التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
 سورة فصّلت / الآیة 19 ـ 23 الأوّل: حسن الظن وسوء الظن بالله تعالى

کانت الآیات السابقة تتحدّث عن الجزاء الدنیوی للکفار المغرورین والظالمین والمجرمین. أمّا الآیات التی نبحثها الآن فتتحدّث عن العذاب الاُخروی، وعن مراحل مختلفة من عقاب أعداء الله.

یقول تعالى: (ویوم یحشر أعداء الله إلى النّار).

ولکی تتصل الصفوف ببعضها یتمّ تأخیرالصفوف الاولى(1) حتى تلتحق بها الصفوف الاُخرى: (فهم یوزعون).

وحینذاک: (حتّى إذا ما جاءوها شهد علیهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما کانوا یعملون)(2).

یا لهم من شهود؟ فأعضاء الإنسان تشهد بنفسها علیه ولا یمکن إنکار شهادتها، لأنّها کانت حاضرة فی جمیع المشاهد والمواقف وناظرة لکل الأعمال، وهی إذ تتحدّث فبأمر الله تعالى.

وهنا یثار سؤال: هل تعنی شهادة هذه الأعضاء من جسم الإنسان أنّ الله تبارک وتعالى یخلق فیها قدرة الإحساس والإدراک والشعور، وبالتالی القدرة على الکلام؟

أم أنّ آثار الذنوب سوف تظهر فی ذلک الیوم (یوم البروز) لأنّها مطبوعة علیها طوال عمر الإنسان، کما نقول فی تعبیراتنا الشائعة: إنّ صفحة وجهه تحکی وتخبر ما یخفیه فی سرّه؟

أو أنّ الأمر یکون کما فی حال الشجرة التی أوجد الله تعالى فیها الصوت وأسمعه موسى(علیه السلام)؟

فی الواقع یمکن قبول کلّ هذه التفاسیر، وقد جاءت مبثوثة فی تفاسیر المفسّرین.

طبعاً لا یوجد مانع من أن یقوم تعالى بخلق الإدراک والشعور فی الأعضاء، فتشهد فی محضر الله تعالى عن علم ومعرفة، خصوصاً وأنّ ظاهر الآیات یشیر للوهلة الاُولى إلى هذا المعنى. وهو ما یعتقده البعض فیما یخص تسبیح وحمد وسجود ذرّات العالم وکائنات الوجود بین یدی الله تبارک وتعالى.

والمعنى الثّانی محتمل أیضاً لأنّنا نعلم أنّ أىّ کائن فی هذا العالم لا یفنى من الوجود، وأنّ آثار أقوالنا وأفعالنا سوف تبقى فی أعضائنا وجوارحنا، ومن الطبیعی أن تعتبر «الشهادة التکوینیة» هذه من أوضح الشهادات وأجلاها، إذ  لا مجال لإنکارها، کما فی إصفرار الوجه الذی یعتبر عادةً دلیلا على الخوف، واحمراره دلیل على الغضب أو الخجل.

وإطلاق النطق على هذا المعنى یکون مقبولا أیضاً.

أمّا الإحتمال الأخیر فی أن تنطق الأعضاء بإذن ا لله تعالى دون أن یکون لها شعور بذلک أو یظهر منها أثر تکوینی، فإنّ ذلک بعید ظاهراً، لأنّه فی مثل هذه الحالة لا تعتبر هذه الشهادة مصداقاً للشهادة التشریعیة ولا مصداقاً للشهادة التکوینیة، فلا عقل هناک ولا شعور ولا الأثر الطبیعی للعمل، وسوف تفقد قیمة الشهادة فی المحکمة الإلهیّة الکبرى.

ومن الضروری الانتباه إلى أنّ قوله تعالى: (حتّى إذا ما جاءوه) یبیّن أنّ شهادة أعضاء الإنسان تتمّ فی محکمة النّار، فهل مفهوم ذلک أنّ الشهادة تتمّ فی النّار، فی حین أنّ النّار هی نهایة المطاف، أم أنّ المحکمة تنعقد بالقرب من النّار؟

الاحتمال الثّانی هو الأقرب کما یظهر.

ثمّ ما هو المقصود من (جلود) بصیغة الجمع؟

الظاهر أنّ المقصود بذلک هو جلود الأعضاء المختلفة للجسم، جلد الید والرجل والوجه وغیر ذلک.

أمّا الروایات التی تفسّر ذلک بـ «الفروج» فهی فی الحقیقة من باب بیان المصداق، ولیس حصر مفهوم الجلود فی ذلک.

ومن جانب آخر رُبّ سائل یسأل: لماذا تشهد العین والاُذن والجلود فقط، دون أعضاء الجسم الاُخرى؟ وهل الشهادة مقتصرة على هذه الأعضاء، أو أنّ هناک أعضاء اُخرى تشهد؟

ما نستفیده من الآیات القرآنیة الاُخرى أنّ هناک أعضاء اُخرى فی جسم الإنسان تشهد علیه، إذ نقرأ فی الآیة 65 من سورة «یس» قوله تعالى: (وتکلّمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم بما کانوا یکسبون).

وفی الآیة 24 من سورة «النور» قوله تعالى: (یوم تشهد علیهم ألسنتهم وأیدیهم وأرجلهم).

وهکذا یتضح أنّ هناک أعضاء اُخرى تقوم بالإدلاء بالشهادة، إلاّ أنّ ما تذکره الآیة التی بین أیدینا من أعضاء تعتبر فی الدرجة الاُولى، لأنّ معظم أعمال الإنسان تتم بمساعدة العین والاُذن، وإنّ الجلود هی أوّل من یقوم بملامسة الأعمال.

المجرمون یستغربون هذه الظاهرة، وآیة استغرابهم قوله تعالى: (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علین).

لسان حالهم یقول: لقد کنّا لسنین مدیدة نحافظ علیکم من الحر والبرد ونعتنی بنظافتکم، فلماذا أنتم هکذا؟

وفی الجواب یقولون: (قالوا أنطقنا الله الّذی أنطق کلّ شیء).

لقد أعطانا الله مهمّة القیام بالشهادة على أعمالکم فی هذه المحکمة العظیمة، ولا نملک نحن سوى الطاعة، فالذی أعطى غیرنا من الکائنات قابلیة النطق أعطانا ـ أیضاً ـ هذه القابلیة(3).

والطریف هنا أنّ اُولئک یسألون جلودهم دون باقی الأعضاء من الشهود کالعین والاُذن.

قد یکون السبب فی ذلک أنّ شهادة الجلود هی أغرب وأعجب من جمیع الأعضاء الاُخرى، وأوسع منها جمیعاً، فتلک الجلود التی یجب علیها أن تذوق طعم العذاب الإلهی ـ قبل غیرها من الأعضاء ـ تقوم بمثل هذه الشهادة، وهذا الأمر محیّر حقاً!

ثم تستمر الآیة بقوله تعالى: (وهو خلقکم أوّل مرّة وإلیه ترجعون).

ومرّة اُخرى تضیف: (وما کنتم تستترون أن یشهد علیکم سمعکم  ولا أبصارکم ولا جلودکم).

وإنّ سبب إخفائکم لأعمالکم هو: (ولکن ظننتم أنّ الله لا یعلم کثیراً ممّا تعملون).

کنتم غافلین عن أنّ الله یسمع ویرى، یشهد أعمالکم فی کلّ حال ومکان، ویعلم أسرارکم ما بطن منها وما ظهر، ثمّ هناک عناصر الرقابة التی ترافقکم وهی معکم فی کلّ مکان، فهل تستطیعون إنجاز عمل مخفی عن أعینکم وآذانکم وجلودکم؟

إنّکم فی قبضة القدرة الإلهیّة وتحت نظر الشهود المستترین والظاهرین حتى أدوات ذنبکم تشهد ضدّکم؟!

یروی المفسّرون أنّ الآیة أعلاه نزلت فی ثلاثة نفر من کفار قریش وطائفة من بنی ثقیف ذوی بطون کبیرة ورؤوس صغیرة اجتمعوا بجوار الکعبة وهم یتسارّون، فقال أحدهم: أتظنون أنّ الله یسمع کلامنا وحدیثنا هذا؟

فأجاب آخر: تکلّم بهدوء واخفض صوتک، فإذا تحدّثنا بصوت عال فهو (أی الله جلّ جلاله) یسمعه، وإذا خفضنا أصواتنا فلا یسمعنا.

فقال الثّالث: إذا کان الله یسمع الکلام العالی فهو حتماً یسمع الصوت الضعیف أیضاً.

وهنا نزلت الآیة الکریمة: (وما کنتم تستترون أن...)(4).

ثم یقول تعالى: (وذلکم ظنّکم الّذی ظننتم بربّکم أرداکم فأصبحتم من الخاسرین)(5) (6).

هل أنّ هذا الحدیث هو من قبل الله تعالى، وأنّ کلام الأعضاء والجوارح ینتهی إلى قوله تعالى: (أنطقنا الله الذی أنطق کلّ شیء)، أم أنّ مایلیه استمرار له ؟

المعنى الثّانی یبدو أکثر توافقاً، وعبارات الآیة تتلاءم معه أکثر، بالرغم من أنّ أعضاء الجسم وجوارحه إنّما تتحدّث هنا بأمر الله تعالى وبإرادته، والمعنى فی الحالتین واحد تقریباً.


1. «یوزعون» من «وزع» وهی بمعنى المنع، وعندما تستخدم للجنود أو الصفوف الاُخرى، فإنّ مفهومها یعنی أن یبقى المجموع إلى أن یلتحق بهم آخر نفر.
2. «ما» فی قوله تعالى: (إذا ما جاءوه) زائدة، وهی هنا للتأکید.
3. هذا التّفسیر وارد عندما یکون معنى الآیة: (أنطقنا الله الذی أنطق کلّ شیء ناطق) ولکن یحتمل أن یکون معنى أنطق کل شیء بالمعنى المطلق، بمعنى أنّ الله الذی أنطق جمیع الموجودات، وهو یکشف عن جمیع الأسرار الیوم، هو الذی أنطقنا، فلا تتعجبوا من کلامنا فجمیع کائنات العالم ستنطق فی هذا الیوم.
4. نقل هذه الحادثة (باختلاف) الکثیر من المفسّرین، منهم: القرطبی، الطبرسی، الفخر الرازی، الآلوسی، المراغی، وکذلک نقل الحادثة کلّ من البخاری ومسلم والترمذی، وما أوردناه أعلاه مأخوذ عن القرطبی مع التصرّف. ج 8، ص5795.
5. «ذلکم» مبتدأ و(ظنکم) خبر له. لکن البعض احتمل أنّ (ظنکم) بدل و(أرداکم) خبر (ذلکم).
6. «أرداکم» من «ردى» على وزن «رأى» وتعنی الهلاک.
 سورة فصّلت / الآیة 19 ـ 23 الأوّل: حسن الظن وسوء الظن بالله تعالى
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma