هبوب الریاح المنتظمة وحرکة السفن

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة الشورى / الآیة 32 ـ 36 سورة الشورى / الآیة 37 ـ 40

مرّة اُخرى نشاهد أنّ هذه الآیات تقوم بتبیان علائم الخالق وأدلة التوحید، وتستمر فی البحث الذی أشارت إلیه الآیات السابقة بهذا الخصوص.

وهنا تذکر موضوعاً یتعامل معه الإنسان کثیراً فی حیاته المادیة، خصوصاً المسافرین عبر البحار وسکّان السواحل، حیث تقول الآیة: (ومن آیاته الجوار فی البحر کالأعلام).

«جوار» جمع (جاریة) وهی صفة للسفن حیث لم تذکر للإختصار، وعادةً فإنّ الآیة تقصد حرکة السفن، ولذا فقد استخدمت هذه الصفة.

ویقال للبنت الشابة «جاریة» لأنّ الشباب والنشاط یجری فی عروقها ووجودها.

«أعلام» جمع (علم) على وزن (قلم) وتعنی الجبل، إلاّ أنّها فی الأصل بمعنى العلامة والأثر الباقی الذی یخبر عن شیء معیّن، مثل (علم الطریق) و(علم الجیش) وما شابه.

أمّا لماذا سمّی الجبل بالعلم؟ فذلک لأنّه ظاهر من بعید، وأحیاناً کانوا یشعلون النّار فوق قمّته حتى تکون مناراً للسائرین، إلاّ أنّ وجود النّار وعدمها لا یؤثّر فی التسمیة.

وعلى هذا الأساس فإنّ القرآن یعتبر حرکة السفن العملاقة فی هذه الآیة ـ کما فی الآیات المتعددة الاُخرى ـ بسبب هبوب الریاح المنتظمة، من آیات الخالق.

فلیس مهمّاً حرکة السفینة الصغیرة أو الزوارق على سطح الماء بسبب هبوب الریاح،

المهم حرکة السفن والبواخر العملاقة بحمولتها الکبیرة ومسافریها المتعددین عند هبوب الریاح، فتقطع آلاف الأمیال وتصل إلى مرساها.

فمن الذی خلق هذه المحیطات بخصوصیاتها ومیاهها وعمقها؟ من أعطى للخشب الذی تصنع منه السفن خاصیة الطفو على سطح الماء؟

ومن یأمر الریاح بالهبوب بشکل منظم على سطح البحار والمحیطات کی یستطیع الانسان أن یصل من نقطة إلى اُخرى بالإستفادة من هذه الریاح؟

نعم، فلو أخذنا بعین الاعتبار الخرائط التی یملکها البحّارة بخصوص حرکة الریاح، والمعلومات التی یملکها البشر حول هبوب الریاح من القطبین نحو خط الإستواء ومن خط الإستواء إلى القطبین، وأیضاً هبوب الریاح المتناوبة من السواحل والیابسة نحو البحار وبالعکس، عندها سندرک أنّ هذا الأمر مخطط وله نظام.

فی زماننا، تقوم المحرکات الضخمة بتحریک السفن ودفعها إلى الأمام، إلاّ أنّ الریاح تبقى مؤثّرة أیضاً فی حرکة هذه السفن.

وللتأکید أکثر تقول الآیة: (إنّ یشأ یسکن الریح فیظللن رواکد على ظهره). وکإستنتاج تضیف الآیة فی نهایتها: (إنّ فی ذلک لآیات لکل صبار شکور).

نعم، فهبوب الریاح، وحرکة السفن، وخلق البحار، والنظام الخاص المتناسق الذی یتحکّم بهذه الاُمور... کلّها آیات مختلفة للذات المقدسة.

ونعلم أنّ هبوب الریاح یتمّ بسبب الاختلاف فی درجة الحرارة بین منطقتین على الکرة الأرضیة، لأنّ الهواء یتمدد بسبب الحرارة ویتحرک نحو الأعلى، ویضغط على الهواء المحیط به ویقوم بتحریکه، ومن جانب آخر یترک مکانه للهواء المجاور له عند تحرکه نحو الطبقات العلیا، فلو سحب الخالق هذه الخاصیة (خاصیة التمدد) من الهواء، عندها سیطغى السکون والهدوء القاتل وستقف السفن الشراعیة فی عرض البحار دون أیّة حرکة.

«صبار» و(شکور) صیغتا مبالغة حیث تعطی الاُولى معنى کثرة الصبر، والثانیة کثرة الشکر. وهذان الوصفان الواردان فی هذه الآیة ـ وفی موارد اُخرى(1) ـ یشیران إلى ملاحظات لطیفة.

فهاتان الصفتان توضحان حقیقة الإیمان، لأنّ المؤمن صبور فی المشاکل والإبتلاءات وشکور فی النعم، وقد ورد فی حدیث عن الرّسول(صلى الله علیه وآله): «الإیمان نصفان: نصف صبر ونصف شکر»(2).

إضافةً إلى ذلک، فإنّ البحث فی أسرار نظام الخلق یحتاج إلى الصبر والاستمرار وتخصیص الوقت الکافی، ومن جانب ثان یستحق شکر المنعم.

فمتى ما توفر هذان العاملان عندها یکون الإنسان مؤهّلا للبحث فی هذه الآیات، وعادةً فإنّ البحث فی أسرار الخلق یعتبر بحدّ ذاته نوعاً من الشکر.

ومن جانب ثالث، فإنّ هاتین الصفتین تتجسدان فی الإنسان أکثر من أىّ وقت مضى متى ما رکب فی السفینة، حیث الصبر حیال حوادث ومشاکل البحار، والشکر عند الوصول إلى الساحل.

مرّة اُخرى، لتجسید عظمة هذه النعمة الإلهیّة، تقول الآیة الاُخرى: (أو یوبقهن بما کسبو) أی لو شاء لأباد هذه السفن بسبب الأعمال التی إرتکبها المسافرون.

وکما قرأنا فی الآیات الماضیة، فإنّ المصائب التی تصیب الإنسان غالباً ما ما تکون بسبب أعماله.

إلاّ أنّه بالرغم من ذلک فإنّ اللطف الإلهی یشمل الإنسان: (ویعف عن کثیر). فلولا عفو الخالق لم یکن لینجو أحد من عذاب الخالق سوى المعصومین والخواص والطاهرین، کما نقرأ ذلک فی الآیة 45 من سورة فاطر: (ولو یؤاخذ الله الناس بما کسبوا ما ترک على ظهرها من دابّة ولکن یؤخّرهم إلى أجل مسمى).

نعم، فهو یستطیع أن یمنع الریاح من الهبوب حتى تقف السفن فی وسط البحار والمحیطات، أو یحوّل هذه الریاح إلى عواصف هوجاء تدمر هذه السفن والبواخر، إلاّ أنّ لطفه العام یمنع هذا العمل.

(ویعلم الذین یجادلون فی آیاتنا ما لهم من محیص)(3) وما لهم من ملجأ سوى ذاته المنزّهة.

فهؤلاء سوف لا یشملهم العفو الإلهی، لأنّهم عارضوه بعلم ووعی، واستمروا فی محاربته عن عداوة وعناد، فهؤلاء سوف لا یشملهم عفوه ورحمته،  ولا خلاص لهم من عذابه.

«محیص» مأخوذة من کلمة (حیص) على وزن (حیف) وتعنی الرجوع والعدول عن أمر ما، وبما أنّ (محیص) اسم مکان، لذا وردت هذه الکلمة، بمعنى محل الهروب أو الملجأ.

والکلام فی آخر آیة موجّه إلى الجمیع حیث تقول: (فما أوتیتم من شیء فمتاع الحیاة الدنی).

فلا تتصوروا أنّه سیبقى لکم، لأنّه کالومیض الذی یبرق ثمّ یخبو، وکالشمعة فی مهبّ الریح والفقاعة على سطح الماء، ولکن (وما عند الله خیر وأبقى للذین آمنوا وعلى ربهم یتوکلون).

فلو استطعتم أن تستبدلوا هذا المتاع الدنیوی الزائل المحدود التافه بمتاع أبدی خالد، فتلک هی التجارة المربحة العدیمة النظیر.

فالمواهب فی هذه الدنیا لا تخلو من المشاکل، حیث توجد الأشواک دائماً إلى جانب الورود، والمحبطات إلى جانب الآمال، فی حین أنّ الأجر الإلهی  لا یحتوی على أىّ إزعاجات، بل هو خیر خالص ومتکامل.

ومن جانب آخر فإنّ هذه المواهب مهما کانت فستزول حتماً، إلاّ أنّ الجزاء الاُخروی أبدی خالد، عندها هل یقبل العقل أن یستغنی الإنسان عن هذه التجارة المربحة، أو یصاب بالغرور والغفلة وتبهره زخارف الدنیا؟

لذا فإنّنا نقرأ فی الآیة 38 من سورة التوبة: (ارضیتم بالحیاة الدنیا من الآخرة فما متاع الحیاة الدنیا فی الآخرة إلاّ قلیل).

وأساساً، فإنّ «الحیاة الدنیا» (بالمعنى المتقدّم) تشیر إلى الحیاة الدنیة والحقیرة، وطبیعی أنّ أىّ متاع أو وسیلة للاستفادة منها فی هذه الحیاة ستکون ـ أیضاًـ مثلها فی القیمة.

لذا فقد ورد فی حدیث عن الرّسول(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «والله ما الدنیا فی الآخرة إلاّ مثل أن یجعل أحدکم إصبعه هذه فی الیم، فلینظر بم ترجع؟!»(4).

والملفت للنظر أنّه ورد فی هذه الآیة التأکید على الإیمان والتوکل، وهذا بسبب أنّ نیل الأجر الإلهی هو للذین یفوّضون اُمورهم فی جمیع الأعمال ویستسلمون له تعالى إضافة إلى الإیمان، لأنّ التوکل یعنی تفویض الاُمور. وتقابل هذه المجموعة أشخاص یجادلون فی آیات الله بسبب حبّ الدنیا والإرتباط بالمتاع الزائل، ویقلبون الحقائق، وبهذا الترتیب فإنّ آخر آیة هی بمثابة تعلیل للآیة التی قبلها، والتی کانت تتحدّث عن الذین یجادلون فی آیات الله.


1. إبراهیم، 5، ولقمان، 31، وسبأ، 19، والآیة التی نبحثها.
2. تفسیر الصافی، وتفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 506، والتفسیر الکبیر، وتفسیر القرطبی ذیل الآیة 31 من سورة لقمان.
3. جملة (ویعلم الذین یجادلون...) کما یقول الزمخشری فی کشافه: وردت منصوبة بسبب عطفها على تعلیل محذوف وتقدیره: لینتقم منهم ویعلم الذین یجادلون... فالهدف أن ینتقم الخالق من هذه المجموعة، والهدف أن یعلم المجادلون بعدم وجود طریق للنجاة.
4. تفسیر روح البیان، ج 3، ص 429، ذیل الآیة 38 من سورة التوبة.
سورة الشورى / الآیة 32 ـ 36 سورة الشورى / الآیة 37 ـ 40
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma