لو حَدَثتِ الحرب فی الحدیبیّة!؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 13
سورة الفتح / الآیة 22 ـ 25 سورة الفتح / الآیة 26

هذه الآیات تتحدّث أیضاً عن أبعاد اُخر لما جرى فی الحدیبیّة وتشیر إلى «لطیفتین» مهمّتین فی هذا الشأن!

الأولى: هی أنّه لا تتصوّروا أنّه لو وقعت الحرب بینکم وبین مشرکی مکّة فی الحدیبیّة لانتصر المشرکون والکفرة! (ولو قاتلکم الّذین کفروا لولّوا الأدبار ثمّ لا یجدون ولیّاً ولا نصیر).

ولیس هذا منحصراً بکم بل: (سنّة الله الّتی قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة الله تبدیل).

فهذا هو قانون إلهی دائم، فمتى واجه المؤمنون العدوّ بنیّات خالصة وقلوب طاهرة ولم یضعفوا فی أمر الجهاد نصرهم الله على عدوّهم، وربّما حدث فی هذا الشأن إبطاء أو تعجیل لإمتحان المؤمنین أو لأهداف أخرى، ولکنّ النصر النهائی على کل حال هو حلیف المؤمنین...

لکن فی موارد کمعرکة أحد مثلاً حیث إنّ جماعة لم یتّبعوا أمر الرّسول ومالت طائفة منهم

إلى الدنیا وزخرفها فلوّثت نیاتها وعکفت على جمع الغنائم فإنّها ذاقت هزیمة مرّة، وهکذا بعد!

اللطیفة المهمّة التی تبیّنها الآیات هی أن لا تجلس قریش فتقول: مع الأسف إنّنا لم نقاتل هذه الطائفة القلیلة العدد، أسفاً إذ بلغ «الصید» مکّة فغفلنا عنه.. أبداً لیس الأمر کذلک.. فبالرغم من أنّ المسلمین کانوا قلّة وبعیدین عن الوطن والمأمن وفاقدین للأعتدة والمؤن. ولکن مع هذه الحال لو وقع قتال بین المشرکین والمؤمنین لانتصر المؤمنون ببرکة قوى الإیمان ونصر الله أیضاً.. ألم یکونوا فی بدرو الأحزاب قلّة وأعداؤهم کثرة، فکیف انهزم الجمع وولّوا الدبر فی المعرکتین؟!

وعلى کلّ حال فإنّ بیان هذه الحقیقة کان سبباً لتقویة روحیة المؤمنین وتضعیف روحیة الأعداء وإنهاء القیل والقال من قبل المنافقین، ودلّ على أنّه حتى لو حدثت حرب فی هذه الظروف غیر الملائمة بحسب الظاهر فإنّ النصر سیکون حلیف المؤمنین الخُلّص!.

واللطیفة الاُخرى التی بیّنتها هذه الآیات أنّها قالت: (وهو الّذی کفّ أیدیهم عنکم وأیدیکم عنهم ببطن مکّة من بعد أن أظفرکم علیهم وکان الله بما تعملون بصیر).

حقاً.. کان ما حدث مصداقاً جلیّاً «للفتح المبین» ونعمَ ما اختاره القرآن له من وصف، فالعدوّ الذی زحف بجیشه مراراً نحو المدینة وسعى سعیاً عجیباً لإیقاع الهزیمة بالمسلمین، إلاّ أنّه الآن حیث حطّوا أقدامهم فی حریمه ودیاره یمتلکه الرعب منهم حتى أنّه یقترح الصلح معهم، فأیّ فتح مبین أکبر من هذا الفتح إذ ینال المسلمون هذا التفوّق على العدو دون أن تسفک قطرة دم واحدة من المسلمین!؟

ولا شکّ أنّ ما جرى فی الحدیبیّة کان یعدّ فی جزیرة العرب عامة نصراً للمسلمین وهزیمة لقریش.

هذا وقد ذکر جماعة من المفسّرین فی نزول هذه الآیة أنّ مشرکی مکّة عبّؤوا أربعین رجلاً للهجوم على المسلمین (بصورة خفیة) فی الحدیبیّة، غیر أنّ المسلمین أفشلوا مؤامرتهم وأجهضوا مکیدتهم ـ بفطنتهم ـ فأسر المسلمون هؤلاء الأربعین جمیعاً وجاءوا بهم إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) فخلّى عنهم سبیلهم.

وقال بعضهم: أنّهم کانوا ثمانین أرادوا أن یهجموا على المسلمین من جبل التنعیم عند صلاة الغداة وبالاستفادة من العتمة، وقال بعضهم: کان النّبی(صلى الله علیه وآله) یستظلّ تحت الشجرة

لیکتب معاهدة الصلح مع ممثل قریش وعلی مشغول بالإملاء، فحمل علیه ثلاثون شابّاً من أهل مکّة بأسلحتهم ولکن بمعجزة مذهلة فشلت خطتهم واُسر جمیعهم وخلّى النّبی(صلى الله علیه وآله)عنهم سبیلهم(1).

وطبقاً لشأن النّزول هذا فإنّ جملة (من بعد أن أظفرکم علیهم) إشارة إلى الإنتصار على هذه الطائفة، فی حین أنّه طبقاً للتفسیر السابق یکون المقصود هو النصر الکلّی للمسلمین على المشرکین وهذا التّفسیر أکثر انسجاماً مع مفاد الآیة..

ممّا یستلفت النظر أنّ القرآن یؤکّد على عدم القتال فی بطن مکّة، وهذا التعبیر یمکن أن یکون إشارة إلى لطیفتین:

الأولى: إنّ مکّة کانت مرکزاً لقوّة العدو، وعلى القاعدة کان على أهل مکّة ]المشرکین [أن یغتنموا الفرصة المناسبة فیحملوا على المسلمین فقد کانوا یبحثون عنهم وعن فرصة للقضاء علیهم فإذا هم فی دارهم وفی قبضتهم فما کان ینبغی أن یترکوا هذه الفرصة بهذه البساطة، لکنّ الله سلب عنهم قدرتهم وصرفهم عنهم!

الثانیة: إنّ مکّة کانت حرم الله الآمن، فلو وقع القتال فیها لسالت الدماء فتهتک حرمة الحرم من جانب، وتکون عاراً على المسلمین وعیباً أیضاً، إذ سلبوا أمن هذه الأرض المقدّسة، ولذلک فإنّ من نِعَم الله على نبیّه(صلى الله علیه وآله) وعلى المسلمین أنّه وبعد هذه القضیة بسنتین فتح علیهم مکّة وکان ذلک من دون سفک دم أیضاً.

وفی آخر آیة من الآیات محل البحث إشارة إلى لطیفة اُخرى تتعلّق بمسألة صلح الحدیبیّة وحکمتها إذ تقول الآیة: (هم الّذین کفروا وصدّوکم عن المسجد الحرام والهدی معکوفاً أن یبلغ محلّه)(2).

کان أحد ذنوبهم کفرهم، والذنب الآخر صدّهم إیّاکم عن العُمرة زیارة بیت الله ولم یجیزوا أن تنحروا الهدی فی محله، أی مکّة (الهدی فی العمرة ینحر ]أو یذبح[ فی مکّة وفی الحج بمنى) على حین ینبغی أن یکون بیت الله للجمیع وصدّ المؤمنین عنه من أعظم الکبائر، کما یصرّح القرآن بذلک فی مکان آخر من سورة: (ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن یذکر فیها اسمه)(3).

ومثل هذه الذنوب یستوجب أن یسلّطکم الله علیهم لتعاقبوهم بشدّة! لکنّ الله تعالى لم یفعل ذلک فلماذا؟! ذیل الآیة یبیّن السبب بوضوح إذ یقول: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصیبکم منهم معرّة بغیر علم)(4).

وهذه الآیة تشیر إلى طائفة (من الرجال والنساء) المسلمین الذین اعتنقوا الإسلام فی مکّة ولم یهاجروا إلى المدینة لأسباب خاصة.

فلو قاتل المسلمون أهل مکّة لأوقعوا أرواح هؤلاء المستضعفین فی خطر ولامتدت ألسنة المشرکین بالقول: إنّ جنود الإسلام لم یرحموا لا أعداءهم ومخالفیهم ولا أتباعهم ومؤالفیهم، وهذا عیب وعار کبیر!

وقال بعضهم أیضاً، إنّ المراد من هذا العیب لزوم الکفارة ودیة قتل الخطأ، لکنّ المعنى الأوّل أکثر مناسبةً ظاهراً.

«المعرّة» من مادة «عرّ» على زنة «شرّ» «والعرّ على زنة الحر» فی الأصل معناه مرض الجرب وهو من الأمراض الجلدیة التی تصیب الحیوانات أو الإنسان أحیاناً ثمّ توسّعوا فی المعنى فأطلقوا هذا اللفظ على کلّ ضرر یصیب الإنسان.

ولإکمال الموضوع تضیف الآیة: (لیدخل الله فی رحمته من یشاء).

أجل، کان الله یرید للمستضعفین المؤمنین من أهل مکّة أن تشملهم الرحمة ولا تنالهم أیة صدمة..

کما یرد هذا الاحتمال أیضاً وهو أنّ أحد أهداف صلح الحدیبیّة أنّ من المشرکین من فیه قابلیة الهدایة فیهتدی ببرکة هذا الصلح ویدخل فی رحمة الله.

والتعبیر بـ «من یشاء» یراد منه الذین فیهم اللیاقة والجدارة، لأنّ مشیئة الله تنبع من حکمته دائماً، والحکیم لا یشاء إلاّ بدلیل ولا یعمل عملاً دون دقّة وحساب..

ولمزید التأکید تضیف الآیة الکریمة: (لو تزیّلوا لعذّبنا الّذین کفروا منهم عذاباً ألیم)أی لو افترقت وانفصلت صفوف المؤمنین والکفّار فی مکّة ولم یکن هناک خطر على المؤمنین لعذّبنا الکفّار بأیدیکم عذاباً ألیماً.

صحیح أنّ الله قادر على أن یفصل هذه الجماعة عن الآخرین عن طریق الإعجاز، ولکنّ سنّة الله ـ فی ما عدا الموارد الاستثنائیة ـ أن تکون الاُمور وفقاً للأسباب العادیّة.

جملة «تزیلوا» من مادة زوال، وهنا معناها الإنفصال والتفرّق.

ویستفاد من روایات متعدّدة منقولة عن طرق الشیعة والسنّة حول ذیل هذه الآیة أنّ المراد منها أفراد مؤمنون کانوا فی أصلاب الکافرین والله سبحانه لأجل هؤلاء لم یعذّب الکافرین..

ومن جملة هذه الروایات نقرأ فی الروایة أنّه سأل رجلٌ الإمام الصادق (علیه السلام): ألم یکن علی(علیه السلام) قویاً فی دین الله؟ قال(علیه السلام): بلى. فقال: فعلام إذ سُلّط على قوم (فی الجمل) لم یفتک بهم فما کان منعه من ذلک؟!

فقال الإمام: آیة فی القرآن!

فقال الرجل: وأیة آیة؟!

فقال الصادق(علیه السلام) قوله تعالى: (لو تزیّلوا لعذّبنا الّذین کفروا منهم عذاباً ألیم).. ثمّ أضاف(علیه السلام): أنّه کان لله عزَّ وجلَّ ودائع مؤمنون فی أصلاب قوم کافرین ومنافقین، ولم یکن علی لیقتل الآباء حتى تخرج الودائع.. وکذلک قائمنا أهل البیت لن یظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عزَّ وجلّ(5).

أی أن اللّه سبحانه یعلم أنّ جماعة سیولدون منهم فی ما بعد وسیؤمنون عن إختیارهم وإرادتهم ولأجلهم لم یعذب اللّه أباءهم وقد أورد هذا القرطبی فی تفسیره بعبارة اُخرى.

ولا یمنع أن تکون الآیة مشیرة إلى المؤمنین المختلطین بالکفّار فی مکّة وإلى المؤمنین الذین هم فی أصلاب الکافرین وسیولدون فی ما بعد!...


1. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 123، مع شیء من التصرف کما ذکر هذا الشأن القرطبی بتفاوت یسیر وأبوالفتوح الرازی فی تفسیر روح الجنان والآلوسی فی تفسیر روح المعانی، والشیخ الطوسی فی تفسیر التبیان، والمراغی وأضرابهم.
2. «معکوفاً» مشتق من «العکوف» ومعناها المنع عن الحرکة والبقاء فی المکان.
3. البقرة، 114.
4. جواب «لولا» فی الجملة الآنفة محذوف والتقدیر: (لمّا کفَ أیدیکم عنهم)، أو: (لوطأتم رقاب المشرکین بنصرنا إیّاکم).
5. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 70، ح 59، وروایات اُخر متعددة وردت أیضاً فی هذا المجال!.
سورة الفتح / الآیة 22 ـ 25 سورة الفتح / الآیة 26
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma