عاقبة المعاندین المغرورین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 69 ـ 76 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 77 ـ 78

مرّةً اُخرى تعود آیات الله البینات للحدیث عن الذین یجادلون فی آیات الله ولا یخضعون إلى منطق الحق ودلائل النبوّة ومضامین دعوات الأنبیاء والرسل، هذه الآیات تتحدّث عن مصیر هؤلاء، فتقول: (ألم تر إلى الّذین یجادلون فی آیات الله أنّى یصرفون).

إنّ هذه المجادلة بالباطل المقترنة مع التعصّب الأعمى جعلتهم یحیدون عن الصراط المستقیم، لأنّ الحقائق لا تظهر أو تبیّن إلاّ فی الروح الباحثة عن الحقیقة ومن ثمّ الإذعان لمنطقها.

إنّ طرح هذه القضیة من قبل رسول الله(صلى الله علیه وآله) بصیغة الإستفهام یؤکّد أنّ من یتمتع بذوق سلیم ومنطق قویم یثیره العجب من إنکار هذه الفئة لکل هذه الآیات البینات والدلائل والمعجزات.

ثم تنتقل الآیات إلى بیان أمرهم عندما تقول: (الّذین کذّبوا بالکتاب وبما أرسلنا به رسلن).

من الضروری أن نشیر أوّلا إلى أنّ السورة التی بین أیدینا تحدّثت أکثر من مرّة عن (الّذین یجادلون فی آیات الله) جاء ذلک فی الآیتین 35 و56 وهذه الآیة، ونستفید من القرائن أنّ المقصود بـ «آیات الله» هی دلائل النبوّة وعلائمها على الأکثر، بالإضافة إلى ما تحویه الکتب السماویة، وطالما تتضمّن الکتب السماویة آیات التوحید، والمسائل الخاصة بالمبدأ والمعاد، لذا فإنّ هذه القضایا مشمولة بجدال القوم وخصومتهم للحق.

وهل یستهدف التکرار تأکید هذا الموضوع، أم أنّ کلّ آیة تختص بطرح موضوع یختلف عن اُختها؟

الإحتمال الثّانی أقرب الى المراد. إذ یلاحظ أنّ لکل آیة موضوع خاص.

فالآیة 56 تتحدّث عن دواعی المجادلة وأهدافها أی الکبر والغرور، فی حین تتحدّث الآیة 35 عن عقابهم الدنیوی و أنّ اللّه ختم على قلوبهم.

أمّا الآیة التی نتحدّث عنها الآن فهی تتحدّث عن العقاب الاُخروی، وأوصافهم فی النّار ذات السعیر.

من الضروری أن نشیر أیضاً إلى أنّ «یجادلون» فعل مضارع یدل على الإستمرار. وهذه إشارة إلى أنّ مثل هؤلاء الأفراد الذین یکذبون بآیات الله لتبریر عقائدهم وأعمالهم السیئة المشینة، إنّما یقومون بالمجادلة بشکل مستمر من خلال الأقوال والذرائع الواهیة.

وتنتهی الآیة بتهدید من خلال قوله تعالى: (فسوف یعلمون)أی سوف یعلمون نتیجة أعمالهم وعاقبة أعمالهم السیئة وذلک فی وقت (إذ الأغلال فی أعناقهم والسّلاسل یسحبون * فی الحمیم) أی یلقی بهم فی الماء المغلی (ثمّ فی النّار یسجرون)(1).

«یسجرون» من کلمة «سجر» على وزن «فجر» وتعنی إشعال النّار وزیادة لهیبها ـ کما ذهب إلیه الراغب فی مفرداتهـ .

أمّا الآخرون من أرباب اللغة والتّفسیر فیقولون: إنّها تعنی ملء التنور بالنار(2).

لذلک یذهب بعض المفسّرین إلى أنّ هذه المجموعة من الکفّار تصبح وقوداً للنار، کما نقرأ ذلک فی الآیة 24 من سورة البقرة: (فاتّقوا النّار الّتی وقودها النّاس والحجارة).

البعض الآخر یقول: إنّ معنى الآیة هو أنّ هؤلاء ستملأ النّار کلّ وجودهم وتستوعب کامل کیانهم. (طبعاً لیس ثمّة تعارض بین المعنیین).

هذا النوع من العقاب للمعاندین والمتکبرین والمجادلین یعتبر فی الواقع انعکاس لأعمالهم فی هذه الدنیا، حیث کذّبوا بآیات الله بسبب کبریائهم وغرورهم، وقیّدوا أنفسهم بسلاسل التقلید الأعمى، وفی یوم الجزاء والقیامة ستطوقهم السلاسل من الأعناق بمنتهى الذلّة، وسیسحبون أذلاّء إلى نار جهنم وبئس المصیر.

إضافة إلى هذا العذاب الجسمانی سیعاقبون بمجموعة من أنواع العذاب الروحی والنفسی کما تشیر إلیه الآیة التالیة، حیث یقول تعالى: (ثم قیل لهم أین ما کنتم تشرکون * من دون الله)؟!

أی أین شرکاؤکم من دون الله کی ینقذوکم من هذا العذاب الألیم وأمواج النّار المتلاطمة؟ ألم تقولوا: إنّکم تعبدونهم وتطیعونهم وتتخذونهم أرباباً لیشفعوا لکم، إذاً أین شفاعتهم الآن؟!

فیجیبون بخضوع یغشاهم وذلّ یعلوهم: (قالوا ضلّوا عنّ)(3) أی اختفوا وهلکوا واُبیدوا بحیث لم یبق منهم أثر.

ولا ریب، فإنّ من کانوا یدعونه من دون الله هم فی نار جهنم، وقد یکونون بجانبهم، إلاّ أنّهم لا ینفعون ولا یؤثّرون وکأنّهم قد اختفوا!

وعندما یرى هؤلاء أنّ اعترافهم بعبادة الأصنام أصبح عاراً علیهم وعلامةً تمیّزهم، فإنّهم یبدأون بالإنکار فیقولون: (بل لم نکن ندعوا من قبل شیئ).

لقد کانت الأصنام مجرّد أوهام، لکنّا کنّا نظن أنّها تمثل حقائق ثابتة، لکنّها أصبحت کالسراب الذی یتصوّره العطشان ماءً، أمّا الیوم فقد ثبت لنا أنّها لم تکن سوى أسماء من غیر مسمى وألفاظ لیس لها معنى، وأنّ عبادتها لم تنفعنا بشیء سوى الضلال. لذلک فهؤلاء الیوم یواجهون الواقع الذی لا سبیل إلى إنکاره.

هناک احتمال آخر فی تفسیر الآیة، هو أنّهم سیکذبون لینقذوا أنفسهم من الفضیحة، کما نقرأ ذلک فی الآیتین 23 و24 من سورة الأنعام: (ثمّ لم تکن فتنتهم إلاّ أن قالوا والله ربّنا ما کنّا مشرکین * أنظر کیف کذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما کانوا یفترون).

وأخیراً یقول تعالى: (کذلک یضلّ الله الکافرین).

إنّ کفرهم وعنادهم سیکون حجاباً على قلوبهم وعقولهم، ولذلک سیترکون طریق الحق ویسلکون سبیل الباطل، فیحرمون یوم القیامة من الجنّة وینتهی مصیرهم إلى النّار. وهکذا یضل الله الکافرین.

الآیة التی بعدها تشیر إلى علة مصائب هذه المجموعة، حیث یقول تعالى: (ذلکم بما کنتم تفرحون فی الأرض بغیر الحقّ وبما کنتم تمرحون).

کانوا یفرحون بمعارضة الأنبیاء وقتل المؤمنین والتضییق على المحرومین، وکانوا یشعرون بالعظمة عند إرتکاب الذنوب ورکوب المعاصی والیوم علیهم أن یتحمّلوا ضریبة کلّ ذلک الفرح والغفلة والغرور من خلال هذه النیران والسلاسل والسعیر.

«تفرحون» من «فرح» وتعنی السرور والإبتهاج. وقد یکون الفرح ممدوحاً ومطلوباً فی بعض الأحیان، کما تفید الآیتان 4 و5 من سورة «الروم» فی قوله تعالى: (ویومئذ یفرح المؤمنون * بنصر الله).

وفی بعض الأحیان یکون الفرح مذموماً وباطلا، کما ورد فی قصة قارون، الآیة 76 من سورة «القصص» حیث نقرأ قوله تعالى: (إذ قال له قومه لا تفرح إنّ الله لا یحبّ الفرحین).

طبعاً ینبغی التفریق بین الموردین من خلال القرائن، ولا ریب من أنّ «الفرح» فی الآیة التی نبحثها من النوع الثّانی.

«تمرحون» مشتقّة من «مرح» على وزن «فرح» وهی کما یقول اللغویون والمفسّرون، تأتی بمعنى شدّة الفرح، وقال آخرون: إنّها تعنی الفرح بسبب بعض القضایا الباطلة.

فی حین ذهبت جماعة ثالثة إلى اعتبارها حالة من الفرح المتزامن مع نوع من الطرب والإستفادة من النعم الإلهیّة فی طریق الباطل.

والظاهر أنّ هذه المعانی جمیعاً تعود إلى موضوع واحد، ذلک أنّ شدّة الفرح والإفراط فیه

یشمل جمیع المواضیع والحالات السابقة، وفی نفس الوقت فهو یتزامن مع أنواع الذنوب والآثام والفساد والشهوة(4).

إنّ هذه الأفراح المتزامنة مع الغرور والغفلة والشهوة، تبعد الإنسان بسرعة عن الله تبارک وتعالى وتمنعه من إدراک الحقیقة، فتکون الحقائق لدیه غامضة والمقاییس معکوسة.

ولمثل هؤلاء یصدر الخطاب الإلهی: (ادخلوا أبواب جهنّم خالدین فیها فبئس مثوى المتکبّرین).

هذه الآیة تؤکّد مرّة اُخرى على أنّ التکبّر هو أساس المصائب، ذلک أنّ التکبّر هو قاعدة الفساد، ویحجب البصائر عن رؤیة الحق ویجعل الإنسان یخالف دعوة الأنبیاء(علیهم السلام).

ثم تشیر الآیة إلى أبواب جهنّم بقوله تعالى: (أبواب جهنّم).

ولکن هل الدخول من أبواب جهنّم یعنی أنّ لکل مجموعة باب معیّن تدخل منه، أو أنّ کلّ مجموعة منهم تدخل من أبواب متعدّدة؟

أی أنّ جهنّم تشبه السجون المخیفة التی تتداخل فیها الأبواب والدهالیز والممرات والطبقات، فبعض الضالین المعاندین یجب أن یسلکوا کلّ هذه الأبواب والممرات والطبقات قبل أن یستقرّوا فی قعر جهنّم.

وممّا یؤیّد هذا التّفسیر ما یروى عن الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام) أنّه أجاب عن سؤال فی تفسیر قوله تعالى: (لها سبعة أبواب لکلّ باب منهم جزء مقسوم)(5) أنّه قال: إنّ جهنّم لها سبعة أبواب، أطباق بعضها فوق بعض، ووضع إحدى یدیه على الاُخرى، فقال هکذ(6).

وثمّة تفسیر آخر نستطیع أن نقف على خلاصته بالشکل الآتی: إنّ أبواب جهنم ـ کأبواب الجنّة ـ إشارة إلى العوامل المختلفة التی تؤدّی بالإنسان إلى دخولها، فکل نوع من الذنوب أو نوع من أعمال الخیر یعتبر باباً.

وثمّة ما یشیر الى ذلک فی الروایات الإسلامیة، ووفق هذا المعنى فإنّ العدد 7 هو کنایة عن الکثرة، وما ورد فی القرآن الکریم من أنّ للجنّة ثمانیة أبواب هو إشارة إلى ازدیاد عوامل الرحمة على عوامل العذاب (راجع ذیل الآیة 44 من سورة الحجر).

وهذان التّفسیران لا یتعارضان فیما بینهما.


1. «الاغلال» جمع «غل» وتعنی الطوق حول العنق أو الرجل. وهی فی الأصل مأخوذة من کلمة «غلل» على وزن «أجل» بمعنى الماء الذی یجری بین الأشجار. ویطلق على «الخیانة» (غلول) وعلى الحرارة الناشئة من العطش «غلیل» وذلک بسبب نفوذها تدریجیاً إلى داخل أعماق الإنسان.
«السلاسل» جمع «سلسلة» و«یسحبون» من کلمة «سحب» على وزن (سهو).
2. یلاحظ ذلک فی تفسیر الصافی، وتفسیر روح المعانی، وتفسیر الکشاف، فی نهایة الآیات التی نبحثها. وفی لسان العرب، المعنى الأصلی لـ «سجر» هوالملء. فیقال «سجرت النهر» أی ملأته ماءً.
3. لقد ذکر المفسّرون معنیین لکلمة «ضلّوا» فالبعض اعتبرها بمعنى ضاعوا وهلکوا، بینما قال البعض الآخر: إنّها بمعنى «غابوا» کقولنا «ضلت الدابة» أی غابت فلم یعرف مکانها.
4. یقول الراغب فی المفردات: «الفرح» انشراح الصدر بلذّة عاجلة، وأکثر ما یکون ذلک فی اللذات البدنیة. «والمرح» شدّة الفرح و التوسّع فیه.
5. الحجر، 44.
6. تفسیر مجمع البیان، ج 6، ص 519، ذیل الآیة 44 من سورة الحجر. هناک روایات اُخرى ذکرها العلاّمة المجلسی فی بحارالأنوار، ج 8، ص 289 و301 و285.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 69 ـ 76 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 77 ـ 78
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma