ما یستوی الأعمى والبصیر!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 56 ـ 59 الیهود المغرورون

دعت الآیات السابقة رسول الله(صلى الله علیه وآله) إلى الصبر والإستقامة أمام المعارضین وأکاذیبهم ومخططاتهم الشیطانیة، والآیات التی نحن بصددهاتذکر سبب مجادلتهم للحق.

یقول تعالى: (إنّ الّذین یجادلون فی آیات الله بغیر سلطان أتاهم إن فی صدورهم إلاّ کبر).

«المجادلة» ـ کما أشرنا سابقاًـ تعنی العناد فی الکلام وإطالته بأحادیث غیر منطقیة، وإن کانت تشمل أحیاناً فی معناها الواسع الحق والباطل.

أمّا قوله تعالى: (بغیر سلطان أتاهم) فهی للتأکید على ما یستفاد من معنى المجادلة حیث تعنی «سلطان» الدلیل والبرهان الذی یکون سبباً لهیمنة الإنسان على خصمه.

أمّا «آتاهم»فهی إشارة إلى الأدلة والبراهین التی أوحى الله بها إلى أنبیائه علیهم السلام، ولا ریب أنّ الوحی هو أفضل الطرق وأکثرها اطمئناناً لإثبات الحقائق.

أمّا المقصود بـ «آیات الله» التی کانوا یجادلون فیها، فهی معجزات وآیات القرآن والأحادیث المختصة بالمبدأ والمعاد، حیث کانوا یعتبرونها سحراً، أو أنّها علامات الجنون، أو أساطیر الأوّلین!

من ذلک یتبیّن أن لیس لهؤلاء من دلیل حی ومنطقی فی المجادلة سوى التعالی والغرور والتکبر عن الإنصیاع إلى الحق، لذلک کانوا یرونَ أنّ أفکار الآخرین وعقائدهم باطلة وأنّ عقائدهم وأفکارهم حقّة!

تشیر کلمة (إن) إلى أنّ السبب الوحید لعنادهم فی هذه الموارد هو الغرور والتکبّر، وإلاّ کیف یصرّ الإنسان على کلامه وموقفه دون دلیل أو برهان.

«الصدور» تشیر هنا إلى القلوب، والمقصود بالقلب هو الفکر والروح، حیث ورد هذا المعنى مرّات عدّة فی آیات الکتاب المبین.

أمّا کلمة (کبر) فی الآیة فقد فسّرها بعض المفسّرین بالحسد.

وبذلک اعتبر هؤلاء أنّ سبب مجادلتهم لرسول الله(صلى الله علیه وآله) هو حسدهم له ولمنزلته ومقامه المعنوی والظاهری.

لکن «کبر» لا تعنی فی اللغة المعنى الآنف الذکر، لکنّه یمکن أن یلازمها، لأنّ من یتکبّر یحسد، إذ لا یرى المتکبّر المواهب إلاّ لنفسه، ویتألم إذا انصرفت لغیره حسداً منه وجهلا.

ثم تضیف الآیة: (ما هم ببالغیه).

إنّ هدفهم أن یروا أنفسهم کباراً، یفاخرون بذلک ویفتخرون على غیرهم، لکنّهم لن یحصدوا سوى الذلّة والخسران، ولن یصلوا بطریق التکبّر والغرور والعلو والمجادلة بالباطل إلى ما یبتغونه(1).

فی نهایة الآیة تعلیمات قیمة لرسول الله(صلى الله علیه وآله) بأن یستعیذ بالله من شرّ هؤلاء المتکبرین المغرورین الذین لا منطق لهم، حیث یقول تعالى: (فاستعذ بالله إنّه هو السّمیع البصیر).

فهو ـ تعالى ـ یسمع أحادیثهم الباطلة الواهیة، وینظر إلى مؤامراتهم وأعمالهم القبیحة وخططهم الشریرة.

والاستعاذة بالله لا تنبغی لرسول الله(صلى الله علیه وآله) وحده وحسب، وإنّما تجب على کل السائرین فی طریق الحق عندما تتعاظم الحوداث ویستعر الصِدام مع المتکبرین عدیمی المنطق!

لذلک نرى استعاذة یوسف(علیه السلام) عندما تواجهه العاصفة الشدیدة المتمثلة بشهوة «زلیخا» یقول: (معاذ الله إنّه ربی أحسن مثوای) فکیف أخون عزیز مصر الذی أکرمنی وأحسن وفادتی.

وفی آیات سابقة من نفس هذه السورة نقرأ أنّ کلیم الله موسى(علیه السلام) قال: (إنی عذت بربّی وربّکم من کلّ متکبّر لا یؤمن بیوم الحساب)(2).

إنّ قضیة المعاد وعودة الروح للإنسان بعد موته، تعتبر من أکثر القضایا التی یجادل فیها الکفار، ویعاندون بها رسول الله(صلى الله علیه وآله)لذلک تنتقل الآیة التالیة إلى التذکیر بهذه القضیة، وإعادة طرحها وفق منطق قرآنی آخر، إذ یقول تعالى: (لخلق السّماوات والأرض أکبر من خلق النّاس ولکن أکثر النّاس لا یعلمون).

إنّ خالق هذه المجرّات العظیمة ومدبّرها یستطیع ـ بطریق أولى ـ أن یحیی الموتى، وإلاّ کیف یتّسق القول بخلقه السماوات والأرض وعجزه من إعادة الإنسان إلى الحیاة بعد الموت؟

إنّ هذا المنطق یعبّر عن جهل هؤلاء الذین لا یستطیعون إدراک هذه الحقائق الکبرى!

أغلب المفسّرین اعتبر هذه الآیة ردّاً على مجادلة المشرکین بشأن قضیة المعاد، بینما احتمل البعض أنّها رد على کبر المتکبرین والمغرورین الذین کانوا یتصورون أنّ ذواتهم وأفکارهم عظیمة غیر قابلة للردّ أو النقض، فی حین أنّها تافهة بالقیاس إلى عظمة عالم الوجود(3).

هذا المعنى غیر مستبعد، ولکن إذا أخذنا بنظر الاعتبار الآیات التی بعدها یکون المعنى الأوّل أفضل.

لقد تضمّنت الآیة الکریمة سبباً آخر من أسباب المجادلة متمثلا بـ «الجهل» فی حین طرحت الآیات السابقة عامل «الکبر». والعاملان یرتبطان مع بعضهما، لأنّ أصل وأساس «الکبر» هو «الجهل» وعدم معرفة الإنسان لحدوده وقدره، ولعدم تقدیره لحجم علمه ومعرفته.

الآیة التی بعدها، وفی إطار مقارنة واضحة تکشف عن الفرق بین حال المتکبرین الجهلة وبین المؤمنین الواعین، حیث تقول: (وما یستوی الأعمى والبصیر والّذین آمنوا وعملوا الصّالحات ولا المسیء)(4).

إلاّ أنّکم بسبب جهلکم وتکبّرکم: (قلیلا ما تتذکّرون)(5).

إنّ المبصرین یرون صغر أنفسهم إزاء عظمة العالم المحیط بهم، وبذلک فهم یعرفون قدر أنفسهم ومعرفتهم وموقعهم، إلاّ أنّ الأعمى لا یدرک موقعه أو حجمه فی الزمان والمکان وفی عموم الوجود المحیط به، لذلک فهو یخطىء دائماً فی تقییم أبعاد وجوده، ویصاب بالکبر والغرور والوهم الذی یدفعه إلى ما هو قبیح وسىّء.

ونستفید أیضاً من خلال ارتباط الجملتین ببعضهما البعض أنّ الإیمان والعمل الصالح ینوّر بصائر القلب والفکر بنور المعرفة والتواضع والإستقرار، بعکس الکفر والعمل الطالح الذی یجعل الإنسان أعمى فاقداً لبصیرته، مشوّهاً فی رؤیته للأشیاء والمقاییس.

الآیة الأخیرة فی المجموعة القرآنیة التی بین أیدینا تتعرّض إلى وقوع القیامة وقیام الساعة حیث یقول تعالى: (إنّ السّاعة لآتیة لا ریب فیها ولکنّ أکثر النّاس لا یؤمنون).

«إن» و«اللام» فی (لاتیة) وجملة (لا ریب فیه) کلها للتأکید المکرّر الذی یستهدف تأکید المضمون والمعنى المراد، وهو قیام القیامة.

لقد عالجت الرؤیة القرآنیة قضیة القیامة فی أکثر من مکان ومورد، بمختلف الأدلة ووسائل الإقناع، لذلک نرى بعض الآیات تذکر قیام الساعة والقیامة بدون مقدمات أو دلیل، مکتفیة بما ورد من أدلة ومقدمات فی أماکن اُخرى من الکتاب المبین .

«الساعة» کما یقول «الراغب» فی «المفردات» هی بمعنى: أجزاء من أجزء الزمان.

إنَّ الإشارة التی یطویها هذا الإستخدام لکلمة (الساعة) یشیر إلى السرعة التی یتم فیها محاسبة الناس هناک.

لقد استخدمت الکلمة عشرات المرّات فی القرآن الکریم، لتدل بشکل عام على المعنى الآنف الذکر، لکنّها تعنی فی بعض الأحیان نفس القیامة، فیما تعنی فی أحیان اُخرى الإشارة إلى انتهاء العالم ومقدمات البعث والنشور. وبسبب من الإرتباط القائم بین الحدثین والقضیتین، وأنّ کلاهما یحدث بشکل مفاجىء، لذا تمّ استخدام کلمة «الساعة». (یمکن للقارىء الکریم أن یعود إلى بحث مفصل حول «الساعة» فی تفسیر سورة الروم).

أمّا سبب القول: بـ (ولکنّ أکثر النّاس لا یؤمنون) فلا یعود إلى أنّ قیام القیامة من القضایا المجهولة والمبهمة، بل ثمّة میل فی الإنسان نحو «الحریة» فی الاستفادة غیر المشروطة أو المقیدة من ملذّات الدنیا وشهواتها، بالإضافة إلى الأمل الطویل العریض الذی یلازم الإنسان فینساق مع الحیاة، ویغفل عن التفکیر بالقیامة، أو الإستعداد لها.


1. ثمّة بین المفسّرین کلام حول مرجع الضمیر فی قوله: «بالغیه» أشهره قولان:
الأوّل: أن یعود الضمیر إلى «کبر» وتکون (ماهم ببالغیه) جملة وصفیة لـ (کبر) ویکون المعنى هکذا: إنّهم لا یصلون إلى مقتضى وهدف تکبرهم (فی الواقع حذف هنا المضاف والتقدیر «ما هم ببالغی مقتضى کبرهم»).
الثّانی: أن یعود الضمیر إلى «جدال» الذی یستفاد من جملة «یجادلون» والمعنى أنّهم لن یصلوا إلى هدف جدالهم المتمثل بإبطال الحق. ولکن فی هذه الحالة لا نستطیع أن نقول: إنّ الجملة صفة لـ(کبر) بل ینبغی أن نعطفها على ما سبقها مع حذف العاطف.
2. المؤمن، 27.
3. یلاحظ الرأی الأوّل فی تفاسیر مجمع البیان، التفسیر الکبیر، الکشاف، روح المعانی، الصافی، وروح البیان.
4. النظرة الأولیة فی الآیة قد لا توجب معنى لـ «لا النافیة» فی قوله تعالى: (ولا المسیء) ولکن تأکید النفی من ناحیة، وتجلیة المقصود من الجملة من ناحیة ثانیة، أوجب تکرار النفی، مضافاً إلى أنّ طول الجملة قد یؤدّی إلى نسیان الإنسان للنفی الأول، الأمر الذی یوجب التکرار.
5. «ما» فی قوله تعالى: (قلیلا ما تتذکرون) زائدة، وهی للتأکید.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 56 ـ 59 الیهود المغرورون
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma