یوم تبلغ القلوب الحناجر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 18 ـ 20  سورة غافر (المؤمن) / الآیة 21 ـ 22

هذه الآیات تستمر ـ کالآیات السابقة ـ فی وصف القیامة ـ یوم التلاقی ـ وتحدّد سبع خصائص للقیامة والحوادث المهولة والمدهشة التی تدفع بکل انسان مؤمن نحو التفکیر والتأمل بالحیاة والمصیر.

یقول تعالى: (وأنذرهم یوم الآزفة).

«الآزفة» باللغة بمعنى (القریب) ویا لها من کنایة عجیبة، حیث أطلق سبحانه على یوم القیامة یوم الأزفة کی لا یظن الجهلة أنّ هناک فترة طویلة تفصلهم عن ذلک الیوم، فلا ینبغی ـ والحال هذه ـ أن ینشغل المرء بالتفکیر به!

وإذا نظرنا بتأمّل فسنجد أنّ عمر الدنیا بأجمعه لا یعادل سوى لحظة زائلة حیال یوم القیامة، ولأنّ الله تبارک وتعالى لم یذکر أىّ تاریخ لهذا الیوم المهول، حتى للأنبیاء(علیهم السلام)، لذا یجب الإستعداد دائماً لاستقبال ذلک الیوم.

الوصف الثّانی لیوم الآزفة هو: (إذ القلوب لدى الحناجر) من شدّة الخوف. فعندما تواجه الإنسان الصعوبات یشعر وکأنّ قلبه یفر من مکانه، ویرید أن یخرج من حنجرته، والعرب فی ثقافتها اللغویة التی نزل بها القرآن تطلق على هَذِهِ الحالة وصف «بلغت القلوب الحناجر».

ویمکن أن یکون (القلب) کنایة عن (الروح) بمعنى أنّ روحه بلغت حنجرته هلعاً وخوفاً، کأنّما ترید أن تفارق بدنه تدریجیاً ولم یبق منها سوى القلیل.

إنّ هول الخوف من الحساب الإلهی الربانی الدقیق، والخشیة من الإفتضاح وانکشاف الستر والحجب أمام جمیع الخلائق، وتحمّل العذاب الألیم الذی  لا یمکن الخلاص منه، کلّ هذه أمور سیواجهها الإنسان ولا یمکن وصفها وشرحها بأىّ بیان.

الصفة الثّالثة لذلک الیوم تعبّر عنها الآیة بـ (کاظمین) أی إنّ الهم والغم سیشمل کل وجودهم، إلاّ أنّهم لا یستطیعون إظهار ذلک أو إبداءه.

«کاظم» مشتقّة من «کظم» وهی فی الأصل تعنی غلق فوهة القربة المملوءة بالماء; ثمّ أطلقت بعد ذلک على الأشخاص المملوئین غضباً إلاّ أنّهم لا یظهرونه لسبب من الأسباب.

قد یستطیع الإنسان المغموم المحزون أن یهدأ أو یستریح بالصراخ، لکن المصیبة حینما لا یستطیع هذا الإنسان حتى من الصراخ... فماذا ینفع الصراخ فی محضر الخالق جلّ وعلا وفی ساحة عدله وعندما تنکشف جمیع الأسرار أمام جمیع الخلائق.

الصفة الرّابعة لیوم التلاقی هو یوم: (ما للظّالمین من حمیم). أی صدیق، نعم إنّ تلک المجموعة من الأصدقاء الکذابین التی تحیط بالشخص کذباً وتملّقاً ـ کما یحیط الذباب بالحلویات ـ طمعاً فی مقامه وقدرته وجاهه وماله، إنّ هؤلاء فی هذا الیوم مشغولون بأنفسهم لا ینفعون أحداً... وهو یوم لا تنفع فیه لا صداقة  ولا خلّة.

الصفة الخامسة تقول عنها الآیة:(ولا شفیع یطاع).

ذلک أنّ شفاعة الشفعاء الحقیقیین کالأنبیاء والأولیاء إنّما تکون بإذن الله تعالى، وعلى هذا الأساس لا مجال لتلک التصورات السقیمة لعبدة الأصنام، الذین کانوا یعتقدون فی الحیاة الدنیا أنّ أصنامهم ستشفع لهم فی حضرة الله جلّ وعلا.

وفی المرحلة السادسة تذکر الآیة أحد صفات الخالق جلّ وعلا، والتی تعتبر فی نفس الوقت وصفاً لکیفیة القیامة، حیث تقول: (یعلم خائنة الأعین وما تخفی الصّدور)(1).

إنّ الله تبارک وتعالى یعلم الحرکات السریة للعیون وما تخفیه الصدور من أسرار، وسیقوم تعالى بالحکم والقضاء العادل علیها، وهو بعلمه سیجعل صباح الظالمین المذنبین مظلماً.

وعندما سئل الإمام الصادق(علیه السلام) عن معنى الآیة فأجاب: «ألم تر إلى الرجل ینظر إلى

الشیء وکأنّه لا ینظر إلیه، فذلک خائنة الأعین»(2). أی یوهم أنّه لا ینظر إلیه.

قد یتطاول البعض بنظره إلى أعراض الناس وإلى ما یحرم النظر إلیه، وقد یستطیع الفاعل أن یخفی فعلته عن الآخرین، لکن ذلک لایخفى عن علم الله المحیط بکل ذرّات الوجود إذ: (لا یعزب عنه مثقال ذرّة فی السّماوات ولا فی الأرض)(3).

وقد روی أنّه لمّاجیء بعبد الله بن أبی سرح إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) بعد فتح مکّة وطلب له الأمان عثمان، صمت رسول الله طویلا ثمّ قال: (نعم) فلمّا انصرف قال رسول الله لمن حوله: «ما صمتّ طویلا إلاّ لیقوم إلیه بعضکم فیضرب عنقه» فقال رجلٌ من الأنصار: فهلاً أومأت إلیّ یا رسول الله، فقال: «إنّ النّبی لاتکون له خائنة الأعین»(4).

وبالطبع فإنّ لخیانة العین أشکال مختلفة، إذ تتمثل فی بعض الأحیان باستراق النظر إلى ما یحرم کالنساء وغیرهن، وأحیاناً تتمثل بإشارات معیّنة للعین تهدف تحقیر الآخرین والإستهزاء بکلامهم، وقد تکون حرکات العین مقدمة لمخططات شیطانیة ضدّ الآخرین.

إنّ من یؤمن بالحساب الدقیق فی الآخرة، علیه أن یراعی حدود التقوى فی خائنة الأعین وخطرات الفکر، وواضح أنّ استحضار عناصر الرقابة هذه لها مؤدّاها التربوی الکبیر فی سلوک الإنسان وحیاته.

وفی قصص الوعظ المتداولة فی مجالس العلماء، یقال أنّ أحد کبار العلماء عندما أنهى دراسته الدینیة فی النجف الأشرف، طلب من اُستاذه عندما أراد الرجوع إلى بلده أن یعظه وینصحه، فقال له الاُستاذ: بعد کلّ هذا التعب وتحمّل مشاق الدراسة والتحصیل فإنّ آخر نصیحتی لک هی أن لا تنسى أبداً قوله تعالى (ألم یعلم بأنّ الله یرى)(5).

المؤمن الحقیقی یعتبر العالم کلّه حاضراً عند الله تعالى، وإنّ کلّ الأعمال تتمّ فی حضوره، وینبغی لهذا الحضور الإلهی أن یکون رادعاً کافیاً ومثیراً للخجل والکف عن المعاصی والذنوب.

الآیة التی تلیها تتحدّث عن صفة سابعة للقیامة تتمثل فی قوله تعالى: (والله یقضی بالحق).

أمّا غیره: (والّذین یدعون من دونه لا یقضون بشیء).

فی ذلک الیوم یختص الله وحده بالقضاء، وهو جلّ جلاله لا یقضی إلاّ بالحق، لأنّ القضاء بغیر الحق ـ بالظلم مثلا والإنحیاز ـ إمّا أن یعود إلى الجهل وعدم المعرفة، والله محیط بکل شیء، حتى بما یموج فی الضمائر وماتکنّه السرائر. أو أنّه یکون نتیجة للعجز والإحتیاج، وهذه صفات هی أبعد ما تکون عن ذات الله جلّ جلاله.

إنّ هذا التعبیر یحمل فی مؤدّاه دلیلا کبیراً على توحید المعبود والعبادة، لأنّ من یکون له حق القضاء فی النهایة یستحق العبادة حتماً أمّا الأصنام التی لا تنفع شیئاً فی هذا العالم، ولا تکون فی القیامة مرجعاً للحکم والقضاء، فکیف تستحق العبادة؟!

ومن الضروری أن نشیر أیضاً إلى أنّ للحکم والقضاء بالحقّ معانی واسعة، إذ هی تشمل عالم التکوین وعالم التشریع، حیث وردت کلمة «قضى» فی الآیات القرآنیة لتشمل المعنیین، ففی مکان نقرأ قوله تعالى: (وقضى ربّک ألاّ تعبدوا إلاّ إیّاه)(6) حیث تنطوی الآیة على القضاء التشریعی. وفی آیة اُخرى نقرأ قوله تعالى: (إذا قضى أمراً فإنّما یقول له کن فیکون)(7).

وفی الختام وللتأکید على المطالب المذکورة فی الآیات السابقة تضیف الآیة: (إن الله هو السمیع البصیر).

فهو تعالى سمیع وبصیر بمعنى الکلمة، أی إنّ کلّ المسموعات والمبصرات حاضرة عنده، وهذا تأکید على إحاطته وعلمه بکل شیء، وقضاوته بالحق، فإنّه لو لم یکن سمیعاً وبصیراً مطلقاً فلا یستطیع أن یقضی بالحق.


1. هناک احتمالان من حیث الترکیب النحوی لجملة (یعلم خائنة الأعین): الأول: أنّ (خائنة) لها معنى مصدری وتعنی الخیانة (مثل کاذبة ولاغیة بمعنى کذب ولغو). ویحتمل أن تکون (اسم فاعل) من باب تقدیم الصفة، أی أنّها تعنی فی الأصل (الأعین الخائنة).
2. تفسیر الصافی، ذیل الآیة مورد البحث.
3. سبأ، 3.
4. تفسیر القرطبی، ج 8، ص 5747، بتلخیص.
5. العلق، 14.
6. الإسراء، 23.
7. آل عمران، 47.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 18 ـ 20  سورة غافر (المؤمن) / الآیة 21 ـ 22
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma