ذلکم الله ربّکم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 64 ـ 66 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 67 ـ 68

تستمر هذه المجموعة من الآیات الکریمة بذکر المواهب الإلهیّة العظیمة وشمولها للعباد، کی تهب لهم المعرفة، وتُربّی فی نفوسهم الأمل بالدعاء والتسلیم وطلب الحوائج من الله تعالى.

والطریف فی الأمر هنا أنّ الآیات السابقة کانت تتحدّث عن «النعم الزمانیة» من لیل ونهار، بینما تتحدّث هذه المجموعة عن «النعم المکانیة» أی الأرض المستقرة، والسقف المرفوع (السماء) حیث تقول: (الله الّذی جعل لکم الأرض قرار).

لقد خلق الله للإنسان الأرض کی تکون مقرّاً هادئاً ومستقراً آمناً له، إنّه المکان الخالی من المعوّقات الصعبة، متناسق فی تشکیلته مع تکوین الإنسان الروحی والجسدی، حیث تتوفر فی الأرض المصادر المختلفة للحیاة والوسائل المتنوعة والمجانیة التی یحتاجها لمعیشته.

ثم تضیف الآیة: (والسّماء بناء) أی کالسقف والقبة فوقکم.

و «بناء» کما یقول «ابن منظور»فی لسان العرب، تعنی البیوت التی کان عرب البادیة یستفیدون منها ویستظلون تحتها کالخیم وکل ما یستظل الإنسان تحته.

إنّه تعبیر جمیل ودال، حیث یصوّر السماء کالخیمة التی تغطی أطراف الأرض ولا تنقص منها شیئاً. والمقصود بالسماء هنا الغلاف الجوی الذی یحیط بالأرض.

إنّ الخیمة الإلهیّة الکبیرة هذه تقلل من شدّة أشعة الشمس، وعدمها یعرض الأرض إلى الأشعة الکونیة الحارقة القاتلة لجمیع الکائنات الحیة الموجودة على الأرض، لذلک نرى أنّ روّاد الفضاء مضطرین لارتداء ملابس خاصة تحمیهم من هذه الإشاعات.

إضافة إلى ما تقدّم، تمنع الخیمة السماویة سقوط الأحجار التی تنجذب من السماء نحو الأرض، حیث تقوم بإحراقهابمجرّد وصولها إلى غلاف الأرض لیصل رمادها بهدوء إلى الأرض.

وإلى هذا المعنى تشیر الآیة 32 من سورة الأنبیاء، حیث یقول تعالى: (وجعلنا السّماء سقفاً محفوظ).

ثمّ ینتقل الحدیث من آیات الآفاق إلى آیات الأنفس، فیقول تعالى: (وصوّرکم فأحسن صورکم). القامة متوازنة خالیة من الانحراف، وجهٌ فی تقاطیع جمیلة لطیفة وفی منتهى النظم والإستحکام، إذ یمکن بلمحة واحدة التمییز بین الکائن البشری وبین الموجودات والکائنات الاُخرى.

إنّ الهیکل الإنسانی الخاص یؤهّل الإنسان لإنجاز مختلف الأعمال من الصناعة والزراعة والتجارة والإدارة، وهو بامتلاکه للأعضاء المختلفة یعیش مرتاحاً مستفیداً من مواهب الحیاة وعطایا الخالق.

الإنسان على خلاف أغلب الحیوانات التی تشرب الماء بفمها، فإنّه یحمل المشروبات والمأکولات بیدیه، ویقوم بشرب الماء فی منتهى الدّقة واللطافة، وهذا الأمر یجعل الإنسان أقدر على انتخاب ما یشاء من الأشربة والأطعمة. ویجعل ما یتناوله نظیفاً غیر مخلوط مع غیره. فهو مثلا یقشّر الفاکهة ویهذّبها قبل تناولها، ویرمی الأجزاء الزائدة.

لقد ذهب بعض المفسّرین فی تفسیر: (وصوّرکم فأحسن صورکم) إلى معنى أوسع من الصورة والشکل الظاهری والتکوین الداخلی، فقال: إنّ المعنى یتضمّن کل الإستعدادات والأذواق التی خلقها الله فی الإنسان وأودعها فیه، ففضّله بها على کثیر ممن خلق.

وفی آخر الحدیث عن سلسلة هذه العطایا والمواهب الإلهیّة، تتحدّث الآیة عن النعمة الرّابعة، وهی الرزق الطیّب بقوله تعالى: (ورزقکم من الطّیّبات).

«الطیبات» تشتمل على معنى وسیع جدّاً، وهی تشمل الجیّد من الطعام واللباس والزوجة والمسکن والدواب، وهی أیضاً تشمل الکلام والحدیث الطیّب الزکی النافع.

الإنسان یقوم بسبب جهله وغفلته بتلویث هذه المواهب الطاهرة والطیّبات اللذیذة، إلاّ أنّ الله أبقاها على نقائها وطهرها فی عالم الوجود.

بعد بیان هذه المجموعة الرباعیة من النعم الإلهیّة التی تتوزع بین الأرض والسماء وبین خلق الإنسان، تعود الآیة للقول: (ذلکم الله ربّکم فتبارک الله ربّ العالمین)(1).

إنّ هذه المواهب تعود لله مدبر الکون، خالق السماوات والأرض، لذلک فهو الذی یلیق بمقام الرّبوبیة لا غیر.

الآیة التی بعدها تستمر فی إثارة قضیة توحید العبودیة من طریق آخر. فتؤکّد انحصار الحیاة الواقعیة بالله تعالى وتقول: (هو الحىّ).

إنّ حیاته عین ذاته، ولا تحتاج إلى الغیر. حیاته (جلّ وتعالى) أبدیة لا یطالها الموت، بینما جمیع الکائنات الحیة تتمتع بحیاة مقرونة بالموت وحیاتها محدودة وموقتة تسترفد هذه الحیاة من الذات المقدسة.

لذلک ینبغی للإنسان الفانی المحدود المحتاج أن یرتبط فی عبادته بالحی المطلق، من هنا تنتقل الآیة مباشرة إلى تقریر معنى الوحدانیة فی العبودیة من خلال قوله تعالى: (لا إله إلاّ هو).

وعلى أساس هذه الوحدانیة تتقرّر قضیة اُخرى یتضمّنها قوله تعالى: (فادعوه مخلصین له الدّین) واترکوا جانباً کلّ شیء غیره، لأنّها جمیعاً فانیة، وحتى فی حال حیاتها فهی فی تغیّر دائم «فالذی لا یتغیّر هو الله تعالى فقط. والذی لم یمت ولن یموت هو سبحانه فحسب».

ثم تنتهی الآیة بقوله تعالى: (الحمد لله ربّ العالمین).

والتعبیر القرآنی درس للعباد بأن یتوجّهوا بالشکر والحمد إلى الخالق جلّوعلا دون غیره، فهو جزیل العطایا کثیر المواهب متواصل النعم على عباده، خاصّة نعمة الحیاة والوجود بعد العدم.

الآیة الأخیرة من المجموعة القرآنیة، هی فی الواقع خلاصة لکل البحوث التوحیدیة الآنفة، وجاءت لکی تقضی على أدنى بارقة أمل قد یحتمل وجودها فی نفوس المشرکین، إذ یقول تعالى موجّهاً کلامه إلى النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): (قل إنّی نهیت أن أعبد الّذین تدعون من دون الله لما جاءنی البیّنات من ربّی).

ولم ینهانی ربّی عن عبادة غیره فحسب، بل:(وأمرت أن اُسلم لربّ العالمین). فهنا نهی عن عبادة الأصنام یتبعه ـ مباشرة ـ بدلیل منطقی من البراهین والبینات، ومن العقل والنقل، فی أن یسلم لـ «ربّ العالمین» وفی هذه العبارة أیضاً دلیل آخر على المقصود، لأنّ کونه ربّ العالمین دلیل کاف على ضرورة التسلیم فی مقابله.

ومن الضروری أن نشیر إلى افتراق الأمر والنهی فی هذه الآیة، فهناک أمر بالتسلیم لله جلّ وعلا، ونهی عن عبادة الأصنام، وقد یعود السبب فی التفاوت بین النهی والأمر إلى أنّ الأصنام قد تختص بصفة «العبادة» وحسب، لذلک جاءالنهی عن عبادتها. أمّا بالنسبة لله تعالى فبالإضافة إلى عبادته یجب التسلیم له والإنصیاع والإنقیاد إلى أوامره وتعلیماته.

لذلک نقرأ فی الآیتین 11ـ12 من سورة «الزمر» قوله تعالى: (قل إنّی اُ مرت أن أعبدالله مخلصاً له الدّین * واُ مرت لأن أکون أوّل المسلمین).

إنّ أمثال هذه الصیغ والأسالیب المؤثّرة یمکن أن نلمسها فی کلّ مکان من کتاب الله العزیز، فهی تجمع اللیونة والأدب حتى إزاء الأعداء والخصوم، بحیث لو کانوا یملکون أدنى قابلیة لقبول الحق فسیتأثرون بالاُسلوب المذکور.

ینبغی أن نلاحظ أیضاً التعبیر فی قوله تعالى: (إنّی اُ مرت... إنّی نهیت) أی علیکم أنتم أن تحاسبوا أنفسکم، ولکن دون أن یثیر فیهم حسّ اللجاجة والعناد.

الکلام الأخیر فی هذه المجموعة من الآیات هو أنّها أعادت وصف الخالق بـ «ربّ العالمین» فی ثلاث آیات متتالیة:

تقول أوّلا: (فتبارک الله ربّ العالمین).

ثم: (الحمد لله ربّ العالمین).

وأخیراً: (اُ مرت أن اُسلم لربّ العالمین).

إنّه نوع من أنواع الترتیب المنطقی الذی یصل بین أجزائها وجوانبها فالآیة الاُولى تشیر إلى البرکة ودیمومیتها، والثانیة إلى اختصاص الحمد والثناء بذاته المقدّسة دون غیره، وأخیراً تخصیص العبودیة وحصرها به دون غیره عزّاسمه.


1. «ذلکم» اسم إشارة للبعید. واستخدامها فی مثل هذه الموارد کنایة على العظمة وعلو المقام.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 64 ـ 66 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 67 ـ 68
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma