآیات السابقة بخصوص الأجر الإلهی للمؤمنین المتوکلین.

فبعد ذکر الإیمان والتوکل اللذین لهما طبیعة قلبیّة، تشیر هذه الآیات إلى سبعة أنواع من البرامج العملیة للصفتین السابقتین سواء کانت إیجابیة أو سلبیة، فردیة أو اجتماعیة، مادیة أو معنویة، وهذه البرامج توضّح اُسس المجتمع الصالح والحکومة الصالحة القویة.

والملفت للنظر أنّ هذه الآیات نزلت فی مکّة ـ کما یظهر ـ وفی ذلک الیوم لم یکن قد تأسس المجتمع الإسلامی بعد، ولم یکن هناک وجود للحکومة الإسلامیة، إلاّ أنّ هذه الآیات أعطت التفکیر الإسلامی الصحیح فی هذا الخصوص منذ ذلک الیوم، حیث کان الرّسول الکریم(صلى الله علیه وآله) یعلّمهم ویربّیهم لغرض الإستعداد لبناء المجتمع الإسلامی فی المستقبل.

فأوّل صفة تبدأ من التطهیر حیث تقول الآیة أنّ الثواب الإلهی العظیم سوف یکون من نصیب المؤمنین المتوکلین: (والذین یجتنبون کبائر الإثم والفواحش)(1).

«کبائر» جمع «کبیرة» وتعنی الذنوب الکبیرة، أمّا ما هو المعیار فی الکبائر؟ البعض فسّرها بالذنوب التی توعّد القرآن فی آیاته بعذاب النّار لها، وأحیاناً الذنوب التی تستوجب الحدّ الشرعی.

وقد احتمل البعض أنّها إشارة للبدع وإیجاد الشبهات الإعتقادیة فی أذهان الناس.

ولکننا لو رجعنا إلى المعنى اللغوی لکلمة «کبیرة» فإنّها تعنی الذنب الذی یکون کبیراً ومهماً من وجهة نظر الإسلام، وأحد علائم أهمّیته أنّه ورد فی القرآن المجید وتوعّد بالعذاب علیه، وقد ورد تفسیر للکبائر فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) بأنّها: «التی أوجب الله عزّوجلّ علیها النّار»(2).

وعلى هذا الأساس فلو توضحت أهمّیة وعظمة الذنب بطرق اُخرى، عندها سیشمله عنوان (الکبائر).

«فواحش» جمع «فاحشة» وتعنی الأعمال القبیحة للغایة والممقوتة، وذکر هذه العبارة بعد کلمة (الکبائر) من قبیل ذکر الخاص بعد العام، وفی الحقیقة فإنّ التأکید على الذنوب القبیحة للغایة بعد ذکر اجتناب المؤمنین الحقیقیین عن جمیع الذنوب الکبائر، للتأکید على أهمیة ذلک.

وعلى هذا الأساس فإنّ أوّل علائم الإیمان والتوکل هو الاجتناب عن (الکبائر)، فکیف یمکن للإنسان أن یدّعی الإیمان والتوکل على الخالق، فی حین أنّه مصاب بأنواع الذنوب وقلبه وکر من أوکار الشیطان؟!

أمّا ثانی صفة، والتی لها طبیعة تطهیریة أیضاً، فهی السیطرة على النفس عند الغضب الذی یعتبر من أشدّ حالات الإنسان حیث تقول الآیة: (وإذا ما غضبوا هم یغفرون).

فهؤلاء لا یفقدون السیطرة على أنفسهم عند الغضب ولا یرتکبون الجرائم عنده، والأکثر من ذلک غسل قلوبهم وقلوب الآخرین من الحقد بواسطة میاه العفو والغفران.

وهذه الصفة لا تتوفر إلاّ فی ظل الإیمان الحقیقی والتوکل على الحق.

والطریف فی الأمر أنّ الآیة لا تقول: إنّهم لا یغضبون، لأنّ الغضب من طبیعة الإنسان، وهناک ضرورة له فی بعض الأحیان خاصةً عندما یکون لله وفی طریق إحقاق الحق، بل تقول: إنّهم لا یلوّثون أنفسهم بالذنب عند الغضب، وبکل بساطة یعفون ویغفرون، ویجب أن یکونوا هکذا، فکیف یمکن للإنسان أن ینتظر العفو الإلهی فی حین أنّ أعماقه ملیئة بالحقد وحبّ الإنتقام، ولا یعترف بأىّ قانون عند الغضب؟ وإذا شاهدنا التأکید على الغضب هنا، فذلک لأنّ هذه الحالة کالنار الحارقة التی تلتهب فی داخل أعماق الإنسان، وهناک الکثیرون الذین لا یستطیعون ضبط أنفسهم فی تلک الحالة، إلاّ أنّ المؤمنین الحقیقیین لا یستسلمون أبداً للغضب.

وورد فی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام): «من ملک نفسه إذا رغب، وإذا رهب، وإذا غضب، حرّم الله جسده على النّار»(3).

الآیة الاُخرى تشیر إلى الصفة الثّالثة والرّابعة والخامسة والسادسة، حیث تقول: (والذین استجابوا لربهم).

(وأقاموا الصلاة).

(وأمرهم شورى بینهم)(4).

(وممّا رزقناهم ینفقون).

فالآیة السابقة کانت تتحدّث عن تطهیر النفس من الذنوب والتغلب على الغضب، إلاّ أنّ الآیة التی نبحثها تتحدّث عن بناء النفس فی المجالات المختلفة، ومن أهمها إجابة دعوة الخالق، والتسلیم حیال أوامره، حیث إنّ الخیر کلّ الخیر تجسد فی هذا الأمر، فهم مستسلمون بکل وجودهم لأوامره، ولیست لهم إرادة إزاء إرادته، ویجب أن یکونوا هکذا، لأنّ الاستسلام والاستجابة أمران حتمیان بعد تطهیر القلب والروح من آثار الذنب الذی یعیق السیر نحو الحق.

ونظراً لوجود بعض القضایا المهمّة فی التعلیمات الإلهیّة، یجب الإشارة إلیها بالخصوص، لذا نرى أنّ الآیة أشارت إلى بعض المواضیع المهمّة وخاصة (الصلاة) التی هی عمود الدین وحلقة الوصل بین المخلوق والخالق ومربیة النفوس، وتعتبر معراج المؤمن وتنهى عن الفحشاء والمنکر.

بعد ذلک تشیر الآیة إلى أهم قضیة اجتماعیة وهی «الشورى» فبدونها تعتبر جمیع الأعمال ناقصة، فالإنسان الواحد مهما کان قویاً فی فکره وبعیداً فی نظره، إلاّ أنّه ینظر للقضایا المختلفة من زاویة واحدة أو زاویتین، وعندها ستختفی عنه الزوایا والأبعاد الاُخرى، إلاّ أنّه وعند التشاور حول القضایا المختلفة تقوم العقول والتجارب المختلفة بمساعدة بعضها البعض، عند ذلک ستتوضح الاُمور وتقل العیوب والنواقص ویقل الإنحراف.

لذا فقد ورد فی حدیث عن الرّسول(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «ما من رجل یشاور أحداً إلاّ هدی إلى الرشد».

والملفت للنظر أنّ العبارة وردت هنا على شکل برنامج مستمر للمؤمنین، لیس فی عمل واحد ومؤقت، بل یجب التشاور فی جمیع الأعمال. والطریف فی الأمر أنّ الرّسول(صلى الله علیه وآله) کان أیضاً یتشاور مع أتباعه وأنصاره فی القضایا الاجتماعیة المهمّة والتنفیذیة والصلح والحرب والاُمور المهمّة الاُخرى بالرغم من تکامل عقله وإرتباطه بمصدر الوحی، وکان یشاور أصحابه أحیاناً بالرغم من المشاکل التی تحصل من جرّاء ذلک، لکی یکون اُسوة وقدوة للناس، لأنّ برکات الإستشارة أکثر بکثیر من احتمالات ضررها.

وهناک تفصیلات فی نهایة الآیة 159 من سورة آل عمران بخصوص (الإستشارة) و(شروط الشورى) و(أوصاف الذین یجب استشارتهم) و(مسؤولیة المستشار) حیث لا نرى ضرورة إلى إعادة ذلک، إلاّ أنّه یجب أن نضیف بعض الملاحظات الاُخرى:

) الشورى تختص بالأعمال التنفیذیة ومعرفة الموضوع ولیست لمعرفة الأحکام، لأنّها یجب أن تؤخذ من مصدر الوحی ومن الکتاب والسنّة، وعبارة (أمرهم) تشیر إلى هذا المعنى أیضاً، لأنّ الأحکام لیست من شأن الناس، بل هی من أمر الخالق.

ولذا فلا أساس لما یقوله بعض المفسّرین کالآلوسی من أنّ الشورى تشمل الأحکام أیضاً، حیث لا یوجد نص خاص بذلک، خاصة وأنّنا نعتقد بعدم وجود أىّ أمر فی الإسلام

لیس له نص عام أو خاص صادر بشأنه، وإلاّ فما فائدة (الیوم أکملت لکم دینکم)(5) ]یجب قراءة تفصیلات عن هذا المعنى فی کتب اُصول الفقه بخصوص بطلان الإجتهاد بمعنى التقنین فی الإسلام[.

ب) قال بعض المفسّرین إنّ شأن نزول عبارة: (أمرهم شورى بینهم) خاص بالأنصار، إمّا لأنّ أعمالهم قبل الإسلام کانت وفقاً للشورى، أو هی إشارة إلى تلک المجموعة من الأنصار الذین آمنوا قبل هجرة النّبی(صلى الله علیه وآله) وبایعوه فی (العقبة)، ودعوه إلى المدینة (لأنّ هذه السورة مکّیة، والآیات أعلاه نزلت فی مکّة کما یظهر أیضاً).

وعلى أیّة حال، فإنّ الآیة لا تختص بسبب نزولها، بل توضح برنامجاً عاماً وجماعیاً.

وننهی هذا الکلام بحدیث عن أمیر المؤمنین الإمام علی(علیه السلام) حیث یقول:  «لا ظهیر کالمشاورة، والإستشارة عین الهدایة»(6).

ومن الضروری الإشارة إلى أنّ آخر صفة وردت فی هذه الآیة لا تشیر إلى الإنفاق المالی فحسب، وإنّما إنفاق کلّ ما أعطاه الخالق من الرزق کالمال والعقل والذکاء والتجربة، والتأثیر الاجتماعی، والخلاصة: الإنفاق من کلّ شیء.

وتقول الآیة بخصوص سابع صفة للمؤمنین الحقیقیین: (والذین إذا أصابهم البغی هم ینتصرون) أی أنّهم إذا تعرّضوا للظلم لا یستسلمون له، بل یطلبون النصر من الآخرین.

وواضح أنّ الآخرین مکلّفون بالإنتصار ضد الظلم، لأنّ طلب النصر دون النصرة یعتبر لغواً ولا فائدة فیه، وفی الحقیقة فإنّ المظلوم مکلّف بمقاومة الظالم وطلب النصرة، وأیضاً فإنّ المؤمنین مکلفون بإجابته، کما ورد فی الآیة 72 من سورة الأنفال حیث نقرأ: (وإن استنصروکم فی الدین فعلیکم النصر).

هذا البرنامج الإیجابی البنّاء یحذّر الظالمین من مغبّة ظلم المؤمنین، حیث إنّهم لا یسکتون على ذلک ویقفون بوجوههم، وهو أیضاً یؤمّل المظلومین بأنّ الآخرین سوف ینصرونکم عند استغاثتکم.

«ینتصرون» من کلمة «إنتصار» وتعنی طلب النصر، إلاّ أنّ البعض فسّرها بمعنى «التناصر» والنتیجة واحدة، للتوضیح الذی ذکرناه.

على أیّة حال، فأىّ مظلوم إذا لم یستطع أن یقف بوجه الظلم بمفرده، فعلیه ألاّ یسکت، بل یستفید من طاقات الآخرین والنهوض بوجه الظلم، ومسؤولیة جمیع المسلمین الاستجابة لاستغاثته وندائه.

ولکن بما أنّ التناصر یجب أن لا یخرج عن حدّ العدل وینتهی إلى الإنتقام والحقد والتجاوز عن الحد، لذا فإنّ الآیة التی بعدها اشترطت ذلک بالقول: (وجزاء سیّئة سیّئةٌ مثله).

یجب أن لا تتجاوزوا عن الحدّ بدافع وقوع الظلم على إخوانکم فتنقلبوا إلى أشخاص ظالمین، وخاصة الإفراط فی الرد على الظلم فی مجتمعات کالمجتمع العربی فی بدایة الإسلام، لذا یجب التمییز بین نصرة المظلوم والإنتقام.

وعمل الظالم یجب أن یسمى بـ (سیئة) إلاّ أنّ جزاءه وعقابه لیس (سیئة) وإذا وجدنا أنّ الآیة عبّرت عن ذلک بالسیئة فبسبب التقابل بالألفاظ واستخدام القرائن، أو أنّ الظالم یعتبرها (سیئة) لأنّه یعاقب، أو یحتمل أن یکون استخدام لفظة (السیئة) لأنّ العقاب ألیم ومؤذ، والألم والأذى بحدّ ذاته (سیء) بالرغم من أنّ قصاص الظالم ومعاقبته یعتبر عملا حسناً بحدّ ذاته.

وهذا یشبه العبارة الواردة فی الآیة 194 من سورة البقرة: (فمن اعتدى علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدى علیکم واتقوا الله).

على أیّة حال، فإنّ هذه العبارة یمکن أن تکون مقدمة للعفو الوارد فی الجملة التی بعدها، وکأنّما ترید الآیة القول: إنّ العقاب مهما کان فهو نوع من الأذى، وإذا ندم الشخص عندها یستحق العفو.

لذا ففی مثل هذه الموارد ینبغی علیکم العفو، لأنّ (فمن عفا وأصلح فأجره على الله).

صحیح أنّه فقد حقه ولم یحصل على شیء فی الظاهر، إلاّ أنّه بسبب عفوه، العفو الذی یعتبر أساس انسجام المجتمع والتطهّر من الأحقاد وزیادة أواصر الحب وزوال ظاهرة الإنتقام والاستقرار الاجتماعی، فقد تعهد الخالق بأن یعطیه من فضله الواسع، ویا لها من عبارة لطیفة (على الله) حیث إنّ الخالق یعتبر نفسه مدیناً لمثل هؤلاء الأشخاص ویقول بأنّ أجرهم علىّ.

وتقول الآیة فی نهایتها: (إنه لا یحب الظالمین).

وقد تکون هذه الجملة إشارة إلى بعض الملاحظات:

فأوّلا: قد یکون العفو بسبب أنّ الإنسان لا یستطیع أحیاناً السیطرة على نفسه بدقة عند العقاب والقصاص، وقد یتجاوز الحد ویکون فی عداد الظالمین.

وثانیاً: إنّ هذا العفو لیس بمعنى الدفاع عن الظالمین، لأنّ الله لا یحب الظالمین أبداً، بل إنّ الهدف هو هدایة الضالین وتثبیت الأواصر الاجتماعیة.

وثالثاً: إنّ الذین یستحقون العفو هم الذین یکفون عن الظلم ویندمون على ما ارتکبوه فی الماضی، ویقومون بإصلاح أنفسهم، ولیس للظالمین الذین یزدادون جرأة بواسطة هذا العفو.

وبعبارة أوضح، فإنّ کلاًّ من العفو والعقاب له موقعه الخاص، فالعفو یکون عندما یستطیع الإنسان الإنتقام، وهذا یسمى العفو البنّاء، لأنّه یمنح المظلوم المنتصر قابلیة السیطرة على النفس وصفاء الروح، وأیضاً یفرض على الظالم المغلوب إصلاح نفسه.

والعقاب والإنتقام والردّ بالمثل یکون عندما یبقى الظالم مستمراً فی غیّه وضلاله، والمظلوم لم یثبّت أرکان سیطرته بعد، فالعفو هنا یکون من موقع الضعف فیجب الردّ بالمثل.

وقد ورد فی حدیث عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «إذا کان یوم القیامة نادى مناد: من کان أجره على الله فلیدخل الجنّة، فیقال: من ذا الذى أجره على الله؟ فیقال: العافون عن الناس، فیدخلون الجنّة بغیر حساب»(7).

وهذا الحدیث ـ فی الحقیقة ـ هو النتیجة المستوحاة من آخر آیة فی هذا البحث، والإسلام الأصیل هو هذا.


1. یعتقد غالب المفسّرین أنّ (الذین یجتنبون) عطف ل(الذین آمنو) فی الآیة السابقة، بالرغم من احتمال البعض أنّها مبتدأ خبره محذوف (وفی التقدیر والذین یجتنبون... لهم مثل ذلک من الثواب) إلاّ أنّ المعنى الأوّل أفضل ظاهراً.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 473.
3. تفسیر علی بن إبراهیم، طبقاً لنقل تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 583.
4. یقول بعض المفسّرین أنّه متى ماکانت (شورى) مصدراً وتعنی المشاورة یجب أن تضاف لها کلمة (ذو) ویصبح تقدیر الجملة (أمرهم ذو شورى بینهم)... أو للمبالغة والتأکید، لأنّ ذکر (المصدر) بدلا من (الصفة) یوصل هذا المعنى عادة، لکن إذا کانت شورى کما یقول الراغب فی مفرداته بمعنى (الأمر الذی یتشاور فیه) عندها لا حاجة للتقدیر (لاحظ ذلک).
5. المائدة، 3.
6. وسائل الشیعة، ج 8، ص 425، (باب 21 من أبواب الأحکام العشرة).
7. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 52، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الشورى / الآیة 37 ـ 40 سورة الشورى / الآیة 41 ـ 43
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma