ادفع السیئة بالحسنة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة فصّلت / الآیة 33 ـ 36 أوّلا: برنامج الدعاء إلى الله

مازالت هذه المجموعة من الآیات الکریمة تتحدّث عن الصورة الاُخرى; عن المؤمنین الذین یتبعون أحسن القول.

یقول تعالى: (ومن أحسن قولا ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنّنی من المسلمین).

وبالرغم من أنّ الآیة استفهامیة، إلاّ أنّ الاستفهام هنا إنکاری، بمعنى أنّه لیس هناک أفضل من کلام الشخص الذی یدعو إلى الله وینادی بالتوحید، ثمّ یؤکّد دعوته اللفظیة هذه ویقرنها بالفعل والعمل الصالح.

إنّ اعتقاد هؤلاء بالإسلام وتسلیمهم للباری جلّ وعلا، یدعم عملهم الصالح.

إنّ الآیة الکریمة هذه ترسم ثلاث صفات لذی القول الحسن هی: الدعوة إلى الله، والعمل الصالح، والتسلیم حیال الحق.

إنّ أمثال هؤلاء فضلا عن تمسکهم بالأرکان الإیمانیة الثلاثة (الإقرار باللسان، والعمل بالأرکان، والإیمان بالقلب) فإنّهم تمسکوا برکن رابع هو التبلیغ والدعوة ونشر دین الحق، وإقامة الدلیل على اُصول الدین، ودفع آثار الشرک والتردد من قلوب عباد الله.

إنّ هؤلاء المنادین، بصفاتهم الأربع، یعتبرون أفضل المنادین والدعاة فی العالم.

وبرغم ما ذهب إلیه بعض المفسّرین من قولهم بانطباق الصفات السابقة على شخص رسول الله(صلى الله علیه وآله) أو هو والأئمّة الذین یدعون إلى الحق، أو المؤذّنین خاصة، لکن من الواضح أنّ للآیة مفهوماً أوسع بحیث یشمل کلّ المنادین بالتوحید ممّن تشملهم الصفات المذکورة، بالرغم من أنّ أفضل مصداق لذلک هو الرسول(صلى الله علیه وآله) ]خاصّة فی فترة نزول الآیة[ ثمّ یأتی بعد ذلک الأئمّة من أهل البیت(علیهم السلام)، وبعدهم جمیع العلماء والمجاهدین فی طریق الحق، والآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر، والداعین للإسلام من أىّ طائفة کانوا.

إنّ هذه الآیة فخر عظیم وعزّ کبیر لکل اُولئک المؤمنین والمجاهدین، کی تتقوى عزائمهم ویربط على قلوبهم.

وإذا قیل بأنّ الآیة مدح لبلال الحبشی المؤذّن الخاص لرسول الله(صلى الله علیه وآله) فذلک بسبب أنّه أطلق نداء التوحید فی فترة من أحلک الفترات وأوحشها فی تاریخ الدعوة الإسلامیة، وعرّض روحه للخطر.

ثم کمّل هذه الأوصاف بإیمانه الراسخ، واستقامته التی لا نظیر لها، وأعماله الصالحة، والاستمرار على نهج الإسلام الصحیح.

أمّا قوله تعالى: (وقال إنّنی من المسلمین) فللمفسّرین فیه قولان:

الأوّل: أنّ (قال) هنا من (قول) وتعنی الاعتقاد، ویکون المعنى: الذی عنده الاعتقاد الراسخ بالإسلام.

الثّانی: أنّ (قول) بمعنى الحدیث والتحدّث، وحین ذلک یکون المعنى: الذی یفتخر ویتباهى بالدین الإلهی، وینادی بصوت مرتفع إنّنی من المسلمین.

المعنى الأوّل یبدو أکثر قبولا بالرغم من أنّ مفهوم الآیة یتحمل المعنیین.

بعد بیان الدعوة إلى الله وأوصاف الدعاة إلى اللّه، شرحت الآیات اُسلوب الدعوة وطریقتها، فقال تعالى: (ولا تستوی الحسنة ولا السّیّئة)(1).

فی الوقت الذی لا یملک فیه أعداؤکم سوى سلاح الإفتراء والإستهزاء والسخریة والکلام البذیء وأنواع الضغوط والظلم; یجب أن یکون سلاحکم ـ أنتم الدعاةـ التقوى والطهر وقول الحق واللین والرفق والمحبّة.

إنّ المذهب الحق یستفید من هذه الوسائل، بعکس المذاهب المصطنعة الباطلة.

وبالرغم من أنّ (الحسنة) و(السیئة) تنطویان على مفهومین واسعین، إذ تشمل الحسنة کلّ إحسان وجمیل وخیر وبرکة، والسیئة تشمل کلّ انحراف وقبح وعذاب، إلاّ أنّ الآیة تقصد ذلک الجانب المحدّد من السیئة والحسنة، الذی یختص بأسالیب الدعوة.

لکن بعض المفسّرین فسّر الحسنة بمعنى الإسلام والتوحید، والسیئة بمعنى الشرک والکفر.

وقال البعض: (الحسنة) هی الأعمال الصالحة. و(السیئة) الأعمال القبیحة.

وهناک من قال: إنّ (الحسنة) هی الصفات الإنسانیة النبیلة، کالصبر والحلم والمداراة والعفو، بینما السیئة بمعنى الغضب والجهل والخشونة.

ولکن التّفسیر الأوّل هو الأفضل حسب الظاهر.

فی حدیث عن الإمام الصادق أنّه(علیه السلام) قال فی تفسیر الآیة أعلاه:«الحسنة التقیة، السیئة الإذاعة»(2). وطبعاً فإنّ هذا الحدیث الشریف ناظر إلى الموارد التی تکون فیها الاذاعة سبباً فی اتلاف الطاقات والکوادر الجیّدة وافشاء الخطط للأعداء.

ثم تضیف الآیة: (ادفع بالّتی هی أحسن).

إدفع الباطل بالحق، والجهل والخشونة بالحلم والمداراة، وقابل الإساءة بالإحسان، فلا ترد الإساءة بالإساءة، والقبح بالقبح، لأنّ هذا اُسلوب من همّه الانتقام، ثمّ إنّ هذا الاُسلوب یقود إلى عناد المنحرفین أکثر.

وتشیرالآیة فی نهایتها إلى فلسفة وعمق هذا البرنامج فی تعبیر قصیر، فتقول: إنّ هذا التعامل سیقود إلى: (فإذا الّذی بینک وبینه عداوة کأنّه ولىّ حمیم).

إنّ ما یبیّنه القرآن هنا، مضافاً إلى ما یشبهه فی الآیة 96 من سورة المؤمنون فی قوله تعالى: (ادفع بالّتی هی أحسن السّیّئة) یعتبر من أهم وأبرز أسالیب الدعوة، خصوصاً حیال الأعداء والجهلاء والمعاندین. ویؤیّد ذلک آخر ما توصّلت إلیه البحوث والدراسات فی علم النفس.

لأنّ کلّ من یقوم بالسیئة ینتظر الرد بالمثل، خاصّة الأشخاص الذین هم من هذا النمط;

وأحیاناً یکون جواب السیئة الواحدة عدّة سیئات. أمّا عندما یرى المسیء أنّ من أساء إلیه لا یرد السیئة بالسیئة وحسب، وإنّما یقابلها بالحسنة، عندها سیحدث التغییر فی وجوده، وسیؤثّر ذلک على ضمیره بشدّة فیوقظه، وستحدث ثورة فی أعماقه، وسیخجل ویحس بالحقارة وینظر بعین التقدیر والإکبار إلى من أساء إلیه.

وهنا ستزول الأحقاد والعداوات من الداخل وتترک مکانها للحبّ والمودّة.

ومن الضروری أن نشیر هنا إلى أنّ هذا الأمر لا یمثّل قانوناً دائماً، وإنّما هو صفة غالبة، لأنّ هناک أقلیة تحاول أن تسیء الاستفادة من هذا الاُسلوب، فما لم ینزل بها ما تستحق من عقاب فإنّها لا تترک أعمالها الخاطئة.

ولکن فی نفس الوقت الذی نستخدم العقوبة والشدّة ضدّ هذه الأقلیة، علینا أن لا نغفل عن أنّ القانون الحاکم على الأکثریة هو قانون: «ادفع السیئة بالحسنة».

لذلک رأینا أنّ رسول الإسلام(صلى الله علیه وآله) والقادة من أئمة أهل البیت(علیهم السلام) کانوا یستفیدون دائماً من هذا الاُسلوب القرآنی العظیم، ففی فتح مکّة مثلا کان الأعداء ـ وحتى الأصدقاءـ ینتظرون أن تسفک الدماء وتؤخذ الثارات من الکفار والمشرکین والمنافقین الذین أذاقوا المؤمنین ألوان الأذى والعذاب فی مکّة وخارجها، من هنا رفع بعض قادة الفتح شعار «الیوم یوم الملحمة، الیوم تسبى الحرمة، الیوم أذلّ الله قریشاً» لکن ماکان من رسول الله(صلى الله علیه وآله) ـ وتنفیذاً لأخلاقیة «ادفع السیئة بالحسنة» ـ إلاّ أن عفا عن الجمیع وأطلق کلمته المشهورة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». ثمّ أمر(صلى الله علیه وآله) أن یستبدل الشعار الإنتقامی بشعار آخر یفیض إحساناً وکرماً هو: «الیوم یوم المرحمة، الیوم أعزّ الله قریشاً»(3).

لقد أحدث هذا الموقف النبوی الکریم عاصفة فی أرض مشرکی مکّة حتى أنّه على حدّ وصف کتاب الله تعالى بدأوا: (یدخلون فی دین الله أفواج)(4).

لکن برغم ذلک، نرى أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) استثنى بعض الأشخاص من العفو العام هذا، کما نقله أصحاب السیرة، لأنّهم کانوا خطرین ولم یستحقوا العفو النبوی الکریم الذی عبّر فیه رسول الله(صلى الله علیه وآله) عن خلق الإسلام ومنطق النّبیین حینما قال: «لا أقول لکم إلاّ کما قال یوسف لإخوته: لا تثریب علیکم الیوم یغفر الله لکم وهو أرحم الراحمین»(5).

«ولی» هنا بمعنى الصدیق. و(حمیم) تعنی فی الأصل الماء الحار المغلی، وإذا قیل لعرق جسم الإنسان (حمیم) فذلک لحرارته، ولهذا السبب یطلق اسم «الحمّام»على أماکن الغسل، ویقال أیضاً للأصدقاء المخلصین والمحبین للشخص «حمیم» والآیة تقصد هذا المعنى.

وضروری أن نشیر إلى أنّ قوله تعالى: (کأنّه ولی حمیم) حتى وإن لم تکن تعنی أنّ الشخص لم یکن کذلک حقاً، إلاّ أنّ ظاهره سیکون کذلک على الأقل.

إنّ هذا الاُسلوب من التعامل مع المعارضین والأعداء لیس بالأمر العادی السهل، والوصول إلیه یحتاج إلى بناء أخلاقی عمیق، لذلک فإنّ الآیة التی بعدها تبیّن الاُسس الأخلاقیة لمثل هذا التعامل فی تعبیر قصیر ینطوی على معانی کبیرة، حیث یقول تعالى: (وما یلقّاها إلاّ الّذین صبرو)(6).

و کذلک: (وما یلقاها إلا ذو حظ عظیم).

على الإنسان أن یجاهد نفسه مدّة طویلة حتى یستطیع أن یسیطر على غضبه، یجب أن تکون روحه قویة فی ظلّ الإیمان والتقوى حتى لا یستطیع أن یتأثّر بسرعة وبسهولة بإیذاء الأعداء، ولا یطغى عنده حب الإنتقام، فتلزمه الروح الواسعة وانشراح الصدر بالمقدار الکافی، حتى یصل الإنسان إلى هذه المرحلة من الکمال بحیث یقابل السیئات بالإحسان، وعلیه أن یتجاوز مرحلة العفو لیصل إلى منزلة «دفع السیئة بالحسنة» وأن یحتسب کلّ ذلک فی سبیل الله تعالى بغیة تحقیق الأهداف المقدّسة.

وهنا أیضاً ـ کما تلاحظون ـ تواجهنا قضیة «الصبر» بوصف هذه الخصلة الأساس المتین لکل الملکات الأخلاقیة الفاضلة، وهی شرط فی التقدّم المعنوی والمادی(7).

إنّ هناک ـ بلا شک ـ موانع تحول دون الوصول إلى هذا الهدف العظیم، وإنّ وساوس الشیطان تمنع الإنسان من تحقیق ذلک بوسائل مختلفة، لذلک نرى الآیة الأخیرة تخاطب الرّسول(صلى الله علیه وآله) بوصفه الاُسوة والقدوة فتقول له: (وإمّا ینزغنّک من الشّیطان نزغ فاستعذ بالله إنّه هو السّمیع العلیم)(8).

«نزغ» تعنی الدخول فی عمل ما لإفساده، ولهذا السبب یطلق على الوساوس الشیطانیة «نزغ» وهذا التحذیر بسبب ما یراود ذهن الإنسان من مفاهیم مغلوطة خطرة، إذ یقوم بعض أدعیاء الصلاح بتوجیه النصائح على شاکلة قولهم: لا یمکن إصلاح الناس إلاّ بالقوّة، أو یجب غسل الدم بالدم، أو الترحم على الذئب ظلم للخراف وأمثال ذلک من الوساوس التی تنتهی إلى مقابلة السیئة بالسیئة.

القرآن الکریم یقول: إیّاکم والسقوط فی مهاوی هذه الوساوس، ولا تلجأوا إلى القوّة إلاّ فی موارد معدودة، وعندما یواجهکم أمثال هذا الکلام فاستعینوا بالله واعتمدوا علیه لأنّه یسمع الکلام ویعلم النیّات.

وأخیراً، تتضمّن الآیة الدعوة إلى الاستعاذة بالله فی دائرة واسعة، وما ذکر هو أحد المصادیق لذلک.


1. تکرار «لا» فی (ولا السیئة) هو لتأکید النفی.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 20، ذیل الآیة مورد البحث.
3. بحار الأنوار، ج 21، ص 109.
4. النصر، 2.
5. بحار الأنوار، ج 21، ص 132.
6. یرجع ضمیر (یلقاه) إلى (الخصلة) أو (الوصیة) المستفادة من الجملة السابقة.
7. اعتقد بعض المفسّرین أنّ قوله تعالى: (وما یلقاها إلا ذو حظ عظیم) إشارة إلى الثواب العظیم لمثل هؤلاء الأشخاص العافین الذی ینالهم فی الآخرة، لکن هذا التّفسیر مستبعد بسبب أنّ الآیة ترید أن تبیّن الأساس الأخلاقی لهذا العمل العظیم.
8. «نزغ» فی الآیة الکریمة یمکن أن تکون بنفس معناها المصدری أو أن تکون «اسم فاعل».
سورة فصّلت / الآیة 33 ـ 36 أوّلا: برنامج الدعاء إلى الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma