الأمر الإلهی الحاسم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 12
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 4 ـ 6 أوّلا: استعراض الکفار لقواهم الظاهریة

بعد أن تعرّضت الآیات السابقة إلى نزول القرآن، وإلى بعض الصفات الإلهیّة التی تستهدف بعث الخوف والرجاء، ورد کلام فی الآیات التی بین أیدینا عن قوم امتازوا بالمجادلة والمنازعة حیال آیات الله... الآیة الکریمة توضّح مصیر هذه المجموعة ضمن تعبیر قصیر وقاطع، فتقول: (ما یجادل فی آیات الله إلاّ الّذین کفرو).

صحیح أنّ هذه المجموعة قد تملک العدّة والعدد، إلاّ أنّ ذلک لن یدوم إلاّ لفترة، فلا تغتر وتنخدع إذاً لتحرّکهم فی البلاد وتنقّلهم فی المدن المختلفة، واستعراضهم لقوّتهم: (فلا یغررک تقلّبهم فی البلاد).

إنّها أیّام تنقضی بین الکرّ والفرّ، ثمّ تنتهی هذه الضجة لتزول معها هذه المجموعة وتمحى تماماً، کما تزول الفقاعات من على سطح الماء، أو کما یتلاشى الرماد عند هبوب العواصف!

«یجادل» مشتقّة من «جدل» وهی فی الأصل تعنی لفّ الحبل وإحکامه، ثمّ عمّ استخدامها فی الأبنیة والحدید وما شابه، ولهذا فإنّ کلمة (مجادلة) تطلق على عمل الاشخاص المتقابلین ویرید کلّ شخص أن یلقی حجته ویثبت کلامه ویغلب خصمه.

ولکن ینبغی الإنتباه إلى أنّ کلمة (المجادلة) لا تعتبر مذمومة دائماً فی اللغة العربیة، بل

تعتبر إیجابیة ومطلوبة إذا کانت المجادلة فی طریق الحق وتستند على المنطق، وتهدف إلى تبیین الحقائق وإرشاد الأشخاص الجهلة... أمّا إذا کانت على اُسس واهیة من التعصّب والجهل والغرور، وتستهدف خداع هذا وذاک، فتکون عند ذلک مذمومة.

القرآن الکریم استخدم کلمة (المجادلة) فی کلا موردیها، إذ نقرأ فی الآیة 125 من سورة النحل قوله تعالى: (وجادلهم بالتی هی أحسن).

إلاّ أنّه فی موارد اُخرى ـ کما فی الآیة أعلاه وفیما بعدها ـ وردت (المجادلة) لغرض الذم، وهناک بحث حول الجدال والمجادلة سنتعرّض له فیما بعد إن شاء الله.

«تقلب» مشتقّة من «قلب» وتعنی التغییر، و«تقلّب» هنا بمعنى التصرّف فی المناطق والبلاد المختلفة للسیطرة والتسلّط علیها، وتعنی الذهاب والإیاب فیها أیضاً.

إنّ هدف الآیة تحذیر للرسول(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین به ـ فی بدایة البعثة ـ من الذین کانوا من الطبقة المستضعفة المحرومة، بأن لا یرکنوا إلى الإمکانات المالیة أو القوّة السیاسیة والاجتماعیة للکفّار، ویعتبرونها دلیلا على حقّانیتهم أو سبباً لقوّتهم الحقیقیة، إذ هناک الکثیر منهم فی تاریخ هذه الدنیا، وقد انکشف ضعفهم وسقطت عنهم سرابیل القوّة المزعومة لیبیّن عجزهم حیال العقاب الإلهی، لیسقطوا کما تسقط الأوراق الخریفیة الذابلة فیالعواصف الهوجاء.

إنّنا فی عالم الیوم نشاهد الکفار والمستکبرین والظالمین وهم یقومون بشتّى المحاولات، من زیارات ومؤتمرات وأحلاف وتکتّلات ومناورات عسکریة، وتوقیع لإتفاقات سیاسیة وعسکریة، واعتماد لوسائل القمع والإرهاب إزاء المستضعفین والمحرومین فی العالم، ولکی یسلکوا من خلال ذلک طریقاً إلى تحقیق أهدافهم المشؤومة، لذلک ینبغی للمؤمنین أن یکونوا یقظین وحذرین حتى لا یروحوا ضحیة هذه الأسالیب القدیمة وحتى لا یسکتهم الرعب والخوف فیفتنون بهذا الوضع.

لذلک توضّح الآیة التی بعدها عاقبة بعض الاُمم السابقة التی ضلّت الطریق وانکفأت عن جادة الحق والصواب، فتقول فی عبارات قاطعة واضحة تحکی عاقبة قوم نوح وحالهم ومن تلاهم من أقوام وجماعات: (کذّبت قبلهم قوم نوح و الأحزاب من بعدهم).

المقصود من «الأحزاب» هم قوم عاد وثمود وحزب الفراعنة وقوم لوط، وأمثال هؤلاء ممّن أشارت إلیهم الآیتان 12 ـ 13 من سورة «ص» فی قوله تعالى: (کذّبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد * وثمود وقوم لوط وأصحاب لئیکة اُولئک الأحزاب).

هؤلاء هم «الأحزاب» الذین تآزروا ووقفوا ضدّ دعوات الأنبیاء الإلهیین، لتعارض مصالحهم مع روح هذه الدعوات ومضامینها الربانیة.

إنّهم لم یقتنعوا بمجرّد الوقوف ضدّ الدعوات النبویة الکریمة، بل خططت کلّ اُمّة منهم لأن تمسک بنبیّها فتسجنه وتؤذیه،بل وحتى تقتله: (وهمّت کلّ اُمّة برسولهم لیأخذوه).

ثم لم یکتفوا بهذا القدر أیضاً، بل لجأوا إلى الکلام الباطل لأجل القضاء على الحق ومحوه، وأصرّوا على إضلال الناس وصدّهم عن شریعة الله: (وجادلوا بالباطل لیدحضوا به الحقّ)(1).

إلاّ أنّ هذا الوضع لم یستمر طویلا، ولم یبق لهم الخیر دوماً، إذ حینما حان الوقت المناسب جاء الوعد الإلهی: (فأخذتهم فکیف کان عقاب).

لکم ـ أیّها الناس ـ أن تشاهدوا خرائب مدنهم حین سفرکم وأثناء تجوالکم... انظروا عاقبتهم المشؤومة المظلمة مدوّنة على صفحات التاریخ وفی صدور أهل العلم، فانظروا واعتبروا!

لیس هناک أفضل من هذا المصیر الذی ینتظر أشقیاء مکّة من الکفار والمشرکین الظالمین; إلاّ أن یثوبوا إلى أنفسهم ویعیدوا تقییم أعمالهم.

إذاً، الآیة أعلاه تلخّص برنامج «الأحزاب» الطاغیة ومخططهم فی ثلاثة أقسام هی: (التکذیب والإنکار) ثمّ (التآمر للقضاء على رجال الحق) وأخیراً (الدعایة المستمرة لإضلال عامّة الناس).

أمّا مشرکو العرب على عهد البعثة النّبویة فقد قاموا بتکرار هذه الأقسام الثلاثة حیال رسول الإسلام (صلى الله علیه وآله) وحیال رسالته، لذلک فلیس ثمّة من عجب أن یهددهم القرآن الکریم بما حلّ بأسلافهم وبمن سبقهم من الأحزاب... نفس العاقبة ونفس الجزاء!

الآیة الأخیرة ـ فی المقطع الذی بین أیدینا ـ تشیر إلى الجزاء الاُخروی الذی ینتظر هؤلاء، بالإضافة إلى قسطهم من العقاب الدنیوی (کذلک حقّت کلمة ربّک على الذین کفروا أنّهم أصحاب النّار).

إنّ المعنى الظاهری للآیة واسع، یشمل جمیع الکفّار والمعاندین من جمیع الأقوام، والآیة بهذا المعنى لا تختص بکفّار مکّة، کما یتصوّر بعض المفسّرین.

إنّ حتمیة العقاب الإلهی لهؤلاء القوم یعود إلى ذنوبهم المستمرة، والأعمال التی یقومون بها بملء إرادتهم خلافاً لرسالة الله... ولکن العجیب أنّ بعض المفسّرین ـ کالفخر الرازی ـ یتصوّر أنّ هذه الآیة هی من أدلة عقیدة الجبر والمصیر الجبری الإلزامی للأقوام المختلفة، ودلیل سلب الإرادة عنهم، فی حین أنّنا لو دققنا فی نفس الآیة مع ترک التعصّب المذهبی جانباً، فسیتوضح لنا أنّ هذا المصیر الإلهی الذی ینتظرهم هو بسبب سلوکهم لطریق الإنحراف المظلم، وبسبب إصرارهم على السیر بهذا الطریق بأرجلهم وبکامل حریتهم وملء إرادتهم.


1. «لیدحضوا» مصدرها ثلاثی «إدحاض» وتعنی الإزالة والإبطال.
سورة غافر (المؤمن) / الآیة 4 ـ 6 أوّلا: استعراض الکفار لقواهم الظاهریة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma