التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة فصّلت / الآیة 49 ـ 52 بحث

فی نفس الاتجاه الذی تحدّثت فیه الآیات السابقة، نلتقی مع مضمون المجموعة الجدیدة من الآیات التی بین أیدینا، والتی تواصل حدیثها عن صور اُخرى حیّة وناطقة من حیاة اُناس من عدیمی الإیمان وضعافه، الذین یحملون أفکاراً غیر ناضجة ومواقف مهزوزة ولا یمتلکون القدرة على تحمّل الصعاب.

یقول تعالى: (لا یسأم الإنسان من دعاء الخیر).

فلیس لحرص الإنسان من نهایة، فکلّما یحصل على شیء یطالب بالمزید، ومهما یعطى لا یکتفی بذلک.

ولکنّه: (وإنّ مسّهُ الشّرّ فیؤوس قنوط).

والمقصود بالإنسان هنا الإنسان غیر المتربی بعدُ باُصول التربیة الإسلامیة، والذی لم یتنور قلبهُ بالمعرفة الإلهیّة والإیمان بالله، ولم یحسّ بالمسؤولیة بشکل کامل، إنّها کنایة عن الناس المتقوقعین فی عالم المادة بسبب الفلسفات الخاطئة، فهم لا یملکون الروح العالیة التی تؤهّلهم للصبر والثبات، وتجاوز الحدود المادیة إلى ما وراءها من القیم العظیمة.

هؤلاء یفرحون إذا أقبلت الدنیا علیهم، وییأسون ویحزنون إذا ما أدبرت عنهم، ولا یملکون ملجأً یلجأون إلیه، ولا یدخل نور الأمل والهدایة إلى قلوبهم.

وینبغی أن نشیر أیضاً إلى أنّ «دعاء» تأتی أحیاناً بمعنى المناداة، وأحیاناً بمعنى الطلب، وفی الآیة التی نبحثها جاءت بالمعنى الثّانی.

لذا فقوله تعالى: (لا یسأم الإنسان من دعاء الخیر) یعنی لا یمل ولا یتعب الإنسان أبداً من طلب الخیر والجمیل.

وثمّة بیّن المفسّرین اختلاف فی الرأی حول «یؤوس» و«قنوط» فیما إذا کانا بمعنى واحد أم لا؟

یرى البعض أنّهما بمعنى واحد، والتکرار للتأکید(1).

وقال البعض الآخر: «یؤوس» من«یئس» بمعنى الیأس فی القلب، أمّا «قنوط» فتعنی إظهار الیأس على الوجه وفی العمل(2).

أمّا «الطبرسی» فقد قال فی مجمع البیان: إنّ الأوّل هو الیأس من الخیر، بینما الثّانی هو الیأس من الرحمة(3).

ولکن الذی نستفیده من الاستخدام القرآنی أنّ الاثنین یستخدمان تقریباً للدلالة على معنى واحد، فنقرأ فی قصة یوسف ـ مثلا ـ أنّ یعقوب(علیه السلام) حذّر أبناءه من الیأس من رحمة الله، فی حین کانت قلوبهم یائسة من العثور على یوسف، وکانوا أیضاً یظهرون علامات الیأس.(4)

وفی حالة إبراهیم(علیه السلام) نرى أنّهُ عجب من البشارة التی زفتها إلیه الملائکة بالولد، لکن الملائکة قالت له: (بشّرناک بالحقّ فلا تکن من القانطین)(5).

الآیة التالیة تشیر إلى صفة اُخرى من صفات الإنسان الجاهل البعید عن العلم والإیمان متمثلة بالغرور: (ولئن اذقناه رحمةً منّا من بعد ضرّاء مسته لیقولنّ هذا لی)(6) أی إنّنی مستحق ولائق لمثل هذه المواهب والمقام.

إنّ الإنسان المغرور ینسى أنّ البلاء کان من الممکن أن یشمله عوضاً عن النعمة، تماماً کما قال قارون: (قال إنّما أوتیته على علم عندی)(7).

تضیف الآیة بعد ذلک أنّ هذا الغرور یقود الإنسان فی النهایة إلى إنکار الآخرة حیث یقول: (وما أظّن السّاعة قائمة). ولنفرض أنّ هناک قیامة فإنّ حالی سیکون أحسن من هذا: (ولئن رجعت إلى ربّی انّ لی عندهُ للحسنى).

إنّ هذه الحالة تشابه ما استمعنا إلیه فی سورة الکهف من قصة الرجلین الذین کان أحدهما غنیاً مغروراً، والثّانی عارفاً مؤمناً،حیث حکت الآیة على لسان الثری المغرور قوله: (ما أظن أن تبید هذه أبداً * وما أظنّ السّاعة قائمة ولئن رددتّ إلى ربّی لأجدنّ خیراً منها منقلب)(8).

لکنّ الله یحذّر أمثال هؤلاء بقوله تعالى: (فلننبئنّ الذین کفروا بما عملوا ولنذیقنهم من عذاب غلیظ).

«العذاب الغلیظ» هو العذاب الشدید المتراکم.

نفس هذا المعنى لاحظناه فی مکان آخر من القرآن، فی قوله تعالى فی الآیة 10 من سورة هود: (ولئن اذقناه نعماء بعد ضرّاء مسّته لیقولنّ ذهب السّیّئات عنّی إنّه لفرح فخور).

الآیة التی بعدها تذکر حالة ثالثة لمثل هؤلاء، هی حالة النسیان عند النعمة والفزع والجزع عند المصیبة.

یقول تعالى: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونا بجانبه) أمّا: (وإذا مسّه الشّرّ فذو دعاء عریض).

«نآ» من «نأی» على وزن «رأی» وتعنی الابتعاد، وعندما تقترن مع کلمة «بجانبه» فتکون کنایة عن التکبّر والغرور، لأنّ المتکبرین ینأون بوجوههم دون اهتمام ویبتعدون.

«العریض» مقابل الطویل، ویستخدم العرب هاتین الکلمتین للدلالة على الزیادة والکثرة.

وفی الایة 12 من سورة یونس نرى معانی شبیهة لما نحنُ بصدده، حیث یقول تعالى: (وإذا مسَّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلمّا کشفنا عنهُ ضرّه مرّ کأن لم یدعنا إلى ضرّ مسّه کذلک زیّن للمسرفین ما کانوا یعملون).

إنّ الإنسان الذی یفتقد الإیمان والتقوى یکون عرضة لمثل هذه الحالات، فهو مع إقبال النعم مغرور ناس لله، وإذا أدبرت عنهُ فقنوط یائس کثیر الجزع.

وفی الجانب المقابل نرى أنّ رجال الحق وأتباع الأنبیاء والرسل لا یتغیّرون إذا أقبلت علیهم النعم، ولا یهنون أو ییأسون أو یجزعون عند إدبارها، إنّهم مصداق قوله تعالى: (رجالٌ لا تلهیهم تجارة ولا بیع عن ذکر الله) فأرباح التجارة لا تنسیهم ربّهم، إنّهم عارفون حق المعرفة بفلسفة النعمة والبلاء فی هذه الدنیا، یعلمون أنّ الابتلاءات ناقوس خطر لهم، بینما النعم اختبار وامتحان إلهی لهم.

ومن الابتلاء ما یکون أحیاناً عقوبةً للغفلة والنسیان، وتکون النعم لإثارة دوافع الشکر لدى العباد.

ویلفت النظر هنا طرافة الاستخدام القرآنی لکلمتی «أذقنا» و«مسه» والتی تعنی أنّهم مع قلیل جدّاً من إقبال الدنیا علیهم یتغیّرون وینسون ویصابون بالغرور، وهؤلاء مع «مسّة» قلیلة من ضرر أو بلاء یصابون بالیأس والقنوط.

من هنا نقف على قیمة سعة الروح، وتدفق النفس بالإیمان، واتساع آفاق الفکر، وانشراح الصدر، وإستعداد الإنسان لمواجهة المشاکل والصعاب، وتحدی المزالق والأهواء، التی تعتبر جمیعاً من ثمار الإیمان والتقى.

یقول شهید المحراب الإمام أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) فی أحد أدعیته التی تعتبر درساً لأصحابه: «نسأل الله سبحانهُ أن یجعلنا وإیّاکم ممن لا تبطره نعمة،  ولا تقصر به عن طاعة ربِّه غایة، ولا تحل به بعد الموت ندامةً وکئابة»(9).

الآیة الأخیرة تتضمّن الخطاب الأخیر لهؤلاء، وتبیّن لهم ـ بوضوح ـ الأصل العقلی المعروف بدفع الضرر المحتمل، حیث تخاطب النّبی(صلى الله علیه وآله) فتقول: (قل أرأیتم إن کانَ من عندَ الله ثمّ کفرتم به من أضلّ ممّن هو فی شقاق بعید)(10).

ومن الواضح أنّ هذا الکلام إنّما یقال للأشخاص الذین لا ینفع معهم أیّ دلیل منطقی لشدّة عنادهم وتعصّبهم. فالآیة تقول لهؤلاء: إذا کنتم ترفضون حقانیة القرآن والتوحید ووجود عالم ما بعد الموت وتصرّون علیه، فأنتم لا تملکون حتماً دلیلا قاطعاً على هذا الرفض، لذا یبقى ثمّة احتمال فی أن تکون دعوة القرآن وقضیة المعاد حقیقة موجودة، عندها علیکم أن تتصوروا المصیر الأسود الموحش الذی ینتظرکم لعنادکم وضلالکم ومعارضتکم الشدیدة إزاء الدین الإلهی.

إنّه نفس الاُسلوب الذی نقرأ عنهُ فی محاججة أئمّة المسلمین لأمثال هؤلاء الأفراد، کما نرى ذلک واضحاً فی الحادثة التی ینقلها العلاّمة الکلینی فی «الکافی» حیث یذکر فیه الحوار الذی دار بین الإمام الصادق(علیه السلام) وابن أبی العوجاء.

فمن المعروف أنّ «عبد الکریم بن أبی العوجاء» کان من ملاحدة عصره ودهرییه، وقد حضر الموسم (الحج) أکثر من مرّة والتقى مع الإمام الصادق فی مجالس حوار، انتهت إلى رجوع بعض أصحابه عنهُ إلى الإسلام، ولکنّ ابن أبی العوجاء لم یسلم، وقد صرّح الإمام(علیه السلام) بأنّ سبب ذلک هو إنّه أعمى ولذلک  لا یسلم.

والحادثة موضع الشاهد هنا، هی أنّ الإمام بضُر بابن أبی العوجاء فی الموسم فقال له: ما جاء بک إلى هذا الموضع؟

فاجاب ابن أبی العوجاء: عادة الجسد، وسنة البلد، ولننظر ما الناس فیه من الجنون والحلق ورمی الحجارة!

فقال لهُ الإمام: أنت بعد على عتوک وضلالک یا عبد الکریم(11).

وعندما أراد أن یبدأ بالمناقشة والجدال قال له الإمام(علیه السلام): لا جدال فی الحج. ثم قال لهُ: إن یکن الأمر کما تقول، ولیس کما تقول، نجونا ونجوت. وإن یکن الأمر کما نقول، وهو کما نقول نجونا وهلکت.

فأقبل عبد الکریم على من معه وقال: وجدت فی قلبی حزازة (ألم) فردّونی،فردّوه فمات(12).


1. تفسیر المیزان، ج 17، ص 402، ذیل الآیات مورد البحث.
2. التّفسیر الکبیر، ج 27، ص 137، وتفسیر روح المعانی، ج 25، ص 4.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 18.
4. یوسف، 87 فما فوق.
5. الحجر، 55.
6. ذهب بعض المفسّرین للقول بأنّ جملة «هذا لی» تعنی أنّ هذه النعمة ستبقى دائمأ لی، أی إنّها فی الحقیقة توضّح دوام ذلک، إلاّ أنّ التّفسیر الذی عرضناه أعلاه أنسب بالرغم من إمکان الجمع بین الإثنین، أی إنّهم یعتبرون أنفسهم مستحقین للنعم، ویتصوّرونها دائمة لهم أیضاً.
7. القصص، 78.
8. الکهف، 35 ـ 36.
9. نهج البلاغة، الخطبة 64.
10. «أرأیتم» تأتی عادةً بمعنى «أخبرونی» وتفسّر بنفس المعنى.
11. ینادیه الإمام بهذا الاسم، وهو اسمه الحقیقی مع کونه منکراً لله لکی یشعره مهانة ما هو علیه وهذا اسمه.
12. أصول الکافی، ج 1، ص 77 و78، (کتاب التوحید باب حدوث العالم).
سورة فصّلت / الآیة 49 ـ 52 بحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma