الوعد بنصر المؤمنین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 51 ـ 55 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 56 ـ 59

بعد أن تحدّثت الآیات السابقة عن تحاجج أهل النّار وعجزهم عن أن ینصر أحدهم الآخر، وبعد أن تحدّثت الآیات التی سبقتها عن مؤمن آل فرعون وحمایة الله له من کید فرعون وآل فرعون، عادت هذه المجموعة من الآیات البینات تتحدّث عن شمول الحمایة والنصر الإلهی لأنبیاء الله ورسله وللذین آمنوا، فی هذه الدنیا وفی الآخرة.

إنّها تتحدّث عن قانون عام تنطق بمضمونه الآیة الکریمة: (إنّا لننصر رسلنا والّذین آمنوا فی الحیوة الدّنیا ویوم یقوم الأشهاد).

إنّها الحمایة المؤکّدة بأنواع التأکید، والتی لا ترتبط بقید أو شرط، والتی یستتبعها الفوز والنصر، النصر فی المنطق والبیان; وفی الحرب والمیدان; وفی إرسال العذاب الإلهی على القوم الظالمین، وفی الإمداد الغیبی الذی یقوی القلوب ویشدّ الأرواح ویجذبها إلى بارئها جلّ وعلا.

إنّ الآیة تواجهنا باسم جدید لیوم القیامة هو: (یوم یقوم الأشهاد).

«أشهاد» جمع «شاهد» أو «شهید» (مثل ما أنّ أصحاب جمع صاحب، وأشراف جمع شریف) وهی تعنی الذی یشهد على شیء ما.

لقد ذکرت مجموعة من الآراء حول المقصود بالأشهاد، نستطیع اجمالها بما یلی:

الأشهاد هم الملائکة الذین یراقبون أعمال الإنسان.

هم الأنبیاء الذین یشهدون على الاُمم.

هم الملائکة والأنبیاء والمؤمنون الذین یشهدون على أعمال الناس.

أمّا احتمال أن تدخل أعضاء الإنسان ضمن هذا المعنى، فهو أمر غیر وارد، بالرغم من شمولیة مصطلح «الأشهاد» لأنّ تعبیر (یوم یقوم الأشهاد) لا یتناسب وهذا الإحتمال.

إنّ التعبیر یشیر إلى معنى لطیف، حیث یرید أن یقول أنّ: (یوم الأشهاد) الذی تنبسط فیه الاُمور فی محضر الله تبارک وتعالى، وتنکشف السرائر والأسرار لکافة الخلائق، هو یوم تکون الفضیحة فیه أفظع ما تکون، ویکون الإنتصار فیه أروع ما یکون... إنّه الیوم الذی ینصر الله فیه الأنبیاء والمؤمنین ویزید فی کرامتهم.

إنّ یوم الأشهاد یوم افتضاح الکافرین وسوء عاقبة الظالمین، هو: (یوم لاینفع الظّالمین معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار).

فمن جهة هو یوم لا تنفع المعذرة فیه، ولا یحول شیء دون افتضاح الظالمین أمام الأشهاد.

ومن جهة اُخرى هو یوم تشمل اللعنة الإلهیّة فیه الظالمین، واللعنة هنا البعد عن الرحمة.

ومن جهة ثالثة هو یوم ینزل فیه العذاب الجسمانی على الظالمین، ویوضعون فی أسوأ مکان من نار جهنم.

سؤال: إنّ الآیة تفتح المجال واسعاً للسؤال التالی: إذا کان الله (تبارک وتعالى) قد وعد حتماً بانتصار الأنبیاء والمؤمنین، فلماذا نشاهد ـ على طول التاریخ ـ مقتل مجموعة من الأنبیاء والمؤمنین على أیدی الکفّار؟ ولماذا ینزل بهم الضیق والشدّة من قبل أعداء الله؟ ثمّ لماذا تلحق بهم الهزیمة العسکریة؟ وهل یکون ذلک نقضاً للوعد الإلهی الذی تتحدّث عنه الآیة الکریمة؟

الجواب: على کلّ هذه الأسئلة المتشعبة یتضح من خلال ملاحظة واحدة هی: إنّ أکثر الناس ضحیة المقاییس المحدودة فی تقییم مفهوم النصر، إذ یعتبرون الإنتصار یتمثل فقط فی قدرة الإنسان على دحر عدوه، أو السیطرة على الحکم لفترة وجیزة!

إنّ مثل هؤلاء لا یرون أىّ اعتبار لانتصار الهدف وتقدّم الغایة، أو تفوّق وانتشار

المذهب والفکرة; هؤلاء لا ینظرون إلى قیمة المجاهد الشهید الذی یتحوّل إلى نموذج وقدوة فی حیاة الناس وعلى مدى الأجیال، ولا ینظرون إلى القیمة الکبرى التی یستبطنها مفهوم العزة والکرامة والرفعة التی ینادی بها أحرار البشر والقرب من الله تعالى ونیل رضاه.

وبدیهی إنّ الإنحباس فی إطار هذا التقییم المحدود یجعل من العسیر الجواب على ذلک الإشکال، أمّا الإنطلاق إلى أفق المعانی الواسعة الوضّاءة لمفهوم النصر الإلهی والاخذ بنظر الاعتبار القیم الواقعیة للنصر سیؤدّى بنا إلى معرفة المعنى العمیق للآیة.

ثمّة کلام لطیف لسیّد قطب فی تفسیره «فی ظلال القرآن» یناسب هذا المقام، إذ یورد فیه ذکرى بطل کربلاء الإمام الحسین(علیه السلام) کمثال على المعنى الواسع لمفهوم النصر فیقول: «... والحسین ـ رضوان الله علیه ـ وهو یستشهد فی تلک الصورة العظیمة من جانب، المفجعة من جانب، أکانت هذه نصراً أم هزیمة؟ فی الصورة الظاهرة وبالمقیاس الصغیر کانت هزیمة، وأمّا فی الحقیقة الخالصة وبالمقیاس الکبیر فقد کانت نصراً. فما من شهید فی الأرض تهتز له الجوانح بالحب والعطف وتهفو له القلوب وتجیش بالغیرة والفداء کالحسین رضوان الله علیه، یستوی فی هذا المتشیعون وغیر المتشیعین من المسلمین وکثیر من غیر المسلمین»(1).

وینبغی أن نضیف إلى هذا الکلام أنّ شیعة أهل البیت علیهم السلام یشاهدون کل یوم بأعینهم آثار الخیر من حیاة سیّد الشهداء الإمام أبی عبدالله الحسین(علیه السلام) ویلمسون آثار استشهاده واستشهاد صحبه البررة من أهل بیته وأصحابه; إنّ مجالس العزاء التی تقام للحدیث عن مناقب الحسین وصحبه الکرام هی ینبوع الخیر لحرکة عظیمة ثرّة ما زال عطاؤها لم ولن ینضب!

لقد شاهدنا بأعیننا ومن خلال النموذج الثوری الذی شهدته أرض إیران المسلمة، کیف استطاع الملایین من أبناء الإسلام أن یتحرکوا فی أیّام عاشوراء للقضاء على الظلم والطغیان والإستکبار.

لقد شاهدنا بأعیننا کیف استطاع هذا الجیل المضحّی الذی تربى فی مدرسة أبی الشهداء الحسین(علیه السلام) وتغذّى ممّا تدرّه مجالس عزائه، أن یحطّم بأید خالیة عرش أقوى السلاطین الجبّارین.

نعم، لقد شاهدنا دم الحسین الشهید وقد سرى فی العروق عزةً وحرکةً وانتفاضة، غیّرت الحسابات السیاسیة والعسکریة للدول الکبرى.

بعد کلّ ذلک، ومع کلّ العطاء الثر الهادی الذی استمدته کلّ الأجیال ـ خلال التاریخ ـ من ذکرى الطف وسیّد الشهداء، ألا یعتبر الحسین(علیه السلام) منتصراً حتى باتت آثار نصره الظافر حاضرة فینا بالرغم من مرور أکثر من ثلاثة عشر قرناً على استشهاده!؟

سؤال آخر: ثمة سؤال آخر یتبلور من المقابلة بین الآیة التی بین أیدینا والآیة 36 من سورة «المرسلات» إذ نقرأ الآیة التی نحن بصددها أنّ اعتذار الظالمین لا یؤثّر ولا ینفعهم یوم القیامة، فیما تنص الآیة من سورة المرسلات على أنّه لا یسمح لهم بالإعتذار أصلا، حیث قوله تعالى: (ولا یؤذن لهم فیعتذرون) فکیف یا ترى نوفّق بین الإثنین؟

قبل الإجابة ینبغی الإنتباه إلى ملاحظتین:

الاُولى: أنّ لیوم القیامة مواقف معیّنة تختلف شرائطها، ففی بعضها یتوقف اللسان عن العمل وتنطق الأرجل والأیدی والجوارح، وتقوم بالشهادة على عمل الإنسان، وفی مواقف اُخرى ینطلق اللسان بالنطق والکلام (کما تحکی ذلک الآیة 65 من سورة «یس» والآیات السابقة فی هذه السورة التی تحدّثت عن تحاجج أهل النّار).

بناء على هذا، فلا مانع من عدم السماح لهم بالإعتذار فی بعض المواقف، فی حین یسمح لهم فی مواقف اُخرى، وإن کان الإعتذار لا یجدی شیئاً ولا یغیّر من المصیر.

الملاحظة الثانیة: إنّ الإنسان یتحدّث فی بعض الأحیان بکلام لا فائدة منه، ففی مثل هذه الموارد یکون الشخص کمن لم یتکلّم أصلا، بناءً على هذا یمکن أن تکون الآیة الدالة على عدم السماح لهم بالإعتذار تقع وفق هذا المعنى، أی أنّ اعتذارهم برغم خروجه من أفواههم، إلاّ أنّه لا فائدة ترجى منه.

تنتقل الآیات الکریمة بعد ذلک للحدیث عن أحد الموارد التی إنتصر فیها الرسل نتیجة الحمایة الإلهیّة والدعم الربّانی لهم، فتتحدّث عن النّبی الکلیم(علیه السلام): (ولقد آتینا موسى الهدى وأورثنا بنی إسرائیل الکتاب).

إنّ هدایة الله لموسى تنطوی على معانی واسعة، إذ تشمل مقام النبوة والوحی، والکتاب السماوی (التوراة) والمعاجز التی وقعت على یدیه(علیه السلام) أثناء تنفیذه لرسالات ربّه وتبلیغه إیّاها.

إنّ استخدام کلمة «میراث» بالنسبة الى التوراة یعود إلى أنّ بنی إسرائیل توارثوه جیلا بعد جیل، وکان بإمکانهم الاستفادة منه بدون مشقة; تماماً مثل المیراث الذی یصل إلى الإنسان بدون عناء وتعب، ولکنّهم فرّطوا بهذا المیراث الإلهی الکبیر.

الآیة التی بعدها تضیف: (هدى وذکرى لأولی الألباب)(2).

الفرق بین «الهدایة» و«الذکرى» أنّ الهدایة تکون فی مطلع العمل وبدایته، أمّا التذکیر فهو یشمل تنبیه الإنسان باُمور سمعها مسبقاً وآمن بها لکنّه نسیها.

وبعبارة اُخرى: إنّ الکتب السماویة تعتبر مشاعل هدایة ونور فی بدایة انطلاقة الإنسان، وترافقه فی أشواط حیاته تبثّ من نورها وهداها علیه .

ولکن الذی یستفید من مشاعل الهدى هذه هم «أولو الألباب» وأصحاب العقل، ولیس الجهلة والمعاندون المتعصّبون.

الآیة الأخیرة ـ من المقطع الذی بین أیدیناـ تنطوی على وصایا وتعلیمات مهمّة للرسول(صلى الله علیه وآله) وهی فی واقعها تعلیمات عامة للجمیع، بالرغم من أنّ المخاطب بها هو شخص الرّسول الکریم(صلى الله علیه وآله).

یقول تعالى: (فاصبر إنّ وعد الله حقّ).

علیک أن تصبر على عناد القوم ولجاجة الأعداء.

علیک أن تصبر حیال جهل بعض الأصدقاء والمعارف، وتتحمل أحیاناً أذاهم وتخاذلهم.

وعلیک أیضاً أن تصبر إزاء العواطف النفسیة.

إنّ سرّ انتصارک فی جمیع الاُمور یقوم على أساس الصبر والإستقامة.

ثم اعلم أنّ وعد الله بنصرک واُمتک لا یمکن التخلّف عنه، وإیمانک وإیمانهم بحقانیة الوعد الإلهی یجعلک مطمئناً ومستقیماً فی عملک، فتهون الصعاب علیک وعلى المؤمنین.

لقد أمر الله تعالى رسوله مرّات عدیدة بالصبر، والأمر بالصبر جاء مطلقاً فی بعض الموارد، کما فی الآیة التی نحن بصددها، وجاء مقیّداً فی موارد اُخرى ویختص بأمر معیّن، کما فی الآیتین 39ـ40 من سورة «ق»: (فاصبر على ما یقولون). وکذلک یخاطبه تعالى فی الآیة 28 من سورة الکهف بقوله تعالى: (واصبر نفسک مع الّذین یدعون ربّهم بالغداوة والعشىّ یریدون وجهه ولا تعد عیناک عنهم ترید زینة الحیوة الدّنیا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذکرنا واتّبع هواه وکان أمره فرط).

إنّ جمیع انتصارات الرّسول(صلى الله علیه وآله) والمسلمین الأوائل إنّما تمّت بفضل الصبر والإستقامة، والیوم لابدّ أن نسیر على خطى رسول الله ونصبر کما صبر الرّسول وأصحابه إذ لولاه لما حالفنا النصر مقابل أعدائنا الألداء.

الفقرة الاُخرى من التعلیمات الربانیة تقول: (واستغفر لذنبک).

واضح أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) معصوم لم یرتکب ذنباً ولا معصیة، لکنّا قد أشرنا فی غیر هذا المکان إلى أنّ أمثال هذه التعابیر فی القرآن الکریم، والتی تشمل فی خطابها الرّسول الأکرم وسائر الأنبیاء، إنّماتشمل ما نستطیع تسمیته بـ «الذنوب النسبیة» لأنّ من الأعمال ما هو عبادة وحسنة بالنسبة للناس العادیین، بینما هی ذنب للرسل والأنبیاء لأنّ: (حسنات الأبرار سیئات المقربین).

فالغفلة ـ مثلا ـ لا تلیق بمقامهم، ولو للحظة واحدة. وکذلک الحال بالنسبة لترک الأولى، إذ إنّ منزلتهم الرفیعة ومعرفتهم العالیة تستوجب أن یحذروا هذه الاُمور ویستغفروا منها متى ما صدرت عنهم.

وما ذهب إلیه البعض من أنّ المقصود بالذنوب هی ذنوب المجتمع، أو ذنوب الآخرین التی ارتکبوها بشأن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أو أنّ الاستغفار تعبدی فهو بعید.

الفقرة الأخیرة فی الآیة الکریمة تقول: (وسبّح بحمد ربّک بالعشىّ والإبکار).

«العشی» فترة ما بعد الظهر إلى قبل غروب الشمس، أمّا «الإبکار» فهو ما بین الطلوعین.

ویمکن أن تطلق لفظتا (العشی والإبکار) على الوقت المعیّن بالعصر والصباح، حیث یکون الإنسان مُهیأً للحمد وتسبیح خالقه تبارک وتعالى بسبب عدم شروعه بعد بعمله الیومی، أو أنّه قد انتهى منه.

وقد اعتبر البعض أنّ هذا الحمد والتسبیح إشارة إلى صلاة الصبح والعصر، أو الصلوات الیومیة الخمس، فی حین أنّ ظاهر الآیة ینطوی على مفهوم أوسع من ذلک، والصلوات هی إحدى مصادیقها.

فی کلّ الأحوال تعتبر التعلیمات الثلاث الآنفة الذکر شاملة لبناء الإنسان وإعداده للرقی فی ظلّ اللطف والرعایة الإلهیّة، وهی إلى ذلک زاده فی سیره للوصول نحو الأهداف الکبیرة.

فهناک أوّلا ـ وقبل کلّ شیء ـ التحمّل والصبر على الشدائد والصعوبات، ثمّ تطهیر النفس من آثار الذنوب، وأخیراً تتویج کلّ ذلک بذکر الله، حیث تسبیحه وحمده یعنی تنزیهه من کلّ عیب ونقص، وحمده فوق کلّ حسن وکمال.

إنّ الحمد والتسبیح الذی یکون لله تعالى یؤثّر فی قلب الإنسان ویطهّره من جمیع العیوب، ومن سیئات الغفلة واللهو، ویجعله یتصف بالیقظة والکمال.


1. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 7، ص 189 و190.
2. یمکن أن تکون «هدى وذکرى» مفعولا لأجله أو مصدراً بمعنى الحال، أی (هادیاً ومذکّراً لأولی الألباب) لکن البعض احتمل أن تکون بدلا أو خبراً لمبتدأ محذوف، إلاّ أنّ ذلک غیر مناسب کما یبدو.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 51 ـ 55 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 56 ـ 59
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma