ذرونی أقتل موسى!!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 23 ـ 27 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 28 ـ 29

بعد أن أشارت الآیات السابقة إلى العاقبة الألیمة للأقوام السابقة، فقد شرعت الآیات التی بین أیدینا بشرح واحدة من هذه الحوادث، من خلال قصة موسى وفرعون، وهامان وقارون.

قد یبدو للوهلة الأولى أنّ قصة موسى(علیه السلام) مکررة فی أکثر من سورة من سور القرآن الکریم، ولکن التأمّل فی هذه الموارد یظهر خطأ هذا التصوّر، إذ یتبیّن أنّ القرآن یتطرّق إلى ذکر القصة فی کلّ مرّة من زاویة معیّنة، وفی هذه السورة یتعرّض القرآن للقصة من زاویة دور «مؤمن آل فرعون» فیها. والباقی هو بمثابة أرضیة ممهّدة لحکایة هذا الدور.

یقول تعالى (ولقد أرسلنا موسى بآیاتنا وسلطان مبین).

أرسله تعالى: (إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر کذّاب).

لقد ذکر المفسرون عدّة تفاسیر فی الفرق بین «الآیات» و«السلطان المبین» فالبعض اعتبر «الآیات» الأدلة الواضحة، بینما «السلطان المبین» هی المعجزات.

والبعض الآخر اعتبر «الآیات» آیات التوراة، بینما «السلطان المبین» المعجزات.

واحتمل البعض الثّالث أنّ «الآیات» تشمل کلّ معاجز موسى(علیه السلام)، أمّا «السلطان المبین» فهو المعاجز الکبیرة کالعصا والید البیضاء، التی تسببت فی غلبته الواضحة على فرعون.

ومنهم من اعتبر «الآیات» المعجزات، بینما فسّرَ «السلطان المبین» بالسلطة القاهرة والنفوذ الإلهی لموسى(علیه السلام) والذی کان سبباً فی عدم قتله وعدم فشل دعوته.

لکن الملاحظ أنّ هذه الآراء بمجموعها لا تقوم على أدلة قویة واضحة، ولکن نستفید من الآیات القرآنیة الاُخرى أنّ «السلطان المبین» یعنی ـ فی العادةـ الدلیل الواضح القوی الذی یؤدّی إلى السلطة الواضحة، کما نرى ذلک واضحاً فی الآیة 21 من سورة «النمل» أثناء الحدیث عن قصة سلیمان(علیه السلام) والهدهد حیث یقول تعالى على لسان سلیمان: (وتفقّد الطّیر فقال ما لی لا أرى الهدهد أم کان من الغائبین * لأعذّبنّه عذاباً شدیداً أو لأذبحنّه أو لیأتینىّ بسلطان مبین) فالسلطان المبین هنا هو الدلیل الواضح للغیبة.

وفی الآیة 15 من سورة الکهف قوله تعالى: (لو لایأتون علیهم بسلطان بیّن).

أمّا «الآیات» فقد وردت فی القرآن مراراً بمعنى المعاجز.

وبناء على هذا فإنّ «آیات» فی الآیة التی نحن بصددها تشیر إلى «معجزات موسى» بینما یشیر «سلطان مبین» إلى منطق موسى(علیه السلام) القوی وأدلته القاطعة فی مقابل الفراعنة.

إنّ موسى(علیه السلام) کان یزاوج بین منطق العقل، وبین الأعمال الإعجازیة التی تعتبر علامة کافیة على ارتباطه بعالم الغیب وبالله تعالى، ولکن فی المقابل لم یکن للفراعنة من منطق سوى اتهامه بالسحر أو الکذب، لقد اتهموه بالسحر فی مقابل الآیات والمعجزات التی أظهرها، وکذّبوه مقابل منطقه واستدلاله العقلانی على الاُمور. وهذا ما یؤیّد الرأی الذی اخترناه فی تفسیر «آیات» و«سلطان مبین».

وبالنسبة للطواغیت والفراعنة، لا یملکون أصلا سوى منطق الإتهام، واُسلوب إطلاق الشبهات على رجال الحق ودعاته.

والذی یلفت النظر فی الآیة الکریمة إشارتها إلى ثلاثة أسماء، کلّ واحد منها یرمز لشیء معیّن فی سیاق الحالة السائدة آنذاک، والتی یمکن أن تجد مماثلاتها فی أىّ عصر.

«فرعون» نموذج للطغاة والعصاة وحکّام الظلم والجور.

«هامان» رمزللشیطنة والخطط الشیطانیة.

«قارون» نموذج للأثریاء البغاة، والمستغلین الذین لا یهمهم أىّ شیء فی سبیل الحفاظ على ثرواتهم وزیادتها.

وبذلک کانت دعوة موسى(علیه السلام) تستهدف القضاء على الحاکم الظالم، والمخططات الشیطانیة لرموز السیاسة فی حاشیة السلطان الظالم، وبتر تجاوزات الأثریاء المستکبرین، وبناء مجتمع جدید یقوم على قواعد العدالة الکاملة فی المجالات السیاسیة والثقافیة والاقتصادیة. ولکن بعض الاشخاص الذین وقعت مصالحهم اللامشروعة فی خطر! قصدوا لمقاومة هذه الدعوة الإلهیّة.

الآیة التی بعدها تتعرّض إلى بعض مخططات هؤلاء الظلمة فی مقابل دعوة النّبی موسى(علیه السلام): (فلمّا جاءهم بالحقّ من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الّذین آمنوا معه واستحیوا نسائهم).

وما نستفیده من الآیة هو أنّ قضیة قتل الأبناء والإبقاء على النساء فقط لم یقتصر ـ کاُسلوب طاغوتی ـ على الفترة التی سبقت ولادة موسى(علیه السلام) فحسب، وإنّما تمّ تکرار هذه الممارسة أثناء نبوة موسى(علیه السلام)، فالآیة 129 من سورة الأعراف تؤیّد هذا الرأی، حیث تحکی على لسان بنی إسرائیل قولهم لموسى(علیه السلام): (أوذینا من قبل أن تأتینا ومن بعد ما جئتن).

لقد صدر هذا القول عن بنی إسرائیل بعد أن قام فرعون بقتل أبناء المؤمنین منهم بدعوة موسى(علیه السلام).

وفی کلّ الأحوال، یعبّر هذا الاُسلوب عن واحدة من الممارسات والخطط المشؤومة الدائمة للقدرات الشیطانیة الظالمة التی تستهدف إبادة وتعطیل الصاقات الفعّالة، وترک غیر الفاعلین للإستفادة منهم فی خدمة النظام.

لقد کان «بنو إسرائیل» قبل موسى(علیه السلام) عبیداً للفراعنة، لذلک لم یکن من العجیب أن تبادر سلطات فرعون بعد بعثة موسى(علیه السلام) وشیوع دعوته إلى اعتماد الخطة المعادیة، فی قتل الأبناء واستحیاء النساء، بهدف الإنتقام والإبادة الشدیدة لبنی إسرائیل کی تتعطل فیهم عوامل الصمود والمقاومة.

ولکن ما هی نتیجة کلّ هذا الکید؟

القرآن یجیب: (وما کید الکافرین إلاّ فی ضلال).

أعمالهم سهام تطلق فی ظلام الجهل والضلال فلا تصیب سوى الحجارة! لقد قضى الله تعالى بمشیئته أن ینتصر الحق وأهله، وأن یزهق الباطل وأنصاره.

لقد اشتد الصراع بین موسى(علیه السلام) وأصحابه من جانب، وبین فرعون وأنصاره من جانب آخر. ووقعت حوادث کثیرة، لا یذکر القرآن عنها کثیراً فی هذه الفقرة، ولتحقیق هدف خاص یذکر القرآن أنّ فرعون قرّر قتل موسى(علیه السلام) لمنع انتشار دعوته وللحیلولة دون ذیوعها، لکنّ المستشارین من «الملأ» من القوم عارضوا الفکرة.

یقول تعالى: (وقال فرعون ذرونی أقتل موسى وَلیدع ربّه).

نستفید من الآیة أنّ أکثریة مستشاریه أو بعضهم على الاقل کانوا یعارضون قتل موسى، لخوفهم أن یطلب(علیه السلام) من ربّه نزول العذاب بساحتهم، لما کانوا یرون من معجزاته وأعماله غیر العادیة، إلاّ أنّ فرعون ـ بدافع من غروره ـ یصر على قتله مهما تکن النتائج.

وبالطبع، فإنّ سبب امتناع «الملأ» عن تأیید فکرة فرعون فی قتل موسى غیر معلوم، فهناک احتمالات کثیرة قد یکون بعضها أو کلّها صحیحة... .

فقد یکون الخوف من العذاب الإلهی ـ کما احتملنا ـ هو السبب.

وقد یکون السبب خشیة القوم من تحوّل موسى(علیه السلام) بعد استشهاده إلى هالة مقدّسة، وهو ممّا یؤدّی إلى زیادة عدد الأتباع والمؤمنین بدعوته، خاصة إذا ما تمّ قتله بعد قضیة لقاء موسى مع السحرة وانتصاره الإعجازی علیهم.

وما یؤکّد هذا المعنى هو أنّ موسى جاء فی بدایة دعوته بمعجزتین کبیرتین (العصا والید البیضاء) وقد دعا هذا الأمر فرعون إلى أن یصف موسى(علیه السلام) بالساحر، وأن یدعوه لمنازلة السحرة فی میقات یوم معلوم (یوم الزینة) وکان یأمل الإنتصار على موسى(علیه السلام) عن هذا الطریق، لذا بقی فی انتظار هذا الیوم.

وبمشاهدة هذا الوضع ینتفی احتمال أن یکون فرعون قد صمّم على قتل موسى قبل حادث یوم الزینة، خشیة من تبدّل دین أهل مصر(1).

خلاصة القول: إنّ هؤلاء یعتقدون أنّ تحرّک موسى(علیه السلام) مجرّد حادث صغیر ومحدود، بینما یؤدّی قتله فی مثل تلک الظروف إلى أن یتحوّل إلى تیار... تیارٌ کبیر یصعب السیطرة علیه.

البعض الآخر من المقرّبین لفرعون ممّن لا یمیل إلیه، کان یرغب ببقاء موسى(علیه السلام) حیاً حتى یشغل فکر فرعون دائماً، کی یتمکن هؤلاء من العیش بارتیاح بعیداً عن عیون فرعون، ویفعلون ما شاؤوا من دون رقابته.

وهذا الأمر یعبّر عن اتجاه سائد فی بلاط السلاطین، إذ یقوم رجال الحاشیة ـ من هذا النوع ـ بتحریک بعض أعداء السلطة حتى ینشغل الملک أو السلطان بهم، ولیأمنوا هم من رقابته علیهم، کی یفعلوا ما یریدون!

وقد استدل فرعون على تصمیمه فی قتل موسى(علیه السلام) بدلیلین، الأوّل ذو طابع دینی ومعنوی، والآخر ذو طابع دنیوی ومادی، فقال فی الأوّل، کما یحکی القرآن ذلک: (إنّی أخاف أن یبدّل دینکم).

وفی الثّانی: (أو أن یظهر فی الأرض الفساد).

فإذا سکتّ أناوکففت عن قتله، فسیظهر دین موسى وینفذ فی أعماق قلوب أهل مصر، وستتبدل عبادة الأصنام التی تحفظ منافعکم ووحدتکم; وإذا سکتّ الیوم فإنّ الزمن کفیل بزیادة أنصار موسى(علیه السلام) وأتباعه، وهو أمرٌ تصعب معه مجاهدته فی المستقبل، إذ ستجر الخصومة والصراع معه إلى إراقة الدماء والفساد وشیوع القلق فی البلاد، لذا فالمصلحة تقتضی أن أقتله بأسرع ما یمکن.

بالطبع، لم یکن فرعون یقصد من الدین شیئاً سوى عبادته أو عبادة الأصنام، وهذا الاُسلوب فی استخدام لباس الدین واسمه وتبنّی شعاراته، یستهدف منه السلطان (فرعون) تحذیر الناس وتجهیلهم من خلال إعطاء طابع الدین على مواقفه وکیانه وسلطته.

أمّا الفساد فهو من وجهة نظر فرعون یعنی الثورة ضدّ استکبار فرعون من أجل تحریر عامّة العباد، ومحو آثار عبادة الأصنام، وإحیاء معالم التوحید، وتشیید الحیاة على أساسها.

إنّ استخدام لباس الدین ورفع شعاراته، وکذلک «التدلیس» على المصلحین بالإتهامات، هما من الأسالیب التی یعتمدها الظلمة والطغاة فی کلّ عصر ومصر، وعالمنا الیوم یموج بالأمثلة على ما نقول!

والآن لنر کیف کان رد فعل موسى(علیه السلام) والذی یبدو أنّه کان حاضراً فی المجلس؟

یقول القرآن فی ذلک: (وقال موسى إنّی عذت بربّی وربّکم من کلّ متکبّر لاّ یؤمن بیوم الحساب).

قال موسى(علیه السلام) هذا الکلام بقاطعیة واطمئنان یستمدان جذورهما من إیمانه القوی

واعتماده المطلق على الله تعالى، وأثبت بذلک بأنّه لا یهتز أو یخاف أمام التهدیدات.

ویستفاد من قول موسى(علیه السلام) أیضاً أنّ من تحلّ فیه صفتا «التکبّر» و«عدم الإیمان بیوم الحساب» فهو إنسان خطر، علینا أن نستعیذ بالله من شرّه وکیده.

فالتکبّر یصبح سبباً لأن لا یرى الإنسان سوى نفسه وسوى أفکاره، فهو یعتبر ـ کما هو حال فرعون ـ الآیات والمعجزات الإلهیّة سحراً، ویعتبر المصلحین مفسدین، ونصیحة الأصدقاء والمقرّبین ضعفاً فی النفس.

أمّا عدم الإیمان بیوم الحساب فیجعل الإنسان حرّاً طلیقاً فی أعماله وبرامجه، لا یفکر بالعواقب، ولا یرى لنفسه حدوداً یقف عندها، وسیقوم بسبب انعدام الضوابط وفقدان الرقابة، بمواجهة کلّ دعوة صالحة ومحاربة الأنبیاء.

ولکن ماذا کان عاقبة تهدید فرعون؟

الآیات القادمة تنبئنا بذلک، وتکشف کیف استطاع موسى(علیه السلام) أن یفلت من مخالب هذا الرجل المتکبّر المغرور.


1. ورد فی تفسیر المیزان عند الحدیث عن الآیة 36 من سورة الشعراء: (قالوا أرجه وأخاه) إنّ الآیة دلیل على أنّ هناک مجموعة منعت فرعون من قتل «موسى»(علیه السلام) إلاّ أنّ التدقیق فی الآیات الخاصة بقصة موسى تظهر أنّه لم تکن هناک نیة لقتله فی ذلک الوقت، وإنّما کان الهدف اختبار النوایا لمعرفة الصادق من الکاذب، أمّا التصمیم على القتل فقد کان بعد حادثة السحرة وانتصار موسى(علیه السلام) علیهم ونفوذ تأثیره فی أعماق قلوب أهل مصر، حیث خشی فرعون العواقب.
 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 23 ـ 27 سورة غافر (المؤمن) / الآیة 28 ـ 29
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma