(أشدّاء على الکفّار رحماء بینهم):

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الفتح / الآیة 28 ـ 29 1ـ قصة تنزیه الصحابة!

فی هاتین الآیتین اللتین بهما تنتهی سورة الفتح إشارة إلى مسألتین مهمّتین من «الفتح المبین» أی «صلح الحدیبیّة» احداهما تتعلّق بعالمیّة الإسلام والثانیة تتعلّق بأوصاف أصحاب النّبی وخصائصهم وما وعدهم الله سبحانه به!

فالأولى منهما تقول: (هو الّذی أرسل رسوله بالهدى ودین الحقّ لیظهره على الدّین کلّه وکفى بالله شهید).

وهذا وعد صریح وقاطع من الله سبحانه فی غلبة الإسلام وظهوره على سائر الأدیان.

أی لا تعجبوا لو أخبرکم اللّه عن طریق رؤیا نبیّه محمّد بالإنتصار وأن تدخلوا المسجد الحرام بمنتهى الأمان وتؤدّوا مناسک العمرة دون أن یجرؤ أحد على إیذائکم، کما لا تعجبوا أن یبشّرکم الله بالفتح القریب ـ فتح خیبر «فأوّل الغیث قطرة» وسیکون الإسلام باسطاً ظلاله فی أرجاء المعمورة ویظهر على جمیع الأدیان...

ولِمَ لا یکون کذلک ومحتوى دعوة النّبی هدایة الله إذ «أرسله بالهدى» ودینه «دین الحق» ویستطیع کلّ ناظر غیر منحاز أن یرى حقّانیته فی آیات القرآن وأحکام الإسلام الفردیّة والإجتماعیة والقضائیة والسیاسیة! وکذلک تعلیماته الأخلاقیة والانسانیة، وأن یعرف علاقة النّبی(صلى الله علیه وآله) بالله حقّاً من خلال إخباره بالمغیّبات وتنبّؤاته التی تقع فی المستقبل بصورة قاطعة.

أجلْ: إنّ منطق الإسلام المتین ومحتواه الغنی الغزیر یطهّر الأرض من أدیان الشرک الملوّثة، وتخضع له الأدیان السماویة المحرّفة الاُخرى وأن یشدّ بأسلوبه الشائق(1) القلوب إلیه.

ولکن ما المراد بـ «الظهور على الدین کلّه»؟ أهو الظهور المنطقی؟! أم الظهور (والغلبة) العسکریان؟! هناک اختلاف بین المفسّرین...

یعتقد جماعة منهم أنّ هذا الظهور هو الظهور المنطقی والاستدلالی فحسب وهذا الأمر متحقق، لأنّ الإسلام متفوّق من حیث الاستدلال والقدرة المنطقیة على جمیع الأدیان.

ولکنّ جماعة آخرین فسّروا هذا الظهور بالغلبة الظاهریة وغلبة القوة، وموارد استعمال کلمة «یظهر» ومشتقاتها أیضاً دلیل على الغلبة الخارجیة... ولهذا یمکن القول أنّه بالإضافة إلى نفوذ الإسلام فی مناطق کثیرة واسعة من الشرق والغرب وهی تحت لوائه الیوم وتدین به أکثر من أربعین دولة إسلامیة بنفوس یقدّر إحصاؤها بأکثر من ملیارد نسمة فإنّه سیأتی زمان على الناس یستوعب الإسلام جمیع أرجاء المعمورة «رسمیّاً» وسیکتمل هذا الأمر بظهور المهدی أرواحنا فداه إن شاء الله.

وکما نقل عن بعض أحادیث النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «لا یبقى على ظهر الأرض بیت مدر ولا وبر إلاّ أدخله الله کلمة الإسلام»(2).

وسبق أن بحثنا فی هذا المجال فی نفس هذا التّفسیر ذیل الآیة 33 من سورة التوبة المشابهة لهذه الآیة محل البحث.

وهنا ملاحظة تلتفت النظر إلیها وهی أنّ البعض ذهب إلى أنّ التعبیر بالهدى إشارة الى استحکام العقائد الإسلامیة، فی حین أنّ التعبیر بـ «دین الحق» ناظرٌ إلى حقّانیة فروع الدین، إلاّ أنّه لا دلیل لدینا على هذا التقسیم، والظاهر أنّ الهدایة والحقّانیة هما فی الأصول والفروع معاً...

وفی عود الضمیر فی «لیظهره» هل یعود على الإسلام أم على النّبی؟ للمفسّرین احتمالان، إلاّ أنّ القرائن تدل بوضوح على أنّ المقصود هو دین الحق، لأنّه قریب من الضمیر، هذا من حیث النظم والسبک اللغوی، کما أنّ المناسب ظهور الدین على الدین الآخر لا ظهور الشخص على الدین ـ أیضاً ـ .

وآخر ما نرید بیانه فی شأن هذه الآیة أنّ جملة (کفى بالله شهید) إشارة إلى هذه الحقیقة وهی أنّ هذا التوقع أو التنبّؤ لا یحتاج إلى أی شاهد، لأنّ شاهده الله، ورسالة رسول الله(صلى الله علیه وآله) أیضاً لا تحتاج إلى شاهد آخر، لأنّ الشاهد هو الله أیضاً، وإذا لم یوافق سهیل بن عمرو وأمثاله على کتابة عنوان (رسول الله) بعد اسم النّبی محمّد فلیس ذلک مدعاة للتأثر أبداً.

وفی آخر آیة وصفٌ بلیغٌ لأصحاب النّبی الخاصّین والذین کانوا على منهاجه على لسان التوراة والإنجیل وهو مدعاة افتخار لهم إذ أبدوا شهامتهم ورُجولتهم فی الحدیبیّة والمراحل الاُخر کما أنّه درس اختبار لجمیع المسلمین على مدى القرون والأعصار!...

فتقول الآیة فی البدایة: (محمّد رسول الله).

سواء رضی به خفافیش اللیل کسهیل بن عمرو أم لم یرضَ به؟! واخفوا أنفسهم عن هذه الشمس التی أشرقت على العالم أجمع أم لم یُخفوا؟! فالله یشهد على رسالته ویشهد بذلک العارفون.

ثمّ تصف الآیة أصحابه وخلالهم (وسجایاهم) الباطنیة والظاهریة ضمن خمس صفات إذ تقول فی وصفهم: (والّذین معه أشدّاء على الکفّار).

وصفتهم الثانیة أنّهم: (رحماء بینهم).

أجل: هم منطلق للمحبّة والرحمة فیما بینهم کما أنّهم نار ملتهبة وسد محکم بوجه أعدائهم الکفّار...

وفی الحقیقة أنّ عواطفهم وأفکارهم تتلخّص فی هاتین الخصلتین: «الرحمة» و«الشدّة»... لکن لا تضادّ فی الجمع بینهما أوّلاً، ولا رحمتهم فیما بینهم وشدّتهم على الکفّار تقتضی أن تحید أقدامهم عن جادّة الحق ثانیاً...

ثمّ تضیف الآیة مبیّنة وصفهم الثّالث فتقول: (تراهم رکّعاً سجّد).

هذا التعبیر یجسد العبادة برکنیها الأساسیین: «الرکوع والسجود» على أنّها حالة دائمیة لهم، العبادة التی هی رمز للتسلیم أمام أمر الله الحق، ونفی الکبر والغرور والأنانیة عن وجودهم.

أمّا الوصف الرابع الذی تذکره الآیة عن هؤلاء الأصحاب فهو بیان نیّتهم الخالصة الطاهرة فتقول: (یبتغون فضلاً من الله ورضوان) فهم لا یعملون ریاءً ولا یبتغون من الخلق الثواب، بل هدفهم رضا الله وفضله فحسب، والباعث على تحرّکهم فی حیاتهم جمیعاً هو هذا الهدف لیس إلاّ!...

حتى التعبیر بـ«فضلاً» یدل على أنّهم معترفون بتقصیرهم ویرون أعمالهم أقل من أن یطلبوا الثواب من الله، بل إنّهم مع کلّ عبادتهم وأعمالهم الصالحة ما یزالون قائلین: لولا فضلک یا ربّنا فالویل لنا..

أمّا الوصف الخامس فهو عن سیماهم المشرق إذ تقول الآیة: (سیماهم فی وجوههم من أثر السّجود)(3).

«سیما» فی الأصل معناها العلامة والهیأة، سواءً أکانت هذه العلامة فی الوجه أم فی مکان آخر وإن کانت فی الاستعمال العرفی تشیر إلى علامة الوجه! والأثر الظاهریّ له...

وبعبارة اُخرى أنّ قیافتهم تدلّ بصورة جیدة أنّهم أناس خاضعون أمام الله والحق والقانون والعدالة، ولیست العلامة فی وجوههم فحسب، بل فی جمیع وجودهم وحیاتهم تبدو هذه العلامة...

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرین یرى بأنّ «السیماء» هی الأثر الظاهر فی الجبهة من السجود أو أثر التراب علیها من مکان السجدة... غیر أنّ هذه الآیة کما یظهر لها مفهوم أوسع ترتسم ملامحه على وجوه هؤلاء الرجال الربّانیین...

وقال بعضهم: هذه الآیة إشارة إلى إشراق وجوههم یوم القیامة کالبدر من کثرة سجودهم....

وبالطبع یمکن أن تکون جباههم ووجوههم على هذه الهیّأة یوم القیامة إلاّ أنّ الآیة تتحدّث عن وضعهم الظاهری فی الدنیا...

وقد ورد فی حدیث عن الإمام الصادق فی تفسیر هذه الجملة أنّه قال: «هو السهر فی الصلاة!»(4).

ولا مانع من الجمع بین هذه المعانی کلّها!...

وعلى کلّ حال فإنّ القرآن یضیف بعد بیان هذه الأوصاف: (ذلک مثلهم فی التّوراة)!

فهذه حقیقة مقولة قبلاً وأوصافٌ وردت فی کتاب سماوی نزل منذ أکثر من ألفی عام...

ولکن لا ینبغی أن ننسى أنّ التعبیر ب(والّذین معه) یحکی عن معیّة النّبی فی کلّ شیء، فی الفکر والعقیدة والأخلاق والعمل لا عن أولئک الذین کانوا فی عصره ـ وإن اختلفوا وإیّاه فی المنهج.

ثمّ یتحدّث القرآن عن وصفهم فی کتاب سماوی کبیر آخر وهو الإنجیل فیقول: (ومثلهم فی الإنجیل کزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه یعجب الزّراع)(5).

«الشطأ»: معناه الفسیل أو البرعم الذی یخرج إلى جانب الساق الأصلی للزرع... و«آزره» مشتقٌّ من المؤازرة أی المعاونة.

و«استغلظ» مشتقٌّ من مادة الغلظة، أی أنّه متین...

وجملة «استوى على سوقه» مفهومها أنّ هذا الزرع بلغ قدراً من المتانة بحیث ثبت على سیقانه: و«سوق» جمع ساق ـ والتعبیر بـ«یعجب الزرّاع» یعنی أنّ هذا الزرع یکون سریع النمو کثیر البراعم وافر النتاج إلى درجة یُسرّ به الزراع ویعجبون منه، والطریف أنّ وصفهم الثّانی فی الإنجیل جاء على خمسة أمور أیضاً هی:

أخراج الشطأ. والمؤازرة للنموّ. والإستغلاظ. والإستواء. والنمو المعجب.

وفی الحقیقة إنّ أوصافهم المذکورة فی «التوراة» تتحدّث عن أبعاد وجودهم من جهة العواطف والأهداف والأعمال وصورتهم الظاهریة...

وأمّا الأوصاف الواردة فی «الإنجیل» فهی تتحدّث عن حرکتهم ونموّهم وتکاملهم فی جوانب مختلفة (فلاحظوا بدقة).

أجل هم أناس متّصفون بصفات علیا لا یفترون عن الحرکة لحظة واحدة... وتتنامى براعمهم دائماً ویثمرون ویتآزرون کلّ حین... وینشرون الإسلام بأقوالهم وأعمالهم فی العالم ویوماً بعد یوم یزداد عددهم فی المجتمع الإسلامی!...

أجل، إنّهم لا یتکاسلون فی حرکتهم المتّجهة إلى الإمام دائماً، وهم فی حال عبادتهم مجاهدون، وفی حال جهادهم عابدون، ظاهرهم سوی، وباطنهم سلیم، وعواطفهم صادقة، ونیّاتهم خالصة، وهم مظهر غضب الله بوجه أعداء الحق، ومظهر الرحمة بوجه إخوانهم.

ثمّ تضیف الآیة معقّبةَ: أنّ هذه الأوصاف العلیا وهذا النمو والتکامل السریع وهذه الحرکة المبارکة بقدر ما تعجب المحبّین وتسرّهم فهی فی الوقت ذاته: (لیغیظ بهم الکفّار)(6).

ویضیف القرآن مختتماً هذه الآیة المبارکة: (وعد الله الّذین آمنوا وعملوا الصّالحات منهم مغفرة وأجراً عظیم).

بدیهی أنّ أوصاف أصحاب النّبی التی وردت فی بدایة الآیة محل البحث جمعت فیها الإیمان والعمل الصالح، فتکرار هذین الوصفین إشارة إلى استمرارهما ودیمومتهما: أی أنّ الله وعد أولئک الذین بقوا على نهجهم من أصحاب محمّد(صلى الله علیه وآله) واستمروا بالإیمان والعمل الصالح، وإلاّ فإنّ من کان یوماً مع النّبی ویوماً آخر مع سواه وعلى خلاف طریقته فلا یُشملون بهذا الوعد أبداً.

والتعبیر بـ «منهم» مع الإلتفات إلى هذه المسألة، وهی أنّ الأصل فی کلمة «من» فی مثل هذه الموارد التبعیض، وظاهر الآیة یُعطی هذا المعنى أیضاً، وهذا التعبیر یدلُّ على أنّ أصحاب النّبی ینقسمون قسمین: فطائفة منهم یواصلون إیمانهم وعملهم الصالح وتشملهم رحمة الله الواسعة وأجره العظیم، وطائفة یحیدون عن نهجه فیحرمون من هذا الفیض العظیم!...

ولیس معلوماً السبب فی إصرار بعض المفسّرین على أنّ «من» فی کلمة «منهم» بیانیّة حتماً، فی حین لو ارتکبنا خلاف الظاهر وقلنا إنّ من هنا بیانیة فکیف یمکن أن ندع القرائن العقلیة هنا، فلا أحد یدّعی أبداً أنّ جمیع أصحاب النّبی معصومون وفی هذه الصورة یزول احتمال أنّ کلّ واحد منهم بقی على عمله الصالح وإیمانه، ومع هذه الحال فکیف یعدهم الله بالمغفرة والأجر العظیم دون قید وشرط سواءً عملوا الصالحات فی طول مسیرتهم، أو أن یعملوا الصالحات فی وقت، ثمّ ینحرفوا من منتصف الطریق!...

وهذه اللطیفة تستدعی الإلتفات وهی أنّ جملة: (والّذین معه) لا تعنی المرافقة الجسدیة مع النّبی(صلى الله علیه وآله) والمصاحبة الجسمانیة لأنّ المنافقین کانوا على هذه الشاکلة أیضاً... بل المراد من «معه» هو المعیّة من جهة أصول الإیمان والتقوى قطعاً... فبناءً على هذا لا یمکننا أن نستنتج حکماً کلیّاً من الآیة الآنفة فی شأن جمیع المعاصرین والمجالسین للنبی(صلى الله علیه وآله)...


1. یجری على ألسنة الناس وبعض الأدباء قولهم هذا أسلوب شیّق، وهذا التعبیر خطأ، والصحیح «شائق» أی مثیر للشوق أمّا الشیّق فهو المشتاق (المصحّح).
2. تفسیر مجمع البیان، ج 5، ص 25، وتفسیر القرطبی، ج 7، ص 692. نقل هذه الروایة عن النّبی أیضاً ذیل الآیة 55 من سورة النور.
3. (سیماهم) مبتدأ و(فی وجوههم) خبره و(من أثر السجود) قد یکون حالاً عن السیماء والأفضل أن تعد «من» نشویة أی: (سیماهم فی وجوههم وهذه السیماء والعلامة من أثر سجودهم).
4. من لا یحضره الفقیه، وروضة الواعظین، طبقاً لما ورد فی تفسیر نور الثقلین، ج5، ص78.
5. هناک کلام بین المفسّرین فی جملة (ومثلهم فی الإنجیل) أهی جملة مستقلة ووصف آخر عن أصحاب محمّد(صلى الله علیه وآله) غیر ما وُصفوا فی التوراة، أم هی معطوفة على جملة ذلک مثلهم فی التوراة؟ فیکون الوصفان مذکورین فی کتابین سماویین! الظاهر أنّ الآیة ذکرت الوصفین کلاًّ على حدة فی کتاب سماوی ولذلک کرّرت کلمة «مثلهم» ولو کان هذا الوصف معطوفاً على السابق لاقتضت الفصاحة أن یکون التعبیر: ذلک مثلهم فی التوراة والإنجیل.
6. یرى کثیر من المفسّرین أنّ اللام فی جملة (لیغیظ بهم الکفّار) هی لام التعلیل، فیکون مفهوم الجملة: إنّ هذه القوّة والقدرة جعلها الله نصیب أصحاب محمّد لیغیظ بهم الکفّار.
سورة الفتح / الآیة 28 ـ 29 1ـ قصة تنزیه الصحابة!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma