الاقرار بالتوحید فی الباطن والشرک فی الظاهر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 10
سورة العنکبوت / الآیة 61 ـ 66 الشدائد واشراق القطرة:

کان الحدیث فی الآیات السابقة موجّهاً إلى المشرکین الذین أدرکوا حقانیّة الإسلام، إلاّ أنّهم لم یکونوا مستعدین للإیمان والهجرة، خوفاً من انقطاع الرزق علیهم.

أمّا فی هذه الآیات، فالحدیث موجه للنّبی(صلى الله علیه وآله)، وفی الواقع لجمیع المؤمنین، وهو یبیّن دلائل التوحید عن طرق «الخلقة»، و«الربوبیّة»، و«الفطرة»، أی عن ثلاث طرائق متفاوتة، ویریهم أن مصیرهم وعاقبة أمرهم بید الله الذی یجدون آثاره فی الآفاق وفی أنفسهم، لابأیدی الأصنام والأوثان التی لا تضر ولا تنفع.

فتبدأ الآیة الاُولى من هذه الآیات محل البحث ـ مشیرةً إلى خلق السماوات والأرض وتستعین باعتقاداتهم الباطنیة... فتقول: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر لیقولن الله)!

لأنّ من المسلم به أنّه لا عبدة الأصنام ولا غیرهم ولا أی أحد آخر یقول: إنّ خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر حفنة من الأحجار والخشب المصنوعة بید الإنسان.

وبتعبیر آخر: لا یشک فی «توحید الخالق» حتى عبدة الأصنام حیث کانوا مشرکین فی عبادة الخالق، وکانوا یقولون: إنّما نعبد أوثاناً لیقربونا إلى الله زلفى، فهم الوسطاء بیننا وبین الله، کما نقرأ فی الآیة 18 من سورة یونس: (ویقولون هؤلاء شفعاؤنا عندالله).. فنحن غیر جدیرین أن نرتبط بالله مباشرةً، بل ینبغی أن نرتبط به عن طریق الأصنام (ما نعبدهم إلاّ لیقربونا إلى الله زلفى).(1)

وهم غافلون عن أنّه لا تفصل بین الخالق والمخلوق أیة فاصلة، وهو أقرب إلینا من حبل الورید، زد على ذلک: إذا کان الإنسان ـ الذی هو بمثابة الدرّة الیتیمة فی تاج الموجودات ـ لا یستطیع أن یرتبط بالله مباشرةً، فأی شیء یکون واسطة الإنسان إلى الله؟!

وعلى کلّ حال، فإنّ الآیة بعد ذکر هذا الدلیل الواضح تتساءل: (فأنّى یؤفکون) أی مع هذا المال کیف یعرضون عن عبادة خالقهم ویستبدلونها بعبادة مجموعة من الأحجار والأخشاب؟!

کلمة «یؤفکون» مشتقّة من «إفک» على زنة «فکر» ومعناها إعادة الشیء من صورته الواقعیة والحقیقیة، وبهذه المناسبة تطلق الکلمة على الکذب وعلى الریاح المخالفة«للإتجاه» أیضاً.

والتعبیر بـ «یؤفکون» بصیغة المجهول إشارة إلى أنّهم لا قدرة لهم على التصمیم، فکأنّهم منجذبون إلى عبادة الأوثان دون إرادة.

والمراد من تسخیر الشمس والقمر النظم التی أقرها الله تعالى، وجعل الشمس والقمر فی دائرة هذه النظم فی خدمة الإنسان، ومنافعه.

ثمّ یضیف القرآن تأکیداً لهذا المعنى، وهو أنّ الله خالق الخلق ورازقهم، فیقول: (الله یبسط الرزق لمن یشاء من عباده ویقدر له)... فمفتاح الرزق بیده لا بید الناس ولا بید الأصنام.

وما ورد بیانه فی الآیات السابقة من أنّ المؤمنین حقّاً هم وحدهم یتوکلون علیه، فلأجل هذا المعنى، وهو أنّ شیء بیده وبأمره، فعلام یخشون من إظهار الإیمان، ویرون حیاتهم فی خطر من جهة الأعداء.

وإذا کانوا یتصورون أنّ الله قادر، إلاّ أنّه غیر مطّلع على حالهم، فهذا خطأ کبیر لــ (إنّ الله بکل شیء علیم).

ترى هل یمکن لخالق مدبر یصل فیضهُ لحظة بعد اُخرى لموجوداته، وفی الوقت ذاته یکون جاهلا بحالها؟.

وفی المرحلة الثّانیة یقع الکلام عن «التوحید الربوبی» ونزول مصدر الأرزاق من قبله علیهم، فیقول: (ولئن سألتهم من نزّل من ا لسماء ماءً فأحیا به الأرض من بعد موتها لیقولن الله).

فهذا هو ما یعتقده عبدة الأصنام فی الباطن، ولا یتأبون من الاعتراف على ألسنتهم! فهم یعرفون أنّ الخالق هو الله، وأنّه ربّ العالم ومدبره.

ثمّ یضیف القرآن مخاطباً نبیّه (قل الحمد لله). فالحمد والثناء لمن أنعم جمیع النعم، إذ لمّا کان الماء الذی هو مصدر الحیاة لجمیع الحیوانات من رزق الله فیکون واضحاً أنّ الأرزاق جمیعها صادرة من قبله أیضاً.

قل الحمد لله «واشکره»، لأنّهم یعترفون بهذه الحقائق.

وقل الحمد لله، فمنطقنا قوی متین حیٌّ إلى درجة لا یستطیع أی أحد ابطاله أو تفنیده، وحیث إنّ أقوال المشرکین من جهة، وأعمالهم وأفعالهم وکلماتهم من جهة اُخرى، یناقض بعضها بعضاً، فإنّ الآیة تختتم بإضافة الجملة التالیة (بل أکثرهم لا یعقلون).

وإلاّ فکیف یمکن للإنسان العاقل أن یتناقض فی کلماته، فتارةً یرى أنّ الخالق والرازق والمدبّر للعالم هو الله، وتارة یسجد للأوثان التی لا تأثیر لها بالنسبة لعواقب الناس!. فمن جهة یعتقدون بتوحید الخالق والربّ، ومن جهة اُخرى یظهرون الشرک فی العبادة.

ومن الطریف أنّ الآیة لا تقول: «أکثرهم لا عقل لهم» بل تقول: (لا یعقلون) ومعناها أنّهم لدیهم العقول، إلاّ أنّهم لا یستوعبون ولا یتعقلون!

ومن أجل أن یحوّل القرآن أفکارهم من أفق هذه الحیاة المحدودة إلى عالم أوسع من خلال منظار العقل، فإنّه یبیّن فی الآیة التالیة کیفیة الحیاة الدنیا قیاساً إلى الحیاة الاُخرى الخالدة، فی عبارة موجزة وملیئة بالمعانی، فیقول: (وما هذه الحیاة الدنیا إلاّ لهو ولعب وإنّ الدار الآخرة لهی الحیوان لو کانوا یعلمون).

کم هو تعبیر بلیغ وبدیع! لأنّ «اللهو» معناه الانشغال... أو کل عمل یصرف الإنسان إلیه ویشغله عن مسائل الحیاة الأساسیة.

أمّا «اللعب» فیطلق على الأعمال التی فیها نوع من النظم الخیالی، والهدف الخیالی أیضاً، ففی اللعب یکون أحد اللاعبین ملکاً، والآخر وزیراً، والثّالث قائداً للجیش، والرابع ـ السارق أو «الحرامی»، والخامس یمثل القافلة وهکذا، وبعد انتهاء اللعب المؤقت یعود کل شیء إلى مکانته، وکأنّ المسألة لا تعدوا طیفاً.. أو خیالا.. فلا أثر ولا خبر.

فالقرآن فی هذا الصدد یشرح حال الدنیا وحال الآخرة، مبیّناً أنّ الحیاة الدنیا هی نوع من الانشغال واللعب یجتمع الناس فیها وینشدّون إلى تصورات قلوبهم وأنفسهم، وبعد أیّام یتفرقون ویختفون تحت التراب، ثمّ یطوى کل شیء ویغدو فی سلة النسیان.

أمّا الحیاة الحقیقیة التی الافناء بعدها، ولا ألم فیها، ولا قلق ولاخوف ولا تضاد ولا تزاحم، فهی الحیاة الآخرة فحسب... لو کان الإنسان یعرف ذلک، وکان أهلا للتدقیق والتحقیق!

أمّا الذین تعلقت قلوبهم بهذه الحیاة، وفتنوا برزقها وزخرفها وزبرجها، ویأنسون بها، فهم أطفال لا غیر وإن امتدت أعمارهم سنین طویلة.

وینبغی الإلتفات إلى أنّ المراد من «الحیوان» على زنة «خفقان» هو الحیاة، فهذه الکلمة تحمل معنى مصدریاً.(2)

وهذا التعبیر: (وإن الدار الآخرة لهی الحیوان) إشارة إلى أنّ الحیاة الحقیقیة هی فی الاُخرى، لا فی هذه الدار الدنیا ـ فکأنّ الحیاة فی الاُخرى تفور من جمیع أبعادها، ولا شیء هناک إلاّ الحیاة.

وبدیهی أنّ القرآن لا یرید أن ینسى وینفی مواهب الله فی هذه الدار الدنیا، بل یرید أن یجسد قیمة هذه الدنیا بالقیاس إلى الاُخرى قیاساً صریحاً وواضحاً... وإضافةً إلى کل ذلک فإنّه ینذر الإنسان لئلا یکون أسیراً لهذه المواهب، بل ینبغی أن یکون أمیراً علیها، ولا یؤثرها على القیم الأصیلة أبداً.

وفی المرحلة الثّالثة... یتجه القرآن نحو الفطرة والجبلّة الإنسانیة، ونحو تجلّی نور التوحید فی أشدّ الأزمات فی أعماق روح الإنسان، وضمن مثال بدیع جدّاً وبلیغ فیقول: (فإذا رکبوا فی الفلک دعوا الله مخلصین له الدین فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم یشرکون).

أجل، إنّ الشدائد والأزمات هی التی تهیء الأرضیة لتفتح الاجتماعیة «الفطرة» الإنسانیة، لأنّ نور التوحید مخفی فی أرواح الناس جمیعاً، إلاّ أنّ الآداب والمسائل الخرافیة والتربیة الخاطئة والتلقینات السیئة تلقی علیه ظلالا وأستاراً، ولکن حین تحدق بالإنسان الشدائد وتحیط به دوّامات المشاکل، ویرى یده قاصرة عن الأسباب الظاهریة، یتجه بدون اختیاره إلى عالم ما وراء الطبیعة، ویخلص قلبه من کل نوع من أنواع الشرک والکفر، وینصهر فی تنور الحوادث، ویکون مصداقاً لقوله تعالى: (مخلصین له الدین).

وملخص الکلام: إنّه توجد فی داخل قلب الإنسان دائماً نقطة نورانیة، وهی خطّ إرتباطه بما وراء عالم الطبیعة، وأقرب طریق إلى الله.

إلاّ أنّ التعلیمات الخاطئة والغفلة والغرور ـ وخاصة عند السلامة ووفور النعمة ـ تلقی علیها أستاراً، غیر أن طوفان الحوادث یزیل هذه الأستار، وتتجلى نقطة النور آنذاک.

وعلى هذا، فإنّ أئمّة المسلمین العظام کانوا یرشدون المترددین فی مسألة «معرفة الله» ویغرقون فی الشک والحیرة... بهذا الأمر.

وقصّة الرجل المتحیّر المبتلى بالشک فی معرفة الله، والذی أرشده الإمام الصادق(علیه السلام) عن طریق الفطرة والوجدان، سمعناها جمیعاً إذ قال: یابن رسول الله، دلّنی على الله ما هو؟! فقد أکثر علی المجادلون وحیّرونی!

فقال له الإمام(علیه السلام): «یا عبدالله، هل رکبت سفینة قطّ؟

قال: نعم.

قال: فهل کسر بک حیث لا سفینة تنجیک ولا سباحة تغنیک؟!

قال: نعم!

قال: فهل تعلّق قلبک هنالک أنّ شیئاً من الأشیاء قادر على أن یخلصک من ورطتک؟!

قال: نعم.

قال الصادق(علیه السلام): فذلک الشیء هو الله القادر على الإنجاء حیث لا منجی، وعلى الإغاثة حیث لا مغیث».(3)

وفی آخر آیة ـ من الآیات محل البحث ـ وبعد ذکر جمیع هذه الدلائل على التوحید وعبادة الله، یواجه القرآن المشرکین والکفّار بتهدید شدید فیقول: إنّ هؤلاء أنکروا آیاتنا وکفروا بما رزقناهم من النعم فلیتمتعوا بها أیّاماً قلائل: (لیکفروا بما آتیناهم ولیتمتّعوا فسوف یعلمون) عاقبة کفرهم وشرکهم إلى أین ستبلغ بهم؟ وأی ابتلاء ومصیر مشؤوم سیقعون فیه؟!

وبالرغم من أنّ ظاهر الآیة هنا هو الأمر بالکفر وإنکار آیات الله...إلاّ أنّ من البدیهی أنّ المراد منه التهدید... وهذا تماماً ینطبق مثلا على ما لو قلنا لمذنب جان: افعل ما بدا لک من إجرام، إلاّ أنّک سرعان ما تذوق مرارة عملک؟

ففی مثل هذه العبارات، وإن استعملت صیغة الأمر فیها، إلاّ أنّ الهدف من ورائها هو التهدید ولیس الطلب.

والطریف أنّ جملة (فسوف یعلمون) جاءت بصورة مطلقة، فهی لا تقول: أی شیء یعلمون... بل تقول: سیعلمون عاجلا، هذا هو معنى (فسوف یعلمون).

إطلاق الکلام هذا لیکون مفهومه واسعاً ولا یتحدد ذهن السامع بأی شیء فنتیجة الأعمال السیئة هی عذاب الله، الإفتضاح فی الدارین، وکل أنواع الشقاء وسوء العاقبة!.


1. الزمر، 3.
2. أصل الکلمة مشتق من «حیی» ومصدرها «حییان» ثمّ أبدلت الیاء الثّانیة واواً فصارت حیوان.
3. بحار الأنوار، ج 3، ص 41 (الطبعة الجدیدة).
سورة العنکبوت / الآیة 61 ـ 66 الشدائد واشراق القطرة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma