اعترفنا بذنوبنا فهل من خلاص؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 10 ـ 12 الدعاء البعید عن الإجابة!

تحدّثت الآیات السابقة عن شمول الرحمة الإلهیّة للمؤمنین، أمّا مجموعة الآیات التی بین أیدینا فهی تتحدّث عن «غضب» الله تعالى على الکافرین، کی یکون بالمستطاع المقارنة بین صورتین ومشهدین متقابلین.

فی البدایة تقول الآیة: (إنّ الّذین کفروا ینادون لمقت الله أکبر من مقتکم أنفسکم إذ تدعون إلى الإیمان فتکفرون).

من الذی ینادی هؤلاء بهذا النداء؟

یبدو أنّ ملائکة العذاب ینادونهم بهذا النداء لتوبیخهم وفضحهم، فی مقابل ما تفعله ملائکة الرحمة من إکرام المؤمنین والصالحین.

ویحتمل أن یکون هذا النداء من نوع التخاطب والتخاصم الذی یقوم بین الکفار فی القیامة، لکن المعنى الأوّل أرجح کما یبدو، وعلى کلّ حال سینطلق هذا النداء یوم القیامة، کما أنّ الآیات اللاحقة شاهد على هذا المعنى.

«المقت» تعنی فی اللغة البغض والعداوة الشدیدة. وهذه الآیة تبیّن أنّ غضب الله تعالى على الکافرین هو أشدّ من عداوتهم لأنفسهم. أمّا فیم یتعلّق مقت الکفار لأنفسهم، فهناک تفسیران:

الأوّل: یتمثل فی ارتکاب هؤلاء فی الحیاة الدنیا لأکبر عداوة إزاء أنفسهم برفضهم لنداء التوحید، فهم لم یهملوا مصابیح الهدایة وحسب، بل عمدوا إلى تحطیمها. فهل ثمّة عداء للنفس أکثر من أن یغلق الإنسان أمامه أبواب السعادة الأبدیة، ویفتح على نفسه أبواب العذاب.

وطبقاً لهذا التّفسیر یکون قوله تعالى: (إذ تدعون إلى الإیمان فتکفرون) بیاناً لکیفیة مقت وعداوة الکافرین أنفسهم.

الثّانی: أن یکون المقصود بمقتهم وعدائهم لأنفسهم هو أن تصیبهم حالة من الألم والندم الشدید عندما یشاهدون یوم القیامة نتیجة أعمالهم وما اقترفت أیدیهم فی هذه الدنیا، حیث ترتفع آهاتهم وصرخاتهم، ویعضّون على أناملهم من الندم، ولات ساعة مندم، یقول تعالى:(ویوم یعضّ الظّالم على یدیه)(1). ویتمنون أن یکونوا تراباً: (ویقول الکافر یا لیتنی کنت تراب)(2).

وفی ذلک الیوم تنفتح آفاق البصر: (فبصرک الیوم حدید)(3) وتنکشف الأسرار والحقائق الخفیة: (یوم تبلى السّرائر)(4). وفی ذلک الیوم تنشر الصحف وتکشف الأعمال: (وإذا الصّحف نشرت)(5). وعندها تکون النتیجة: (کفى بنفسک الیوم علیک حسیب)(6). لذلک سیلوم هؤلاء أنفسهم بشدّة ویتنفرون منها ویبکون على مصیرهم.

وهنا یأتی النداء: (إنّ الّذین کفروا ینادون لمقت الله أکبر من مقتکم أنفسکم إذ تدعون إلى الإیمان فتکفرون).

وطبقاً لهذا التّفسیر تکون جملة: (إذ تدعون إلى الإیمان فتکفرون) بیاناً لدلیل شدّة الغضب الإلهی علیهم(7).

بالطبع فإنّ کلا التّفسیرین مناسب، إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل ـ بلحاظ بعض الاُمور ـ أرجح.

عندما یشاهد المجرمون أوضاع یوم القیامة وأهوالها، ویرون مشاهد الغضب الإلهی حیالهم، سینتبهون من غفلتهم الطویلة ویفکّرون بطریق للخلاص، فیعترفون بذنوبهم ویقولون: (قالوا ربّنا أمّتنا اثنتین وأحییتنا اثنتین فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبیل).

عندما تزول حجب الغرور والغفلة، وینظر الإنسان بالعین الحقیقیة، فلا سبیل عندها سوى الإعتراف بالذنوب!

إنّ هؤلاء کانوا یصرّون على إنکار المعاد، ویستهزئون بوعید الأنبیاء لهم، ولکن بعد توالی الموت والحیاة لا یبقى مجال للإنکار، وقد یکون سبب تکرارهم للموت والحیاة، أنّهم یریدون القول: یا خالقنا الذی تملک الموت والحیاة، أنت قادر على أن تعیدنا إلى الدنیا مرّةٌ اُخرى کی نعوّض مامضى.

ذکر المفسرون عدّة تفاسیر حول المقصود من قوله تعالى: (أمّتنا اثنتین) و(أحیینا اثنتین) ومن بین هذه التفاسیر هناک ثلاثة آراء نقف علیها فیما یلی:

أوّلا: أن یکون المقصود من (أمّتنا اثنتین) هو الموت فی نهایة العمر، والموت فی نهایة البرزخ. أمّا المقصود من (أحییتنا اثنتین) فهی الإحیاء فی نهایة البرزخ والإحیاء فی القیامة.

ولتوضیح ذلک، نرى أنّ للإنسان حیاة اُخرى بعد الموت تسمى الحیاة البرزخیة، وهذه الحیاة هی نفس حیاة الشهداء التی یحکی عنها قوله تعالى: (بل أحیاء عند ربّهم یرزقون)(8)، وهی نفس حیاة النّبی(صلى الله علیه وآله) والأئمّة من أهل البیت(علیهم السلام)، حیث یسمعون سلامنا ویردون علیه.

وهی أیضاً نفس حیاة الطغاة والأشقیاء کالفراعنة الذین یعاقبون صباحاً ومساءً بمقتضى قوله تعالى: (النّار یعرضون علیها غدّواً وعشی)(9).

ومن جانب آخر نعرف أنّ الجمیع، من الملائکة والبشر والأرواح، ستموت فی نهایة هذا العالم مع أوّل نفخة من الصور: (فصعق من فی السّماوات ومن فی الأرض)(10). ولا یبقى أحد سوى الذات الإلهیّة (بالطبع على خلاف ما أوضحناه فی نهایة الآیة 86 من سورة الزمر بین موت وحیاة الملائکة والأرواح، وبین موت وحیاة الإنسان).

وعلى هذا الأساس فإنّ هناک حیاة جسمانیة وحیاة برزخیة، ففی نهایة العمر یحل الموت بحیاتنا الجسمانیة ; لکن فی نهایة العالم یحل بحیاتنا البرزخیة.

یترتب على ذلک أن تکون هناک حیاتان بعد هذین الموتتین: حیاة برزخیة، وحیاة فی یوم القیامة.

وهنا قد یطرح البعض هذا السؤال: إنّنا فی الواقع نملک حیاة ثالثة هی حیاتنا فی هذه الدنیا، وهی غیر هاتین الحیاتین، وقبلها أیضاً کنّا فی موت قبل أن نأتی إلى هذه الدنیا، وبهذا سیکون لدینا ثلاثة موتات وثلاثة إحیاءات.

ولکن الجواب یتوضّح عند التدقیق فی نفس الآیة، فالموت قبل الحیاة الدنیا (أی فی الحالة التی کنّا فیها تراباً) یعتبر «موتاً» لا «إماتة» وأمّا الحیاة فی هذه الدنیا فالبرغم من أنّها مصداق للإحیاء، إلاّ أنّ القرآن لم یشر إلى هذا الجانب فی الآیة أعلاه، لإنّ هذا الإحیاء لا یشکّل عبرة کافیة بالنسبة للکافرین، إذ الشیء الذی جعلهم یعون ویعترفون بذنوبهم هو الحیاة البرزخیة أوّلا، والحیاة عند البعث ثانیاً.

ثانیاً: إنّ المقصود بالحیاتین، هو الإحیاء فی القبر لأجل بعض الأسئلة، والإحیاء فی یوم القیامة، وإنّ المقصود بالموتتین، هما الموتة فی نهایة العمر، والموتة فی القبر.

لذلک اعتبر بعض المفسّرین هذه الآیة دلیلا على الحیاة المؤقتة فی القبر.

أمّا عن کیفیة حیاة القبر، وفیما إذا کانت جسمانیة أو برزخیة أو نصف جسمانیة، فهذه کلّها بحوث لیس هنا مجال الخوض فیها.

ثالثاً: إنّ المقصود بالموتة الاُولى، هو الموت قبل وجود الإنسان فی هذه الدنیا، إذ أنّه کان تراباً فی السابق، لذا فإنّ الحیاة الاُولى هی الحیاة فی هذه الدنیا، والموت الثّانی هو الموت فی نهایة هذا العالم، فیما الحیاة الثانیة هی الحیاة عند البعث.

والذین یعتقدون بهذا التّفسیر یستدلون بالآیة 28 من سورة «البقرة» حیث قوله تعالى: (کیف تکفرون بالله وکنتم أمواتاً فأحیاکم ثمّ یمیتکم ثمّ یحییکم ثمّ إلیه ترجعون).

إلاّ أنّ الآیة التی نبحثها تتحدّث عن إماتتین، فی حین أنّ آیة سورة البقرة تتحدّث عن حیاة واحدة وإماتة واحدة(11).

یتّضح من مجموع التفاسیر الثّلاثة هذه أنّ التّفسیر الأوّل هو الأرجح.

ولا بأس أن نشیر إلى أنّ بعض مؤیدی «التناسخ» أرادوا الإستدلال بهذه الآیة على الحیاة والموت المکرّر للإنسان، وعودة الروح إلى الأجساد الجدیدة فی هذه الدنیا، فی حین أنّ الآیة أعلاه تعتبر إحدى الأدلة الحیّة على نفی التناسخ، لأنّها تحدّد الموت والحیاة فی مرّتین، إلاّ أنّ أنصار عقیدة «التناسخ» یقولون بالموت والحیاة المتعدّد والمتوالی، ویعتقدون بأنّ روح الإنسان الواحد یمکن أن تتجسّد وتحل مرّات اُخرى فی أجساد جدیدة، ونطف جدیدة وترجع إلى هذه الدنیا.

من الطبیعی أن یکون الجواب على طلب الکافرین بالعودة إلى هذه الدنیا للتکفیر عمّا فاتهم هو الرفض. وهذا الرفض من الوضوح بحیث لم تشر إلیه الآیات التی نبحثها.

لکن نستطیع أن نعتبر الآیة التی بعدها دلیلا على مانقول، إذ تقول: (ذلکم بأنّه إذا دعی الله وحده کفرتم وإن یُشرک به تؤمنو).

فعندما یدور الکلام عن التوحید والتقوى والأوامر الحقّة تشمئزون وتحزنون، أمّا إذا دار الحدیث عن الکفر والنفاق والشرک فستفرحون وتنبسط أساریرکم، لذلک ستکون عاقبتکم ما رأیتم.

وهنا نطرح هذا السؤال: کیف نربط هذا الجواب مع طلبهم العودة إلى هذه الدنیا؟

إنّ الآیة تفید أنّ حقیقة أعمال هؤلاء لم تکن محدودة بزمن معیّن، ولم تکن مؤقتة، بل کانت دائمیة، لذلک فلو عادوا إلى الحیاة مرّة اُخرى فإنّهم سیستمرون على هذا الوضع، أمّا هذا الإیمان والتسلیم والإذعان الذی رأیناه منهم یوم القیامة، فهو اضطراری ولیس عن قناعة حقیقیة.

ثمّ إنّ اعتقادات هؤلاء وأعمالهم ونیّاتهم السابقة تستوجب خلودهم فی الجحیم، لذا فلا یمکن عودة هؤلاء إلى الدنیا مع هذا الوضع.

وهذا الوضع یختص بالأفراد الذین تجذّر الکفر والشر والذنب فی أعماقهم، وهؤلاء هم الذین یصفهم القرآن بأنّ نفوسهم تشمئز عند ذکر الله تعالى وحده، ویفرحون عند ذکر الأصنام: (وإذا ذکر الله وحده اشمأزّت قلوب الّذین لا یؤمنون بالآخرة وإذا ذکر الّذین من دونه إذا هم یستبشرون)(12).

إنّ هذا الوصف لا یختص بالمشرکین فی زمن رسول الله(صلى الله علیه وآله) فحسب، إذ یشهد زماننا مثل هؤلاء من ذوی القلوب المیتة، الذین یفرّون من الإیمان والتوحید والتقوى، ویُقبلون على الکفر والنفاق والفساد.

لذلک نقرأ فی بعض الروایات عن أهل البیت(علیهم السلام)، فی تفسیر هذه الآیة، أنّها تختص بقضیة (الولایة) إذ یتأذّى البعض عند سماعها (أی الولایة) ویفرحون عند سماع أسماء أعداء أهل البیت(علیهم السلام). هذا التّفسیر هو من باب انطباق المفهوم، العام على المصداق، ولیس من باب تقیید کلّ المفهوم الذی تطویه الآیة بهذا المصداق.

وفی نهایة الآیة، ومن أجل أن لا ییأس هؤلاء المشرکون ذوو القلوب المظلمة، تقول الآیة إنّ الحاکمیة تختص بذات الله سبحانه وتعالى: (فالحکم لله العلىّ الکبیر) إذ لا یوجد غیره قاض وحاکم فی محکمة الآخرة، ولا یوجد غیره علی وکبیر، فلا یستطیع أحد أن یغلبه أو أن یؤثّر علیه أو على حکمه بفدیة أو غرامة أو وساطة، فالحاکم المطلق هو، والجمیع یطیعونه، ولا یوجد طریق للهروب من حکمه.


1. فرقان، 27.
2. نبأ، 40.
3. ق، 22.
4. الطارق، 9.
5. التکویر، 10.
6. الإسراء، 14.
7. طبقاً للتفسیر الأوّل تکون (إذ) ظرفیة ومتعلّقة بـ (مقتکم أنفسکم) أمّا طبق التّفسیر الثّانی فتعتبر (إذ) تعلیلیة ومتعلّقة بـ «مقت الله» والجدیر بالملاحظة أنّ المقتین الواردین فی الآیة أعلاه یرتبطان بأربعة احتمالات هی:
الأوّل: أن یکون مکان الإثنین فی یوم القیامة.
الثّانی: أن یکون مکانهما فی هذه الدنیا.
الثّالث: أن یکون المقت الأوّل فی الدنیا والثّانی فی الآخرة.
أمّا الرابع: فهو عکس الثّالث.
ولکن الأفضل وفقاً للتفسیر أعلاه أن یختص الأوّل بالآخرة. والثّانی بالدنیا، أو أن یختص الإثنان بالآخرة.
8. آل عمران، 169.
9. غافر، 46.
10. الزمر، 68.
11. احتمل بعض المفسّرین أنّ الآیة أعلاه تشیر إلى «الرجعة» إلاّ أنّ مراعاة عمومیة الآیة وشمولها جمیع الکافرین، وعدم ثبوت عمومیة الرجعة لهم جمیعاً، یجعل هذا التّفسیر قابلا للنقاش.
12. الزمر، 45.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 10 ـ 12 الدعاء البعید عن الإجابة!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma