علائم الحق فی العالم الکبیر والصغیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
 سورة فصّلت / الآیة 53 ـ 54 أوّلا: التوحید بین دلیل «النظم» ودلیل «الصدّیقین»

الآیتان الختامیتان فی هذه السورة تشیران إلى موضوعین مهمین، وهما بمثابة الخلاصة الأخیرة لبحوث هذه السورة المبارکة.

فالآیة الاُولى تتحدّث عن التوحید (أو القرآن)، والثانیة عن المعاد.

یقول تعالى: (سنریهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم حتّى یتبیّن لهم أنّه الحق).

«آیات الآفاق» تشمل خلق الشمس والقمر والنجوم والنظام الدقیق الذی یحکمها، وخلق أنواع الأحیاء والنباتات والجبال والبحار وما فیها من عجائب وأسرار لا تعد ولا تحصى، وما فی عالم الأحیاء من عجائب لا تنتهی، إنّ کلّ هذه الآیات هی دلیل على التوحید وعلى وجودالله.

أمّا «الآیات النفسیة» مثل خلق أجهزة جسم الإنسان، والنظام المحیّر الذی یتحکّم بالمخ وحرکات القلب المنتظمة والشرایین والعظام والخلایا، وانعقاد النطفة ونمو الجنین فی ظلمات الرحم. ثمّ أسرار الروح العجیبة. إنّ کلّ ذلک هی کتاب مفتوح لمعرفة الإله الخالق العظیم.

صحیح أنّ هذه الآیات قد ذُکرت سابقاً بمقدار کاف من قبل الله تعالى، إلاّ أنّ هذه العملیة والإراءة مستمرة، لأنّ(سنریهم) فعل مضارع یدل على الاستمرار، وإذا عاش الإنسان مئات الآلاف من السنین، فسوف تنکشف لهُ فی کلّ زمان علامات وآیات إلهیّة جدیدة، لأنّ أسرار العالم لا تنتهی.

إنّ کافة کتب وبحوث العلوم الطبیعیة ومایتصل بمعرفة الإنسان فی أبعاده المختلفة (التشریح، فسلجة الأعضاء، علم النفس، والتحلیل النفسی) وکذلک العلوم التی تختص بمعرفة النباتات والحیوانات والهیئة والطبیعة وغیر ذلک، تعتبر فی الواقع کتباً وبحوثاً فی التوحید ومعرفة الخالق (جلّ وعلا) لأنّها عادةً ما ترفع الحجب عن الأسرار العجیبة لتبیّن قدراً من حکمة الخالق العظیم، وقدرته الأزلیة، وعلمه الذی أحاط بکل شیء.

أحیاناً یستحوذ علم واحد من هذه العلوم، بل فرع من فروعه المتعدّدة على اهتمام عالم من العلماء فیصرف عمرهُ فی سبیله، وفی النهایة یقرّر قائلا: مع الأسف لا زلت لا أعرف شیئاً عن هذا الموضوع، وما علمتهُ لحدّ الآن تجعلنی أغوص أکثر فی أعماق جهلی.

نعود الآن إلى الآیة التی تنتهی بجملة ذات مغزى حیث یقول تعالى: (أولم یکف بربّک أنّه على کلّ شیء شهید)(1).

وهل هناک شهادة أفضل وأعظم من هذه التی کتبت بخط القدرة التکوینیة على ناصیة جمیع الکائنات، على أوراق الشجر، فی الأوراد والزهور، وبین طبقات المخ العجیبة، وعلى الأغشیة الرقیقة للعین، وفی آفاق السماء وبواطن الأرض، وفی کلّ شیء من الوجود تجد أثراً یدل على الخالق، وشهادة تکوینیة على وحدانیته وقدرته وحکمته وعلمه (سبحانه وتعالى).

إنّ ما قلناه أعلاه هو أحد التّفسیرین المعروفین للآیة، اذ بناءاً على هذا التّفسیر فإنّ الآیة تتحدّث عن قضیة التوحید، وتجلّی آیات الحق فی الآفاق والأنفس.

أمّا التّفسیر الثّانی فیذهب إلى قضیة إعجاز القرآن، وخلاصته أنّ الله یرید أن یقول: لقد عرضنا معجزاتنا ودلائلنا المختلفة لا فی جزیرة العرب وحسب، وإنّما فی نواحی العالم المختلفة، وفی هؤلاء المشرکین أنفسهم، حتى یعلموا بأنّ هذا القرآن على حق.

فمن آیات الآفاق ما تمثَّل بانتصار الإسلام فی میادین الحرب المختلفة، وفی میدان المواجهة الفکریة والمنطقیة، ثمّ إنتصاره فی المناطق التی فتحها وحکم فیها على أفکار الناس.

ثم إنّ نفس المجموعة من المسلمین التی کانت فی مکّة، کیف یسَّر الله لها أمرها بالهجرة، ثمّ انطلقت إلى بقاع الدنیا، لتدین لدینها الشعوب فی مناطق واسعة من العالم ورفع رایة الإسلام.

ومن آیات الأنفس ما تمثل فی إنتصار المسلمین على مشرکی مکّة فی معرکة بدر، وفی یوم فتح مکّة، ونفوذ نور الإسلام إلى قلوب العدید منهم.

إنّ هذه الآیات الآفاقیة والأنفسیة أثبتت أنّ القرآن على حق.

وهکذا فإنّ الخالق العظیم الذی یشهد على کلّ شیء، شهد أیضاً على حقانیة القرآن عن هذا الطریق.

وبالرغم من أنّ لکل واحد من هذین التّفسیرین قرائن وأدلة ترجّحهُ، إلاّ أنّ التأمل فی نهایة الآیة والآیة التی تلیها یکشف عن رجاحة التّفسیر الأوّل(2).

وثمّة أقوال اُخرى فی تفسیر الآیة ترکناها لعدم جدواها.

الآیة الأخیرة فی السورة تشیر إلى الأساس والسبب فی شقاء هذه المجموعة المشرکة الفاسدة، إذ یقول تعالى عنهم: (ألا إنّهم فی مریة من لقاء ربّهم).

ولأنّهم لا یؤمنون بیوم الحساب والجزاء، فهم یقومون بأنواع الجرائم والمعاصی مهما کانت، ومهما بلغت. إنّ حجب الغفلة والغرور تهیمن على هؤلاء فتنسیهم لقاء الله، ممّا یؤدّی بهم إلى السقوط عن مصاف الإنسانیة.

ولکنّهم یجب أن یعلموا: (ألا إنّهُ بکلّ شیء محیط).

إنّ جمیع أعمالهم ونوایاهم حاضرة فی علم الله، وکل ذلک یسجّل لمحکمة القیامة والحشر.

«مریة» على وزن «جزیة» و«قریة» تعنی التردُّد فی اتخاذ القرار، والبعض اعتبرها بمعنى الشک والشبهة العظیمة، والکلمة مأخوذة فی الأصل من «مریت الناقة» بمعنى عصر ثدی الناقة بعد حَلبها أملا بوجود بقایا الحلیب فیه، ولأنّ هذا العمل یقترن مع الشک والتردُّد، فقد وردت هذه الکلمة بهذا المعنى.

وعندما نسمع إطلاق کلمة «المراء» على «المجادلة» فذلک لما یحاوله الإنسان من إخراج ما فی ذهن الطرف الآخر.

والآیة ـ فی هذا الجزء منها ـ رد على شبهات الکفار بخصوص المعاد، فهؤلاء یقولون: کیف یمکن لهذا التراب المتناثر المختلط مع بعضه البعض أن ینفصل؟ ومن یستطیع أن یجمع أجزاء الإنسان؟ والأکثر من ذلک: من الذی یحیط بنیات الناس وأعمالهم على مدى تاریخ البشریة؟

القرآن یجیب على کلّ ذلک بالقول: کیف یُمکن للخالق المحیط بکل شیء أنْ لا تکون هذه الاُمور طوع قدرته وواضحة بالنسبة له؟

ثم إنّ دلیل إحاطة علمه بکل شیء، هو تدبیره لکل هذه الاُمور، فکیف یجوز لهُ أن لا یعلم باُمور ما خلقَ ودبّر؟

بعض المفسّرین اعتبر أنّ الآیة تختص بالتوحید ولیسَ بالمعاد، حیث یقول العلامة الطباطبائی فی ذلک: «الذی یفیده السیاق أنّ فی الآیة تنبیهاً على أنّهم لا ینتفعون بالإحتجاج على وحدانیته تعالى بکونه شهیداً على کلّ شیء، وهو أقوى براهین التوحید وأوضحها لمن تعقل، لأنّهم فی مریة وشک من لقاء ربّهم، وهو تعالى غیر محجوب بصفاته وأفعاله عن شیء من خلقه»(3).

ولکن هذا التّفسیر مُستبعد نظراً لأنّ تعبیر «لقاء الله» عادةً ما یأتی للکنایة على یوم القیامة.


1. ذهب الکثیر من المفسّرین إلى أنّ «الباء» زائدة و«ربک» تقوم مقام الفاعل. وجملة (أنّه على کلّ شیء شهید) «بدل» ذلک، والمعنى یکون هکذا: «أولم یکفهم أنّ ربّک على کلّ شیء شهید».
2. التّفسیر الأوّل لهُ أربعة مرجحات هی:
أوّلا: إنّ أکثر ما تؤکّد علیه الآیات هو قضیة التوحید وأدلته.
ثانیاً: إنّ تعبیری «آفاق وأنفس» أکثر تناسباً مع آیات التوحید.
ثالثاً: تشیر نهایة الآیة فی قوله تعالى: (أولم یکف بربّک أنّه على کلّ شیء شهید) إلى قضیة التوحید، وشهادة الله التکوینیة على حقانیة ذاته المنزَّهة.
رابعاً: الآیة التی تلیها تتحدّث عن المعاد، ونحن نعرف أنّ المبدأ والمعاد غالباً ما یقترن أحدهما بالآخر.
أمّا التّفسیر الأوّل فلهُ ثلاثة مرجحات هی:
أوّلا: إنّ ضمیر «إنّه» مفرد للغائب، فی حین أنّ ضمیر «آیاتنا» مُتکلّم مع الغیر، وهذه إشارة إلى أنّ کلّ ضمیر من الضمیرین یختص بمتابعة موضوع خاص.
ثانیاً: إنّ الآیة السابقة کانت حول القرآن بالخصوص.
ثالثاً: إنّ جملة «سنریهم» التی هی فعل مضارع للإستمرار، تفید هذا المعنى بالذات; أی إنّ الآیات المذکورة سنعرضها فیمابعد.
3. تفسیر المیزان. ج 17، ص 405.
 سورة فصّلت / الآیة 53 ـ 54 أوّلا: التوحید بین دلیل «النظم» ودلیل «الصدّیقین»
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma